الجينات السينمية في الرؤى القصبية/ د. يوسف رشيد

ينفتح الخطاب الفلسفي عند (صلاح القصب) على منظومة بصرية متشابكة الرؤى لشدة ما تضج به من محمولات علامية تتدفق أحيانا وتنفجر أحيانا أخرى  لتفضي إلى رواق ابستمولوجي ينم لك عن حس جمالي كلما توافرت على ذائقة فعالة المجسات وكلما توافرت على أفق تأويلي لهذا الحلم الإبداعي الأجمل. فسيناريوهات (القصب) صور وأحلام (سينمائية) ينضدها نساج رؤية جمالية , بخيوط هلامية وعالم جمال ظاهراتي عرف كيف يخترق اللامنطق بالحدس , وشاعر بصري يتأمل في بحر متلاطم من صور وفضاءات يكتنفها الغموض الذي يتأسس على رعب من الانفجارات الكونية في قوتها الجمالية حيث يرى القصب (إن أسلوبه الذي يتحرك في رأسه كالزئبق هو الجغرافيا اللانهائية القادرة على اكتساح كل شيء بقوة الموسيقى).
لذا فأن سيناريوهات القصب هي بوصلة فريدة تشير باتجاه متاهات التأمل عبر حوار راق وصور, عسيرةٍ على من يريد الإمساك بتفاصيلها المثيرة لمفاجئات  التأويل والتوقع التي تنطوي على درجة عالية من التفعيل للمخيلة.
أنها المتاهات التي بلا شك (تخترق الزمن لتشكل زمنها الخاص بها وتضيء بتجلياتها أعماق الروح)  ..
إنه وحده الذي يرى أسرابا من الشخصيات تحلق حينما يرسم قصيدته ففي كل منها حلم , ولكل منها حلم يشارك روح القصب إذ يراها كأشرعة في فضاءات لا نهاية لها.
من هنا صار التمثيل عنده حركة ولون وطقس في بودقة التجريب , تلك التي يعترف أحيانا بأن تشكلاتها لا يدري ما الذي ستفضي إليه ,لأنها في حالة تشكل دائم تحكمه الاستقبالات الطبيعية ولحظة التدفق الجمالي، فالتمثيل عند (القصب)  يرتبط بالزمن ، فهو حركة الكتلة واللون والظلال والضوء والممثل في حركته الداخلية التي تفسر ظاهرة الوجود الإنساني التي تدخل ضمن حركة الحضارة بكاملها.
فهو يتمتع بقدرة كبيرة على التراسل الكوني في فضاءات تتسع لكل اللحظات بامتلاك حقيقتين, إحداهما قادمة من الداخل, والأخرى قادمة من الخارج.
ففي سيناريو (مصحات الذاكرة) مثل تجدً “موتى وبحر ظلمات و بروفسور وغوص في محيطات الذاكرة وسقوط الدقائق في عينيه قبل إن تحمل نبأ موته”. وغيره من السيناريوهات في مغايرةٍ لمنطوق افتراضي تأويلي وشبكة من التكوينات والإشكال والأنسجة التركيبية الغامضة بقصدية أو بعفوية. إنه المهرجان الصوري المؤسس على مغايرة البناءات المنطقية – فالتوابيت الزجاجية المملوءة بالمياه وجوق من الموسيقيين العميان وجنرالات حرب مهزومين , نجدها وغيرها , في حقول من الانثيالات الدلالية , كأجساد عارية تقود دراجات نارية, وطقوس سحرة, ومهرجون, وجنيات جميلات في الجزر المسحورة، كلها أرواح يبثها القصب في سيناريوهاته عبر عملية تصيد لكل اللحظات الهاربة التي قد تبدو في مظهرها الخارجي عشوائية, إلا إن جوهر المكون الجمالي يرتب قصديات هذا التصيد ويجدوله كلما تمعن النظر في شخوصه التي لا تشخص نفسها وإنما يشخصنها وجودها في هيئة الحلم (القصدي).
ففي عوالم (القصب) مباحة كل الأسفار حيث خلخلة الثوابت ونسفها القصدي الذي يستحث على التأمل لفرضيات دائمة الحركة ومضامين جمالية لبحث دائم عن معنى المعنى في التشكلات.
