نص مسرحي:"تالي الـلـيل" / تأليف: رشـا فاضـل

المكان: فضاء أظلم تعلو بالتدريج اصوات غناء عرس فتضاء اضوية الاعراس المعلقة تباعا وتستمر لعدة دقائق، ليضاء المسرح بالاضوية الملونة المعلقة على الحبال ويكون مؤثثا بكوشة اعراس تتسلط عليها الانارة (فلاش) بحيث لاتظهر بوضوح، ولايمكن للجمهور رؤية الجالسين عليها، فقط ايحاء للجمهور بوجود عروسين يجلسان في اجواء العرس البهيج.
الزمان : الان أو أي زمن آخر
الشخصيات: امرأة متوسطة العمر
** الفصـل الأول
المشـهد الأول:
تعلو  اصوات عرس وأغنيات وأجواء عرس تستمر لدقائق تتداخل مع الأضوية الملونة المعلّقة على المسرح، حتى تخفت بالتدريج ليبرز بوضوح ضوء ليزري يتجول في ارجاء المسرح مع استمرار اصوات الغناء حتى يستقر على جسد العريس الافتراضي والذي يمكن ان يرمز له ب(كوشة العرس) عندها يخفت صوت الغناء ، ليعلو صوت الرصاصة لتعلو اصوات صراخ وعويل في الأرجاء مع اصوات اسعافات وتكبيرات بعد برهة يمكن الاشتغال على هذا المشهد بشكل اكثر تفصيلي من خلال السينوغرافيا وادخال دلالات اضافية دون الاستعانة بأي حوار او شخوص.
(ينتهي المشهد)
المشهد الثاني:
المسرح عبارة عن قسمين، القسم الأول مزار تتعلّق على جدرانه النذور المعقودة بألوان شتى وتفوح رائحة البخور منه ويكون مفروشا بسجاد اخضر وستائر خضراء مسدلة على أجزاء من الجدار، الجانب الأيمن وفيه جدار مغطى بسجاد اخضر ومنقوش يشبه سجاد المزارات وتفوح من فوقه الابخرة وتتعلق عليه النذور وحوله الشموع .تقابلها جدران قديمة تمثل المزار أيضا عارية من أي غطاء وتنعقد عليها النذور ايضا وخرق من القماش، وصورة لمرشح انتخابي ممزقة من الاطراف وصورة لاعلان تجاري نصف ممزق وكتابة بخط يد ذكرى شخص مع شخص آخر، وأسفل الجدار قطع وأوراق نقدية.
القسم الثاني يكون قاعة أعراس وأضوية أفراح معلقة وزينة ولكنها تبقى مظلمة ويتركز الضوء فقط على قسم المزار.
أمام الجدار المغطى بالسجاد تجلس امرأة ترتدي شالا أبيضا وملابس بيضاء، تتجه صوب الجدار وتدعو وتتطلع للأرض و تدمدم: لا تكفون عن رمي نفاياتكم من السماء حتى وأنتم تدعون ..تطلبون الرحمة من السماء وأذاكم بهذه الأرض نازل .. سياتي اليوم الذي تبصقكم فيه دون هوادة بل تتقيأكم هكذا ( تمثّل كمن يتقيأ.. تبدأ بتنظيف الأرض من الأوساخ وبقايا الزوار، تصمت برهة وهي تتطلع للنذور المعقودة على الجدران فتبدأ تفكها الواحد تلو الآخر ويزداد تذمرها وهي تحاول أن تفك إحداها المعقودة بقوة) سأفتح عقدتك مهما كانت قوية، هكذا.. هكذا، سافتحها عقدة الوهم والموهومة التي تأتي كل صباح لتعقد أمنياتها عليك لُتنزل طفلها المعلّق بالسماء، موهومة وغبية أخرى .. يال هذه العقدة الملعونة ( تتعب من محاولاتها المتكررة لفك العقدة ) سأفتحك .. هكذا .. اني اصل لعقدتك .. هكذاااا ( ترتمي يديها في الهواء من التعب دون ان تقدر على فكّها) يال هذه العقدة الملعونة كأننا لم نكتفي من العقد التي ربطت حياتنا، ماذا تظن صاحبتك انها فاعلة بهذه الخرقة؟ لماذا عقدتها بهذه القوة هل خشيت أن تسقط من الجدار وهو يشق طريقه للاعلى ليوصلها للسماء؟ : (تخرج النذور من سلة المهملات وتخاطبها) ماذا فعلت هذه الخرق الخضراء غير سرقة أعمارنا وتبديدها في الانتظار؟ ( تضرب الجدار وتلصق رأسها عليه وتهمس ) لم تكن الحياة صديقتنا ذات يوم .. لهذا تعلّقنا بأحجارك .. أايها الأصم ذو الاحجار الخرساء وحدي (تالي الليل) سمعت قهقهتك الساخرة من الخرق المعلقة عليك والآمال المعقودة على أحجارك ..في تلك الليلة ضحكت كثيراااا وأنت تتذكر ماجال في يومك المكتظّ بالأسرار.. تلك الفتاة التي عقدت النذر على جسدك وهمست في قلب أحجارك (اجعله نصيبي واجمعنا معا ولاتفرقنا حتى الموت) بعدها بأيام قليلة عادت إليك لتفك نذرها وتستبدله بخرقة أخرى وأمنية أخرى لكن هذه المرة بنشيج يشبه عواء الذئاب الجريحة، ذلك البكاء الانساني المستذئب الذي أعرف لوعته تماما، تلك الآهة الصاعدة من أقاصي الجرح حتى أبعد شهقة في السماء وفيها يبدأ شريط نزفك ينزلق أمامك لتصبح المشاهد والشاهد على جرحك او موتك ( اللهم احرق قلبه كما احرق قلبي) على الأرجح يومها بقدر مابكت تلك الذئبة الجريحة ضحكت أنت، فقد سمعتك بكامل وجعي الذي استفاق من تابوته في تلك الليلة، بهاتين الأذنين سمعتك (تمسك أذنيها وتخاطبه) بكامل وعيي سمعتك .. لم يكن ذلك خيطا آخر من الجنون .. ومن يومها تكفلت بجمع أحلامهم المعلقة على جسدك لكي لاتداهمها، لكي أحفظ قدسية حزنها .. وتلك الدمع الحبيسة .. سخرية أحجارك أنت لست سوى غادر آخر ..وأولئك الموهومون يتصورونك جدارا قادرا على أن يسند وقوعهم وحبل نجاة ينتشلهم من بحر أحزانهم وخيباتهم وحدي أنا المركونة هنا في إحدى زواياك المنسية أعرف الحقيقة (صوت أحجار تسقط على الأرض مع موسيقى غاضبة دخان من الأرض )
الجدار: لستِ سوى جاحدة أخرى مثلهم تطالبوني أن أكون جدارا يسند وقوعكم وتتهمونني بالتحجر والقسوة يال فوضاكم المرعبة لو تقرأي نذورهم على جلدي لعرفتي سبب تحجري.
( بارتباك وخوف تبتعد عنه) كنت واثقة مما سمعت في تلك الليلة.. قهقهتك الساخرة من دموع تلك المرأة لم تكن خيالا موحشا من خيالاتي. ماذا تنتظرين من جدار قضى عمره مصلوبا كما الأمنيات المعلّقة على أحجاره..تلك المرأة لم تكن سوى قتيلة تعرج أمام كسيح (بخوف تبتعد عنه) بل ذئبة جريحة أوت اليك في لحظة انكسار وحزن كثيف..تماما كالبشر . .. ونست أن قلبك من حجر حجرررر.. بغضكم لبعضكم والشِباك التي تتقنون حياكتها لبعضكم.
هي التي جعلت قلبي حجر. حتى اني اتواطأ كل مساء مع أصابعك المتيبسة وهي تلملم النذور والأحلام ، تكنسيها عن جسدي بملمس يشبه أحجاري تماما ..
ها أنت ترين بأنني لست وحيدا في هذا العالم المتحجر ..
(تتطلع الى النذور التي تجمعها في سلتها بارتباك ، تخرج بعضا منها (
-أنا احافظ عليها من تلك الضحكة الساخرة فهي ضحكة بمرتبة رصاصة ..
(يقاطعها): لكنها لاتشبه الرصاصة التي جائت بك هنا منذ عمر. حيث ظللت روحك الكسيرة بهذه الأحجار التي تلعنيها الان.
(ترتبك وهي تنظر اليه مذهولة كمن يكتشف سرا، تسقط سلّة النذور من يدها وهي ترجع للخلف) اصمتي أيتها الأحجار اللعينة المسكونة بالأرواح الشريرة. ..أعوذ بالله منك (تقرأ آيات وتتمتم بالأدعية وهي تبتعد عنه).
من الذي آوى أوصالك المرتعدة في تلك الليلة التي انقلبت أفراحها نحيبا؟
تصمت ذاهلة .. ترتجف .. تلهث .. تعود للوراء .. تسقط على الأرض وبقعة ضوء تلاحقها :
كنت ابحث بين أحجارك عن حظن طيني ضاع مني في زحمة الرصاص والخوف –
وكنت ابكي كل ليلة لأبلل احجارك بدعائي وبكائي لعلك تعود فتتشكل بذلك الوجه الماثل بين أحجاري المتراصّة في هذا الهيكل العظمي من جديد ، السنا من طين وماء؟
طين ومااااااااء؟
تأخذ الدلو الذي كان قربها وتسكب الماء فوق جسدها وهي تردد طين ومااااء .. سنوات وانا ابلل هذه القامة الحجرية لتستعيد طينها الحرّي بلا جدوى وروحي الحبيسة بين هذه الاحجار لاتقوى على الانفلات من قبضتها ولا على استعادة رائحة طينها ، واثبة كرمح حرب صديء في ساحات الكذب ، جثة من أمل لايدركه اليبأس او الزوال في قلب الجمر، وفي القلب جمر كثير كثير ايها الجدار ايها الحجر روحي تتكسرفوق اسفلتك وانت تداهمني بكل هذه الأحجااااااااااااار
(يعود صوت ذلك العرس، تختفي بالتدريج بقعة الضوء عنها لتضاء وسط المسرح .اضوية ملونة بنفس أجواء العرس مع الأغنية ذاتها التي تستمر لبعض الوقت، فتظهر بثوب ابيض جميل تتحدث مع خلفية الموسيقى الصاخبة تتمايل معها بتناغم وانسجام. بعدها تتعثر خطواتها فتتوقف عن الرقص)
ـ كانت هذه موسيقى انعتاقي، لكن كاتبة هذا النص الذي تشاهدونه الآن ما إن عرفت بأن حكايتي مشابهة لفكرتها التي لم تكن جديدة على الإطلاق حذفت النص الحقيقي واستبدلته بنص فارغ أجوف وتافه مثلها تماما، فقررت إقصائي لأجدني الآن حاشية مهملة في الأسفل .. وكنت أنا، لكن .. كما ترون .. أنا الآن حرة التصرف .. حرة البكاء، لا أحد يملي علي أدواري، منذ أن خلق وهم يضعون لي الأدوار تباعا ويصادرون صوتي .. أا خرساء أخرى .. مثلكم تماما، أقول ما تلقنت على قوله فيما يتساقط صوتي في الداخل .. فقد حرمونني نعمة الكلام وعلمونا الكلام الذي لا يقول شيئا والصوت الذي لا يكون الاصدى لهم جميعا، الآن أنا اضربهم جميعا عرض ذلك الجدار الأخرس .. أنا حرة تماما .. حرة البكاء .. حة الضحك .. أمد لساني لهذا العالم الذي لم يكن صاحبي يوما .. ولا احد يحدد لي أدواري … منذ أن انتهى دوري في هذه الحياة، دوري الذي كان على وشك أن يبدأ لولا تلك الرصاصة. منذ أن انتهى دوري في هذه الحياة أصبحت مفلسة والمفلس شجاع فليس لديه ما يخسره ( يعلو صوت المخرج خلف الكواليس بغضب، تستدرك وتستدير نحو أحد جوانب المسرح فتخاطبه خلف الكواليس) أكاد اسمع شتائمك وأنت تحاول ان تقنع (اسم ما لمساعد المخرج الافتراضي) بأن يسدل الستار، شرارة غضب عينيك تطالني حتى وأنا على الخشبة، ضحكت عليّ كثيرا حين اقترحت عليك ان نترك النص الورقي المجمّد في علب السرد والسردين وأن نفترش هذه المنصّة بوجع حقيقي غير معلّب، فما يخرج من القلب يدخل إلى القلب ومايخرج من الدمع يذهب إلى الجرح وما يخرج من الورق يذهب بخطى ثابتة الى سلة النسيان، أمنح هذا الحضور لحظة صدق ليقفوا الآن أمام مرايا وجعهم وجراحهم المستترة خلف هذه الملابس الأنيقة التي تخفي الكثير من الخيبة.. انا امنحهم اللحظة جرعة استشفاء وتطهير لن تتكرر لأعمار قادمة فأنا امنحهم الحق برؤية نزفي الذي يشبه نزفهم تماما لأن الجرح واحد والنصل والقناص واحد .. اعترف لهم ان هذا المكان كان مأهولا بالموت والرصاص الذي يستدل الدرب إلى قتلاه بذلك الضوء الأحمر الذي يسبق الشهقة الأخيرة واللقطة الأخيرة على مشهد الحياة .. كما الكلمة المقصلة التي تنهي حكاية عمر .. كما الأغنية التي تحطّ بنصالها على فوهة الجرح ..كما عتابنا على الرمال التي ابتعلتنا حلما تلو آخر .. لست مثلك لأخدعهم بجمالية هذا المكان المخصص للعروض المسرحية، ضميري لايسمح لي بمشاركتك هذه الجريمة، فالعالم مثقل بالجثث وهو على حافة دمعة ..نحن نشترك اللحظة بهذا النص الخارج من متون الورق .. نحن نكتب مايجول بجثث قلوبنا ونمنحهم اصواتنا ودموعنا وعتابنا المنكسر .. ..
(صوت جلبة خلف المسرح تبين محاولات المخرج لاسدال الستار ووممكن اظهار صوت شجار او صياح يعزز المشهد الذي يوحي بالارتجالية)
لاوقت لدي يبدو أنهم سيسدلون الستارة في عمق صدقنا اللحظة ..تداهمنا النهايات دوما (تخاطب المخرج) اطمئن سااعود للنص المعلّب ..اتركني للحظات استمتع بخلق نصّي الخاص ورواية جرحي بصوتي لابصوت تلك الكاتبة الهجينة الوجع والملامح، نحن نفهم بعضنا ولن نحتاج للكثير من الكلمات (تخاطب الجمهور بعدها تلتفت للمخرج خلف الكواليس) لاتقلق انا عائدة لأكمل مشروعك التجاري الذي تخفى خلف المسرح تماما كما اختبأ اللصوص والسماسرة وراء وجوه الوطنيين والابطال الحقيقيين الذين لم تدركهم الشمس فتعفنوا في ذاكرة الوطن التي تشبه تماما ذاكرة الاسماك..
هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
يا الهي .. ليس هنالك اجمل من ان تكون الكاتب لسيناريو حياتك، حيث لا احد يملي عليك موتك او ضحكتك او دمعتك، تمامااا كما يحدث الان.. طائر حر وان كان بأجنحة متكسرة (مثلي) تفرد ذراعيها كأنها تطير حول المسرح وحدث اني كنت طائرا على اجنحة الفرح والموسيقى. وكان الوقت بهجة بيضاء تشبه هذا الثوب تماما.. ذلك الدوار المقدّس كان يحملني على راحتيه .. عاشقة خلقت نقاب الانتظار بعودة بطلها الأوحد من موت محتوم ، من عراك مجانين أسموه حربا وبطولة وعلّقوا فوق أنيابه الأوسمة والنياشين لتغوي البسطاء ببريقها الزائف الذي لم يكن سوى طعم آخر لفخاخ الفناء
(تجلس على الأرض كأنها تخاطبه) : اترك الحرب وتعال فالعمر قصير .. دعنا نسرق الحياة من فم الموت ونأخذ قيلولة تحت ظلّها.. فللحرب ربّ واحد هو الموت .. لذا هي تنشر اليتم على حبال الغسيل، دعنا نؤثث الأرض بالكثير من الأطفال لنلوّن هذا العالم الآيل للبكاء بدلا من تعفين الأرض بالمزيد من القتلى ورائحة الدماء ..
(تنهض)
وجئتني ذلك اليوم مأخوذا ببريق عيون اطفالنا الشاخصة نحونا من اعالي السماء كأيقونات الملائكة .. كدمى من عطر وسكر .. حتى كدت اسمع ضحكاتهم تتدحرج نحو قلبي بسرعة اللهفة والانتظار . ولم اكن اعرف اني كنت استدرجك بأكذوبة الحياة من حيلة الموت. اغويتك بليل رحيم لايضرب بحوافره أرصفة قلوبنا بالبرد والوحشة بدفء ابريق شاي في الليالي المقمرة ، بثرثرة مذياع قديم واغاني يعلوها غبار النسيان وكنت نجمة تدور في افقك المشتعل بالأمنيات. (تتزوجيني ؟ أريد ان اضمك تحت جناحاي ؟) وسالت التجاعيد عن روحي واضاءت فوانيس الفرح أعماقي المظلمة كبحر غاضب وخلتني نجمة تارة وأغنية شاهقة الفرح تارة اخرى وانطلق القلب في غنائه كطائرة ورقية مجنونة الأجنحة هكذااااا هكذاااااا هكذااااااااا (تدور فاتحة ذراعيها كالطائرات الورقية وتظل تدور في اروقة المسرح مع موسيقى تتناسب معها حتى تخفت الإنارة ويظلم المسرح وتستمر الموسيقى حتى يبدأ المشهد الثاني لتتغير معه بالتدريج)
** الفصل الثاني:
المشهد الأول:
(مع استمرار الموسيقى تظهر في الجانب الآخر من المسرح حيث الجدار وتعود بنفس هيئتها وملبسها لتكمل حوارها مع الجدار وكأنه لم ينقطع)
– مايغريك بكل هذه السخرية ياجدار؟
– لو كنتِ حجرا لعرفتي
ـ مالذي فعلوه لك لتدقّ ادعيتهم وتصلب أحلامهم بالمسامير على جلدك المتيبس وتقنعهم بأنك الدرب الأقرب إلى السماء ؟
– لو كنتِ جدارا لعرفتي
– وماذا فعلت لك لتنكأ جرحي كما الأعداء
ـ لستي جدارا لتعرفي ..كما الأحجار تعبث بالمصائر ، لست سوى لعنة بهيئة جدار ..
– لستِ سوى جرح بهيئة امرأة.. أحجارك سبب كل ذلك الوهم.. وهم الحب ووهم الحرب .. يريقون الدم ليظفروا بك وأنت الخائن الذي يمنح اسمه لكل ذراع يطوقه .. حتى رمالك لا تحفظ أسماء عشّاقها .. فقط أولئك الذين يعلقون أسماءهم في نهاية كل حرب ينقشون أسماءهم في ذاكرة أحجارك .. فيما يتربص بنا الفناء في كل نشوة عابرة .. أيها العابر الماكر نحن الذين قصصنا عليك حكاية الذئب الذي انقظّ على غفوة الحلم فينا ليسرقنا في وضح العناق ، لماذا تحقنّا كل يوم بهذا الوهم الجميل؟
ـ لأنني بار بصلة الرحم التي بيننا. لأننا اخوة.. لأننا واحد .. لأن البكاء المعلّق على كتفي يتسرّب إلى مسام قلبي الذي ظننتموه حجرا .. أنا البار حتى بمن عاقّوني ، وبالذين لاذوا بي واحتموا بأحجاري، حتى كبروا وتعلموا القفز من فوقي، وحين كبروا وضعوا لافتات الكذب على فمي ليلقموني الصمت، بعد أن علمتهم نعمة البوح وأسرار الكلام وحدها الكلاب كانت تعرفني وتتذكرني وتلوذ في العراء لتتبول بعيدا عن احجاري المتراصة بدهشة الاكتشاف وخيبته .. أنا منكم وأنتم مني كيف لي ان اخونكم أو أهزأ بنزفكم؟ كل مافي الامر اني أحيانا أضيّع الدرب الى البكاء .. اضحك… فأضحك هههههههههههههههههههههههههههه واعني آآآآآآاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااآآآآآآآآآه
– لستُ محمومة! لست مصابة بالجنون لأنفي ما أراه الان. نحن الذين شيدناك من وهم عالق في رؤوسنا كيف لك أن تعرف كل هذه الأسرار؟ أنت حجر ونحن بشر، ما شيدناك إلا لتكون ملاذا يجمع شتاتنا من العراء ولكي لا نصطف في طوابير الباحثين عن جدار وسقف يأوينا .. فإذا به يهوي فوق رؤوسنا حلما تلو آخر..
– دعكِ انتِ من الأوهام كلانا من دمع وطين أنا امنحكم نعمة الوهم لتحيوا.. متى ماسحبت بساط الوهم من تحت أقدامكم تساقطتم كسرا من وجع كلانا من طين وماء ولكي لاتتعفن أرواحنا نحتاج للكثير من الملح بين حلم وآخر. لذا بكل هذه الخيبة نزهر كلما تبللنا بالحنين فأعود أنا لصلصالي قبل ان تجففه شمسكم الحارقة لا المضيئة.. وتعودين انتي لبكاءك الأول ورائحة الفقد الأول فتهوي أحجارك على الأرض فأسندك على كتفي لتقفي من جديد بمواجهة موت آخر وآخر.. أيتها الجاحدة .. بيداي اللتان لاتقويان على العناق ظللت جسدك النازف ..ولا يزال يهوي من سابع سما .. تتنكرين أني لأبوتي وأمومتي وقرابتي بك ..وكلانا من طين وغياب .. مساماتي تفهم ما تجهش به مسامات رملكِ .. وكلما فضتي بالدمع .. جاءت رمالك لتمتص ملح الوجع بمسامها .. كلانا من ماء مالح .. وغياب ..
(كمن يستذكر تتطلع اليه بدهشة و تتلمس أحجاره بحنان، تجلس على الأرض وتتلمس احجاره بكفيها كأنها تستذكر شيئا)
ـ هذه الأحجار التي ضمدّت نزف جسدي لم تتمكن من ايقاف نزف قلبي.. …اتذكرها جيدا ..ذلك العرس الذي تحول الى مأتم .. والقاتل الذي تسلل عبر عدسة صغيرة اطلق من خلالها رصاصته الغادرة وظل يتجول فوقنا بلا وجه ولا جسد ولا ظل .. اتذكرهاااااااااا هذه الأحجار المشؤومة التي توسلتها ان تحقنّي بالنوم المؤبد .. بفقدان الذاكرة بالغيبوبوة المشتهاة. .لكنها لم تمنحني سوى المزيد من اليقين.. وحدها دمائي التي غطت الأرض كانت ترسم على الاسفلت وفوق كسر الزجاج وبقايا الورد والبالونات وحدها الدماء كانت ترسم لي حبل الخلاص ..ذلك الحبل الذي لازلت انتظره هنا في هذه الزوايا المنسية حتى من عزرائييييييييييييييييييييل.. ياعزرائيل.. ياعزرائيييييييييييييييييييييل
(موسيقى حزينة و غاضبة أوملحمية واضاءة تخفت بالتدريج ليغرق المكان بالظلام مع استمرار الموسيقى وربما إضاءة في الاعلى تتماشى معها دون أن تضاء أرضية المسرح. تتغير الموسيقى بالتدريج الى موسيقى رقص شرقي صاخب ويضاء المسرح بأضوية ملونة فتظهر البطلة بملابس ملونة قريبة لملابس الرقص وهي ترقص على المسرح تستمر لبرهة.. تعلو الموسيقى وتظل ترقص وتدور معها حتى تنقطع فجأة)
– لماذا اطفأت الموسيقى يا(اسم المخرج) لماذا يا( أبو خدود) وكاد أن يغمى عليّ من الضحك .. رأيتك تتراقص بكرشك قبل العرض وتدندن .. عمل كل شيء عدا ان ترقص فرقصك مؤامرة على الرقص ..ياراقصات العالم اتحدوااا هههههههههههههههههههههههههه.. اسكت الموسيقى لكنك لن تسكتني سأفضحك أمام الجمهور كيف كنت ترقص .. هكذا.. (تقلّد حركاته بشكل مضحك) .. (لك دخيل كرشو انااااااااا) .. وبعدها يدق الوتس اب فتركض اليه هكذا.. كما تفعل الان .. هكذاااا (تقلد ركضته وتمثل كأنها تمسك الموبايل وتتطلع لشاشته وتضحك) أعرف انك تفعلها الآن وإلا لكنت اسدلت الستار فوق رأسي.. خصوصا بعد ان وجدتني ابكي بحرقة حقيقية في البروفة الاخيرة فقلت لي متقمصا (يوسف شاهين): لاتخرجي عن النص فهو محبوك ولايحتمل الارتجال ولا أدري لماذا انفجرت اضحك وانا اصيح محبوك ومحبوكي.. وحينها احمرت عيناك غيضا .. وسمعت كل شتائمك التي لم تنطق بها كي لا اترك المسرحية قبل عرضها بليلة !