"ما " مسرحية من فصل واحد/ حسن الغبيني

هو: ( بعد إن تهدا العاصفة ) يبدو ان عاصفة هوجاء قد خربت المكان
الآخر: انه مكان يخلو من العواصف
هو: وما هذه الأشياء المحطمة
الآخر: أنها محطمة منذ البداية
هو: (فترة من الصمت للتحقق من المكان) تريد إن تقول لي إننا في المكان الذي ليس فيه العواصف.
الآخر: نعم بالضبط ( يؤشر على البوصلة التي بيده ) انظر إننا هنا في الاتجاه الصحيح، انه مكان يخلو من العواصف
هو: أين هي
الآخر: أنها هناك
هو: لا ارى أحدا هناك انه طريق مخيف لا احد هناك ( يصرخ ) نحن هنا .. نحن هنا
الآخر: (:يقاطعه ) كفى عواءً .. إنها هناك أنا أبصرها . إنها هي هي
هو: ماذا تقول
الآخر :قلت لك هي .. هي
هو:( يوقفه يحاول أن يحدد اندفاعه ) ربما تكون المحاولة فاشلة، ربما ( أين ) يوجد هنا أنت عنيد ، اعرف انك عنيد لا تريد أن تفهم
الآخر: (ينظر باتجاه البوصلة ) إذا كان يجب أن تكون فيجب أن تكون هنا وليس في أي مكان
هو: ربما ( أين ) هو المسؤول
الآخر: ( أين ) دفن نفسه في بالوعة
هو: كان ذلك منذ عهد بعيد.. وما أدراني أنا … ربما يكون هناك
الآخر: ( أين ) لا يوجد هناك فهمت لا مكان لاين هناك
هو : (أين )؟ لقد امسكني من عنقي قال سوف أطعمك لكلابي، إنها تملك حاسة شم راقية، صوت كلابي جميل، إنها أجمل من صوت القمر كنت ارتجف بينما هو كان يجلدني بالسياط قلت له قف شيء ما سوف يهزمك، ازداد غضبه وراح يجلدني بقوة حينها قال؛ لم يولد ذلك الذي يستطيع أن يهزمني
الآخر: ما الذي يجعلك تقول ذلك إنها طريقة تثير الرعب
هو: ( أين ) يكره التاريخ
الآخر: لماذا؟
هو: لان (ما) يقول التاريخ عفن تفوح منه رائحة الجثث ودائما أوراقه ملوثة بالفجيعة
الآخر: ( ما ) قال الحرية هي الانعتاق والتجريد من كل شيء والانقلاب في الذات والذوبان في لعل
هو: لا يمكن أن تقول ( ما) ذلك أنت دائما تريد أن تقول ( ما ) يقول ( لعل ) هناك وأنت لا تدري ما هو ( لعل ) أنت تدعي هنا (شيء ما ) سوف ترى من خلاله كل شيء لم اعد أصدقك
الآخر: ( ينظر بفزع حيث يسمع صوت ) اسرع، علينا أن ننقذ أنفسنا إنه هو .. هو علينا أن نسرع كي تمسك بها ( هو هو ) يمتلك عيون، إنه يريد أن يسرق منا كل شيء نعم أنت حر وأنا حر هذا ما قاله ( ما ) وأكد عليه كثيراً
هو: ماذا قال ما
الآخر: التعفن هناك
هو: أنت تكذب
الآخر: يجب أن نفهم شيئاً واحداً على الأقل البقاء هناك هو الكارثة
هو: البقاء هنا هو الكارثة
الآخر: انه مكان يخلو من الكوارث
هو: ما هذه الأشياء المحطمة
الآخر: قلت لك إنها محطمة منذ البداية
هو: لم اعد أصدقك انظر أرجوك انظر لي،عليك أن تجد لي سبباً، سبباً واحداً لكل ما يدور حولي، أريد أن اعرف ما الذي يجري من حولي؟
الآخر: (وكأنه في حلم ) ها أنا ذا أراها إنها تنظر لي تعشش في أحلامي .. انظر تلك الطيور الزرقاء وتلك البقعة الخضراء، إنها تشبه الرابية، اسمع زقزقة الطيور، طيور خضراء، شلالات من المياه دفئ النهار سوف نبصر ذلك العالم . الذي طالما اشتاقت روحي للانفلات والذوبان فيه، سوف نرى الشمس وهي تستحم في ذلك النهر الجميل المقدس إنه المكان الذي حدثتك عنه، ليس فيه هموم سوف نبصر النجوم وهي تتراقص في فضاء جميل، سوف نرى شلال الماء، إنه يعزف الموسيقى، الموسيقى تنزلق من بين أصابعك، لا أحد يوقظك من أحلامك، نوم دون كوابيس، أحلام  دافئة، تتناغم الأشياء مع بعضها، تجد المرأة التي تدغدغ أحلامك، لا وجود للعواصف، صدقني إنها الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تصلنا إليه.
