فعاليات اليوم الأول من الندوة الدولية "طنجة المشهدية" في دورتها الحادية عشر / بشرى عمور
استمراراً لفعاليات الندوة الدولية العاشرة لمهرجان طنجة المشهدية، التي يعقدها المركز الدولي لدراسات الفرجةICPS في مدينة طنجة، خلال الفترة من فاتح مايو 2015 وإلى غاية 05 منه تحت شعار:“الذاكرة و المسرح (مسرحة الأرشيف)” عقدت الندوة في يومها الأول ثلاث جلسات: خصصت الأولى، التي ترأستها (كريستيل فايلر) للإجابة عن السؤال :” الفرجة والذاكرة: أية علاقة؟”، و قدمت فيها أربعة أبحاث لكل من (غابرييل براندشتيتر)، (ستيفن إليوت فيلمر)، (أسعدي شريفي) و (خالد امين).
أما الجلسة الثانية التي ترأسها (كابرييل براندستيتر) فخصصت لمناقشة :“إحياء الذاكرة بين المحافظة والتجديد”، وقدم فيها أربعة أبحاث لكل من (سوزان فويلمر)، (عبد الرحمان بن زيدان)، (عصام اليوسفي) و (عز الدين بونيت).
بينما الجلسة الثالثة التي تطرقت إلى:“عرض ذاكرة الماضي” فلقد ترأستها (كودي باولتون) وتم عرض ثلاث ورقات لكل من ( محمد سيف)، (هشام بن الهاشمي) و (بشرى سعيدي)
وسنحاول تقديم ملخص لبعض الأبحاث ( باللغة العربية) التي شاركت بالجلسات المشار إليها أعلاه، التي جاءت كالتالي:
* ” ساحة الهيدم في مكناس: ذاكرة فرجات توثق زمن البقاء و الانمحاء”/ عبد الرحمان بن زيدان
تظل أصالة أمكنة الفرجات الشعبية في مكناس مرتبطة بالساحات الشعبية المعروفة، وتظل خطاباتها المتفاعلة مع محكي الذاكرة المليئة بمرجعيات متعددة مكتوبة بسرديات التراث العربي، والأمازيغي، والشعبي، لتبقى كلها فرجات هدفها تنمية الرغبة في الحكي بالتمثيل، وهو يتذكر ما تحكيه هذه السرديات.
وحين نأخ ساحة الهدين مجالا حيويا للحديث عن هذه الفرجات، ونريد البحث في ذاكرة المتعة الفنية التي كانت تفشي بأسرار ما هو فني شعبي يدل على تعدد النصوص المنطوقة، وتدل على تعدد دلالاتها، وتدل على وجود تباين شديد في شكل بنائها الفرجوي، سنجد أنها فرجات تنمحي بعد تقديمها، وأن الهرم قد دب في كيان بعضها، وبالمقابل هناك فرجات استولدها الزمن الفرجوي الجديد من الواقع الجديد تماشيا مع ما تفرضه طلبات المتلقي الميال نحو المتعة التي تتمرد على المحكي التراثي، ليؤسس محكيا غارقا في إثارة ما هو حسي لذوي صادم به يدمج الملتقي نفسه في لاغباته المؤجلة، أو المكبوتة، أو المحبوسة في قيم مجتمع محافظ لا يجد مخرجا منواقعه إلا بالفرجة التي تكشف له عن كلام خفي هو كلام الرغبة التي تتنفس في الحلقة.
أعتبر أن في ساحة الهديم توجد نصوص بصرية مكتوبة بالشفوي الزائل بسبب غياب التوثيق للحظاته الآسرة، وأن كل نص فرجوي فيها يعيش حياته المحدودة بزمن الفرجة ليبقى ـ دائمـا ـ محكوما بالانمحاء، لأنه نص وليد الارتجال الظرفي، ووليد اللعب الذي يقود إلى أفق دلالي فيه المحكي الظاهر متجليا بحضور (الحلايقي و المتحلقين حوله كمتلقين) لكنه المحكي الثابت الذي تغيره سياقاته المتجددة بتجدد المتلقي.
هذه النصوص البصرية تعتبر دائرة واقعية ومتخيلة تتحرك فيها دوائر دلالية جريئة تتمحور حول ما يتطلبه موضوع الحكي بثوابت اللعب، والإيهام، والتغريب العفوي، والسخرية، والحرية في تجاوز قواعد بناء شخصية الحكواتي بتعدد الأدوار، وبلعبة الانسجام، وبلعبة استدراج المحلقين حوله كي يصيروا محركين للعب بإرادة الحكواتي التي تحركهم بمهاراته في الإخراج المرتجل الذي يريده أن يكون لعبة متقنة تحتفظ على إبقاء المحلقين مشدودين إلى زمن حكي وزمن اللعب ولحظات الغناء.
نصوص الفرجة يكون مركزها كل هذه التركيبات الفنية، ويكون الحلايقي هو القابض بها على خيوط الدهشة، لكن هذه التركيبات تبقى وقتية. فهي زمن تبدأ بميلادها، لكنها بعد ذلك تضيع بعد انتهاء اللعب فتنمحي هذه الصورة ولا تبقى منها إلا حزمة من الملامح التي تحتفظ بها الذاكرة ونوثق لبعض لحظاتها الآسرة في غياب توثيق علمي يكتب تاريخ هذا النص البصري المتعدد الذي يملأ بمفارقاته فضاء ساحة الهديم.
بمعاينة أكثر النصوص الفرجوية حضورا في الحلقة، هناك نصوص لازالت حاضرة في نفس المكان تمارس طقسها الأدائي ما يزيد على الخمسين سنة، يمثلها الحكواتي الذي يسرد تاريخ البشرية من آدم،على تاريخ الأنبياء والرسل، إلى ظهور الإسلام، والحديث عن الغزوات، وشخصية هذا الحكواتي لا تعتمد على اللعب المسرحي، و التمثيل، ولكنها تعتمد على نصوص شعرية يقوم بتأديتها مغناة، ليكون هو المغني والعازف الذي يقرب مريديه من أجواء المقدس. لكن الشيخوخة التي لحقت بأزمنته، وعزوف الناس على مسايرة حكاياته امثل في بنياتها العميقة عن هروب يبتعد عن سماع العنترية، وسيرة الخليقة، والسيرة الهلالية، وألف ليلة وليلة.
ساحة الهيدم تبقى هي المكان الذي يكتب ذاكرة الفرجة، ويعطيها حيويتها لمواجهة الغياب، ومواجهة أفول أضواء النهار بما يقوله المحكي الذي يسلط أضواءه على عتمات الخطابات المغنية من ذاكرة الذاكرة، ليوثق للحظات المعيشة بالنصوص المنطوقة بحضور الجسد الذي يغرب الزمن والمكان والحكي بعلامات تجسد معنى الحياة التي تتأسس على الرغبة في الحياة، لكن ما يثير الدهشة في هذه الساحة وجود نوعين من الفرجات تختصران زمن الحضور الفرجوي بممارسات توثق لتغير ذهنية التعامل مع الفرجة، وتوثق لممارستها بشكلين متناقضين سنتخذ بين خطابات هذين النموذجين، وقد توخينا لضرورات بحثية موضوعية إبعاد الفرجات التي تقوم على الألعاب السحرية، وعلى ألعاب الحواة، وفرجات الغناء التي تعيد ريبرتوار ناس الغيوان، وجيل جيلالة، والأغاني الشبابية،و العشابة…
سيكون الحديث ـ إذن ـ عن مظاهر البقاء والانمحاء في نموذجين اثنين يقدمان صورة أزمنة متناقضة تعيش وتروح تحت تأثير الضرورات الاجتماعية، والعقدية، والنفسية للمجتمع المغربي الذي أخذ منحى جديدا يضبط علاقته بكل الاختيارات التي ترسم له ما يريد، أو ما يفرض، هذان النموذجان هما اللذان يحددان هوية المكان كالتالي:
ـ نموذج المقدس في المحكي الفرجوي بين الوجود و الانمحاء.
ـ نموذج الفرجة المحملة بخطاب السياسة والجنس والسخرية بين الوجود والحفاظ على الموجود.
بهذين النموذجين نريد أن نستنطق دلالات الأمكنة، وأمكنة الذاكرة، والرغبة في التذكر باعتبارهم يمثلون وسيلة لإنطاق خطابات الفرجة، وخطاب الذاكرة حول الهيدم وساحاته الفرجوية.
* ” التجربة والكتابة في المسرح المغربي: عوائق لخطاب مسرحي يسائل الذاكرة “/ عز الدين بونيت
ينتمي بناء الواقعة المسرحية وبناء الذاكرة إلى سجلين مختلفين، إن بم يكونا سائرين في اتجاهين متعاكسين. فحصيلة خبرتنا بمجمل التجارب التي عرفتها الإنسانية بخصوص المسرح، تنبئنا عن طابعه الانتقائي، كما تعلق الأمر باتخاذ وقائع التاريخ مصدرا للمادة الدرامية، وذلك بالتركيز أساسا على ما تختزنه الوقائع والأحداث التاريخية من رمزيات. وهذا ما يشهد به مجمل ما وصلنا من الوثائق/ النصوص المسرحية. يتم تحويل المادة التاريخية، عبر كيمياء المسرح الخاصة إلى نسق أسطوري أو شبه أسطوري، للتمكن من خلق الكثافة الدرامية المطلوبة. هذا ما نجده عند شعراء التراجيديا الإغريق، وما نجده عند راسين وكورنايو شيكسبير، وعند شيللر وغوته وكل الذين تصدوا للمادة التاريخية أو ما يشبهها.
وفي الجانب الآخر، تسعى جهود الحفاظ على الذاكرة أو إعادة بنائها، إلى الحرص على تحصيل الأحداث في صورها الأقرب إلى : ما وقع فعلا” (أو على الأقل تفضل مواصلة الاعتقاد بإمكانية ذلك). تتحرك جهود تثبيت الذاكرة الفردية أو الجماعية، من خلال الأرشيف، والتاريخ، والحفريات، ضمن مقولة الاكتمال: سواء تعلق الأمر بالذاكرة الفردية أو الجماعية، يفترض وجود شخصية متكاملة ومنسجمة خلف كل بناء للذاكرة، وينظر إلى أي خلل في بناء تلك الذاكرة كما لو كان انعكاسا لخلل في الشخصية أو ربما كما لو كان سيتسبب في هذا الخلل.
وقد تم في العقود الأخيرة استدعاء إطار المسرح، أو بالأحرى الموقف شبه الدرامي، في عدد من التجارب العلاجية النفسية، خاصة فيما يتعلق بمحاولة التخفيف من الآثار النفسية التي تخلفها الصدمات الكبرى التي يتعرض لها بعض المرضى النفسيين. وأسندت على التفاعل الدرامي أهمية متزايدة في بعض مناطق الصراعات، في محاولة لإعطاء المصدومين فرصة استعادة الكلام عن الأهوال التي تختزنها ذواكرهم، لإخراجها من حيز التجربة الذاتية إلى حيز الاقتسام وإعادة موضعة العلاقة التي تربط الذات بها. يمكن إدراج هذه التجارب العلاجية تحت عنوان عريض، يعكس القواسم المشتركة بينها، هو: تحويل الذاكرة إلى صور درامية، لفظية وجسدية. هل يتعلق الأمر فعلا بالذاكرة؟
* ” نص أربع ساعات في صبرا وشاتيلا اختراق لظلمة الليل، ومحاربة الظلام الذي يحاول اعتراض الضوء “/ محمد سيف
هل هذه المدينة المهشمة التي رأيتها وتجولت فيها وهي محمولة على رائحة الموت القوية. كانت بالفعل موجودة. سؤال يطرحه الكاتب الفرنسي (جان جينيه)، في نصه الشهير (أربع ساعات في شاتيلا)، الذي نشر في مجلة الدراسات الفلسطينية في خريف 1983. وقد قمنا بدورنا بإعادة طرحه مثل باقي الأسئلة الأخرى الكثيرة من خلال المسرح، وعصاه السحرية التي تدعو، إلى إعادة النظر في كتابة التاريخ وتفسيره. انطلاقا من فكرة أن المسرح نفسه، كممارسة، يمكن أن ينظر إليه باعتباره (شاهدا)، وفي على صنع التاريخ، لا سيما أن مفهوم (الشهادة) متأصل في مفهوم الذاكرة، وعملية التكر، والنسيان. هذا بالإضافة إلى أن بإمكان المسرح أن يعطي معنى للتاريخ، من خلال تشكيل فهما جديدا للماضي. لا سيما (إن تمثيل التاريخ، مثلما يقول كريك دونيك، هو شكل من أشكال الأداء)، الذي يساعدنا على فهم حاضرنا من خلال وعينا بالماضي، مثلما بإمكاننا أن نعكس الوقت والمكان الخاص بحياتنا، من خلال تفكيرنا به. وبهذه الطريقة يصبح بإمكان المسرح أن يكون وسيلة لحل تناقضات الماضي، بتوضيحه للأحداث في سباق أيديولوجي معاصر. سواء من خلال تسليطه الضوء على الأبطال، أو من خلال تجميع الناس حول ذاكرة جماعية، والعمل على تصحيحها وتوضيح نقاطها الغامضة، من أجل خير ومصلحة المجتمع. ولكن، في هذه الرؤية، هناك الكثير من الإشكاليات والتعقيدات، خاصة عندما يتم تصفيتها من قبل المستعمر نفسه، أو من قبل مرتكبي الجريمة أو المجازر، وهذا ما حدث بالضبط في الإعلام الإسرائيلي الذي حاول أن يجمل الجريمة التي ارتكبها في صبرا وشاتيلا، بإلقائه اللوم على غيره.
* ” إشكالية خطاب الذاكرة بين المسرح والفرجة “/ هشام بن الهاشمي
تروم الورقة إلى الوقوف عند إشكالية بناء ذاكرة ثقافية للمسرح والفرجة. ومعلوم أن الأرشفة ترتبط بالمستقبل حفاظا للذاكرة الفنية من الزوال والتلاشي، ومن ثم فهي ليست حنينا إلى الماضي، واستنشاقا لغبار الأكفان، واعتدادا بالأموات، بل وصل بين الأزمنة وترابط بين الأجيال استنادا إلى مبدأ البناء و الاستمرار بدل القطيعة والانقسام. فعبر الأرشفة والتوثيق تنتقل الخبرات من جيل إلى جيل، ويحفظ المخزون التراثي، وتؤكد الشعوب إسهاماتها الحضارية.
وتتصل إشكالية بناء ذاكرة للمسرح بإشكالية الخطاب المسرحي نفسه، الذي يتسم بطابعه الإشكالي : فالنص يسهل توثيقه وحفظه، وهو الذي ساهم في خلود المسرح. بالمقابل فإن العرض المسرحي يتسم بالزوال والتلاشي، ولا يترك فينا سوى انطباعات أنية سرعان ما تنمحي. وهنا نتساءل: كيف السبيل إلى حفظ فن عابر من أخص خصائصه الزوال والتلاشي؟.
ونظرا للتطور التقني الهائل والتسارع التكنولوجي الذي ميز العصر الراهن المتسم بانتقاله من رعب النص إلى رعب الصورة، فقد انفتحت العرض المسرحي على تقنيات التسجيل والتصوير… كما هو الحال في التزاوج الحاصل بين الصور الفتوغرافية التي اضطلعت بدور فاعل في التاريخ للعرض المسرحي لحظة عرضه. وإذا كان هذا الإجراء لا يسعفنا في الوقوف عند الأداء الحركي للممثلين وتقنيات اشتغال اللغات الدرامية، فإنه يمكننا من بناء ذاكرة ثقافية تأخذ بعين الإعتبار تعاقب التجارب وتلاحمها. ومن ثم إمكانية النظر إلى الفن المسرحي من منظور ارتقائي تاريخي وتجاوز النظرة النقدية السكونية التي قوامها دراسة الإنتاج الفني في ذاته ولذاته داخل سياج مغلق لا يعتد بالاستمرارية التجارب و استفادة بعضها من بعض. ومن هنا تتضح إحدى ميزات الاهتمام ببناء الذاكرة المسرحية، إذ تسمح بتراكم التجارب، والتاريخ للمسرح بمميزاته وخصائصه، وإعادة الاعتبار لأجيال المسرح بدل الأشخاص خاصة وأن المسرح فعل جماعي، إضافة إلى إيجاد أرضية ملائمة للدراسة المؤسسة على بناء معرفي ونقدي رصين.
وارتباطا بالفرجة، فقد أشار الناقد خالد أمين في حديثه عن المبادئ التي يستلزمها التحقق المادي للفرجة إلى مبدأ المباشرة. فالفرجة تتم عبر التفاعل المباشر بين المؤدين والجمهور وترفض عرضها عبر وسيط، واستنادا إلى هذا المبدأ نتساءل: ألا يصبح من الصعب توثيق الفرجة وحفظها ومن تم بناء ذاكرة خاصة بها؟. لكن الفرجة ـ في الوقت نفسه ـ من الحصافة والذكاء إذ تحقق لذاتها الاستمرار. فهي تخضع لناموس الاستمرار والتطور وتقاوم الاندثار والتلاشي عبر المحو والكتابة، إذ تعيد كتابة نفسها باستمرار.
* ” مسرحية: “التعميد الثعلبي” لعبد اللطيف اللعبي، حفر في الذاكرة المكلومة “/ بشرى سعيدي
يرتبط المسرح ارتباطا وثيقا بالمجتمع، حيث ينهل من الظروف الاجتماعية والثقافية و الجمالية أيضا، لكي يحقق فرجته فإنه يعود أدراجه إلى أحداث ماضوية بقيت عالقة في الذاكرة، فأثرت في الحاضر ساعية إلى استشراق المستقبل. وتتعدد الموضوعات التي يعالجها المسرح ولعل أغربها موضوعة السجن التي استهوت العديد من الكتاب والأدباء العرب، فرغم قتامته إلا أنه يخلق متعة تستفز القارئ و المشاهد معا، خصوصا إذا كان المؤلف قد اكتوى بتجربة السجن ومعلوم أن المسرح لم ينل حظا وفيرا مقارنة مع باقي الأجناس الأخرى لما تفرضه خصوصية هذا الجنس الأدبي سواء على مستوى الكتابة، أو إكراهات العرض، كما أن المسرح لا يمكنه أن يرتقي في ظل مجتمع يكبل الحريات لأنه فن انبثق من رحم الديمقراطية.
يتميز أدب السجون بكونه عودة إلى الذاكرة المكلومة التي نزفت جروحها عبر حبر المبدعين، ولذلك فإن المسرح بدوره هو مرور في الواقع عبر الذاكرة لكونها “الحافظة الأولى للتاريخ” على حد تعبير بول ريكور، وعبر الفرجة يمكن إدراك هويتنا، ورغم أن الذاكرة من الماضي إلا أنها إعادة تشكيل للحاضر وفي نفس الوقت هي بناء للذاكرة الجمعية، وقد حاول اللعبي في مسرحية:”التعميد الثعلبي” أن يوثق بطريقة درامية لما حدث في المغرب خلال سنوات و سمت بسنوات الجمر والرصاص. إذ نجد المسرحية قد فصلت عبر مشاهدها الست لمفصلات السجن، تحرر من خلالها عبد اللطيف اللعبي من قيود الزمان والمكان والشخصيات، وتجرد من السرد متجاوزا بذلك المألوف اليومي موظفا خصائص جمالية ارتقت بالمسرحية من التسجيل للأحداث الماضية إلى مستوى جمالي، وقد تمثل ذلك فبما يلي: توظيف الأقنعة، الجسد الجروتيسكي، أسلوب السخرية ثم الكرنفالية. إنها مؤشرات ينبغي الوقوف عندها لإبراز قيمة الفرجة التي قدمها اللعبي، وهو ما سنفصله في مداخلتنا.