بحث: مقاربة ( التعرضن ) في الرواق الابستمولوجي للتناص/ أ.د. يوسف رشيد جبر (بغداد)
المحتويات
العنـــــــــــوان |
رقم الصفحة | |
من | الى | |
المبحث الأول – المدخل المنهجي | 1 | 5 |
المبحث الثاني – التناص أداة مفهومية | 6 | 9 |
المبحث الثالث – مقاربة التعرضن | 10 | 13 |
المبحث الرابع – خاصية التعرضن – مقاربة الاشتغال بين نساء في الحرب / بيت برناردا البا. – تعرضن السابق واللاحق في كوريولان/ كوريولانس |
13 | 18 |
المبحث الخامس – ( نماذج أخرى ) – قصائد مسرحية – نكتف – – كاليكولا – الهذيان – الردهه – زعيق |
19 | 22 |
المبحث السادس – النتائج ومناقشتها – مقترحات – | 23 | 24 |
المصادر |
25 | 26 |
المبحث الأول
المدخل المنهجي
كان من الضروري للبنيوية التي فرضت حضورها على نقد الفكر المعاصر في فترة الستينيات من القرن المنصرم. أن يكون لها من المريدين والخصوم يوصفها حركة فكرية بالغة التأثير في مجال الدراسات الانتروبولوجية، والماركسية وموقفها من الأدب والتحليل النفسي والتاريخ .
وكما وجدت هذه الحركة أنصاراً لها فقد وجدت حركة ما بعد البنيوية أنصارا لها ايضاً استندت في ارائها الى التصدي لما اتسمت به البنيوية من الأبهام وعدم الوضوح حيث تميز على سبيل المثال مجموعة من انصارها ممن تخلوا عنها امثال (التوسير ). ( فوكو) . ( بارت ) مع ملاحظة من عدل في منهجه منهم وأدمج بنيويته فيما يسمى بجدال ما بعد البنيوية ونقصد بذلك ( ليفي شتراوس ).
ويستمر فعل التغذية العكسية ( الابستمولوجي ) في التطور عند حركة ما بعد البنيوية عبر آرائها ومناقشاتها حول جوانب عدة منها الزمان والمكان و اراء الفلاسفة الجدد وبعض ممن رفضوا طروحات ( ماركس ) و( فرويد ) وذلك انتماءاً ودفاعاً عن الحرية الفردية ، حتى تشكلت حلقة مهمة هي جماعة مجلة ( تيل كيل ) التي بحثت في مجال فلسفة اللغة وكان أهم ما ركزت عليه هو موضوعة ( التناص ) الذي بداء شيوعه من خلال ربطه بعلم الدلالة والتفسيرات المرجعية في النظرية النقدية .
وقد استفاد الفكر العربي المعاصر من انتقال هذه المفاهيم التي كانت تخالط المعاني العديدة من أمثال التأثير والتأثر ومفاهيم الأعداد والاقتباس والاستلهام ومحاولة التفريق بينها وبين السرقة الأدبية حتى زخرت المكتبة بالعديد من الدراسات الحديثة التي عنيت بـ ( التناص) ومفاهيم ( التخارج النصي ) والنقد الفقه – لغوي ( الفيلولوجي)(1) في مجال التأثيرات والمرجعيات الأدبية – حيث كان للنص المسرحي نصيب في مثل هذه الدراسات النصية كواحدة من الإشكاليات التي صار يعنى بها الكثير من النقاد المسرحيون مؤخراً رغم وجودها السابق في التداول الأدبي بشكل عام. فالتناص في الأدب هو مفهوم إجرائي يقوم على تفكيك شيفرات النصوص ومرجعياتها سواء المباشرة أو المفترضة، حيث يصفها (أيجيلتين ) (*) بانها دوران بيئي فعلق للنصوص، وبالتالي فهو كشف عن البنى التحتية.
من هنا جاء الاهتمام بهذه الظاهرة الأدبية حتى صارت تشكل هماً بحثياً لدى بعض المعنيين بالتنظير للنقد والتأليف في المسرح العراقي .
فعلى الرغم من أن هذه الظاهرة لا تشكل منهجاً نقدياً متكاملاً قدر ماهي جزء من منهج نقدي او انها منظومة اشتغال تحليلية تنطلق من منهج النقد المقارن ليتبلور شكلها كمنظومة تحليل في مناهج البنيوية وما بعد البنيوية وتيار اليسار الجديد في النقد وتيار الشكلانية . حتى أخذ التناص في الحقل الصيغي شكلاً له هو ” بمثابة أداة مفهومية بقدر ما هي علامة فهي رواق أبستمولوجي يشير الى موقف ، الى حقل مرجعي ، والى رهانات معينة “(2) وهكذا فقد ظل المصطلح يخضع بشكل مستمر الى تحويل وتحريك بوصفه رواقاً لمرجعيته المفهومية التي يكتسب اهميته من خلالها .
فالنص بوصفه منجزاً ابداعياً يضعنا من أجل أختبار قدرته على الاستيعاب والتعبير امام احتمالين للقراءة . الأول هو أننا نستطيع أن نبقى ننظر الى النص ونعامله كنص بالا عالم وبلا مؤلف أي بلا مبدع وفي حالة كونها عملية ابداعيين عامة ففي مثل هذه الحالة سنشرح هذا النص او المنجز الإبداعي عن طريق علاقاته الداخلية ، أي بنيته ، أما الاحتمال الثاني فهو اننا نستطيع أن نزيل جو الترقب والنظر الذي يطرحه النص وننجزه بطريقة مشابهة الى الكلام ونعيده الى الاتصال الحي ، وفي مثل هذه الحالة اننا نقوم بتاويل له (3) .
ومهما يكن من امر فأن الدراسات والبحوث الجديدة في هذا المجال قد توصلت الى اشتقاق تعاريف إجرائية تقوم أحيانا بمحاولة لضبط معايير مفهوم التناص لتوظيفها في القراءة الإنتاجية للنص اولاً وبالتالي يمكن اعتمادها كمنجز نقدي عند اجتلابها الى ميدان آخر وربما ميدان اكثر سعة في عناصر بنيته مثل (العرض المسرحي ) بوصفه خطاباً .
وانطلاقاً من مفهوم أن النص هو بنية للخطاب ( الميتا لساني ) … وأن كل نص هو تناص يقوم بهضم النصوص التي سبقته وتمثلها وتحويلها (4)أي أن آخر قصة كتبت وآخر قصيدة كتبت هي بالضرورة تتعالق وتتناص مع أول قصيدة في الشعر واول قصة من حيث بنيتها ومرجعياتها وحيث أن التناص في الأدب قد أخذ شكل الظاهرة التي تنتسب الى الخطاب وهو في الوقت نفسه أداة للكشف عن قوانين كلية للإنتاج الفني بمعزل عن مبدعه .
فأن هذا البحث المتواضع يهدف الى محاولة اجتلاب هذه الأداة المفهومية (التناص ) واعتمادها للتأسيس في قراءة لخطاب العرض المسرحي في ضوء بعض اليات اشتغاله وأنواعه والعمل على تطويعها بالاشتراك مع ما يتوافر عليه العرض من عناصر فنية وما يتمتع به من خصوصيات اتجاهية يمكن ان نرصد من خلالها تعالق العرض المسرحي مع ما سبقه وتزامنه معه وما هي المرجعيات في بنية هذا العرض ، وذاك ليس في مجال التناص الكلي وأنما بالقدر الذي يمكن آن ( تتعرض) فيه هذه المرجعيات بين كل عرض وآخر وما هي مظاهرها . اذ يمكن انتخاب شريحة من العروض كالتي يتعرض لها هذا البحث والتعامل معها من باب فرضية أن البحث في الثقافة بشكل عام هو ضرب من ضروب الرياضة الروحية المعاصرة. فضلاً عن انه يسعى الى تأصيل هدف ( التعالق ) من خلال أمكانية النظر في خاصية مثل ( التعرضن ) في مقابل ( التناصي ) عبر قراءة معينة او منهج اجرائي يمكن أن تكون له ادواته ووسائله التحليلية مستقبلاً بحيث يمكن ان تساعد الناقد ، والقارئ المتخصص في كشف البنى التحتية للعرض وتعرية دواخلها في قراءة ( نقدية ابستمولوجية ) للعرض المسرحي ثم ان ( التعرض ) لا يضيف شكلاً حديثاً الى العرض بل هو خاصية كامنة فيه . فهو يشير الى الفاعلية المتبادلة بين العروض لتوكد عدم انغلاقها وانفتاحها على بعضها البعض حيث أن فعل العرض وصيغه البنوية متداخلة مفتحه على بعضها منذ أول عرض مسرحي عرفته البشرية وحتى يومنا هذا . أما في حدود البحث ، فطالما أنه من الممكن أن يتوجه الى أي شريحة من العروض فقد وجد أن يتوجه الى ( عروض طلبة واساتذة كلية ومعهد الفنون ) بوصفهما الميدان الأقرب في عروض تتعامل مع التطور النوعي والدراسات النظرية في جماليات العرض الحديثة . كما أن الفترة هي ( العقد الأخير) الذي شهد تقارباً في خصائص العروض وقابليتها على تحقيق الأصالة الابستمولوجية عبر الفاعلية المتبادلة بين العروض وعدم انغلاقها ، وهذا ما وضع البحث امام منهج ( وصفي تحليلي ) بعيداً عن المألوف في الانفراد بعينه محدودة ودراستها تفصيلاً وانما العمل على تفعيل وتحريك الإحالات والتعالقات أينما وجدت ليبقى باب البحث في أن واحد ولاكثر من عرض مفتوحاً لدراسات وبحوث اكثر سعة .
لقد وجدت فكرة إقصاء المؤلف عن نصه رواجاً في المناهج النقدية الحديثة من خلال ما قدمته الالسنيه من دراسة لفكر وحياة ومستويات الشعوب من خلال اللغة … فالبنيويون قد عمدوا الى توضيح وتفكيك النظام السائد للأفكار والمؤسسات وأن من يلاحظ هذا الامر من خلال وجهة النظر المعاصرة سيتحسس حتماً أن خلف هذه البلاغة البنيوية بعاً من الأمزجة الرافضة لما هو تاريخي او تقليدي مما يسود الساحة .
وهذا ما يتصل بفكرة قوامها أن لا يوجد منهج واحد او موقع واحد وتفسير واحد صحيح اكثر من غيره فكل هذا التركيز على التغيير والتحول على عالم في حالة صيرورة دائمة يمثل تحولاً جذرياً في العمل على تفكيك النظم السائدة وقرائتها بوجهة نظر جديدة من خلال هذه النتيجة يحاول هذا المبحث ان يتقصى مفهوم ( التناص ) وتعاريفه المقترنة بالخطاب ( النص ) ومدى التعالق بينه وبين النصوص أو المرجعيات الاخرى وصولاً لا الى محاولة ضبط مفهومية بقدر ما هو سعي باتجاه ابراز بعض اليات التناص وانواعه ووظائفه للاستعانة بها ( كرواق ابستمولوجي يشير الى موقف الى حقل مرجعي).(5) لأن ( التناص) كمصطلح تتغير دلالته من باحث الآخر تبعاً للمفهوم الذي يسعى الباحث باتجاهه – ولكن الاهم أنه يندرج في مظهره العام في الإشكالية الإنتاجية للنص وكيف يتبلور هذا النص او ذاك … فالتناص كلمة تشذ عن كل اجماع وتتغير دلالاتها اذ تندرج في اطار (البويطيقيا التكوينية ) احياناً وأحياناً اخرى في ( استطيقا التلقي ) وعند البعض الاخر تكون في ( هرمنوطيقا فرويدية او على هامش الفرويدية وهي تتفق من حيث الوظيفه التي تجعل من التناص كسلاح نقدي وكافتتاح لاشكالية اكثر منها كصيغة أيجابية محددة توجه فيها كل دعاة التناص الى ابتسمولوجيا متعلقة بالمعرفة حيث النص المنظور اليه ككيان مستقل حامل لمعنى ملازم له وحيث يقوم كل عنصر وظيفياً بضبط العلاقة مع الكل .. وصولاً الى اقصاء النص عن مؤلفه والتوجه صوب مرجعياته والتأثير المتحقق. (6)
تعاريف اخرى
التعرضن :- (( من باب ( عرض )) له كذا أي ظهر و( عرضته) أي أظهرته له وابرزته اليه و( التعريض ) ضد التصريح يقال ( عرض ) لفلان بفلان اذ قال قولاً وهو بعينه ، ومنه ( المعاريض ) في الكلام وهي التوربه بالشيء عن الشيء )) (7).
ويرى الباحث أن ( التعرضن ) هو نحت إصطلاحي جرى اشتقاقه من مزاوجة (التداخل ) في العروض المسرحية بتورية عرض عن عرض آخر مثل تورية الشيء عن الشيء او قول قولاً وهو بعينه – ومقتربه في المسرح تداخل العروض بأن يعرض بعضها البعض سواء بقصد او بغير قصد .
(**) مقاربة :- جاء في المنجد تعبير قاربه مقاربةً بمعنى ( داناه او حادثه) بكلام حسن وجاء قارب في الامر ” بمعنى ترك الغلو وقصد السداد والصدق “. (8)
والمقاربة اصطلاحاً “تعني كيفية الاقتراب من المادة او الموضوع ومعالجته ، والمعالجة ما خوذه من ( عالجه معالجه وعلاجاً ) أي زاوله ومارسه” (9)
والمقصود كيفية التعامل مع الشيء ، وفي الكتابات المعاصرة ترجمت الكلمة عن (Aproach) الإنكليزية ” التي تعني طريقة لفهم موضوع ما”.(10) وقد وجد الباحث أن التعريف الأخير هو الأكثر خدمة للبحث ويؤدي غرضه مع الرواق (الابستمولوجي) المعرفي للتناص .
المبحث الثاني
التناص أداة مفهوميه
فالتناص بوصفه حقلاً معرفياً واسعاً قد جرى الاتفاق على ظهوره لاول مرة ( على يد الباحثة( جوليا كرستيفا) في عدة أبحاث لها كتبت .. بين 1966، 1967 وصدرت في مجلتي (تيل – كيل ) و كرتيك واعيد نشرها في كتابيها ( سيميوتيك) و(نص الرواية ) وفي مقدمة كتاب ( ديستوفسكي ) ( لباختين)). (11)
ولما كانت هذه المساعي للدراسات البنيوية قد عنيت في موضوعة النتاج النصي بوصفه مؤسسة تسعى الى الخروج بالخطاب من محدوديته وتميزه عن الخطاب الاستعمالي النفعي. من هنا يجد ( تودوروف) ” ان التناص ظاهره نقدية تنتسب الى الخطاب ولا تنتسب الى اللغة. ولذا فانه يقع في مجال اختصاص عبر اللغويات “.(12) موضحاً بذلك مفهوماً قسم فيه الخطاب الى خطاب احادي لا يستحضر خطاباً واسماه ( بخطاب احادي القيمة ) و ( خطاب متعدد القيم ) يستحضر عدد خطابات .
وهو هنا يحقق اقتراباً مع ما تقوله (كرستيفا) حول النص ( أنه جهاز عبر لساني يعيد توزيع نظام اللسان عن طريق ربطه بالكلام التواصلي رامياً بذلك الى الاخبار المباشر مع مختلف أنماط الملفوظات السابقة ) (13).
ولما كان الأدب من وجهة النظر البنيوية مؤسسة اجتماعية او نظام دلالي متكون من بنية مكتفية بذاتها ومحددة ذاتياً من العلاقات المتبادلة وان العمل الفني ، أي عمل فني هو تشكيل دلالي متحرك يعتمد في نفسه على أقامة علاقات بين حاضر وغائب وبين ماضي وحاضر وبين وعي ولا وعي او بين الفعل وقيمه الواقعة فأن ( الكلمة لا تكون وحدها ابداً ) (14) كما يقول سوسير ليشكل المسلمه الأساس التي يندرج التناص من خلالها في الإنتاجية النصية كونه عمل فني لذا فقد جاءت دراسة( كرستيفا) لتقوم على اساس ” تجمع لتنظيم نصي معطى بالتعبير المتضمن فيه او الذي يميل اليه” (15)، وأن العمل التناصي هو أقتطاع وتحويل في بنية من فرضيات قبليه، وحاليه متزامه، الا انها لا تنفصل عن كونها (بنية دلالية) تنتجها ذات فردية ضمن بنية نصيه منتجه، متعالقه مع بنيات ثقافية واجتماعية محددة أنطلاقاً من ( خلفية نصيه) تم تشكيلها من خلال التفاعل مع نصوص سابقة وفي مراحل متعددة” (16) ومن خلال تأثيرات مختلفة وفي اشكال متعددة حيث يمكن ان يحدث هذا التعالق مع بنيات ثقافية متنوعة المصادر ربما في الموروث والحكاية الشعبية وربما من خرافة او اسطورة دينية او تاريخية او حدث اجتماعي او اشكالية ايديولوجية والعمل على تفكيك النظم السائدة بوجهة نظر هي متناصة كيفما اختلفت بالتغاير . بحيث يكون النص … مشروعاً (سوسيولسانياً ) باعتبار ان القيم الاجتماعية لا تنفصل عن اللغة وهو بهذا يرتبط بسياق عام للظواهر الاجتماعية ويتمفصل معها ليشكل مخزوناً ثقافياً خصباً في حين يتعالق مع نصوص اخرى لما ينطوي عليه من محمولات المعنى الهائلة والفضاء السيميائي. (17)
ان هذا الشكل من اشكال التداخل والتعالق ويصفه الناقد عقيل مهدي بـأن” للنص اسلافاً وآقارب تقراء بعضها حدساً او منطقاً سواء بالخطوة الكلية الخارجية للنص او في مناطق التحويرات لعناصره الداخلية” (18).
بحيث يضعنا امام المفاهيم التأسيسية للمصطلح والتي تراوحت بين ( تداخل النصوص) او بين من أسماه ب (التخارج النصي ) أو ( الاقترانات ) التي تناولاتها بعض الدراسات العربية الاخرى وهي تستعرض قراءات المفهوم وتطوراته بما يضع البحث امام الكثير من الاراء والتصورات التي نحاول ايجاز بعض منها فيما كتبه (فيليب سولرس )(*) بأن كل نص يقع في مفترق طرق نصوص وأن ( لوران جيني ) يرى بأنه “عمل تحويل وتمثل عدة نصوص يقوم بها نص مركزي يحتفظ بمركز الصدارة من المعنى” (19) ولعل من المفاهيم التي بدت اكثر اقتراباً من التناص وابتعاداً عما وصف ( بالتخارج النصي ) وما الى ذلك تلك المفاهيم التي ترشح عنها التناص بوصفه إشكالية إنتاجيه للنص تلك التي ترى بانه ” نسيج من الاقتباسات والإحالات والأصداء من اللغات الثقافية السابقة او المعاصرة التي تخترقه بكامله ) (20).
وهكذا فأن الكثير من وجهات النظر قد اقتربت على الرغم من بعض الاختلافات حيث أن ( تيري ايجيلتين ) يرى بأنه ” دوران بيئي مغلق للنصوص” (21) في حين يستخدم باختين لهذا المفهوم مصطلح ( الحواريه ) مدلالاً على العلاقة بين أي تعبير والتعبيرات الاخرى. مشدداً على أن “الجنس الادبي هو دائماً نفس الجنس وآخر جديد وقديم في الوقت نفسه ، فهو يولد مرة ثانية ويتجدد في كل مرحلة من مراحل التطور الأدبي وأن الجنس الأدبي يحيى في الحاضر ولكن يتذكر ماضيه وأصله من خلال صيرورة التطور الادبي” (22) .
فالأدب المسرحي بوصفه جنساً ادبياً وعلى وفق هذا المفهوم قد استفاد من (التناص ) بوصفه ظاهره ادبية ايما فائدة وكذلك عموم العمل الفني حيث يذكر (د.شجاع العاني) أن(شكلوفسكي) يعد اول من اشار الى التناص عندما قال ” أن العمل الفني يدرك من خلال علاقته بالأعمال الفنية الأخرى وبالاستناد الى الترابطات التي تقيمها بينها “(23) ولانطباق هذا المفهوم على فنون التعبير الأخرى فقد استفاد (عبدالفتاح رياض)(*) من هذا المفهوم في تنظيره ( التكوين في الفنون التشكيلية ) بوصفه فناً تعبيرياً .
ولعل هذا البحث يأتي في طريق المحاولة المتواضعة لتقصي التداخلات التكوينية للعرض المسرحي و( تعرضنها ) في بعضها البعض حيث أن كل عرض مسرحي ينطوي على فضاء سيميائي وعلى محمولات معنوية هائلة ، كما انه يضج وعياً ثقافياً حينما يتعالق في عناصره المكونة مع عروض اخرى بالمفاهيم والفضاعات المساهمة في تجسيد المعنى .
اما من حيث الآليات فأن محاولة دراسة التناص في العرض او (التعرضن) فأن اكتشاف واستعارة وتحديد آليات للمفهوم الجديد يعد امراً غاية في الأهمية اذا ما نظرنا الى آليات التناص وتوافق بعضها مع غرض البحث وعدم صلاحية البعض الاخر كونها تختص بشكل خاص في بنية اللغة. وهذا ما نجده في مجال الأنواع والاليات حيث في مجال الانواع نجد أن التناص وهذا ما تجمع عليه الدراسات نوعين (تناص جزئي وتناص كلي) واما الآليات فهي التداعي بقسميه (التراكمي والتقابلي) وبتفرعاته كالتمطيط باشكاله المختلفة (*) وكالشرح والاستعاره والتكرار ثم الايجاز المضاد للتمطيط(**) ويسميه ( شتراوس ) بـ( استبدال الادوات الفنية) أوما يسميه نورثروب فراي بـ( السلفه الاستعاريه)(***). ولعل دراسة النهج الفني للنص ودواخله يمكن ان تشير الى الكثير من التفاصيل في البنية العلائقيه للنص مع النصوص الاخرى وانفتاحه عليها مما جعل التناص اسلوباً قائياً لكيفية انتاج الخطاب ( الفني النص ). بيد أن مفهوم التناص كقيمة اجرائية قد يعد مرتبه من مراتب التأويل، فالتناص كما يراه (ميخائيل ريفاتير) مجموعة النصوص التي نجدها في الذاكرة عند قراءة مقطع معين” (24).
المبحث الثالث
مقاربة التعرضن
اذا كان ( التناص ) هو ظاهرة تنتسب الى الخطاب وهو كشف عن قوانين كلية للانتاج الفني بمعزل عن مبدعه، فأننا نجد أن بالإمكان توظيفه كادات تحليل في العروض المسرحية، وذلك طبقاً الى توصلات البحث فيما تقدم حيث أن التناص هو مجموعة من الآليات للانتاج الكتابي للنص .. تحصل بصورة واعية او لا واعية بتفاعله مع نصوص سابقه او متزامه معه وكذلك فأن له انواعاً وانماطاً ووظائف اذا ما حاولنا إختبارها تجريبياً على خطاب العرض المسرحي، فأننا سنجد حتماً رواجاً لصلاحية الأداة في التحليل خصوصاً إذا أجرينا بعض التعديلات عليها لنفيد منها في دراسة ( تعرضنات ) الخطاب في بعضه البعض ومع بعضه البعض ، آخذين بالاعتبار أن العرض كما هو النص ( عملية إنتاج ) في حالة من التوالد والتأثير وأن العرض هو تمرين مستمر لا يخلو من التأثير والتأثر ولو حتى من حيث الأساسيات المنهجية سواء كان ذلك في اليات عمل الممثل وادواته ام في آليات الإخراج المسرحي واتجاهاته ووسائله وتقنياته .
لذا فأن الخوض في إمكانية تطبيق الأداة لتقديم قراءة تحليليه من شأنها أن ترسم مقترباً بين التناص وما يمكن أن نصطلح عليه بـ ( في التعرضن ) يبدو امراً ممكناً الى حد ما . فاذا كان التناص في الأدب هو طريقة او منهج إجرائي له أدواته ووسائله التحليلية التي تساعد الناقد او القارئ المتخصص في كشف البنى التحتية وتعرية الترابطات المتداخلة فأن هذا سيبدو اكثر انطباقاً على خطاب العرض .. فهو خطاب ينطوي على ( استدعاء قصدي ولا قصدي ) وتغايري او توافقي وهناك(إمتصاص إسفنجي) (25) موظف عبر شكلائية العروض واحياناً في المبنى الفلسفي للعرض وخصوصياته الاتجاهية. وهناك ايضاً على مستوى العرض يمكن رصد اشتغال اليات التناص الصريحة التي يشير اليها ( د. محمد مفتاح ) في( ستراتيجية التناص ) وغيره من المعنين كالشرح والاستعاره والتكرار ثم الإيجاز المضاد للتمطيط بوصفها عمليات (اركيولوجيه) تتغلغل في حفريات البنى الداخلية لخطاب العرض . فضلاً عن أنه بحد ذاته هو انتاج خطاب مسرحي وله آليات مثلما ان النص خطاب مثبت بالكتابة وله آليات.
وفي المسرح بالذات يبدو من الصعب أن نفهم إنتاج النص المسرحي بدون أن نأخذ بعين الاعتبار أن هذا النص لا يمكن ان يكتب دون أن تكون هناك مسرحيه سابقه حتى أن بعض الآراء تصر على أن العرض سابق لنصه المكتوب في المسرح حيث ان الكاتب المسرحي يكاد يرى ما يكتبه من أحداث وشخوص تتحرك أمامه وسريان فعل في حاله من الديمومه والاستمرارية عبر أداء الممثلين وتخيل ازيائهم وحتى بيئة العرض الافتراضية حيث تستشهد (ساميه احمداً سعد ) ببعض الامثله في هذا العرض وتقول أن (مولير) كان مثلاً يعرف أمكانيات كل فرد في فرقته ويعرف المكان الذي سيمثل فيه، وأن ( جبرودو ) يعرف الممثلة التي ستقوم بدور (هيلانه) عندما كتب ( حرب طرواده لن تقوم) وهذا ما يعني أن نصاً هو ( نص –أم ) على حد تعبير ( جوليا كرستيفا ) قد وجد قبل النص المكتوب وقبل أول عرض للمسرحية.(*) ويمكن تسميته عرض أولي لانتاج النص الكتابي اذا جاز لنا التعبير، ثم يأتي العرض المسرحي في أنتاجيه التجسيد ليحرك ويفعل هذا الخطاب المكتوب على المسرح .
عندها نكون أمام نسيج من التعالقات في الشكل والمضمون ليتدفق العرض سيالاً بمحولات فضاء سيميائية ومحمولات معنوية.
فالعرض المسرحي نظام معقد للغاية ولا يمكن قصره على مجموعة معينه من الشفرات المكونه له حيث ان كل عرض هو تركيبه فريدة ومتغيره من هذه الشفرات فالشكل الوحيد الذي يمكن ان تتخذه هذه المجموعة من الشفرات هو البنية الفريدة الخاصة بكل عرض بوصفها قراءة تجسيدية للنص يعاصرها وعي ثقافي يتشكل عبر منهج معين او أسلوب معين وكذلك الحال بالنسبة للمكان الذي يلعب دوراً مهماً في إنتاج العرض فهو عملية تشغيل لنظام العلامات الدالة عليه سواء كان في معمارية الفضاء المسرحي او في منظر مسرحي يقدم العرض من خلاله وسواء كان منطقة للتمثيل او في طريقه واسلوب المشاهده للعرض فالمكان المسرحي في كل أحواله ينطوي على دلالات تتغير تبعاً لتغييراته الفيزاوية ويأخذ المكان أحياناً اخرى ابعاداً ضمنية تحكي فلسفة العرض(**) تبعاً للخصوصية الاتجاهية للعرض والتي تتحكم بطبيعة التلقي بين الرمز الكامن واللاوعي الجمعي. حيث يتجه العرض صوب الواقعية كلما كان الرمز ظاهراً في المعنى والعكس كلما كان عميقاً كامناً يستدعي المقاربة التأويلية بشكل اكبر .
ولعل ما يهمنا من هذا كله أن العرض المسرحي على الرغم من التفاوت احياناً والتداخل الكبير بينه وبين النص المسرحي بوصفهما ميداناً للتأويل والدراسة، فان العرض اذا ما نظر اليه، من زاوية تعالق بناه مع البنى المجاوره أو بالنظر اليه كبنية مكتفيه بذاتها في دوران بيئي مغلق للعروض، فأنه حتما سيشكل سياحة نقدية خلاقه وممتعه في ضرب من ضروب المتعة الجمالية التي تتحقق من خلال نقد مقارن يعنى بمقاربات الاحاله والتمثل من خلال توظيف بعض آليات (التناص ) السالفة الذكر كالتكرار والاستدعاء القصدي والمغايره والايجاز و(التمطيط) فضلاً عن مؤهلات العرض أصلاً والكامنه في مقاربات عناصر العرض وتعرضها على وفق تلك الآليات عبر قراءة علائقية لمكونات كل عرض مسرحي ومعالجاته الإخراجية والتقنية والمكانية ورصد مديات التداخل والتنوع في هذه المعالجات وتعليل صور هذا التداخل ولكن هذه القراءة النقدية رغم أنها تطمح أن تقتدي (بالتناص ) في البعض الأهم من اشتراطاته إلا ان خصوصية العرض و(التعرضن) تفرض في بعض في آليات القراءة الاقتراب من منطقة المبدع وليس إقصائها بشكل نهائي اذ يشكل الأسلوب الاتجاهي الذي يمثله المبدع واحداً من الركائز المهمة التي تستدعي استغال الكثير من آليات التعرض كالتكرار والاستدعاء القصدي او توظيف المكان لاكثر من مرة وفي اكثر من عرض او التعامل مع مفردة عرض معينة يمكن أن تشكل تقنيه حاضره في اسلوب العرض مثل الإيغال في تعميق الدلالة المسرحية للمساهمة في تثوير فاعلية التأويل الى اعمق مساحة ممكنة ، كما يمكن أن يظهر هذا (التعرضن ). ومثلما يمكن أن يظهر ( التعرضن) في عروض المبدع الواحد من الممكن ان يرصد في عروض المذهب المسرحي الواحد ، فالتعبيرية بوصفها مذهباً ادبياً مسرحياً يمكن أن تحقق نوعاً من (الاحالة) فيما بين عروضها من الممكن ان تحقق ذات الأهداف المرجوة.
فالإحالة هي تلك التقنيه التي تتجسد في بنية العرض ويتفاوت حضورها او غيابها حسب الاليه الإجرائية التي تتبعها.
اذ يؤكد (ريكور) (أن النص ليس بلا إحالة وستكون مهمة القراءة بصفتها تفسيراً متمثله باحداث الاحالة بالضبط )(26).
لذا فأن عملية نقل النص الى العرض بالاخراج هي بحد ذاتها احالة في قراءة جديدة للنص نفسه ثم قراءة النقد التحليلي هي قراءة تاكيدية لاحداث الاحالة .
المبحث الرابع
خاصية التعرضن
مقاربة الاشتغال بين نساء في الحرب(*) بيت برنانرد البا (**)
في محاولة للعزف على شبابة عميقه التأثير في ذاكرة التلقي العراقية، سعى المخرج (جواد الاسدي ) الى تحقيق (الاحالة ) الى الخوالد من الاعمال عبر مسرحيته التي الفها وأخرجها ( نساء في الحرب ). اذ تنطلق هذه المسرحية الى مشهدها الاستهلالي من وضعية اساسية قبليه، هي حكاية لاحدى ممثلات مسرحية (بيت برناردا البا ) التي قدمها المسرح العراقي ابان فترة السبعينات، حيث كانت هذه الممثله واحدة من سبع نساء ، لا بل سبع قصائد في قفص للطيور كان قد حلق بهن المخرج ( سامي عبدالحميد ) الى صالة الجمهور ليشكل بذلك خروجاً فلسفياً وجمالياً على القاعدة التقليدية لمالوفية العرض بوضعهن في قفص حديدي وسط (القاعة / العالم ) ومغايراً بذلك لفرضية النص الذي كتبه ( لوركا ) وما وضعه له من بيئة افتراضية تقليدية .
وفي ( نساء في الحرب ) جاء المخرج الاسدي ليعلن عن توليدية موضوعية لاستدعاء القصدي مفادها أن تلك الممثلة التي التقطها التأسيس حكاية العرض هي من بين النساء اللواتي تعرضن للملاحقة والمطارده وقتذاك وقد قيض لها أن تهاجر لينتهي بها المطاف الى أحد ملاذات اللجوء في ( المانيا ) مع اثنين من النساء العراقيات تقيمان معها في ذات الملجأ – فقص الغربه الرهيب ولوعة الحنين الى الوطن الى الحرية الى الحبيب الى الانطلاق هي ذاتها توجعات النساء في بيت ( برناردا البا ) عبر حالة الحصار الذي تعيشه ( نساء لوركا ) ووضعهن ضمن الواقع المعاش من الكبت الداخلي الصرف وازمة الروح وشحة الامل في قفص لم ينفصل فيه السجين عن السجان طالما هما يعيشان في مكان واحد حيث انسحبت هذه الحالة على التعامل الحركي فيما بين الشخصيات في اطار الاحساس بالقيد و( سجانة صارمة ) وشبكة من عالم حديدي يجثم على صدورهن التواقه للانطلاق وما يقابله في ( نساء الحرب) من صرخات وويلات الاحساس الثقيل بكاهل الغربة والانقطاع.. تجتمع كلها لتعرض ماهو انساني داخلي حتى يبدو ماهو لامريء مرئياً وما هو غير مسموع ، مسموعاً .
ان هذا ( الاستدعاء القصدي ) الذي عمد اليه مخرج ( نساء الحرب ) من شأنه أن يشكل ( امتصاصاً اسفنجياً ) لكل توجعات النساء في كلا الحكايتين او (تمثل ) الحكاية التي شيدها ( الوركا ) في شيء من ( الشرح ) الذي لا يخلو من اضافة ابداعية في بنية العرض الجديد .
فاذا كانت المعالجة الاخراجية ( لنساء الوركا ) قد عمدت الى ( الاختزال ) باستبدال الادوات الفنية عما توافر عليه النص الاصلي . فأن المسرحية بشكلها الفني هذا لم تختزل الشكل على حساب المضمون وانما عمدت الى اثراء القيمة المضمونية بالتشكيل الحركي داخل القفص لتبدو اكثر عمقاً في التعبير الانساني . بينما عمد ( الاسدي ) في ( نساء الحرب ) الى التعبير عن ذات التوجهات وذات الازمه باللجوء الى ( مغايرة ) المعالجة وعدم ( ايجازها ) شكلياً يقصد به (التمطيط) وفسح اكبر مجال للحركة من خلال تداخلية تقصدها بين مكان التمثيل ومكان التلقي لابل تعامل مع مكان ( نصف مغلق ) في مقابل الاغلاق التام للمكان (القفص الصريح ) – وبقية العلاقة المكانية بين المسرح وخارج القاعة وبين الخروج من قاعة العرض والعودة اليها علاقة قائمة فرضتها ظروف العرض الجديد وطبيعته . فضلاً عن أن كلا العرضين قد انتخب الاستهلال نفسه لتحقيق نفس الهدف فصهيل الخيول وحركة النساء داخل المكان والذعر الذي اتسمت به الحركة في بيت برناردا – يقابله في ( نساء الحرب) تلك الجلجله والقرقعه والصراخ – وكلاهما يؤدي الى أن العرض كان يريد بالمتلقي أن يتصل بدواخل الممثلات منذ اللحظة الاولى للعرض للامساك بايقاع العرض عبر ( مستبطن الانفعال ) الذي بدت فيه حركة الاستهلال وهكذا تستمر انتيالات ( تعرضن ) تتقافز هنا وهناك بين (عرض مغلق ) و( عرض نصف مغلق ) ( نساء وصهيل خيول في قفص البيت الصارم / تقابله نساء وصراخ وجلجله مفجوعة بالغربة في الملجأ البعيد ونساء لهن احلا مهن في قفص البيت – تقابلها نساء لهن احلامهن المتعددة في الغربه – وهكذا تصل هذه التقابلات احياناً حد التشابه حيث شبق ( ريحانه ) احدى (نساءالحرب ) هو ذاته شبق ( اديلا ) في (نساء القفص) والشوق نحو التحرر يكاد يشابهه حتى في جراءة التعبير وابحيته حيث تقول ( اديلا ) اذن ( سامنح جسدي الى من أشاء ) وهي تتحدث عن افخاذها وعن شفتيها وتضغطهما بطريقة معينة . بينما تردد ( ريحانه ) في ( نساء الحرب ) حواراً يشابهه وبنفس الاحساس موغلة بالتعبير عن سلوكها الشهواني واعترافها بالانحراف الذي لا يليق بـ( امينه) الممثله و(مريم) المعتدلة المفجوعة بالمرض والغربة من خلال علاقة مكانية وتقنية متشابهة حيث الاولى ( اديلا ) ترنو الى بقعه ضوء في الخارج عبر القفص بينما الثنانية فتقيم العلاقة ذاتها مع الخارج عبر الشباك وابواب قاعة العرض بكل ما اوتيت من شبق وشهوانية .
الا ان كل هذا لم يمنع من انها تعبر عن احساس مرير بكونها سجينة حزن يلازمها في كل لحظة حاده من حياتها .
أن هذا الاشتغال الحر والذي يكاد يكون اشتغالاً صريحاً لخاصية (التعرضن) كان مبعثه تناص المضامين حيث يبدو اشتغال هذه الخاصية اكثر وضوحاً في تعالق القروض وتوالدها كلما تقاربت المضامين ورغم تعدد اشكال المعالجة الفنية التي يقدمها العرض. خصوصاً اذا كان الامر يتصل بالهم الجمعي للانسان وما اكثر (الشيمات والمضامين ) التي تناولت هذا الهم المعاصر .
ومن الجدير بالذكر ان ( سامي عبدالحميد ) مخرج ( بيت برناردا البا ) رغم انه يتمتع بمخيلة ابتكارية رائعة الا انه … لم يخف رغبته من محاكاة جانب من الشكل الذي قدم فيه ( بيتر بروك ) مسرحية ( حلم ليلة صيف ) حينما قدم ممثليه يتأرجحون في الفضاء مثل لاعبي السيرك . كذلك كان حلم لم يتمكن من تحقيقه (سامي عبدالحميد ) في عرض صورة كهذه لشدة تأثره بها .(*)
لذا وعملاً بما درج عليه البحث في استعارة لاليات ( التناص ) فأن هذا التأثر الذي انبثقت عنه رؤيا ( عبدالحميد ) هذه يمكن ان يكون ( أمتصاصاً اسفنجياً) ( احالة) الى الشكل الذي عالج به اخراج المسرحية في شكلها هذا الذي لاتقف عند هذه الحدود من التعالق مع العرض الجديد ( نساء الحرب ) وحسب وانما يلتقي معه بالكثير من الخصائص التقنية التي ترسخ هذا التعالق فمنها .
البساطة في العمل 2- الرمز السهل الذي لا يتطلب من المشاهد سوى لمحة ذكية واعية .
التعالق في اظهار دواخل الشخصيات للعرضين وضعهما ضمن الواقع المعاش في شكل العرض . ولان العرض المسرحي يتمتع بخصوصية توليدية ، وأنه لا محال منه ضمن اطار حتمية التعالق فقد وجد الباحث أن يسوق مقاربة اخرى مجاوره ولتكن بين ( نساء الحرب ) ومسرحية ( ترنيمة الكرسي الهزاز) (**) وهي مسرحية شيد معمارها الكتابي ( فاروق محمد ) وهي حكاية تحريضية مشفره لا مرأتين هما ( مريم ) و( راجحه ) وذكر ياتهما في المكان الذي صار بطلاً ثالثاً للعرض مستفيداً بذلك من القيمة التعبيرية للمكانية والانزواء فضلاً عن بعده النفسي في الشخصيات ( فمريم ) مثلاً ، رغم بؤس حالها ترنو الى الزمن الذي كانت تحتل فيه مكاناً حاضراً في ذاكرتها حينما كانت ( مطربة ) تقف بجداره أمام عشاق صوتها وكذلك ( راجحه) فهي بانتظار الغائب الذي طال غيابه وطال انتظاره .. فبين لوعة الانتظار والرغبة في الخلاص من قيوده الموجعه تستطيع أن تتلمس بعض هذه التقابلات في عرض ( نساء الحرب ).. حيث الممثلة ( أمينه ) لا تجد الا ان تسترجع هي الاخرى لحظات مجدها أيام كانت على مسارح الوطن .. فهو قد يشكل الى حد ما ( سلفه استعاريه ) قام بها النص الجديد وهو شكل من اشكال خاصية (التعرضن ) حيث المطربه هنا ممثلة هناك وحلم الوقوف على المسرح هو ذاته – واسترجاع الايام الماضية هو ذاته ويمكن ان يستمر فعل المقاربة هذا اذا ما امعنا النظر في تلك التعالقات والانشاءات التوليدية وتكراراتها على مستوى معالجة الشخصيات وعلى مستوى الانشاء المكاني والنفسي بين عوامل القطيعة والحرمان وما يمكن ان يتركه في نفس المرأة من تراكمات سلبيه تنتهي بها الى موت الهجرة وموت الهجران وحيث انتهت ( مريم ) ( نساء الحرب ) الى المرض العضال فأن ( مريم ) ترنيمة الكري الهزاز تنتهي الى ذات المصير، فاذا كان عرض ( نساء الحرب ) قد تعالق مع شخوص واحداث وبيئة اخراج (بيت برناردالبا) فأن تعالقاً نفسياً وشخصياً يمكن ان نتلمسه كلما توغلنا في تحليل الشخصيات و المعالجة الاخراجية ( لترنيمة الكرسي الهزاز ).
– تعرضن السابق واللاحق في كوريولان – كوريولانس :
لم تقتصر فكرة التعالق بين العروض على ما يمكن ألأن تبرزه خاصية (التعرض) من تعالق في الشخوص او الفلسفة الفكرية للعرض المسرحي او في طريقة المعالجة للبيئة المكانية او لمشهد مسرحي معين ، وانما يمكن ان ترصدها في كثيرة من التفاصيل الاخرى حيث يمكن رصدها في المعالجة الاخراجية لعرضين مختلفين ولهما مضمون واحد كما يمكن رصدها في عروض المخرج المسرحي الواحد عبر تكرارات الوسائل والادوات امكانية التعالق مع مخرجين آخرين فضلاً عن أن الخصوصية الاتجاهية للعرض عبر المذاهب المسرحية هي الاخرى من شأنها أن تبرز الكثير من التعالقات التي يمكن ان تعزز متعة البحث عن خاصية ( التعرضن) ومحاولة رصدها .
فمن العروض المسرحية التي نحاول أن نرصد من خلالها عناصر التعالق في الجو العام للعرض ( مسرحية كوريولانس)(*) التي كتبها ( شكسبير ) وقدمها معهد الفنون الجميلة مؤخراً ومدى التعالق بين عرض هذه المسرحية مع مسرحية (كوريولان) (**) التي كتبها (برشت ) عن النص السابق نفسه. والمقدمة في كلية الفنون الجميلة قبل حوالي ثلاثين سنة. والمسرحية السابقة التي اخرجها ( د. عوني كرومي) عن النص الملحمي (البرشتي) وبطريقة معالجة اخراجية في اطار الملحمية التي عرف بها ( كرومي ).
فقد حاول مخرج( مسرحية كوريولانس ) (د. زهير كاظم ) أن يبقي على قداسة الولاء للنص الشكسبيري ولم يلجأ الى نص ( برشت ) رغم ان معالجته الاخراجية هي الاخرى جاءت في اطار ( ملحمية برشت ) ويبدو أن المخرج (كاظم) كان يقصد بهذه ( القصدية في المغايرة ) أن يقدم ماهو جديد الا انه لم يجد أمامه الا الولوج الى النص الشكسبيري بالحذف والتعديل ليجد نفسه في مواجهة مع نص هو الأقرب من النص الملحمي الذي كتبه ( برشت ) وسبقه الى اخراجه (د.عوني كرومي ) .
وعليه فأنه لم يجد بداً من الاذعان للمعالجة الاخراجية التي قدم بها العرض. فعلى الرغم مما اتسم به العرض بشكل عام من قابلية في التعبير عن قدرات المخرج التشكيلية فأن الطبيعة المضمونية قد ظلت هي الغالبه والمسيطرة على الكثير من المعالجات المشهدية، حيث كما هو معروف أن النص يتعامل مع مجاميع وتكوينات بشرية تفرضها طبيعة الحكاية مثلما يتعامل مع مشاهد المقابلة والمبارزة وهذه لايمكن أن ينجو مخرجاً فيها عن ( التعرضن) مع أي مخرج آخر ، فالمبارزة هي المبارزة وهي القتال بالسيف – وسواء استعار المخرج خشبه أو أي اداة اخرى فأن هذا المشهد حتماً يفرض عليه التشكيلات الحركية ذاتها أينما وجدت . وكذلك دخول وخروج ( الشعب ) و( مجلس الشيوخ ) وميزانسينات العرض . واذا كان العرض السابق ( حكوريولان ) كان قد قدم في مسرح صغير جداً هو المسرح التجريبي للكلية فأن العرض الجديد اختار المسرح الوطني بامكانياته المساحية الهائلة والتي هي لاشك اكثر ملائمة لهكذا عروض مسرحية .
وربما من باب فرضية الابدال والمغايرة يرى الباحث لو كان العرض الاول (كوريولان) قد قدم في ( المسرح الوطني ) الذي لم يكن قد اكتمل بناءه انذاك لكان اوفر حظاً في المعالجة الاخراجية – حيث استخدم العرض ( قلاعاً ) متحركة تنتفتح وتنغلق اثناء مشاهد القتال لتفضي الى دهاليز وممرات كلها كانت محاصرة يضيق المكان في حين عمد ( زهير كاظم ) الى معالجة المكان الفسيح بمغايرة القصد مع العرض الاول بالمجاميع البشرية وتشكيلها على المساحة المكانية التي مهما حاول ان يشغلها . فقد كانت حركة المجاميع في مشاهد القتال تشابه حركة (القلاع ) في العرض السابق مما افقد المشهد قوته التأثيرية خصوصاً لدى مشاهدي العرض السابق. وفي مظهر آخر من مظاهر خاصية ( التعرضن) استخدام ( خامة النايلون) وخاصة القماش وتوظيفها في العرض متحققاً الاحالة الى عروض ( د. صلاح القصب ) في مسرحية ( الملك لير ) وغيرها .