هو: أنت تكذب .. أنت مزروع بالكذب، في المرة الأولى قلت لي انه مكان يخلو من العواصف وأنا صدقتك، وثانية تقول لي أن هناك شي ما ( لعل ) سوف نرى من خلالها كل شيء تلك هي ألاعيبك الخبيثة، وتلك هي ثمار أفكارك اللعينة.
الآخر: لم أجبرك على المجيء معي
هو: قلت لي هناك ( هي ) يمكن أن تصل من خلالها
الآخر: لماذا صدقتني
هو: لم يكن لي خيار سوى تصديقك
الآخر: انك تناقض نفسك
هو: أرجوك أصغي لي يجب أن نعود، نعم ( لعل ) مسكون بالخوف،  لن يصل بنا إلى شيء .. إذا كان لابد أن نموت فالأفضل أن نموت هناك ، نعم يجب أن نفكر بذلك، ربما ( أين ) يتربص بنا، له مخالب يستطيع أن يفترسنا، يجب أن نعود.
الآخر: نعود وماذا نفعل .. لاشيء سوى الانتظار، تريد أن تتخلص من ( أين ) .. ماذا كنا نفعل، نجلس وننتظر ( شيء ما ) لا شيء سوى ذلك الشعور بالمرارة والهزيمة تلك هي حياتنا… لقد انسكبت في الوحل، حياة رخيصة تلك التي يبتلعها الوحل، لقد غصنا فيه، ولم نكن نفعل سوى انتظار ( شيء ما ) ليضيء حياتنا الباردة ويبدد تلك العتمة التي تغلفنا لقد تعبنا من ذلك الانتظار المر … لاشيء سوى الانتظار والاستسلام لذلك القدر .. والخوف الذي عشعش في دواخلنا، كنا نمضي ونمضي ملفوفين بالحزن، وعيوننا شاخصة في سماء شحوب أكلت حياتنا ( الملاجئ ) الرطبة ألتهمتنا دمدمات الطبول البعيدة، وذلك الموت الرخيص في صحراء قاحلة وتلك الطائرات المجنونة، والقذائف العابثة تلهو بنا لتحصد آمالنا .. إنها وليمة الدم …!