كنت اذكى منك هذه المرة حين قررت ان اضرب رؤيتك الاخراجية عرض الحائط (المحولة) وتلك الكاتبة الساذجة التي تبث أمراضها وقصص حبها الفاشلة على الورق لتلصقها بي ..ومنك .. ولا علاقة لي بكما .. وانا بريئة من كل ماكتب في هذا النص ..دوري فيه ليس سوى قناع لرغباتكم وهزائمكم وعقدكم ..وهذا وجهي وهذا صوتي وهذا قلبي الذي لا يزال الجرح عليه مختوما .. صلصالا نقيّا .. هذه حقيقتي وهذا صوتي وان كان مليئا بالحشرجات.. وهذا رقصي الذي يشبه كثيرا رقص تلك الحسناء التي تمايلت في عرسي.. هنالك حيث تعانقت الحياة مع الموت في رقصة مستوحدة (تتطلع للاعلى وكأنها تخاطب احدا) انت تسمعني حتما.. فهنا بعضك او كلك في مكان ما لاتخف .. ذهب القناص برصاصته الغبية.. انزل .. تعال .. هنا حظني الذي استدرجك لحياة كانت اكثر غدرا من الحرب .. اهبط انزل (تسمع حركة في الاعلى وسعال) يا الهي هذا انت يا (اسم المخرج) لن ارفع صوتي اكثر.. فالصوت العالي لايجلب سوى المصائب .. هذا زمن الكاتم ..ذا ساناجيك وأنت الأقرب من الهمس، تتلقف الكلام من بين شفتي قبل أن انطقه، معك عرفت كيف للروح أن تنقسم في جسدين، أن يتقمص الجسد جسدا آخرا حتى في الموت .. لستُ سوى تمثال شاخص على مشهد الغياب ..لذا لا يفطن أحد لوجودي ولا غيابي .. أنا كلمة شاحبة على جدار عتيق معتق .. ما فتئ يردد كما الصلاة : كلانا من طين .. وأردد: كلانا من ملح وغياب .. انزل.. أكاد أرى ضوءك امتد لي من أعالي قوس قزح .. الذي كان قوس فرح .. انزل الآن قليلا وخذ قيلولتك تحت مداد ملحي ودمعي..بعدك انا غيمة لاتمطر الا الملح ..انزل.. انزل..انزل.. منذ أن رحلت أنا هيكل بلا معنى، هيكل فارغ من الداخل بملامح تشبه ذلك الجدار.. اهبط فصعودي مرهون بقناص آخر لم يأتي فمخزن الرصاص قد نفد بعد إن وزع الموت بالتساوي .. حين تحولت إلى ضوء قزحي كنت ممددا فتبخرت دماءك لتتشكل فوقك غيمة قزحية فاتنة الموت .. وهزجوا باسمك (عريس وربعة يزفونه) واعرف أن الحواري لا يعجبونك كما أنا .. وأنهن لن يقدرن على إغوائك وجعلك تنسى طيني الحري .. يا طيني ومائي .. وتركوني عارية منك لقدري الطيني .. تماما كذلك الجدار..
كذلك الجداااااااااااااااااار
(تخفت الانارة وتعلو الموسيقى بعدها تخفت بالتدريج ويضاء المسرح في الجانب الاخر حيث تقف لصق الجدار وتلصق رأسها بأحجاره)
تعلّق النذور التي كانت تجمعها وتعيدها اليه:وحدي اعرف لعنة ان تكون جدارا غير قادر على الانهيار أو الجلوس قليلا تحت فيء ذاكرة ليست عابرة.. وحدي اعرف لعنة ن تكون وتدا ثابتا بجذر الارض لاوترا حائرا بين لهفة وجرح.. ضمني ياصديقي.. فأنا ملكة وحيدة استوت على ذاكرة موحشة وخوف كثير.. ورصاص يملأ وجه السماء وقناصين أكثر من النجوم.. ضمني بقوة بين حنايا أحجارك وعلّقني في مساماتك هلالا بابتسامة عرجاء وأرّخني في ذاكرة الرمال حكاية .. من طين
(اظـــــــــــــلام)
** رشـا فاضـل/ بيروت ـ لبنان.
ملاحظة : لا يسمح باشتغال هذا النص دون الاستئذان المسبق من المؤلف .
rasha20002099@yahoo.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت