"الخروج بملابس المسرح" كتاب صادم ومحلق في حب الوطن / د. حسن عطية
منذ أول وهلة يثير عنوان الكتاب الذي صدر هذا الأسبوع للناقد المسرحي “جرجس شكرى” تساؤلا عن المقصود بالخروج بملابس المسرح ، وعن هذا الخارج ومن أين يخرج وإلى أين يخرج، ولماذا لا يخرج بملابسه الواقعية، ويصر أو يجبر على الخروج بملابس المسرح ؟
هي مجموعة أسئلة من السهل التخمين بإجاباتها، غير أننا لن نظفر بإجابات شافية ألا بعد قراءة الكتاب بأكمله، فإذا كانت الدراسات الحديثة تعد العنوان أحد أبرز عتبات تفسير النص، فإننا مع هذا الكتاب من الصعب فهم وتفسير عنوانه ألا من داخله، ولذا سنترك لك مهمة البحث عن الإجابات حتى تتاح لك فرصة قراءة هذا الكتاب .
دعنا من الغلاف وزحمة عناصر تصميمه التي تطغي على العنوان، لنقترب من مادة الكتاب، والتي هي إعادة قراءة آنية ودقيقة لمتابعة نقدية جادة لعروض المسرح المصري، المتمركز بدوره في العاصمة، مع إطلالات بين الحين والآخر لما يقدم خارجه، وقد يدرج هذا الكتاب في التصنيف المكتبي ضمن مجموعة المسرح، بحكم مادته الظاهرة، وأن كنت أراه منفلتا من هذا التحديد الموضوعي الصارم، مستقرا في قلب الوطن، فالوطن هو شاغله الأول، والمسرح هو بعض من تجلى إبداع مواطنيه، الذي يرصد الكتاب أبرز تجلياته خلال سنوات أربع ممتدة من ثورة يناير 2011 حتى بدايات هذا العام، والمنشورة متابعته له على صفحات مجلة (الإذاعة والتليفزيون) التي يعمل بها، غير أن كاتبها لم يفضل تجميع هذه المتابعات الساخنة والمرتبطة بلحظة اشتعالها بين دفتي هذا الكتاب، بل فضل أن يعيد قراءاتها بنظرة آنية شاملة، تخرجه من حيز اللحظة لعمق الزمن، وتتيح للعقل فرصة التأمل وقراءة ما حدث وصياغة عناصره المبعثرة في لوحة متكاملة، تمنحنا الرؤية الكلية لما حدث .
هو كتاب صادم لقارئه المتعجل وغير الراغب في التحاور، لكاتب صادق مع ذاته وجمهوره المتلقي، يقرأ الفن على ضوء الواقع؛ انبثاقا وتأثيرا، ويفكك أوصال العروض المسرحية ليضع يده على القانون الذي حكمها وغيب دورها في ميادين التحرير الثورية، تابع بدأب خلال سنوات الثورة مسرح مجتمعها، ورصد هذه العلاقة المتشابكة بين المسرح وحركة الثورة المتفجرة، وسبر غور هذا المسرح، بعد أن طاف بكل أشكاله، وخبر كل تجلياته، دون أن يصد نفسه عن أي منها، بحثا منه عن دورها في هذا الواقع الملتهب؛ هل هو تثوير له؟، أم تعبير عنه، أم مجرد تعليق على أحداثه.
كتاب تدهشك جرأته، ويبهرك وعيه، وتجذبك متابعته الدقيقة دون كلل لهذه العروض السابحة في فضاءات الوطن المفتوحة والمنغلقة على ذاتها، وعبر الفرق الرسمية والمستقلة والحرة، ينبع التنظير فيه من التطبيق العملي، فلا تتعلق عيونه بأفكار سابحة في الهواء، أو حالمة بالتحقق، بل تنهض مما حدث بالفعل، وقدم مسرحيا، مناقشا دون مواربة الأفكار والتقنيات وسبل التحقق، فالمسرح في هذا الكتاب هو المسرح الحي الصارخ في البرية، يبدو أحيانا قاتلا ويبدو أحيانا أخرى مقتولا، يفتت الواقع ويتفتت بين يديه، يثور المسرح ويمسرح الثورة .
ويبقى لهذا الكتاب قوله الخاص المتميز في هذا التأرجح بين النغمات المتعددة؛ أن يكون مسرحا للثورة أو عن الثورة، مسرحا موازيا للثورة أو مشاركا لهبات الثوار في صياغة ثورة ثقافية، لا تقف عند حدود زمن الثورة، بل تمتد به لتغيير هذا المجتمع لما هو أفضل وأرقي وأكثر تقدما وعدالة .