نستنتج مما تقدم ان اشتغال ( خاصية التعرضن ) أمام ذاكرة المتلقي على الرغم من انها تمنحه متعة لذيذة في تلقي العرض ومقارناته الضمنية الا انها ليست بالضرورة توصله الاحساس بالتأثر في العرض ، فالعرض المؤثر لدى المتلقي الحاضر الذاكرة هو العرض الاكثر تأثيراً سواء كان حالياً او قبلياً .
ومهما يكن من أمر فأن عرض ( كوريولانس) يبدو مهماً للباحث اذا ما نظـر اليه من باب مقاربات البحث – التي تنطلق من أشتغال اليات التناص فيه وتعالقه مع النص السابق وحتى اشتغالها في العروض( السابق واللاحق ) – حيث المعالجة الاخراجية التي تنتمي من حيث المنهج الى منهج واحد هو ( الملحمية ) وما حققه في العرضين من اشتغال الالية ( التمطيط ) حيث عمد العرض الاول الى (الايجاز) بحكم ضيق جغرافيا المكان واشتغال (الاستعارة) في تشكيل المجاميع البشرية ومشاهد ( الشيوخ ) ومن الجدير بالذكر العرض الاول ( كوريولان ) لم يكن هو الاول اذا ما نظر اليه من خلال ( الاستعاره ). حيث أنه هو الاخر كان يستعير بعضاً من تشكيلاته عن مرجعيات ومصورات سابقه للعرض نفسه في تحقيق الشكل الفني للعرض من خلال(القلاع والتروس واللباس ) وما الى ذلك مما أعتقده المخرج مشروعاً في نقله طالما يخدم العرض وهذا بحد ذاته ( استدعاء قصدي) من المخرج ( كرومي) فان غايته أن يساهم في نقل المنهج الجديد بكل السبل التي يمكن ان تحقق ( تمثل ) الاتجاه الملحمي في العرض .
من هنا تأتي تجربة ( كوريولانس ) لزهير كاظم في العرض لتكون محاولة لاعادة تاليف العرض الغائب بوعي سكوني عبر تمجيد المظاهر الشكلية الخارجية وهذا ما يسمونه في تناص الادب با( الاجترار )، فضلاً عنمحاولته في الاسقاط المعاصر بما يشبه 0 (التحقيق) – أي انجاز معنى او مضمون كان في تراث العرض السابق بما يشكل وعداً في محاولة لأخذ المعنى والذهاب به الى ابعد مما هو عليه – بالاسقاط وهذا ما يسميه ( لوران جيني ) بـ( التحويل ).(27)
المبحث الخامس
نمـــــــــاذج اخـــرى
من النماذج الأخرى التي يمكن رصد خاصية ( التعرضن ) فيها تلك النماذج التي تنتمي الى الأسلوب الاخراجي الواحد وعلى وجه التحديد في الاتجاهات الاخراجية الحديثة التي تنتمي الى مؤسسة التجريب في انعاش الخطاب البصري الذي يستمد عافيته التعبيرية من معطيات السينوغرافيا ومعطيات مملكة الجسد في ظل قصدية قوامها التغيب المتعمد لسلطة ما تبعاً لاتجاهات العرض الجديدة .
ولعل أشد العروض تميزاً في هذا الاتجاه عروض ( د. صلاح القصب ) التي أتسمت بسمة المجافاة والمطاردة لقداسة النصوص اللفظوية المكتوبة . واذا كان لابد للتجريب أن ينتخب طريقاً في ( الميتا مسرح ) وتمثل الخطاب المسرحي بالجسد والصورة البصرية فأن ثمة أجماع جديد على تلقي هذه التجربة والتعاطي معها من قبل جيل من التدريسيين الفنانين الشباب وكذلك من قبل عدد كبير من الطلبة سواء كان في الكلية او في معهد الفنون بوصفهما الميدان التربوي للبحث.
فعلى مستوى ( التعرضن) ورصده في الاعمال الفنية ( للقصب ) يمكن الوقوف عند جملة من المفردات التكوينية للعرض التي تشكل تكراراً واسع للمعنى والمفتوح تأويلياً شأن كل عرض مسرحي قابل لأظهار خاصية (التعرضن) .. حيث يستوقفنا القصب أمام ( اولاً) وحدة غياب النص وتماهي المضمون الصريح في وحدة الشكل او تنوعاته بالجنوح صوب التعبير بالضوء وسينوغرافيا العرض ، واشتغال اللون بوظيفة تعبيرية مفتوحة مجاورة تجافي المألوف احياناً في انفتاحها بالضوء والزي والشكل السينوغرافي والجو العام للعرض .
(ثانيا) قصدية البحث عن المفردة الاكثر ادهاشاً والعمل على استثارة الطاقة الوظيفية لتلك المفردة – الالات موسيقية مقطعة الاوتار – عربات قمامه – سيارات – معاول – مصابيح اضاءة ( قطع قماش ونايلون) واشرطة سللويد فلمية – وما الى ذلك من مفردات أتسمت ( بتعرضنها ) في … معظم العروض ، حيث راكب الدراجة البخارية في ( مكبث ) هو غيره في ( عزله الكريستال ) والاشرطة الفلمية هي غيرها من ( العاصفة ) والقماش هو غيره في ( لير ) .
(ثالثاً) شخوصه هي ملتقى لهم جمعي للانسان المقدس في حضرة الثقافة البصرية التي تشهدها عروض القصب مثل – مثقف في محنة النظر التي العالم – عازف متوحد- فيلسوف مستلب – محنه المتسلط – راكب دراجة بخارية – وغيرها من الشخوص التي أقتبس منها الكثير ليعيد تشكيلها من عرضٍ لآخر في ( استدعاءات قصدية متغاير ) .
ان هذا التحميل الدلالي العالي الذي تمتعت به عروض ( القصب ) وقدرتها على تحقيق الاحالات التأويلية للمنظومة العلامية التي ينطوي عليها العرض لاحداث الصدمة التاويلية وكسر المألوف والتوقع قد كان لها الاثر الكبير في ساحة التداول المسرحي خصوصاً على مستوى طلبة الفن لذا فقد جاءت عروض ( الموسم المسرحي)(*) لطلبة كلية ومعهد الفنون الجميلة لتشكل امتداداً واضحاً لتأثيرات هذا المسرحي البصري المفلسف لمكونات العرض .
ولان تجارب الطلبه هي تجارب بكر في هذا الميدان فأنها حتماً قد تمظهرت فيها خاصية ( التعرضن ) بشكل تراوح بين ( الاستدعاء القصدي ) و( الاستدعاء المتغاير) و( التخطيط ) وبين المحاولات الطموحة للتصدي للمنهجيه التقليدية التي قدمتها الدراسات الاكاديمية بينما تراوحت تجارب التدريسيين من امثال ( ياسين اسماعيل ) في مسرحية ( نكتف ) بين بعض ( الاحالات) ذات العلاقة بالتاريخ الفني والبناء التكويني للفنان، حيث ان المخرج (ياسين ) قد بدى اكثر اقتراباً من (مسرح الواقعية الخيالية ) الذي يمثله في العراق المخرج (د. فاضل خليل ) اكثر من غيره حيث بدت هذه اللمسة التأثيرية للاتجاه في عرض ( نكتف ) من ناحية ومن ناحية اخرى فأن ثمة اقتراب من حيث المكانية بينه وبين عرض مسرحية ( قصائد مسرحية )(**) التي اخرجها سابقاً ( د. عوني كرومي). وقد يبدو ( التعالق) واضحاً اذا ما اخذنا بالاعتبار ان العرضين قدما ( لساناً مسرحياً ) في البيئة المكانية للقاعة عمدت مسرحية ( نكتف ) الى جعله البيئة الاكثر سعة لمنطقة الاداء با(التمطيط ) الذي ساعد على وجوده سعة قاعة العرض الجديد .
في حين يشكل ( التعالق ) عبر التعامل مع عناصر العرض فضاءاً رحباً لاشتغال خاصية ( التعرض ) بين العرض نفسه وبين عروض ( د. فاضل خليل ) في الواقعية الخيالية وبين اجواء مسرحيات ( الهذيانات ) اخراج غانم حميد وساهم فيها المخرج ( ياسين ) كلها كانت أجواء مسيطرة كان المخرج يعبر من خلالها عن تحرير لخطابه الاخراجي المتفرد ، بيد أن هذه المسرحية لا تشكل ميداناً (التعرضن) وتقف عنده وحسب وانما هي شأنها شأن أي عرض حداثوي يمكن ان يستنهض الكثير من التقابلات والتعالقات الكامنة فيه . فلما كانت فرضية التعالق ليست بالضرورة في الفرضية القصدية للمبدع نفسه وانما هي نتاج لتأويل العرض على وفق ما تختزنه ذاكرة التلقي النقدي للعرض فأن هناك الكثير من التقابلات التي لا يمكن لبحث بهذه المساحة المحدودة أن يلم بها الا من خلال المرور الشامل والسريع على بعض مواضع ( التعرضن) بين هذه العروض .
فبين مسرحية ( نكنف) و( ورشة كاليكولا ) اخراج مخلد رسم هناك ثمة تقابل من طرف البنية الداخليه للعرض حيث ينطلق عرض ( ورشة كاليكولا هو الاخر من مقلوب لمونودراما داخلية لشخصية كاليكولا تنفتح على عناصرها التكوينية التي تشكل قاعدة الهرم المقلوب للشخصية الواحدة في ( معالجة سايكودرامية ) وكذلك الامر بالنسبة ( لمسرحية نكتف ) فهي هرم مقولب لشخصية ( الاستاذ الجامعي ) الذي يقود مونودراما قاعدتها الحوادث اليومية التي باتت مألوفة اجتماعياً ومسرحتها بطريقة ( سوسيودرامية ).
وهكذا بالنسبة للعروض الاخرى حيث انتخب التي حملة القيمة النصية للانسان وهموم الانسان وتعاملت معها على مستويات اخراجية متنوعة ومتعالقة في تقنياتها أيغالاً في تعميق الدلالة المسرحية للمساهمة في تثوير فاعلية التأويل الى اعمق قدر ممكن والسعي باتجاه استثمار التعبير الجسدي والايقاع الحركي والتعبير الضوئي في صياغة جديدة لخطاب بصري يمكن استقباله على نحو تأويلي مما أظهر اشكالاً متعددة ( للتعرضن) واشتغالات هذه الخاصية من عرض لآخر ففي مستوى ( القصدية ) في التعاطي مع المفردة الاكثر ادهاشاً والفعل الاكثر جراءة عمد البعض من مخرجي هذه العروض أحياناً الى التصدي لمقبولات الحياة الواقعية واعرافها ونواميس المسرح المألوفة حيث – مثلاً السلوك الشاذ ( لكاليكولا) في قسوة التعامل مع الاسماك الحية في التلذذ المجرم برميها على خشبة المسرح وهي بين الموت والحياة ويقابله في مسرحية ( منافاة ) لحسن خيون اظهار السجين من تحت الارض او الولوج الى ممارساته (البايولوجية ) في اقضاء ( حاجة التبول ) امام الجمهور – والتعذيب الجنسي) في العرس الوحشي – اما على مستوى المكان فقد تراوحت ( التعرضنات ) في تشكيل بيئة المكان بين اماكن مغلقة تماماً كما في (العرس الوحشي ) لباسم الطيب ، و( كاليكولا) و( منافاة ) وبين اماكن مفتوحة تماماً في الفضاء مثل ( بروفة ) لعلي فاضل و( الدردهه ) لصميم حسب الله اما على مستوى الشخوص فانهاهي الاخرى في تكرارات متباينة حيث تجد شخوص (كاليكول)ا تشابه الى حد ما شخوص ( الدرهه) وتشابه شخوص مسرحية ( زعيق ) لمعهد الفنون الجميلة ، وقد وصل حد التشابه الى اجتلاب مشهد وشخصية من (كاليكولا) في مسرحية زعيق حيث يؤدي الممثل دريد عباس من (كاليكول)ا ذات الاغنية الاوبرالية بالايطالية في مسرحية ( زعيق) عبر ( استدعاء قصدي ) و(مع سبق الاصرار كما يقولون) .
ومهما يكن من امر ولكي لا يتوسع مجال هذا البحث اكثر فأنه من الممكن رصد اشتغال خاصية ( التعرضن) التي يهدف هذا البحث الى ابرازها اكثر فأكثر من خلال مراقبة وتحليل عناصر العرض ضمن كل عرض مسرحي وتعالقها مع العروض الاخرى والبحث عن التعالقات العامة الجامعة احياناً لمجموعة من العروض في موسم او في عصر معين لتصبح هذه ( التعرضنات ) هي سمة الجيل او الموسم او سمة العصر . فسمات هذا الجيل من المسرحيين الذين تعرض لهم هذا البحث يمكن اختزال هيئتها في .
انفتاح العرض الجديد على التيارات والاتجاهات وازالة الحواجز المنهجيه في تبادلية بالاتجاهات بين تجريدية العرض وواقعيته .
تحولات المكان الواحد والاستخدامات المتنوعة للمفرده الاساس في العرض والسعي باتجاه مغايرة الوظيفة التعبيرية المالوفة .
تعالق العروض في التعامل مع الخطاب الجمالي البصري ومعطيات السينوغرافيا ومعطيات الطاقة التعبيرية لمملكة الجسد في ظل قصدية قوامها التغيب المتعمد لسلطة ما .
تما هي المضمون الصريح وتواريه في بنية الشكل بالجنوح الى الايغال في تعميق الدلالة المسرحية التي ينطوي عليها التعبير الجسدي والايقاع الحركي وسينوغرافيا العرض .
النتائج
أن ( التعرضن ) هو خاصية يتسم بها العرض المسرحي في تعالقه مع العروض الاخرى كما هو ( التناص ) حيث ( أن كل نص هو تناص ) ويقابله (ان كل عرض هو تعرضن ).
النص هو نسيج من الاقتباسات والاحالات السابقة والمعاصرة ( على حد بارت) يقابله العرض هو نسيج من الافعال التي تجسد اقتباسات واحالات من العروض ذات الاتجاهات المختلفة – السابقة والمعاصرة تخترقه بشكل مبتكر .
في النص تجد أن ( النص الجديد يقوم بهضم النصوص التي سبقته وتمثلها وتحويلها حيث لاخلاص من الوقوع في شرك جدلية القراءة والكتابة التي تعتبر مرجعية الانتاج النصي ). يقابله أن أي عرض جديد هو امتداد لاول العروض القديمة حيث يقوم بهضم العروض التي سبقته الى هضم فلسفة ما وتمثلها وتحويلها وهو ايضاً لافكاك له من الوقوع في شرك المرجعيات .
تبرز خاصية ( التعرضن) في الاشكال السينوغرافية وهيئة العرض أضافة الى المعالجة الاخراجية والخصوصية الاتجاهية للعرض .
ان ( التعرضنات ) الداخلية التي يكشف عنها التحليل النقدي لكل عرض مسرحي هي امتداد لعملية شاملة منطلقها ( التعالق ) بين المسرح والحياة بشكل عام من خلال ما يحققه المسرح من ( تعرضنات ) مع موجودات الحياة .
تشتغل خاصية ( التعرضن ) بين الجيل المسرحي المتقدم مع مرجعياته التكوينية وفهمه للخصوصية الاتجاهية ويستمر اثر اشتغال هذه الخاصية من جيل لآخر حيث ينتقل الاثر مثلا من د. صلاح القصب ود. عوني كرومي ود. فاضل خليل ود. عقيل مهدي الى جيل ياسين اسماعيل ود. قاسم مؤنس واحمد حسن موسى وغيرهم ثم الى جيل مخلد راسم ، وصميم حسب ، وحسن خيون وباسم الطيب وغيرهم وهكذا كل حسب مرجعياته وتأثراً ذاكرته المبدعة في دوران بيئي .
مقترحات
يقترح البحث ما يلي :
ـ توسيع دائرة البحث بالموضوع نفسه في رسالة ماجستير .
ـ اقتراح مشروع بحث مماثل فيما يخص ” خاصية التعرض في التقنيات المسرحية ” ” او السينوغرافيا .
ـ أقتراح مشروع بحث مماثل في مجال الموسيقى . يحدد عنوانه بتخصصيه دقيقة .
المصـــادر
آ- المعاجم
البعلبكي ، قنبر ، مورد الميسر ، بيروت ، دار العلم للملايين ، 1979 .
الرازي ، الامام محمد بن ابي بكر بن عبدالقادر مختار الصحاح . المركز العربي للثقافة والعلوم – بيروت .
اليسوعي ، الاب لويس معلوف ، المنجد ، بيروت ، المطبعة الكاثوليكية ، 1956.
ب- الكتب
أنجيينو مارك ، في اصول الخطاب النقدي الجديد – ترجمة- احمد المديني – بغداد .
ايجلتين – تيري ، مقدمة في النظرية الادبية ، ترجمة – ابراهيم العلي ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد : 1992 .
باختين – ميخائيل ، شعرية دستوفسكي ، ترجمة – جميل نصيف ، الدار البيضاء : دار توبيقال للنشر / 1986.
رياض – د. عبدالفتاح ، التكوين في الفنون التشكيلية ، القاهرة : دار النهضة ب ت .
كرستيفا ، جوليا ، علم النص ، ترجمة ، فريد راهي ، الدار البيضاء : دار توبيغال للنشر ، 1991.
مفتاح ، د. محمد ، تحليل الخطاب الشعري ( استراتيجية التناص ) دار التنوير، ط1،1/1985.
ج- الدوريات
أسعد ، ساميه ، النقد المسرحي والعلوم الانسانية ، مجلة فصول ، مصر : الهيئة المصرية للكتاب ، المجلد الرابع ( العدد – اكتوبر – نوفمبر – ديسمبر 1983.
بارت – رولان ، في الاثر الادبي الى النص ، ترجمة – عبدالسلام بنعبد العالي – مجلة الفكر العربي المعاصر ع 28- آذار 1986.
بارت – رولان ، نظرية النص – ترجمة – محمد خير البقاعي ، مقال في مجلة العرب والفكر العالمي – لبنان : ع3 ، صيف 1988.
تودوروف ، تنزفتان ، التناص ، ترجمة ، فخري الصالح ، الثقافة الاجنبية ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد : العدد 4 ، السنة 1988.
توما – عزيز ، مفهوم التناص في الخطاب النقدي المعاصر ، مجلة الرافد العدد 31،الشارقة ، 2000 .
العاني – د. شجاع ، الليث والخراف المهضومة ( دراسة بلاغة التناص الادبي ) مجلة الموقف الثقافي – العدد 17،السنة 1998
مهدي يوسف –د. عقيل ، التناص ورسم العرض ، مجلة أسفار ، بغداد ، دار الحرية للطباعة ، العدد ( 19-20) – 1955 .
الموسوي –د. خليل ، التناص والاجناسية في النص الشعري ، مقالة / مجلة الموقف الادبي ، دمشق : ايلول 1966 .
هوي – ديفيد – النص والسياق ، ترجمة – خالد حامد ، مقال ، مجلة الثقافة الاجنبية ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد : ( ع1/1988) .
د- الرسائل
بهاء كاظم – ثائر – التناص في النص المسرحي العراقي ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية الفنوان الجميلة / بغداد / 2001 .
هـ – المقابلات
– مقابلة مع الفنان سامي عبدالحميد – مسجلة صوتياً – اجراها الباحث على هامش عرض مسرحية ( بيت برناردا اليا ) ، كلية الفنون الجميلة / عام 1978.
الهوامـش:
(1) ينظر انجينو مارك ، وآخرون – في أصول الخطاب النقدي الجديد – ترجمة احمد المديني – بغداد : دار الشؤون الثقافية ط2 /1989 ص 101- 106 .
(*) ينظر ايجيلتين – تيري – مقدمة في النظرية الأدبية، ترجمة، إبراهيم العلمي، دار الشؤون الثقافية، بغداد : 1992 ، ص 102 .
(2) انجلينو ، مارك وزملاءه – مفهوم التناص في الخطاب النقدي الجديد – ترجمة ، احمد المديني ، دار الشؤون الثقافية العامة سنة 1989ص 101 .
(3) ينظر المصدر نفسه .
(4) ينظر بارت، رولان، نظرية النص، ترجمة محمد خير البقاعي، مقال في مجلة، العرب والفكر العالمي مج3، صيف 1988ص 96.
(5) أئيجنو مارك – مفهوم التناص في الخطاب النقدي الجديد – المصدر السابق نفسه ، ص 101 .
(6) ينظر المصدر نفسه ص 111- 112.
(7) ينظر الرازي، الامام محمد بن ابي بكر بن عبدالقادر، مختار الصحاح، المركز العربي للثقافة والعلوم، بيروت، ص 317.
(**) استفاد الباحث من استخدام سامي عبدالحميد لتعريف المقاربه في بحثه الموسوم ( مسرح شكسبير دراسة مقارنة للمقاربتين النصية والاخراجية ) .
(8) انظر اليسوعي ، لويس معلوف ، المنجد ، بيروت ، المطبعة الكاثوليكية ، 1956، ص 881-882 .
(9) المصدر نفسه .
(10) البعلبكي ، قنبر ، مورد الميسر ، بيروت ،دار العلم للملايين ، 1979 ، ص 29 .
(11) المصدر السابق نفسه ص 102.
(12) تودورف. تزفتان، التناص، ترجمة فخري الصالح – الثقافة الاجنبية – العدد (4) 1988ص5.
(13) كرستيفا ، جوليا ، علم النص ، ترجمة فريد زاهي – الدار البيضاء – دار توتيكال للنشر 1991 ص 21.
(14) أصول الخطاب النقدي نفسه ص 103 .
(15) المصدر نفسه .
(16) يقطين ، سعيد ، انفتاح النص الروائي ، المركز الثقافي العرب ، بيروت : 1989ص 32.
(17) ينظر : عزيز توما ، مفهوم التناص في الخطاب النقدي المعاصر ، مجلة الرافد ع 31 المشارقة ص 20 .
(18) د. عقيل مهدي يوسف، التناص ورسم العرض، مجلة أسفار، بغداد: دار الحرية للطباعة العدد (19-20) 1995 ص 42.
(*) ينظر انبجينو وآخرون ، اصول الخطاب النقدي الجديد نفسه ص 105
(19) انتجينو وآخرون – المصدر نفسه .
(20) بارت رولان – من الاثر الادبي الى النص – ترجمة ، عبدالسلام بنعبدالعالي – مقال مجلة / الفكر العربي المعاصر ع28/اذار 1986 بيروت ، ص 115.
(21) أبجلتين – تيري – مقدمة في النظرية الادبية ، ترجمة ، ابراهيم العلي ، دار الشؤون الثقافية 1992 بغداد،ص102.
(22) باختين ، ميخائيل ، شعريه دستوفسكي ، ترجمة جملي نصيف ( الدار البيضاء ، دار توبينغال ) للنشر1986 ص15.
(23) العاني ، د. شجاع ، الليث والخراف المهضومة ( دراسة بلاغة التناص الادبي ) مجلة الموقف الثقافي ع-17 لسنة 1998 ، دار الشؤون الثقافية – بغداد ص 82.
(*) ينظر رياض ، عبدالفتاح ، التكوين في الفنون التشكيلية ، القاهرة : دار النهضة ص 30-35.
(*) وهي اليات لغوية مثل 1- الاناكرام ( الجناس بالقلب وبالتصحيف ) 2- الباكرام ( الكلمة – المحور ) .
(**) انظر مفتاح ، د. محمد ، تحليل الخطاب الشعري ( استراتيجية التناص ) دار التنوير .ط1/1985 بيروت،ص 125.
(***) يشير ( نور ثروب فراي ) في ( مورفولوجيا الخرافه ) الى السلفه الاستعارية بمعنى تمثل شخصية جديدة وهذه يمكن يمكن أن تصبح واحدة من الاليات حينما تستعير شكلاً معيناً من عمل فني وتوظفه في عمل فني آخر – اما ( استبدال الادوات الفنية ). فينظر عند ( ليفي شتراوس )-( الاسطورة والمعنى) – الباحث .
(24) يقطين سعيد ، مصدر سابق ، ص 96.
(25) ينظر: الموسوي د. خليل – التناص والاجناسيه في النص الشعري، مقال في مجلة الموقف الأدبي. دمشق: ايلول 1996 ص81.
(*) ينظر : احمد اسعد – ساميه – النقد المسرحي والعلوم الانسانية، مجلة فصول، مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، المجلد الرابع العدد الأول أكتوبر / نوفمبر / ديسمبر / 1953 .ص 159 .
(**) المصدر نفسه – ص159 .
(26) هوي – ديفيد – النص والسياق – ترجمة خالده حامد، مقال في مجلة الثقافة الاجنبية ( ع1/1988 لسنة 19 دار الشؤون الثقافية – بغداد ص 42-46. ) .
(*) قدمت مسرحية ( نساء في الحرب ) عام 2005 على مسرح قسم التربية الفنية كلية القنون الجميلة وشاركت في التمثيل ممثلات من تدريسيي الكلية، هن د. شذى وسهى سالم وساهم في الاخراج الراحل د. صاحب نعمه. اخرج المسرحية د. جواد الاسدي.
(**) قدمت مسرحية ( بيت برنارد البا ) على مسرح بغداد وهي من انتاج فرقة المسرح الفني الحديث اخروجها ( سامي عبدالحميد ) عام 1978 وشاركت فيها عدد من ممثلات المسرح العراقي انذاك .
(*) اعتراف في جلسة مناقشة، مسجلة صوتياً للباحث مع المخرج سامي عبدالحميد، كلية الفنون الجميلة عام 1978.
(**) ترنيمة الكرسي الهزاز، مسرحية قدمتها فرقة المسرح الشعبي عام 1988 على منتدى المسرح، اخراج د. عوني كرومي .
(*) (كوريولانس) تأليف (وليم شكسبير)، تقديم معهد الفنون الجميلة بالتعاون مع فرقة 14 تموز التي يشكل عناصرها اساتذة وطلبة المعهد – قدم العرض على قاعة المسرح الوطني في 30/6/2005 .
(**) مسرحية ( كوريولان ) كتبها ( برتولد برشت )، تقديم كلية الفنون الجميلة، اخراجها د. عوني كرومي عام 1978 على المسرح التجريبي للكلية – الباحث .
(27) ينظر جيني، لوران، ستراتيجية التناص، نقلاً عن مجلة الرافد – ع، 31 الشارقة دائرة الثقافة والاعلام السنة 2000 ص 14-15.
(*) اشتمل الموسم المسرحي ( 2004-2005) على عروض مسرحية قدمها طلبة قسمي المسرح في كل من كلية الفنون ومعهد الفنون الجميلة وبعض من عروض الاساتذة في هذا الاطار – عروض ( نكتف) لياسين اسماعيل والمهرج لي( قاسم مؤنس) والاشباح ( د. عادل كريم ) . بينما قدم الطلبة عروض الردهه لصميم حسب الله ( ووشة كاليكولا ) لمخلد راسن – ( العروس الوحشي ) لباسم الطيب و( منافاه) لحسن طيرن و( زعيق ) لدريد عبدالوهاب من معهد الفنون وغيرها … الباحث .
(**) ( قصائد مسرحية لروفائيل البرتي ) اخرجها د. عوني كرومي – عام 1978 – لفرقة المسرح الشعبي وعرضت على قاعة الستين كرسي – الباحث .