المخرج المسرحي (الزيتوني بوسرحان) عريس الدورة 3 لمهرجان أبراج الدار البيضاء للمسرح العربي / بشرى عمور
اختارت إدارة مهرجان أبراج ابن امسيك للمسرح العربي في دورته الثالثة المبدع المسرحي وواحد من رواد الحركة المسرحية الهاوية، وواحد من بين أهم محترفيها حاليا، الفنان القدير الزيتوني بوسرحان المزداد بالدار البيضاء سنة 1958، لتكون الدورة باسمه.
* فمن هو المسرحي الزيتوني بوسرحان ؟
لا تخلو أوراق المسرح المغربي منذ أواسط سبيعينات القرن الماضي وحتى اللحظة من حضوره في قضايا الإبداع والتنظيم التي ميزت الحركة المسرحية بالمغرب. فمبدع مسرحيات: ليلة بيضاء، الاغتصاب، ولعب الدراري، والجسر والعصفور، والسيبة، وترانزيت، وخفة الرجل، وحديث ومغزل، والريح، وجمرة، ويوليوس قيصر، وواكل مخو، وأو سويفان، كان في قلب المعارك التي عرفتها الحركة المسرحية الهاوية أواخر الثمانينات والتي حاول فيها مع رفاق دربه آنذاك، وعلى رأسهم الفنان محمد الزيات، تصحيح مسار حركة مسرحية التي كانت تقف على نقيض ممارسة مسرحية انتهازية، تسعى لإفراغ المسرح المغربي من معناه ومبناه في سياق الصراعات الاجتماعية والسياسية وقد وافق هذا المنحى انخراطه في حركة فنية تجريبية أثارت الانتباه إليه وفرقته اللواء، فصار حضور أعماله من ميزات العديد من المهرجان وبخاصة مهرجانات مكناس وأكادير والحمراء والمحمدية. وقد استقطبت العديد من الباحثين والنقاد منهم من اعتبر التجربة امتدادا لحركة مسرحية بيضاوية خالصة، مثل الدكتور بناني / أو واحد من الشباب المخرجين المبدعين في إشارات الباحث الكبير عبد الله شقرون أو شيخ النقاد المغاربة د.حسن المنيعي. وقد تخصص الباحث والمخرج المسرحي د. عبد المجيد شكير في جرائد المرحلة في تجرب الفرقة والرجل، بحكم اتصاله بالفرقة واحتكاكه بالتجربة من الداخل
اعتبر المخرج المسرحي بوسرحان اليزتوني من بين أبرز المسرحيين بالدار البيضاء، والذين سيصير حضورهم طاغيا على الحركة المسرحية المغربية الوطنية المحترفة منذ سنة 2000 . حيث انتظمت إبداعاته الاحترافية وحضوره ضمن نسيج المسرح الاحترافي الوطني، متقدما بثلة من المسرحيين الذين سيصير لهم شأن في ساحة الدراما والسينما المغربتين : ونذكر من بينهم الفنان الكبير كمال كظيمي والفنان أمين الناجي والفنان سعيد طنور والفنانة سعاد الوزاني أو الذين سيستقلون بتجربة مسرحية مستقلة أو توجها خاصا مثل الفنان عبد الكبير البهجة … أما من الممثلين الذين عبروا إحدى تجاربه المسرحية فيمكن ذكر الفنان الكبير عبد النبي البنيوي والفنانة إلهام واعزيز والفنان حاتم الصديقي والفنان ابو علي عبد العالي والفنان خالد بويشو و الفنان جواد العلمي والفنانتين جميلة الهوني ولبنى فسيكي… بهؤلاء خاض تجاربه منذ سنة 2000 في مسرحيات حازت أغلب جوائز مهرجان المسرح الاحترافي الوطني بمكناس في السينوغرافيا (1) والاخراج ( 3 مرات) والتمثيل (5 مرات ) والجائزة الكبرى (1 مرة) …
يمكن تقسيم الحياة المسرحية للزيتوني بوسرحان إلى 3 مراحل أساسية: مرحلة تجريبية اتسقت مع الاتجاه العام الذي طبع مرحلة أواسط الثمانينات من القرن الماضي وقد تميز فيها بخط واضح عكسته مسرحية ليلة بيضاء من تأليفه وإخراجه وماض اسمه المستقبل من إخراجه وتأليف المرحوم محمد تيمد. مرحلة ثانية منذ سنة 1991 ، والتي اشرت عليها عروضه الاغتصاب لسعد الله ونوس ولعب الدراري المعدة عن ليلة القتلة لخوسي تريانا… وشكلت انعطافة في ممارسة نتجت عن سؤال الوظيفة في الخطاب المسرحي في مستوياته التعبيرية المختلفة. هذه الانعطافة عكست تصورا مختلفا لعلاقة المسرح بالإنسان.
يقول المخرج بوسرحان الزيتوني في استجواب مع عدنان حسين في الحوار المتمدن سنة 2005 : “شكلت مسرحيتا ” الاغتصاب ” و ” لعب الدراري ” علامة فارقة في تجربتي المسرحية، فبعد سنوات من التجريب المسرحي، والبحث في الأشكال، وقفت على حقيقتين أساسيتين، الأولى أن التجريب ليس تغريباً بالضرورة، ومن جهة ثانية أن الأشكال ليس مطلباً في الفكر، بل حاجات اجتماعية. إن ما يميز تجربتي “الاغتصاب ” و ” لعب الدراري ” هو أن التجريب هو لم يعد انقطاعاً، بل تواصلاً مع المتلقي، متلقي غير متعين، ويهم أكثر إنسان القاع/ لا إنسان الارتفاع، تجريب يعتني بالحكاية، يتقاسم الجميع لذتها وإن اختلفت سبل التأويل والتحليل… تجريب تكون العلامة فيه اجتماعية، لا مفارقة أو مجردة أو مستنسخة“. من نفس الاستجواب يمكن أن نقف عند مفاهيم مؤطرة لتجربته الجديدة والتي ستمتد إلى الآن يقول في ينفس الاستجواب : “لأن الكثير من التجارب التي عايشتها، وجربت بعضها، كانت تحتفي بالكلام، والشخوص مجرد مقولات” مثقف.. سلطة .. شر.. خير.. رجل .. امرأة..”، ولأن المسرح في هذه التجارب يتحول إلى لقاء أفكار، فقد اخترت أن أجرب مسرحاً يعيش الفكر في الحياة، وتتمظهر المقولات في الأفعال، لم يعد يهمني أن أقول شيئا، بل أن أحكي شيئاً قد يقول ببلاعة فائقة أكثر من رأي مجرد.. وبالفعل فقد وجدت في مسرحيات ” العصفور ” و “الجسر ” و ” لعب الدراري ” ” الاغتصاب ” فرصة لتجريب ذلك، والاقتراب من عالم يحتفي بالحكاية، لأن الحكاية تفرد ولا تعمم، تمنحك حالات أفراد يعيشون أحداثاً، هي التي تصنعهم، وتعركهم، وتجعل منهم ومن منطوقهم ما هم عليه فعلاً، وبالتالي نستطيع أن نتفهم طبيعتهم، أفعالهم، وردود أفعالهم، وأقدارهم، ومصائرهم. إن نزوعي نجو مسرح يحكي هو اقتراب من الواقعي على مستوى البناء، والإخباري لا الإنشائي بالحكاية تتفرد المآسي، ومن تفردها يتكشف قانونها، ويصبح القانون مقياسا. ومن ميزات هذه التجربة والتي عكستها مسرحيات ” ترانزيت ” و “خفة ال رجل ” و ” حديث ومغزل ” أنها جعلتني أنفتح على مسرح مليء بالحياة لا بالتأمل، بالنثر لا بالشعر، من دون أن يغيب الفكر ولا الشعر”
ماذا بقي من هذا الكلام الآن والمسرحي يتم تكريمه في مساحة شهدت مشاغباته طفلا ومراهقا وشابا ورجلا وشيخا، اينه اللحظة وكيف ينظر لما سيلي. حين سألته الفرجة . قال : “لا شيء... سوى أني أريد أن أعاود الاشتغال مع جيل جديد تماما .أن أبدأ من البداية …”