هو: ( شيء ما) لم يأتِ، لم تأتِ ليضيء عتمتي، لقد ابتلعته الزحمة وتلك الحياة الرخيصة، افترش الشوارع .. الشوارع، والبرد يتوغل في عظامه كان يرتجف من البرد .. سوق الليل .. لهاث مر .. دينار يأتي .. دينار يرحل .. ولسان يندلق من جوع الوحشة وعذاب الطريق والحزن رفيق دائم، فيما مضى كنت أحب أمي، تلك الطفولة الدبقة، كانت أمي تنتظرني حين أعود …… حين أعود ..أمي تنتظرني
الآخر: اعرف ذلك .. كل أم تنتظر ولدها
هو : قالت لي تزوج خذ امرأة تلم بيتك فإن مت لا أحد سيعتني بك ستأكلك الوحشة .. ويبتلعك النسيان
الآخر: ما تقوله يدعو إلى القرف .. ليس في المسالة شيء جديد كلنا هكذا … هكذا كان كل شيء
هو: وحينما كنت ارحل كانت تقف بالباب، كنت أسير بخطى سريعة حتى لا انظر إليها .. اعرف أنها كانت تبكي نعم كنت أدراك ذلك وحين عدت لم أجدها .. كان كل شيء قد انتهى .. لم يعد لي مبرر للبقاء تلك القذيفة الداعرة قد أنهت أحلامي كلها، ها أنذا أشيخ، العمر يمضي، لا احد يضيء لك الطريق كل الطرق تؤدي بك إلى الظلام، ما فائدة أحلامك تلك التي تحجرت في الرمال……
الآخر: اسمعني جيداً ليست الحكمة في السماء، نعم الحكمة هنا في الأرض الحياة التي ينبغي أن نعيشها هنا وليس في مكان آخر.
هو: كل الذين عرفتهم رحلوا لم يبقى لي شيء ما الذي سأقدمه إلى الآخرين سوى الدموع … الدموع والانتظار البغيض لقد عشت حياة وحيدة، حياة منبوذة، من أجل أي شيء احترقت حياتي .. من أجل أي شيء أدفع حياتي ثمنا رخيصا، من أجل لاشيء..لا شيء لقد تيبست روحي .. وأنت تقول لي هناك لعل شيء مالا أريد أن أضيع حياتي في شيء ليس فيه جدوى
الآخر: (لعل) كان وحيدا ملفوفا بالحزن ذهب ذات يوم ليرى البحر قالوا له البحر سجين
هو: وماذا بعد
الآخر: بحث عن البحر فلم يجده ومنذ ذلك الوقت اخذ يرسم البحر في أحلامه
هو: وكيف رسم البحر
الآخر: قال لنفسه البحر قنينة رسم البحر قنينة .. قال لنفسه البحر شجرة ورسم البحر شجرة ..  قال لنفسه البحر وهم ورسم الوهم ، وذات يوم سافر ليزور الوهم
هو: ماذا حدث له
الآخر: لقد وجده  .. نعم وجده
هو: هذه حكاية مضحكة انك صنعتها بنفسك
الآخر: لم اصنع شيء (ما) هو الذي قال ذلك، لقد امسكه لأنه اعتقد به
هو: لماذا تقول لي لأنك رسمتها في راسك وعليَّ أن أصدقك؟
الآخر: نعم عليك أن تؤمن بها، إنها المكان الذي لاتصل إليه العواصف هناك لن تعرف الشيخوخة سوف ترى الأشجار التي لم يجردها الخريف من أوراقها ..إنها المكان الذي سوف تحلم به أحلاماً سعيدة
هو: أين حكم علينا أن لا نرى ( أين ) قالها في كتبه
الآخر: ماذا قال ؟
هو: قال هناك بحر ولم يقل هناك نافذة
الآخر: ( لعل) وجد البحر وأدرك النافذة
هو : (لعل) وجد البحر ولكنه لم يجد النافذة ( لعل ) قال البحر سجين ولكن البحر لم يكن سجيناً.. اسمع يا صديقي لقد اختلطت علي الأشياء، كانت الأحلام تمطرني، لا اعرف كيف حدث ذلك حاولت أن اعرف سبباً حقيقياً لكل ما حدث لي، كان ذلك مستحيلا وبقيت انتظر ( شيء ما) لم يأتِ
الآخر: (بعد فترة من الصمت ) وبقيت هكذا .. أنت لا تعرف شيء سوى هكذا
هو: هكذا تسير بك إلى الفاجعة .. هكذا هي الأشياء حين لا ندركها وليس هكذا هو طعم النشوة .. للأشياء طعم آخر هكذا هم الآخرون يريدون أن تساق مثل الخراف إلى حظيرة الذئاب وهكذا..  تصبح حملا وديعا .. هكذا هم يسلبونك .. نفسك
هو: هذا ما قاله ما
الآخر: إنها هي طالما اشتاقت روحي إليها
هو: اللعنة عليك لاشيء يأتي..  يبرق .. نحن هنا مشدودون إلى الأبد
الآخر: (يتذكر) من .. من
هو: ماذا
الآخر: قلت لك (من )هي السبب، كانت بستان مزهرة .. من .. هي التي أشارت علي بذلك
هو: لماذا
الآخر: لا ادري.. كانت هناك أصوات مخيفة .. حتى وجدت نفسي وحيدا في صحراء قاحلة …. صحراء مهلكة كلما اركض تنفتح الصحراء .. رأيت ما رأيت
هو: ماذا رأيت
الآخر: رأيت أشياء. وأشياء ، وأشياء
هو: ما هي
الآخر: لقد نسيت كانت بستانا مزهرا ، لقد رأيت أشياء على حقيقتها
هو: ما هي تلك الأشياء التي رايتها انك تهذي
الآخر: الطائرات .. الطائرات .. رايتها
هو: ما بها
الآخر: إنها تنقض علينا مثل فريسة
هو: ثم ماذا رأيت
الآخر: رأيت غبارا .. ودخاناً .. مطرا اسودا
هو: حسنا تذكر ماذا رأيت
الآخر: أطفالا عيونهم جاحظة في فضاء شاحب
هو: قل بحق الجحيم ماذا رأيت
الآخر: قلت لك رأيت أشياء وأشياء …واشياء ا
هو: لعل ما رايته كان حلما؟
الآخر: لم يكن حلما … وليس حقيقة
هو: ماذا تقول؟هذا الذي تتحدث عنه .. اقسم إنه هراء
الآخر: ليس هراء .. انه.. نعم .. سوف أتذكر .. لابد أن أتذكر.. لقد نسيت، نعم نسيت ( أين ) خطط لكل هذا ، ما قاله ( ما)
هو: ماذا قال (ما )
الآخر: النافذة شيء حقيقي علينا الوصل إليها
هو: النافذة لا توجد إلا في راسك
الآخر: لا يمكن أن يكون الرأس مزروع بتلك الأشياء التي لا يمكن أن تصلنا إلى شيء
هو: انظر إنها جماجم رؤوس خاوية
الآخر: هؤلاء نعم .. إنهم الذين مروا من هنا هذه هي آثارهم
هو: انك تلعب لعبة خطرة
الآخر: ( يضحك ) لقد أبحرت بنا السفينة
هو: أيها الأحمق كيف تفكر بتلك الطريقة
الآخر: يجب أن تملك الفطنة
هو: ما هي الفطنة
الآخر: حيث نكون .. حيث لا توجد
هو: سئمت الكلمات المعسولة لا أريد بطولات
الآخر: إنها هي
هو: انك تهذي ، إنها العاصفة
الآخر: انه مكان يخلو من العواصف
هو : ما هذه الأشياء المحطمة
الآخر: إنها محطمة منذ البداية
هو: إننا نبحر في مقبرة .. هاهي جماجمهم هاهي هياكلهم
الآخر: إنهم الذين مروا من هنا
هو: انك تبحر بنا نحو الموت
الآخر: إنها النافذة أيها الأحمق
هو: إنها العاصفة .. أنت مخادع كان يجب أن أبقى هناك
الآخر: النافذة.. النافذة .. ها أنا أبصرها ( يركض نحوها)
هو: النافذة لا توجد إلا في راسك
الآخر: لا يمكن أن يكون الرأس مسكون بكل تلك الأشياء التي لاتصل بنا إلى شيء….
(يسقطون ( تهب العاصفة ) بعد أن تهدا العاصفة يعود المشهد الأول)
هو: يبدو أن عاصفة هوجاء قد خربت المكان
الآخر: انه مكان يخلو من العواصف
هو: وما هذه الأشياء المحطمة
الآخر: إنها محطمة منذ البداية .. منذ البداية …………..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت