مسرحية "نون" وعي درامي قادر على تغيير الواقع / خالد ايما (العراق)

بعيداَ عن لمسات غروتوفسكي وشاينا وبروك يبرهن لنا اليوم المخرج العراقي “كاظم نصار” وملائكته المسرحية من مؤلف وممثل وموسيقى على أن المسرح لن ينفصل عن المجتمع بقضاياه المختلفة ولم يتوان عن كونه أداة للتوجيه الثقافي والاجتماعي. إذ حيثما كان الاحتجاج كان هناك صوت وحركة وجسد وتجمهر يعلنُ عن وجوده في فضاء مفتوح يراد به تغيير الواقع تغيراَ جذرياَ لأن ما يحدث للعالم الآن أصبح أكثر انتفاضة وثورة، فهو عالم المتغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية بامتياز. وعليه أجدني جالساَ وسط الساحة في فضاء مفتوح أنتظر بداية العرض المسرحي(نون) العرض الذي غادر كل ما هو مألوف من خشبة وستارة ودقات معلنة عن البداية، العرض الذي جاء المكان المفتوح بكل أنفاسه وأوجاعه وذكرياته معلناَ عن وجوده ضمن طقس عفوي (تلقائي) الكل فيه ممثل، والكل فيه متفرج، وهذا بحد ذاته يشكل لنا رؤية وقراءة جديدة محصورة الأفق لما يبثه العرض من خطاب مباشر وصريح يرتكز بالأساس على وضعية النص وما يحمله من أفكار وصراعات قد أثرت وتثائرت في وعي المخرج (النصار) الذي ناصر النص بكل تساؤلاته وأوجاعه وهمومه وانكساراته … النص الذي لن يأتي من فراغ ولا يؤول إلى فراغ بقدر ما يحيلنا إلى أن نبحث عن حقيقة وجودنا وما يحدث لها من خراب ودمار وقتل أفزع ذائقتنا وتشهينا للحياة … الحياة التي حفزت (درندش) إلى كتابة نونيته المسرحية ويحتج مع النصار والممثلين بطريقة تثورية ممسرحة تبحث بالأساس عن مفهوم ما حدث ويحدث لنا الآن من فوضى عارمة وخراب مستديم ينهشُ في الجسد العراقي … الجسد الواحد الموحد بلحمته وأعرافه ودياناته ، وما بين هذا وذاك تجدنا كمثقفين وربما ناس بسطاء نخاف المواجهة لأننا اعتدنا أن لا نتظاهر، وأن لا نحتج، وأن لا نثور لأننا هكذا خلقنا مسالمين بسطاء في وعينا وإدراكنا وثقافتنا نخاف الموت بقدر ما نعشق الحياة بتصحرها المخيف، ومن أجل ذلك نفعل المستحيل كي لا نظهر في الصورة (الحدث)
لكن التوهج الفاعل الذي بث ألينا من قبل كادر مسرحية نون وهي تحتج بجرأة ومصداقية هو من إعطانا الجرعة لتكون لنا جرأةٌ ورؤية واضحة في قراءة ما يحدث لنا كعراقيين من قتل وذبح وحرق وتهجير وإرهاب ودمار وفوضى …تساؤلات هي ليست بالغريبة بقدر ما هي تساؤلات واقعية مسموعة في كل ثانية ولحظة ويوم، ولكن أن تأتي بمثل هكذا تساؤلات وتمسرحها ضمن رؤية شمولية احتجاجية هو عين الصواب، وهذا ما فعله (النصار) إذ جعل  كل شخصية من شخصيات العرض تنتفض على ذاتها أولاَ، وبالتالي تثور وتحتج على فوضى الحياة  وخرابها المستديم بما فيه من إرهاب، وعليه أجد أن ظاهرة الاحتجاج هنا تشكل وعياَ درامياَ قادر على أن يغير الواقع تغييراَ جذرياَ، وهذا ما لمسته في العرض المسرحي وأنا أخرج عندما شاهدت أحدهم يبكي. والأخر ينوح، وما من شيء سوى أن نبكي وننوح …تلك هي العلة يا نفسي.
يذكر أن نون هو الحرف في النص القرآني الذي يدعو إلى العلم والمعرفة ولكن قوى الإرهاب داعش والقاعدة حولوه إلى ختم ورمز للتهجير والسلب والذبح والحرق
مسرحية نون قدمت ضمن مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية تأليف ماجد درندش إخراج كاظم نصار تمثيل آسيا كمال وميمون الخالدي ومازن محمد وباسل الخطيب وعلاوي حسين وأسعد مشاي وماجد درندش.
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت