تنمية المسرح المدرسي العربي مدخل نهضوي وتنويري/ تحسين يقين
عن جريدة الأيام الفلسطينية
وسيلة معرفية وفكرية وقومية بشرط ألا تدخل في نطاق التلقين أو الوعظ والإرشاد والمباشرة الساذجة!
وسيلة عظيمة لأبي الفنون جميعا أن نحتفي به بواحدة من أهم استراتيجيات العمل الثقافي العربي، في ظل ما نعانيه من تشظي ونزاعات وعودة عن التنوير.
إستراتيجية تتجلى عند التنفيذ وطنيا (قطريا) وقوميا، متفاعلة معا، في التعبير عن قضايا كل مكان ضمن مكان الوطن العربي الكبير، تنطلق من أروقة المدارس، لتبذر بذور التأمل والتفكير.
التربية والثقافة والعلوم والفنون أيضا، هي ما نحتاجها معا حين تتكامل وتتفاعل نفسيا واجتماعيا ووطنيا وقوميا، وإنسانيا.
والمسرح المدرسي هو تجل لهذا التفاعل الإبداعي!
وهو فوق ذلك يساهم في بناء جمهور رائع للمسرح الجاد، وهذا يعني بناء الإنسان.
لقد أنجزت الهيئة العربية للمسرح في النصف الأول لهذا مشروع «إستراتيجية تنمية وتطوير المسرح المدرسي في الوطن العربي»، الذي أقر من قبل ممثلي وزارات التربية والتعليم في ثمانية عشر بلدا عربيّا، والذي يحتوي على خطة عمل إستراتيجية للسنوات العشر القادمة، إضافة إلى دليل عام للنشاط المسرحي لكافة المراحل من مرحلة ما قبل المدرسة إلى المرحلة الثانوية.
إنه إنجاز مهمّ، للمستقبل الثقافي والفني والفكري والسياسي العربي، لما يملك في ثناياه وخطوطه العريضة، من طموح تكوين الفكر الاجتماعي المتنور القائم على العقل، لدى الطلبة العرب في المدارس، كي نعيد مسيرة التنوير إلى مجراها، بهدف تحقيق ما لم نحققه من قبل.
ففي ظل استهداف الإنسان العربي صغيرا وكبيرا، فإن العقل هو الضمانة، لحماية الأمة العربية أفرادا وشعوبا من الشعبوية والنزق والعنصرية والتطرف والغلو. ومن وسائل ذلك الفنون وعلى رأسها أبو الفنون المسرح.
ثمة فرق بين المسرح المدرسي ومسرح الطفل، رغم الاختلافات في هذا الشأن، فمنهم وربما الغالبية، ترى أن هناك ارتباطا بين المسرح المدرسي ومقتضيات وسياقات التربية والتعليم، بينما هنا اتفاق على أن مسرح الطفل غير مرتبط بالعملية التربوية، أي هو مسرح عادي يبدعه الكبار وفق أسس إبداعية تراعي عناصر المسرح.
وكلاهما مقدم للأطفال، وإن كان هناك مسرح طفل يمكن أن يكون للصغار والكبار، بدافع لدى الفنانين يراعي وجود أفراد الأسرة معا.
نأمل أن يكون انحياز التربويين والفنانين العرب بقيادة الهيئة العربية للمسرح، باتجاه الإبداع، حتى وإن تم مراعاة البعد التربوي، لأن الفنون أصلا لها علاقة بذلك، لكن بطرق إيحائية تثير التفكير والشعور.
لقد سرنا تواجد الصديق المبدع الفنان المسرحي غنام غنام، في الهيئة العربية للمسرح(الفتية) التي ستدخل عامها الثامن، بإنجازات قومية شهد لها الجميع.
لنحاول أن ندلي بدلونا من خلال هذا السؤال:
لماذا المسرح والمسرح المدرسي؟
لأن المسرح من خلال الحوار والتحليل قادر على المساهمة في تنمية التفكير لدى الناشئة؛ فهو يحقق لقيم الحرية والعدالة والمساواة؛ فالمشاهدة الواعية تخلق التفكير، وهو أي التفكير مفتاح التنمية الفكرية والسياسية والاجتماعية.
المسرح المدرسي يقوم على الفن والتربية معا، فهو مسرح عادي يحتفظ بكافة عناصر البناء المسرحي، لكنه مقدم من قبل الطلبة الأطفال لجمهور الطلبة والكبار معا، حيث يقوم الكبار بالتوجيه والعناية بدون تدخل يفسد هموم واهتمامات ومواهب وإبداعات الأطفال أنفسهم، حتى لا يتحول المسرح إلى وعظ وإرشاد يكرس الفكر النمطي.
لذلك فإن الدور التربوي والتعليمي لا يعني تحول الفن المسرحي إلى دروس مملة تنضاف إلى الحالة التعليمية المملة أيضا، بل هو تفاعل إيجابي، ينظر إلى سياق المرحلة العمرية وفضاء المدرسة المادي (الفيزيقي) والفكري، فلا يكون المسرح المدرسي دراما تربوية، يتم توظيف الدراما لغايات تربوية تعليمية، بل يكون المسرح المدرسي مسرحا جادا، يمكن أن يحمل ما يحمله مسرح الكبار.
فلسطينيا، وعلى ضوء وجودي كعضو لجنة تحكيم مسابقة مسرحية لمدارس فلسطينية قبل فترة قصيرة، تحدثت مع رئيس القسم الثقافي في إدارة الأنشطة الطلابية في وزارة التربية والتعليم العالي رياض صوالحة، حول اتجاهات وتقنيات المسرحيات التي شاهدناها، والتي حملت بصمات الطلبة، لكن في الوقت نفسه كان توفيق تدخل الكبار متفاوتا، وأحيانا كان سلبيا، خصوصا في جعل المسرحيات خطابات وإرشادات مباشرة.
وقد زاد من إعجابي ودهشتي لجوء المخرجين إلى عرض لوحات درامية تستفيد من تقنية السينما والتلفزيون، كما رأينا ممثلين وممثلات موهوبين وموهوبات.
أما كتابة النص واختيار الموسيقى والإخراج، فإن الطلبة المشاركين ومعلميهم ومعلماتهم بحاجة لتدريب منفصل، كل على حدة، من خلال إشراك نقابات التمثيل، (رابطة المسرحيين في فلسطين) والفنانين في التدريب، والبقاء على تواصل حتى تقديم العروض ومشاهدتها وتحكيمها.
يلجأ الطلبة كأطفال إلى المبالغة في المشاعر، حتى لدرجة جعل الجمهور يبكي هدفا، في ظل الحياة الفلسطينية تحت الاحتلال، حيث صوروا الموت كثيرا، ففي الحياة الفلسطينية مواضيع وأحداث أخرى. كما أن سياقات حياة الأطفال أنفسهم أحرى بأن يتم كتابتها ومن ثم إعدادها للمسرح والتمثيل.
لكن حتى يتطور المسرح المدرسي، ينبغي تور التربية والتعليم، كذلك تطور المسرح العربي. لذلك يأتي مشروع «إستراتيجية تنمية وتطوير المسرح المدرسي في الوطن العربي» في سياق «الإستراتيجية العربية للتنمية المسرحية» التي أعدتّها الهيئة العربية للمسرح خلال العام 2013، وهذا يعني تكامل الجهد بين مسرح الصغار ومسرح الكبار، ولا نعني بالصغار التقليل من قيمتهم، بل التركيز على خصوصياتهم واهتماماتهم، باعتبار الطفل-الطالب إنسانا أولا وأخيرا.
آفاق المسرح المدرسي العربي تلوح في المستقبل، من خلال التعاون العربي كتعاون قومي، فني ومسرحي وتربوي.
