الدكتور مصطفى رمضاني يناقش موضوع " نقد النقد المسرحي المغربي” بإصداره الجديد/ بشرى عمور
ضمن الأنشطة الموازية لفعاليات الدورة السابعة لمهرجان المسرح العربي بالرباط (10 ـ 16 يناير 2015) نظم حفل لتوقيع الإصدارات الجديدة التي احتضنها بهو مسرح الوطني محمد الخامس وكان من بينها حفل توقيع كتاب:”نقد النقد المسرحي المغربي” للناقد و الباحث الدكتور مصطفى رمضاني الصادر حديثاً عن منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة،سلسلة رقم 31.
في كتابه « نقد النقد المسرحي المغربي »، يقدم رمضاني قراءة في القراءات النقدية للمنجز المسرحي، والتي يطلق عليها عادة نقد النقد وهي عملية تندرج ضمن ما نسميه بإدراك الإدراك. وذلك في 133 صفحة من القطع الوسط، حيث يتضمن الكتاب مقدمة، وخمسة فصول حملت العناوين التالية: «مستويات القراءة في النقد المسرحي المغربي»، و«تحولات النقد المسرحي المغربي: من الشفوية إلى سلطة النظري»، و«المكونات التقنية والجمالية للعرض المسرحي»، و«المقاربة الدراماتورجية للنص المسرحي»، و«تداول التناص في النقد المسرحي المغربي».
ويقول رمضاني في مقدمة كتابه : « هل حقق النقد المسرحي المغربي ما يكفي من التراكم ليكون مادة للنقد حتى نتحدث عما يطلق عليه عادة اسم نقد النقد؟ سؤال قد يبدو وجيها في ظل تاريخية المسرح بالمغرب وما رافقها من حركة نقدية، يعرف الجميع أنها لما تتجاوز عقدها الرابع أو يزيد قليلا. وهي فترة قد لا تسمح بترسيخ ظاهرة فنية بما فيه الكفاية، ناهيك عما يلحقها من متابعات نقدية مهما كان حجمها أو نوعها وقيمتها العلمية طبعا.
ولكن في مقابل ذلك نطرح سؤالا موازيا مفاده: هل من الضروري انتظار تراكم محدد ليكون مادة للدرس النقدي؟ ألا يمكن أن نسترشد بالقولة السائدة: ما لا يدرك كله لا يترك بعضه ـ أو جله كما جاء في رواية أخرى ـ؟
ومع ذلك نعترف منذ البداية بأن ما تحقق من مادة النقد المسرحي المغربي كاف من حيث الحجم والنوع ليكون موضوعا للتأمل والدراسة. فقيمة ما يكتب لا يوزن بميزان الكم والحجم، ولكن بميزان الكيف والنوعية. وما تحقق من ذلك التراكم النقدي هو في الأصل نتيجة للتراكم الذي عرفه الإبداع المسرحي المغربي. وهو تراكم يعرف من الغنى والتنوع ما يؤهله ليكون ضمن طليعة الريبرتوار المسرحي العربي رغم قصر عمره إذا قورن بصنوه المشرقي. فهو متنوع في شعريته وحساسياته الفنية والفكرية، حتى لكأنه يختزل تجربة المسرح العربي برمتها.
ولما كان النقد في أصله ملاحقة للمنجز من الإبداع، فقد كان طبيعيا أن يلاحق النقد المسرحي المغربي ذلك المنجز الإبداعي، سواء ما تعلق منه بالكتابة الدرامية، أم ما تعلق بالكتابة الركحية، ويستحضر ذلك التنوع والغنى ليكون له رديفا من حيث المتابعة، وفاحصا وموجها وناقدا من حيث المقاربات والقراءات. وفي كلتي الحالتين يحضر التنوع والغنى في الرؤى النقدية والمناهج والآليات. وهو ما نتج عنه رصيد نقدي غني بتنوعه، هو في الأصل صدى لغنى ذلك الرصيد الإبداعي المسرحي المغربي نفسه.
والكتاب الذي نقدمه اليوم هو ملاحقة ثانية للملاحقة النقدية الأولى: أي هو ملاحقة للملاحقة، أو قراءة في القراءات النقدية للمنجز المسرحي. وهو ما يطلق عليه عادة نقد النقد. وهي عملية تندرج ضمن ما نسميه بإدراك الإدراك. فإذا كان النقد المسرحي هو بمثابة إدراك أول للعملية المسرحية، فإن نقد النقد المسرحي هو إدراك لذلك الإدراك، مادام ناقد النقد مطالبا بأن يكون ناقدا مركبا. فهو ينقد النقد الذي أنجزه النقاد المسرحيون؛ ولكنه ليكون مؤهلا لهذه العملية، عليه أن يكون هو في الأصل ناقدا. وليكون ناقدا عليه أن يكون على دراية بكل أمور العملية الإبداعية التي تخص عالم المسرح. وهو عالم ـ كما نعلم ـ يتميز بطابعه الإشكالي مادام المسرح هو أب الفنون، يختزل كل الفنون والعلوم واللغات البصرية والحركية والسمعية. ومن هنا تزداد مهمة ناقد النقد المسرحي تعقيدا وصعوبة.
ونحن نتحدث عن التنوع والتعدد في النقد المسرحي المغربي، نعترف منذ البداية أنه عبارة عن فسيفساء من المقاربات والقراءات التأسيسية التي لا تسمح بالحديث عن مدارس أو اتجاهات أو حساسيات نقدية واضحة المعالم. فالنقد المسرحي المغربي ما يزال في حالة التأسيس كما نعتقد، ولم يصل بعد إلى مرحلة استقرار المناهج والمدارس النقدية الواضحة المعالم. وهي فسيفساء تتراوح بين النقد الصحفي العابر، والدراسات التاريخية التي تؤرخ للحركة المسرحية المغربية، أو تلك التي تلامس النص المسرحي باعتباره أدبا ولا تتعداه إلى ما سواه، ثم النقد الأكاديمي الذي يتميز في عمومه بصرامة آلياته الإجرائية والمنهجية، وأخيرا بعض المحاولات القليلة التي تسترشد بالمناهج الحديثة لمقاربة العرض المسرحي المنجز.
ولعل ما يغلب على هذه الحركة النقدية ـ الفسيفساء ـ رغم غناها وتنوعها، أنها تنحاز في مجملها إلى ما نسميه بالنقد النظري. لهذا نجد أغلب النقاد المسرحيين المغاربة يعالجون قضايا وإشكاليات تهم المسرح بشكل عام، كالتأصيل والتأسيس والحداثة والتجريب ونحو ذلك، أو تدرس قضايا ومكونات تهم العمل المسرحي بشكل مجزئ وخارج سياق العرض المسرحي، كأن تتحدث عن النص، أو الإخراج، أو الجسد، أو التشخيص، أو الجمهور ومسألة التلقي، وهكذا دونما تركيز على بناء العرض وجمالياته الداخلية من حيث هو فرجة متماسكة العناصر والمكونات.
وفي سياق التركيز على القضايا النظرية في النقد المسرحي المغربي، برز بشكل لافت للانتباه نقد نظري كان سببا في تحريك عجلة النقد المسرحي المغربي والعربي على حد سواء؛ هو التنظير المسرحي. فلا يمكن أن تمر على النقد المسرحي المغربي دون الوقوف عند محطة التنظير. فهي محطة فارقة في تاريخ المسرحي المغربي: إبداعه ونقده.
والملاحظ أن النقد والتنظير في المغرب متلازمان تلازم النقد والإبداع نفسه. وكثير من المنظرين المغاربة هم في الأصل نقاد ومبدعون. لهذا تحضر هذه الصفة الثلاثية ـ الإبداعية والنقدية والتنظيرية ـ لتمارس تأثيرها على حركية النقد المسرحي المغربي. وكان من اللازم استحضار هذا المعطى ونحن نستقرئ تجربة النقد المسرحي المغربي من منطلق نقد النقد.
وما ينبغي التنبيه عليه أخيرا أننا في هذا الكتاب نقدم استقراء عاما لحركية النقد المسرحي المغربي برؤية مجردة تحكمها الخبرة الأكاديمية والتجربة الميدانية، طبعا إلى جانب لذة القراءة المتأتاة من عشق المسرح وهوايته. ولعل ما يشفع لي لأتحدث بلسان نقد النقد، أنني أحد المخرطين في حرفة النقد بصفتي أستاذا أكاديميا أدرّس المسرح والنقد المسرحي بالجامعة المغربية، وأمارسه بصفتي مهتما ودارسا بحكم الانخراط في الفعل الثقافي، وأولا وأخيرا لأني أمارس المسرح ـ وما أزال ـ: تشخيصا ثم كتابة وإخراجا وإدارة، منذ أن كنت شابا يافعا لم يتجاوز عقده الثاني. ولعل هذه التجربة المتواضعة قد تشفع لي في أن أتحدث عن قضايا نقد المسرح المغربي وبعض إشكالياته من زاوية نقد النقد”.