إذا إن الصورة التي ينشدها (القصب) تعتمد شعر الفضاء ,الذي يصبح قادراً على خلق أنواع من الصور المادية التي تساوي صور الكلمات.
و من هنا يكون للايديولوجيا الجمالية (للقصب) حضوراً يستحث الآخرين أن يترسموا خطاه, رغم إن أكثرهم قد بقي في حدود خلق المجابهة مع المتلقي لتحريك آليات الوعي الذاتي , إلا إن هذه الصور تبقى قاصرة لدى متبعيه, لأنه (هو الذي رأى) بأن الصورة تعتمد الشعر الصعب المركب لذا فهي تستبدل شعر الحوار بشعر الفضاء. عبر استحضار (الروحية السرية) أو (الروح غير الظاهرة)، فالكلمة عنده (تموت بعد نطقها لكن الصورة هي التي تفسر أو توضح المنطوق السمعي لهذه الحوارات إلى لغة بصرية متحركة) وأن الشكل عنده هو:–لغة- نبض- روح مطلقة غير محددة, وأن العرض المسرحي لديه، كلمة تعادلها حركة في فضاء ملون مضاء بشبكة الإشارات والدلالات غير القصدية والقصدية معاً في حركة مستمرة. ومن الجدير بالذكر أنه استطاع أن يوضب الحالة البصرية لمتلقي عروضه, حيث اتسمت أعماله الأولى بإعطاء المشاهد فرصة أن يكون في حالة استرخاء وكان الذهن بعدها يركب , إلا أنه في (مراحل أخرى) صار التفاعل بين المشاهد والعرض مشتت جداً إذا بدأت عند عمليات صعبة كما هي المعادلات الجبرية واكتشاف مفردات وحروف أبجدية لغة منسية , لذا فإن المراحل الأخيرة صارت تستدعي من المشاهد تفعيل آليات التلقي بجهد غير اعتيادي للتواصل مع هذا التدفق المستمر لاشتغالات الخطاب البصري.
أخيرا لابد أن نقول إن النتاج الإبداعي لهذا المهذار الجمالي الذي لا يجيد البوح دائماً إلا بما هو أجمل هو إبداع  , يمكن لمن يتأمله عبر مسافة جمالية أن يجد (تعرضناته) أو تداخل عروضه في أسس نوجز بعضاً منها هنا.
* أولا :
– إن شخوصه هي ملتقى لهم جمعي للإنسان المقدس أينما كان في حضرة الثقافة البصرية التي تشيدها عروضه مثل – مثقف في محنة النظر إلى العالم- عازف متوحد- فيلسوف مستلب- محنة المتسلط راكب الدراجة البخارية- ساحرات. جموع المتسكعين والمجانين والعميان وغيرهم من الشخوص. التي اقتبس منها الكثير ليعيد تشكيلها من عرض لآخر, فيما يسمى باليات التناص (بالاستدعاء القصدي المتغاير).
* ثانيا ً:
– قصدية البحث عن المفردة الأكثر ادهاشاً والعمل على استثارة الطاقة الوظيفية لتلك المفردة –الآلات الموسيقية مقطعة الأوتار –عربات قمامة – سيارات – معاول – ومصابيح إضاءة- (قطع قماش وأشرطة سللويد فلمية وربما كومبيوترات مستقبلا).
* ثالثاً:
– وحدة غياب النص وتماهي المضمون الصريح في وحدة الشكل أو تنوعاته بالجنوح صوب التعبير بالضوء, ولسينوغرافيا العرض واشتغال اللون بوظيفة تعبيرية مفتوحة مجاورة , تجافي المألوف أحيانا في أنفتحها بالضوء والزي والشكل والسينوغرافيا والجو العام.
ذلك هو (صلاح القصب) أيدلوجيته في التحريض هي التحريض الجمالي واستثارة عوالم الجمال والتصدي لا بشع الأهوال التي تواجه البشرية في هذا الكون المتلاطم سلاحه ريشة رسام وروح نقية قل نظيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت