نص مسرحي:" رسالة معلم الجغرافية في…"/ تأليف : حسن الغبيني

مكان قديم محطم واضح عليه اثأر حروب ودمار يتفشى في كل مكان ، ثمة زاوية تشبه الحجر الذي تحتمي به الكلاب معزول … رجل في الأربعين قد حشر نفسه فيه

[quote bgcolor=”#eda053″]
المشهد الأول:
( مكان قديم محطم واضح عليه اثأر حروب ودمار يتفشى في كل مكان ، ثمة زاوية تشبه الحجر الذي تحتمي به الكلاب معزول … رجل في الأربعين قد حشر نفسه فيه، ثمة خرائط موزعة في أمكان متعددة، أسماء ومدن مكتوبة على علب من كارتون معلقة منتشرة في المكان. المعلم يزحف ويخرج من زاويته يترقب الزاوية مذعور وخائف أنه يبحث عن أشياءه الموزعة في المكان يسجل في دفتر صغير أسماء مدن يلتقط من الأرض علب كارتون مكتوب عليها أسماء مدن خرائط جغرافيات مختلفة إنه يتفحصها بدقة وبدء بترتيبها ووضعها في مكان هو يعرفها مكتوب فيها أسماء، أفغانستان، كنده، السنغال، وجزر الكاريبي، السماء ومدن عديدة من ما يدل على إنه رجل معزول أصلبه الجنون وفتكه به العوز، ثمة جرس عتيق مربوط في رقبته وحين ما يطرق الجرس يسمع صوت أولاد وأناشيد تثقله غالى جو الدرس حينها يصرخ فتصمت الأصوات.
[/quote]


 
المعلم : الدرس  (( يطرق عدة طرقات على الجرس، انتبهوا كل شيء يتحول يتغير ثم يزول (( ينظر إلى جهة ما )) أش لا احد يتحرك، لا تتقافزوا كالحمقى سنبحث سوية عن المدينة العتيقة لمعلم الجغرافية الذي أزال بيدا” كومة التربة التي غطتها التضاريس وباليد الأخرى المرتجفة راح يخط المناطق التي اكتشفها. ما هذه الأصوات المزعجة، افتحوا عيونكم جميعا” جيدا” ترصفوا ضعوا ثقتكم بي ( يلتقط مرآة من الأرض ) ثم يتفحصها ينظر إلى نفسه وقد (( راعه شكله ثم يخاطب نفسه )). هذه بعض أشياءك انظر تفحص وجهك بالمرآة ( نعم هذا هو أنت ، ينظر إلى نفسه يكشر عن أسنانه هذه نظراتك وهذه أوراقك ويظل يبحث عن الأوراق، نعم تذكرت، الأوراق، أين، نعم بالتأكيد هذه هي أوراقك يبدأ يقرأ …… ارسم ألوان  طفولتي على الجدران.. اركب رأس الفجيعة.. آه أنها غرفتي تشبه فوضاي ومنفاي (( يرمي الورقة )) هراء ما تقوله له أيها الأبله. الغد مثل البارحة . سأربح العالم بلعبة قمار وافجر أقماري الصغيرة، على شرفة اليتيمة.. أبصر بؤس المدينة من.. أنها أطلال من بقايا حروب لعينه. القمر جميل، الغد ترى من الذي يحمله لنا الغد مثقل بالهموم مثل هاويتي قلبي.
المعلم : نعم ، نعم  تلك هي كلماته وهذه هي بقاياه ( يأخذ ورقة أخرى ويقرأها ) أنا الوديع الذي رأى في نومه غزالة تشبه القمر وهمت بالحقول موزع عمرك بين الشظايا والحدود لاشيء جديد في المأساة ما يحدث اليوم حدث البارحة لك وحدك أرسل جوعي أنا وحيد مثل خشبة سأرسم حمقى ملونين ارسم لون الدم، ارسم مدنا” ملونة بالفجيعة والرماد، ارجعوا طفولتي فأنا الفرح المسمر في الهاوية (( يقف مذهول ينظر إلى نفسه يخاطبها)).
المعلم : ليست هذه أوراقك وهذه خرائطك، خططتها بيد مرتجفة، المناطق التي اكتشفتها وهي المزابل، الأولاد يضحكون كفى … انتبه يا ولد انه الدرس (( يكتب على السبورة للمزابل قصة أين نقراها يا أولاد ؟ … الأولاد يضحكون ، قلت لكم كفى ، أنت.
التلميذ : ( نعم ))
المعلم :أين نقرؤها يا ولد
التلميذ : في النفايات
المعلم :نعم في النفايات ، جيد نعم أنت ، أنت الذي في الزاوية
التلميذ الخامل : يبكي نعم يا أستاذ
المعلم :أين نقرؤها يا ولد
التلميذ الخامل: لا  أعرف
المعلم : ماذا تقول ؟لا تعرف
التلميذ الخامل :لا اعرف
التلميذ الخامل :نعم
المعلم:أذن ماذا تعرف، الضحك، مو، كسلان، اقعد، وأنت أيها الغبي، أنت الذي تتثأب، ما نايم مو، كوم، لا تعرف غير السخافات والتهريج، معلما” صعد فوك معلما” نزل جوه، التلاميذ يضحكون، كفى، تريدون مني أن الظل اردد نشيدكم السخيف هذا، هيا ابحثوا من جديد، عسى ان تجدوا اشياءا” ، واشياءا” … واشياء. (ال ))المعلم يبحث في الحاوية )) ((يلتقط أشياء ويرميها )) هيا مد يديك والتقط أي شيء تقع غليه عيناك  (( يتخيل نفسه مثل قائد عسكري ))  ابحثوا هنا … بل هناك لا … لا هنا ابحثوا ايضا” … قلت لك في تلك الزاوية ايها الغبي .. تراصفوا جيدا”
المعلم :ما بك ..
التلميذ الخامل : لقد وجدته
المعلم : ماذا وجدت؟ التلميذ الخامل: كائنات مجهريه
المعلم:ماذا تقول، كائنات مجهريه  هنا،  وفي هذه الجهة من الأزبال ((يقترب المعلم يأخذها بيديه ،،ينظر إليها أنها تتزاوج ) مرحا … مرحا …ها آنت (( يكلم الكائن المجهري )) احكي لي عن تاريخ وجودك منذ اللحظة التي انبثقت فيها حتى هذه اللحظة التي تكورت فيها امامي ، مااسمك؟
الكائن المجهري : طحلب
المعلم : ماذا تقول ، طحلب؟
الكائن المجهري: أي طحلب وهل يوجد غرابة في ذلك
المعلم :كلا ولكن الا تخجل وان تحشر نفسك في هذه الزاوية ،وتتزاوج هنا أمامنا
الكائن المجهري:اليوم هو عيد ميلادي
المعلم : حسنا” ياولد سنحتفل اليوم في عيد ميلاد .. مااسمك
الكائن المجهري : قلت لك طحلب
المعلم: حسنا” انت جديد هنا ،نحن هنا نرحب بكم وسوف نعلمكم اشياء واشياء حسنا” لنرقص ونحتفل (( يبدأ الطلاب والمعلم الذي يتخيلهم يرقصون حتى يتعب المعلم ثم يسقط وينظر الى نفسه وحيدا” ومحشورا” في زاوية حيث يعيد توازنه نعم ياولادي سوف تجدونني هنا .. وانت ايها الطحلب سوف ابقي الموضوع سرا” بيننا .. انا هنا معلم الجغرافية ، اين ذهبوا ؟ لااحد هنا .. ارجعوا لي … عودوا انا معلم الجغرافية الذي تقاعد من الخدمة منذ أكثر … لا اذكر كم سنة وأنا هنا ولكن أحس أن عمري أكثر من مئة سنة وربما مائتان أو أكثر لا اعرف كم من السنوات  او السنين وانا ارسم خرائط لم يألفها الآخرون .. حسنا” ( ينهض ) ينتفض حول نفسه )) سأغير وجه التاريخ ، هنا في مستودع النفايات .. ( انه يظل يهذي ثم ينتحب ويمضي وينكمش في زاويته ) ، ما هذا ؟ انه دبيب النمل ، يتسلق خطواتي انه ، انا دبيب النمل حين يلج في كل مكان يدخل زاويته بينما الظلمة تلج المكان ويخيم السكون والصمت ليبتلع كل شيء .
 


 
[quote bgcolor=”#eda053″]
المشهد الثاني:
(الظلام يحيط بالمكان المعلم نائم، بقعة ضوء تنير وجهه الشاحب يبدو عليه التعب، لذلك فهو ينام نومة طويلة، فجأة .. يدخل عليه الغراب انه لم يعد يميز بين الحلم والواقع .
[/quote]
الغراب:( يتقدم نحوه) العالم قمامة كبيرة لا احد يفلت من قبضة الغراب بيضة العالم بيدي ، باض العالم ففقس بيضة هو أنا
المعلم : من أنت؟
الغراب : أنا هل نسيتني ، أم أراك هرمت وأصبحت عجوزا”
المعلم : لا افهم ؟
الغراب :يبدو ان الزمن قد شاخ بك،  فلم تعد تعرف الحقائق
المعلم: ( يمعن النظر فيه ) أنت، لا يمكن ان تحرق  تأريخي (( يحاول النهوض))
الغراب :عد الى مكانك فأنت جزء من أشياء محطمة،  كل شيء عاد لي اصبح ملك لي
المعلم :هذا هراء  نعم هراء تذكرتك، أنت  نعم أنت تحمل نعي العالم  تنق في هذا الخراب الذي يطفوا، مثل جثة يتسرب العفن فيها  أنها علامات التفسخ تتغلغل في دواخلي ألا تعرف إن الحمقى يجب أن لا يحكموا العالم
الغراب: كل شيء انتهى، انه التحول والزوال الم تدرك ذلك جيدا” انه الطوفان
المعلم :الطوفان لعبة أمريكية سوف احرق زمنك
الغراب :مكانك هو ذلك الزمن الراكد
المعلم:لا لن تستطيع أن تسد النبع الذي غرف منه الأنبياء والقديسون ليدفعوا البؤس عن العالم
الغراب:ما جدوى الأنبياء والقديسين، مادام الفساد يلتهم روح العالم
المعلم :سأحرق كل تأريخك
الغراب:الموتى لا يحكمون ((ينهض المعلم ليتشابك مع الغراب ليتصارعان، يعمل المعلم على مسك الغراب من رأسه ليضعه في بركة ماء
الغراب: (يدافع عن نفسه ) هذا هراء أنت لا تستطيع
المعلم :في التبعثر أطياف تنتعش ادعوك لقراءة سورة الفاتحة كي يرقد الجسد بسلام، الموتى لا يحكمون، المعركة القادمة لنا، نحن الذين جردونا من وسامتنا، مدمنون مقاهي الجوع، والألم، من يدفع لي رغيف خبز ويأخذ جميع خرائطي
الغراب: سأزرع حمقى بلون الدم ومدنا” بلون الفجيعة والرماد
المعلم : في الوضاعة يكمن سر وجودك، لن تستطيع ان تقاوم، لا يجب ان تتناسل البرك والمستنقعات
الغراب: كل شيء خاضع لي، هذه مملكتي ومنفاك، هاهي هذه أسمالك بالية، كل ما صنعته يداك أصبح لي، لا شئ تفعله سوى الألم والدموع لتتناسل البرك والمستنقعات
المعلم : لا لا يمكن ذلك نافذة روحي لن يسطو عليها الحمقى واللصوص أورام العصر تنمو في داخلي فلتنفجر الصعاليك والفقراء.
الغراب: ا لك من أحمق، لقد انتهت طفولة الأرض  كل شيء هنا ينطق  بأسمى، جذوري عميقة، أنها أعمق من دواخلك المجهولة، يالي روحك الهائمة بين أطلال الماضي، هو ذا التاريخ ركام، ماذا تملك يا هذا ؟ حفنة كلمات جائعة إنها عاجزة على أن تنقذ روحك
المعلم :سوف اقتلك أيها المغرور
الغراب: لا تستطيع هزيمتي
المعلم: كل شيء سيوضح ساعة ظهور الطيف، ألوان مبهجة النظر ستشرق عندما تتوهج حرارة الشمس ( يشتد الصراع في ما بينهم ))
الغراب: سألهب جلدك في كل سياط الأرض، أنا الليل بطوله أنا الألم، أيتها الأرض لوكل أبناءك سجدوا لي لما ارتويت (( يشتد الصراع وتعم الفوضى كل شيء يتقافز ويدمر، يسقط الغراب ويختفي في البركة، يقفز المعلم من النوم وهو في عزلته ليرى أن الشمس قد أشرقت يلتفت ويفتش المكان عن الغراب، ثم يمسك رأسه ثمة صداع وآلم الم فيه ، ينظر إلى الساعة) .
المعلم : إنه الدرس، نعم الدرس، سنذيع عليكم نتائج الامتحانات انتبه جيدا” آنت ما اسمك، نعم اسمك، تكلم بصوت واضح، صفر وأنت (( يشير إلى احد الطلاب) ماذا تقول، ابرك قد أجرت له عملية بروستات وأنا، ما شاءني أنا، صفر، وأنت، وأنت الذي في الزاوية والدك ما به، خرج منذ عشرين سنة ولم يعد، صفر، وأنت  يا روح أمك، نعم، نعم، صفر .. صفر  .. صفر، ثم يقف مذهولا تعتريه الحيرة .. نعم، لا مستحيل، ليس من المعقول، هذه ورقتي أنا معلم الجغرافية يضحك ما لذي أتى بها إلى هنا، صفر، كل شيء صفر، ملاعين، ما هذا الحشد المتقدم نحوي بينما تتساقط عليه القاذورات وهو محشور في زاويته يحاول أن يدافع عن نفسه لا، لا أحد يفعل ذلك لا أحد يسلك والعلب الفارعة طريقا” مستقيم لا أحد يقدر أن يسلك طريقا” مستقيم نعم هم لولا، اسمعوني، وغدا” سوف تفهمون أن ما قوله هو الحق، سأمطركم  با الأحزان، سأمطركم بالدموع ما هذه الحرارة التي لا تفارق جسدي، أنا الوحيد القابع بالزاوية الزاوية التي لا قيمة لها ( السماء تبدآ تمطر تنهار قواه، زخات   المطر) إنه الطوفان ( يضحك ) نعم إن ما أقوله هو الحق، يتربع على قمة المكان،  أيها المطر اخبر السماء إنني صاعد إليها، محال ما تريدونه مني محال لاشيء يبقى كما هو  هو التحول والزوال. ( يشتد المطر غزارة ويبقى المعلم يزحف يلتقط أدواته يمسك عصاه) إنه الدرس، للقمامة قصة أين نقرؤها يا أولاد نقرؤها في الريح كما نقرؤها في النفايات حينما تهب لتدفع كل شيء تحدثنا القمم أنها كانت يوم ما ارض” مستوية، تجمعت حتى علت وارتفعت، مد يديك والتقط أي شيء تراه عيناك حين تمعن النظر فيه سوف يحكي لك تاريخ وجوده من أللحظه  التي ولد فيها حتى اللحظة التي تكوره فيها أمامك ( يسقط المعلم ثم يزحف يحاول أن يشق طريق في الوحل الذي خلفته الإمطار .. إنه يغرق فلا تظهر سوى يده وهي تحاول أن تقول لنا شيء  من خلال لغة الإشارة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت