بقعة زيت على المسرح الوطني في بغداد/ طه رشيد (بغداد)
الموندراما (فن الممثل الواحد) واشتغال الممثل
“بقعة زيت” المسرحية التي كتبها محمود أبو العباس وأخرجها د.عبد الرحمن التميمي،وقام بتصميم السينوغرافيا سهيل البياتي وعرضت مساء الخميس 7 أيار 2015 على خشبة المسرح الوطني وجسدها الفنان المبدع محمد هاشم كانت أنموذجا رائعا لاشتغال الممثل في حقل التمثيل، لم يشعرنا محمد هاشم بالرتابة وكان صوته معبرا دون أن نشعر بملل يذكر من طريقة أداءه، فهو يتنقل من طبقة إلى أخرى أخذا بنظر الاعتبار المعنى الكامن في الجملة والمشاعر المستترة خلف الكلمات، وكانت مخارج الحروف واضحة دون إدغام يذكر. كان محمد هاشم متألقا وكم تمنيت أن يكون النص من المختارات العالمية، كأن تكون أغنية التم لتشيخوف، لأن النص الذي كتبه محمود أبو العباس لم يرتق للإمكانات التي يمتلكها الممثل محمد هاشم.
يبدو لي أن أبا العباس أراد أن يبتعد عن المباشرة فغرق في الغموض وقاده هذا الغموض إلى خلط بين فلسفة الموت والوجود وبين قصة البطل المباشرة مما زاد من الموضوع تعقيدا حتى أن تلقي الرسالة التي توخاها الكاتب لم تصل بيسر للمتلقي، ولم تصل نهائيا للبعض الآخر وتوصلنا لهذه النتيجة من خلال استقراء آراء عينة من الحاضرين مختلفة الأعمار..
نحن شعب أو شعوب لغة، وهذا هو المعروف عن العرب، والرسالة التي لم تصل من خلال لغة الموضوع فهذا يعني وجود خلل في هذه اللغة، وهذا لا يعني الانجرار إلى ساحة المباشرة الساذجة السطحية بل المحافظة على عنصرين وهما عمق الموضوع ووضوحه وبدونهما، وخاصة على المسرح، سنبقى ندور في حلقة مفرغة بحثا عن الهوامش التي تفك لنا الطلاسم ! وهنا يعتريني تساؤلا وخاصة ونحن إزاء عمل مونودرامي : لماذا لم يعتمد الكاتب اللهجة المحلية ( اللغة العراقية ):في كتابة موضوعه وهي قريبة للقلب والعقل. ولهجتنا ( لغتنا المحلية ) فيها الكثير من الجناس والطباق والتورية وهي مشحونة بالمشاعر وبها نختصم ونحلم ونحب، وهي تمتلك القدرة على التوغل إلى أعماق بعيدة في أرواحنا لا يمكن لأية لغة مضاهاتها ؟!
الإشكالات في النص تتقاطع، في رأي المتواضع، مع فن الموندراما الذي يعتمد على الممثل الواحد. يفترض بالنص أن لا يلفه الغموض أولا، كما هو حال نص أبو العباس، بل إن يكون أكثر وضوحا لكي يستطيع المتلقي أن يتلقي بسهولة ويسر، لا أن يكون المعنى في قلب الشاعر، فالمطلوب في أعمال المونودراما (فن الممثل الواحد) أن يكون النص أكثر وضوحا وأن يقع في خانة السهل الممتنع، لكي يكون التفاعل المتبادل أكثر تلقائية وأكثر قربا من روح بعضيهما ونقصد الممثل والمتلقي. ولا أعرف لماذا لم يعتمد اللغة المحكية التي تلامس شغاف القلب بدلا من الفصحى، التي كتب بها النص، وكأننا في فصل دراسي. وأعتقد أن المخرج والممثل حاولا إدخال بعض المفردات الشعبية شعورا منهما بثقل الفصحى على المتلقي.
كانت حركات الممثل محمد هاشم التعبيرية من خلال الجسد مقنعة ومؤثرة رغم المساحة الصغيرة التي خصصت له بحكم الرسم الجغرافي الضيق الذي بناه مصمم الديكور! السينوغرافيا التي اشتغل عليها البياتي كانت ملائمة لأداء الممثل وكان مخلصا في قراءته للنص وكان ممكن أن يعطي دورا أهم للدمية التي يحملها الممثل على ظهره، وهذه الملاحظة تخص المخرج قبل غيره.انتشار بقايا الملابس التي ترشدنا لتوقف الحياة لم تساهم بحبنا لهذه الحياة رغم جمالية السينوغرافيا..بقيت كأنها مقبرة مصيرنا الآتي. السوداوية في النص تأثر بها العاملون في العمل من المخرج إلى الممثل مرورا بمصمم السيننوغرافيا ووصولا إلى مصمم الإضاءة! التي كانت داكنة في أكثر الأحيان. كنا نبحث عن تعابير وجه الممثل محمد هاشم دون جدوى، وهذه التعابير مهمة جدا لكونه الممثل الوحيد في العمل ولا يمكن أن نتغاضى عن عدم رؤية مدى انسجام شكل الوجه مع حركة الجسد ومع نبرة الصوت والطبقة المستخدمة.
نعرف أن هناك جهودا مضنية بذلت في هذا العمل ونعرف كذلك أن وزارة الثقافة قد قطعت على دائرة السينما والمسرح السلفة التشغيلية الممنوحة للدائرة وأن هؤلاء المتبرعين بعرقهم وجهودهم، هم من يستطيع أن يجعل من عجلة دائرة السينما والمسرح وخصوصا الفرقة الوطنية للتمثيل أن تدور وان تقدم الأفضل. وإن كل الملاحظات التي قلناها لا تبخس من قيمة هذا العمل الذي يرتقي للأعمال النخبوية أكثر من كونه عملا جماهيريا يعرض على العامة من الناس . ومن المؤسف حقا أن ينتهي العرض بيوم أو يومين بعد كل تلك الجهود المضنية بتدريبات متواصلة لأشهر عديدة. ولكن من أين لنا بالجمهور؟ ليس أمامنا سوى الانفتاح على وزارة التربية مثلا … ودعوة طلبة الثانويات لارتياد المسرح بأسعار رمزية مخفضة وبمشاهدات جماعية منظمة حتى لو في عز النهار! ومن ثم الاتفاق مع مسارح المحافظات وتقديم عروض مكوكية لهذه المدينة أو تلك فسكان المحافظات لهم حق علينا بأن لا نحرمهم من مشاهدة أعمالنا الدرامية مسرحية كانت أم سينمائية.