"خطاب الاستشراق" لمؤلفه الدكتور أمير هاشم / مبعوث مجلة الفرجة صادق مرزوق ( العراق)
صدر مؤخرا للدكتور أمير هاشم الحداد كتابه الموسوم ( خطاب الاستشراق في النص المسرحي) عن دار الصادق الثقافية للطباعة والنشر .. استهل الكتاب بتقدمة للأستاذ الدكتور محمد أبو خضير بعنوان “مسرحة الاستشراق”, ثم مقدمة المؤلف في تعريف الاستشراق ركز من خلالها المؤلف على الجانب المسرحي في أصل الاستشراق وتبلوره حتى نهايات القرن التاسع عشر والقرن العشرين بعد انتشار مفهوم الاستشراق بواسطة الثورة الصناعية والتبادل التجاري وجاء التأكيد على أصل كلمة استشراق حيث لم يجد الباحث تعريفا لغويا للاستشراق, سوى أن الكلمة لغويا تعود للشرق, ووصفها بالشرق يعود لمدلول معنوي – أي المنطقة التي أشرقت فيها الشمس هي المعرفة – حسب ما جاء في كتاب حوار الاستشراق لأحمد الشيخ ..
ضم الكتاب ثلاث فصول مع الخاتمة, حيث تضمن الفصل الأول مبحثان. المبحث الأول جاء بعنوان : نقد الخطاب الإستشراقي في القراءات العربية ( الاستشراق : المفهوم – المصطلح تحولاته التاريخية) وتطرق المؤلف الدكتور أمير هاشم الحداد لأصل كلمة الشرق orient وهي من أصل لاتيني تعني العلم, والمعرفة, والارشاد والتوجيه, بما يعني البحث في منطقة اشرقت فيها شمس المعرفة, ويتطرق المؤلف كذلك لرأي ادوارد سعيد من أن الاستشراق قائم على نفي الآخر, فالشرق هو إنتاج الغرب وأن الزنوج هم من اختراع البيض, وجاء في الكتاب ذكر الحضارات التي أدمجها هنتكتون إلى ثمان حضارات وهي ( الغربية/ الصينية الكونفوشوسية/ اليابانية/ الهندوسية/ الارثوذكسية/ امريكا اللاتينية/ الافريقية / الاسلامية). ويرى الباحث أن توجه الغرب لدراسة تراث الشرق ولاسيما التراث العربي الإسلامي, كان بدافع ذاتي شخصي كرد فعل لانغماس الثقافات الغربية بالجانب المادي, وحاجتها الملحة للجانب الروحاني في الشرق, كما أشار المؤلف إلى تأثيرات فلاسفة الشرق وخصوصا الفلاسفة في الحضارة الإسلامية على فلاسفة الغرب, وبالتالي فإن للاستشراق أكثر من وجهة نظر لدى الغرب فهي تارة ترى الشرق بمنظور فوقي وتارة وسطي, وآخر دوني وفق ثنائيات المركز والهامش, وجاء المبحث الثاني للفصل الأول بعنوان ( نقد الخطاب الاستشراقي في قراءة ادوارد سعيد) حيث يرى المؤلف أن سعيد اعتمد على مرجعيتين الأولى يقترب فيها ادوارد سعيد كثيرا من فوكو في ضربه للمركز الغربي العقلاني وإطاح بالبديهيات وتفكيك هيمنة السلطة, والمرجعية الثانية هو ظهور مفهوم مابعد الكولنيالية في منتصف القرن العشرين والتي جاءت كرد فعل لفترة ما بعد الاستعمار التي رشحت آثار ثقافية وأدبية وفكرية, ومن هذا انطلقت أغلب دراسات سعيد ضمن توجهات ما بعد الحداثة ويؤكد سعيد حسب الكتاب بأن الاستشراق عاجز أمام شرقه في العالم الثالث الجديد حيث واجه شرقا جديدا سياسيا مسلحا, وقد تأثر سعيد بفوكو برفضه لايديولوجية الهيمنة وأن السلطة والمعرفة تتضافر مع الآخر حسب كتاب الدكتور أمير هاشم.. وفي الفصل الثاني يدخل الباحث في عمق التجربة المسرحية ليكون العنوان في هذا الفصل ( الاستشراق في النص المسرحي من الإغريق إلى شكسبير) يتطرق هنا المؤلف لما يقره ادوارد سعيد من أن النص هو : إنتاج ثقافي تتعلق به كل الأنظمة الخارجة عنه والداخلة إليه, في هذا الفصل إشارة أيضا إلى ما جاء على لسان “طه باقر” أن كلكامش انتقل اسمه إلى معظم الأمم القديمة فقد تحول إلى ( هرقل, واخيل, والاسكندر ذي القرنين, واوديسيوس) بعد أن وصلت ملحمة كلكامش إلى اليونان وغيرها عن طريق الفينيقيين, ويوضح المؤلف انتقال الملاحم البابلية والسومرية إلى الإغريق والرومان من خلال رسوم توضيحية تؤكد التقارب الكبير بين شخصيات الشرق وما يرادفها لاحقا لدى الغرب, كذلك يتطرق الكاتب لمسرحية “الفرس” لاسخيلوس وقد رسم اسخيلوس صورة قبيحة عن الشرق من خلال هذه المسرحية حيث أشار إلى غطرستهم ورغبتهم في التوسع لاحتلال العالم, كما أن شخصية كلكامش كان لها أثرا كبيرا في الدراما الإغريقية حيث يؤكد المؤلف على وجودها في مسرحية ” اوديب” للكاتب ” سوفوكلس” وفيما بعد لــ” سينيكا” الروماني, كذلك تطرق الكتاب لمسرحية ” ميديا” لــ ” يوربيدس” وهنا يركز الكتاب على رأي ادوارد سعيد من أن ” اسخيلوس” و ” يوربيدس” بأنهما مثالا لملامح خطاب الاستشراق , الإشارة أيضا من خلال هذا الكتاب على تأثر المسرح الغربي في القرون الوسطى بملامح الشرقيين والمسلمين, من خلال الحروب الصليبية, وقد اختلف كتاب الغرب في تجسيد الشخصية الشرقية من خلال نصوصهم, فمنهم من جسدها على أنها بربرية متعطشة للدماء, غرائزية في طباعها, ومنهم من يرى العكس, حيث جسدوا الشخصية الشرقية على أنها مثال للفضيلة والخلق الرفيعة والكرم, وقد جسد شكسبير الشخصية الشرقية في معظم نصوصه المسرحية كشخصية عطيل التي تمثل الغيرة لدى الشخصية الشرقية من خلال نص مسرحية “عطيل” كذلك شخصية ” أمير مراكش” في مسرحية ” تاجر البندقية, وشخصية “هنري الثامن” الذي يشبهه النقاد بالملك شهريار في قصص ألف ليلة وليلة.وركز المؤلف في الفصل الثالث على مبحث واحد بعنوان( الاستشراق والخطاب الكولنيالي في الخطاب المسرحي ) حيث يشير الدكتور أمير هاشم في هذا الفصل على أن كتّاب الغرب كتبوا مابين منتصف القرن السادس عشر ومنتصف القرن السابع عشر ما يقارب (47) نصا مسرحيا عن الشرق ماعدا كتابات شكسبير وتنوعت أغراض هذه النصوص بين التاريخي والمأساوي والملهاة, وحسب الكتاب أنه بالإمكان للباحث أن يجد الهوية الشرقية بذات غربية في القرن السابع عشر وما تحمل من معاني ودلالات لغوية وفكرية واجتماعية سامية, كما هو الحال في نصوص ” بير كورني” في الكلاسيكية الجديدة, كما كتب “مولير” مسرحية البرجوازي الصغير ليجسد فيها شخصية التركي, كذلك “راسين” الذي ذكره المؤلف الدكتور أمير هاشم, من خلال نص مسرحية ” فيدرا” الذي جسد من خلالها الحب والهوى الشرقي, كما يشير المؤلف إلى نصوص “جوته” الذي تأثر بالأدبين الفارسي والهندي, ويرى “جوته” في الشرق أنهم مجموعة من القبائل البدوية التي تميل إلى الحروب ولكنها من جانب آخر تتكثل بالشهامة والشجاعة وأن الشخصية الشرقية تميل إلى العشق والإخلاص , وفي خاتمة الكتاب يشير المؤلف إلى اختلاف نشأة الاستشراق فهناك من يرجعها إلى ما قبل الميلاد , وآخرون يرجعونها إلى حملات الاسكندر المقدوني, والحروب الصليبية, مع ملاحظة تزايد الاهتمام بالشرق
من خلال النص المسرحي الغربي في القرن السادس عشر حتى منتصف القرن السابع عشر.