لذلك فإننا تربويين وفنانين وجمهورا ننظر بعين الرضا لتوقيع مذكرة التفاهم بين الهيئة العربية للمسرح (A.T.I) ممثلة بأمينها العام إسماعيل عبد الله، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليكسو)، التي مقرها في تونس ممثلة بمديرها العام الدكتور عبد الله حمد محارب، لتنسيق التعاون بين الطرفين في سبيل خدمة المسرح العربي عامة و المدرسي خاصة.
فوفقا للسيد إسماعيل عبد الله، فإن هذا التفاهم يأتي إيمانا من الطرفين بمنطق تكامل الجهود وتكريسا للتعاون البنّاء الذي تمّ بين الطرفين في نشأة الهيئة العربية للمسرح منذ العام 2008، والدور الذي لعبته المنظمة إسهاما منها في صياغة أنظمة عمل الهيئة، وتقديمها للثقافة العربية كشخصية اعتبارية تعمل في خدمة الثقافة العربية من خلال المسرح ، كما يأتي تنفيذا لقرار مؤتمر وزراء الثقافة العرب، المنعقد في شهر كانون الثاني 2015 بالرياض، بتبني «الإستراتيجية العربية للتنمية المسرحية» التي أعدتّها الهيئة العربية للمسرح، وبناء على توصيات الاجتماع بدعوة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بوضع الخطط الكفيلة لتفعيل الإستراتيجية وبرامجها بالتعاون مع الهيئة لوضع خطط عمل لتنفيذ الأنشطة ذات العلاقة.
في العاشر من تشرين الأول هذا العام 2015، سيحيي الطلبة وأسرة التربية العربية «اليوم العربي للمسرح المدرسي» للمرة الأولى، الذي نأمل أن يكون يوما تأسيسيا للمسرح المدرسي العربي.
وسيحيي العرب جميعا في العاشر من كانون الثاني 2016 «اليوم العربي للمسرح» ، بنشر رسالة اليوم العربي للمسرح، وتنظيم احتفالات خاصة بهذه المناسبة بالتنسيق في الإعداد والتنظيم مع الوزارات والهيئات المعنية، والذي نأمل أن يكون يوما تتويجا لنشاطات فنية تجري في النصف الثاني من هذا العام، وتتويجا وتراكما إبداعيا لما تم في الأعوام الثمانية السابقة.
لعلنا نشهد خلال الأعوام القلية نهوضا في الدول المشاركة، وهي معظم الدول العربية(18 دولة)، يتوج هذا النهوض بمهرجان المسرح المدرسي العربي، والذي سيكون الأول من نوعه، كونه يختلف عن مسرح الطفل كما أوضحنا، يشاهد فيه التربويون والفنانون العرب أطفال العرب وهم يعبرون على خشبة المسرح عن أنفسهم وقضاياهم وقضايا أوطانهم وأمتهم والإنسانية، حتى لكأنهم يمنحون الكبار أفكارا ومشاعر، وطاقة للعمل، للنهوض بالنصوص المسرحية، والتي ستكون نهوضا بالفكر العربي، أهم مقدمة ضرورية للنهضة.
فهل سنشهد دور المسرح العربي والمسرح المدرسي العربي في التنوير؟
هل سيتجلى في التعبير عن هموم واهتمامات الأقطار العربية؟ عن الأفراد والجماعات والأطفال أيضا!
صحيح أننا بحاجة لدور المسرح وطنيا وقوميا، ولكن أن يتم ذلك من خلال الفن والإنسانية حتى لا يتحول المسرح إلى شعار سياسي.
هناك أمل، خصوصا في ظل وجود دعم من الهيئة العربية للمسرح كجهة اعتبارية نفخر بها، ونفخر بمن يقدم لها العون، لأنه وهو يساعدها ويمولها، إنما يسعى لتعزيز التنمية الفكرية في بلادنا.
Ytahseen2001@yahoo.com