محمــد بري العواني يقرأ تجربة «فرحان بلبل» الإخراجيـة/ نضال بشارة

        ” المغامرة المستمرة”.. المزج بين منهجي ستانسلافسكي وبريخت المتناقضين فلسفياً وفكرياً
 
 
يقدّم الباحث والكاتب المسرحي محمد بري العواني كتاباً جديداً عن الهيئة العامة للكتاب بعنوان:” المغامرة المستمرة”
 فرحان بلبل مخرجاً» يؤكد من خلاله تفرده في كتابة النقد المسرحي ولاسيما بعد دراسته القيّمة لتجربة رائد المسرح العربي الغنائي في كتابه «أبو خليل القباني.. ريادة التجاوز» الصادر عن الهيئة العامة للكتاب أيضاً, وإن كان المؤلف خاض في كتابه الأول مغامرة شاقة في دراسة تجربة مسرحي لم يشاهد له أي عرض، لكنه اعتمد في دراسته على الوثائق وما توفر بين يديه من دراسات تناولت تجربة القباني، لينصفه على المستويين المسرحي والموسيقي ويقدّم لنا التجليات الجمالية والفكرية لتجربته في كتاب مهم جداً فها هو يكرر التجربة مع  مبدع مسرحي آخر، ولكن مغامرته هنا تتجسد في دراسة المسرحي فرحان بلبل الذي شغل بنصوصه وعروضه التي قدمها من خلال الفرقة الشهيرة «فرقة المسرح العمالي في حمص»، وذلك بدراسة الرؤى والسمات الإخراجية، ودراسة التفكير الإخراجي، بعد أن توقف عند الرؤية المسرحية لبلبل من خلال نصين مسرحيين. وهذه المهمة الصعبة ما كانت لتتم لولا استعانة المؤلف بأشرطة تسجيل فيديو لسبع مسرحيات عرضت ما بين عامي 1983- 2001، فضلاً عن استعانته بما تختزنه ذاكرته من مشاهدات لعروض الفرقة التي واكب كل نشاطها.
انطلق المؤلف في دراسته من اعتبار أن «فرحان بلبل» أحد أهم كتّاب المسرح في سورية والوطن العربي منذ بداية سبعينيات القرن العشرين وحتى الآن. وهو أحد أهم الباحثين والنقاد المسرحيين السوريين والعرب، وقد أنجز تراثاُ مسرحياً وأدبياً ونقدياً مهماً، إلى جانب كمٍّ من الكتب التي نظّر فيها للمسرح العربي والعالمي، خاصة كتابه الرائد عربياً «المسرح التجريبي الحديث عالمياً وعربياً». غير أن أهم ما يميز «بلبل»  عن غيره في نظر المؤلف هو:
1 ـ كثرة إنتاجه الإبداعي المسرحي تأليفاً وبحثاً ونقداً وتنظيراً,
2- وضوح الرؤى الفكرية والفنية,
3- الجرأة على إطلاق الأحكام المعيارية من دون مواربة أو مخاتلة.
ويرى المؤلف أن الأكثر خطورة في مسيرة بلبل على صعيد الحركة المسرحية السورية والعربية هو تأسيسه لفرقة المسرح العمالي العام 1973 التي ما زالت قائمة حتى الآن، والتي لعبت دوراً بارزاً في تطوير مهاراته في كتابة النص المسرحي، فضلاً عن اهتمامه بتطوير فكره النقدي والتنظيري للمسرح السوري والعربي والعالمي.
رأى المؤلف أن المتابع الجادّ لمسرح فرحان بلبل، ولغيره، أن يستدلّ من مجمل عروضه المسرحية على طبيعة تفكيره الإخراجي. وذلك لأن هذا المنحى يسمح للدارس بأن يتأمل في نسقين: نسق التفكير والتنظير المسرحيين. وهذا ما فعله المؤلف في الباب الأول من الكتاب.
يقول المؤلف في «الرؤية المسرحية الثانية.. بين الإيهام والتغريب»: ما بين الرؤية الأولى في مسرحية «البيت والوهم» والرؤية الثانية مسرحيات عدة أنجزها فرحان بلبل، يتوّجُها نصه الجميل «الممثلون يتراشقون الحجارة» الذي يكشف فيه عن مجمل أوراقه الفنية باقتدار ليحقق هدفين:
الأول: إبداع نص مسرحي ذي تقنيات فنية حيوية معاصرة.
الثاني: التنظير لرؤية فنية- فكرية أكثر تقدماً من الرؤية الأولى كي تصبح نهجاً فنياً، وتساهم في البحث عن مسرح، أو تأسيس مسرح عربي.
ولكي يوفر بلبل -والكلام للمؤلف- لنصه ديمومة واستمرارية اللعب الإبداعي الذي دعا إليه عبر العنوان المقترح «الممثلون يتراشقون الحجارة» فقد أقام حكايته على لعبة «المسرح داخل المسرح» التي استعارها من «لويجي بيرانديللو»، خاصة مسرحيته «ست شخصيات تبحث عن مؤلف». ثم يقوم المؤلف بتحليل النص والعرض ويستخلص منه ما رمى بلبل إلى تأسيسه.
ويدرس المؤلف في الفصل الأول من الباب الثاني الرؤى والسمات الإخراجية عند بلبل، تحت العناوين التالية: (المسرح خلق إبداعي، الجمهور، التعليمية، السمات الفنية: البساطة والوضوح، ضعف التخيل والتصوير، الإيماءة والمواقف، الطبيعية/ الواقعية، التصالحية، الشَّرطية والفضاء المفتوح، الفضاء المسطح، التكيُّفيِّة، المنطوق اللغوي الباهر، التعبير باللغة، الخطابية والغنائية، التبسيط). ويرى المؤلف أن فكر فرحان بلبل الإخراجي يفصح بجلاء عن استفادته من منهج «ستانيسلافسكي» الطبيعي الواقعي وعمله على الاندماج والإيهام، وإفادته من منهج «بريخت»  التعليمي- الملحمي الذي سَيُتْقِنُ بعض أدواته الشكلية.
ويرى العواني أن بلبل  وإن كان قد مزج بقدر كبير بين هذين المنهجين المتناقضين فكرياً وفلسفياً، إلا أنه قد استفاد قليلاً من اتجاه «بريخت» التغريبي، حيث تم الاعتماد على بعض أدوات هذا الاتجاه من دون أن يُخِلّ ذلك بطبيعة ووظيفة عرضه التقليدية. ثم مضى المؤلف في الفصل الثاني والأخير من كتابه يفكك آليات  التفكير الإخراجي عند فرحان بلبل للوقوف على كيفيات بنائه للعرض المسرحي الذي أعجب كثيراً الجماهير في مختلف المحافظات السورية، وفي مهرجان دمشق المسرحي، وفي العراق، وأغضب قدراً لا بأس به من النقاد والجمهور, وكان المؤلف بقدر ما يبرز ميزات هذا التفكير الإخراجي، يسوق بكل موضوعية ملاحظاته السلبية عليه.
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت