سجادة حمراء … تشكيلة مطرزة بمفاهيم حداثوية / قراءة: خالد ايما
لم يكن حلماَ بل هو حقيقة ماسة أثارت لدي الكثير من التساؤلات القلقة عندما شاهدت خالق العرض المسرحي يجلس معي في صالة الانتظار، ومن ثم نسيرُ معاَ فوق سجادة حمراء مفخخة … سجادة استفزت وعينا وتلقينا ومخيلتنا وذائقتنا مذ دفعنا سعر البطاقة الحمراء … دخلنا المعرض ووقفنا نتأمل الأشياء من حولنا، وإذا به عالم آخر يتحرك بصمت وهدوء وجمالية أغوتنا برغبات حسية قبل أن تكون فنية …رغبات أشعلت شهوتنا الجامحة لقراءة ومتابعة كل ما يحدث في عالم السجادة الأحمر …كنا نتنفس الأشياء ونتذوقها بخفة متناهية لعلنا نصل إلى شيء اسمه المعنى، وهذا عين الصواب عندما يُهيمن عليك المعرض والعرض وخالق العرض بمقترحات تبدأ بطريقة دخول ومشاهدة ومقترحات تسمو بالمغايرة والاختلاف المضاد لكل المفاهيم والمقاييس المسرحية، ونلتزم بالدورعندما يكون الدخول لصالة العرض تدريجياً وفق أسس جمالية أضفت الكثير لمنظومة المعرض أو العرض الذي أثلج قلوبنا بدأ من العنوان(سجادة حمراء) الذي توسم المعرض الفني دون العرض المسرحي، وانتهاءَ بقاعة كولبنكيان التشكيلة التي هي الأخرى منحت صانع العرض، ومنظومته التشكيلية بعدا جماليا ساحراً وخارقاَ بالمرة ..
من هذا الخرق الجمالي الحالم دخلنا معرض ” جبار جودي” ووقفنا على سجادته الحمراء وإذا بمفردات وعناصر وشخصيات زائغة (مراوغة) هيمنت على عيني دون أذني، وعليه بتُ اسمع الأشياء بعيني واراها بأذني وإنا ابحث عن معنى لما يحدث، لكن دون جدوى حاول صانع العرض أن يخفي علينا المعنى في اللامعنى تاركا لنا حرية الاستقراء والتقصي والبحث والصياغة (صياغة المشهد)، وانتقاء الزمن صوب فظاءاته المغايرة بالجمال …فضاءات حالمة لا توجد فيها ممنوعات أو حواجز أو أعراف يلتزم بها داخل المعرض، وهذا بحد ذاته يشعل الفتنة في خارطة القراءة المسرحية، ويشكل لنا قراءة وخطاب جديد قائم على فلسفة “جودي ” الإخراجية التي تسعى إلى خلق عوالم من الواقع تأخذنا صوب فضاءات لونية تمتزج فيها الخطوط، والصور، والكتل المنحوتة، والموسيقى، والرسم والسيرك ، والسينما…عوالم تسكنُ جدران الذاكرة المحفورة في وعينا وهي تؤسس لفلسفة عرض تشكيلي تكويني تقابلي جديد أشبه بالمرتع الجمالي الذي يأخذ من الحياة …ماء الحياة .
سجادة حمراء… جمال متخم بالأناقة والثراء اللوني البارز بتشكيلاته التكوينية المهجنة بمفاهيم حداثوية ــ ما بعدية اخترقت تلقينا بجملة من الأحاسيس والرغبات التي تبدأ من لحظة شم اللوحة ومعاينتها، والتشهي المفاجئ للفاكهة التكوينية بوصفها علامات دالة تقودنا للبحث في اللامعنى لإيجاد معنى ما بعد اللامعنى الذي يجرنا إلى تساؤلات ومتوهات قد توقف مدلولات الأشياء في معظم الأحيان لا على باعث الرسالة، بل على متلقيها، اعني قارئ الشيء الذي جنا على نفسه عندما أقحمه صانع السجادة بان يقف على سجادته ويتأمل بهدوء ورومانسية عالية دون أن يعي تفاصيل ما يحاك على السجادة من خيانات جهنمية حمراء تبث باللحظة جملة رسائل متوهجة قد تقودنا إلى أن نتفق أو لا نتفق مع صانع العرض التكويني المتقد بشعلة من الرؤى والقراءات الما بعدية، لذا كنا نستنشق الجمال بمختلف روائحه ومعتقاته، وإيقوناته الحالمة على اختلاف درجاته اللونية وعلاقاته المتشابكة الواعية بدءَا من مفهوم اللوحة الأولى(القتل) التي امتزج فيه اللون الأبيض بالأسود على اثر صوت إطلاق رصاص لا نسمعه بقدر ما نفهمه ليكون الجسد هو الضحية …الرصاص هو الآخر من يحيلنا إلى أن نستنشق عفونة الآخر المتمثلة بثقافات ورجالات وعوالم مفخخة تتمثل برجل الجريدة والأخبار المرزومة، وموسيقى الموت والخراب … موسيقى قدرنا وحياتنا المفخخة التي لا يتجاوز رسمها الدقيقة الواحدة ربما تنفجر في أغنية قديمة، أو في صورة تذكارية لمجموعة أطفال… وربما في سجادة حمراء مفخخة بكرسي فارغ، أو في قطعة موسيقية تشعرنا فعلاَ إننا نملك روحاَ جراء هذا الخراب… كنا نتجول بموسيقى حمراء… موسيقى لا نسمعها بقدر ما نراها وكأنها الحياة …لولا الحياة لما كان هناك حلم، ولولا الحلم لما كانت هناك حياة .لم يكن هناك نقاط ونهاية للجمل الحالمة ـولم نسمع بثرثرة اللغة وهسهستها المخيفة بقدر ما كنا نتجول في سياحة سينوغرافية (حسية/ فنية)مهووسة بالبحث والتجريب والمغامرة … سياحة يسكنها اللون والحلم والضوء .اقصد سجادة حمراء.