آفاق التلقي في مسرح ما بعد التغيير/ علي العبادي

المسرح ذلك البوح الجمالي والحاضن لكل الأشكال الإبداعية في مجال الأدب والفن، يعتبر أقوى وسيلة تثقفية للمجتمع لما يحمله من معطيات جدلية واشتغالات فكرية وجمالية تداخلات مع جميع أصناف الإبداع.
إن المسرح العراقي مر بمراحل عصيبة عديدة سوف نكتفي بتسلط الضوء على المرحلة الآنية وتداعياتها على المجتمع بصورة عامة وعلى المشتغلين بالجانب الفني (المسرحي).
إن المسرح يرتبط ارتباط وثيق بالإرهاصات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وانعكاساتها على بنية المجتمع، فهو يخضع لكافة التغيرات التي تطرأ على حياة المواطن، اختلال فاعلية أي جانب من الذي ذكر سلفاً يساهم بانعكاسها بقدر فاعليتها على المواطن الذي يكون في أغلب الأحيان أسير لمستجداتها .
لا أعتقد أن هناك أرض خصبة حقيقة بمستوى طموح المثقف لإقامة أي فعالية ثقافية أو فنية. إن الطقس السياسي ألقى بضلالة بصورة كبيرة جدا على المسرح من ناحية تردي الوضع الأمني الذي أبعد الجمهور عن قاعات المسرح بصورة مخيفة. وهذا بدوره شكل قلق لدى المشتغلين بالجانب المسرحي مستفهمينا (هل سوف يندثر المسرح في ظل التكنلوجيا؟)، ومن ناحية تخلف السياسيين القائمين على المؤسسات الثقافية والفنية التي بدورها ساهمت بصورة كبيرة في تهميش الفنان والمثقف، الذي بات يبحث عن لقمة الخبز في زحمة الموت المجاني اليومي، وشهدنا أيضا نزوح لبعض الذائقة العراقية التي هددت بنيتها الجمالية من قبل بما (يسمى بالمسرح التجاري) الذي لا يمت للمسرح بصلة سوى الاسم لما يحمل من أفكار مبتذلة، همه الأول والأخير (كسب المال) من قبل المتفرج لا غير وباعتراف المشتغلين به. المتلقي يؤمن برسالة المسرح وبشدة ويقف بجانبها وإن كان في بعض الأحيان ازدواجي. (مسرح الإسفاف أو الهابط ) أو ما يسمى (بالتجاري) تدخل إليه العوائل محاولة منها لإضفاء السعادة في ذاتها وإن لم تجدها في العمل المسرحي تضحك على الممثلين الذين حولوا أنفسهم الى بضاعة بخسة للضحك لذلك هذا المسرح بلا هوية معرفية وفاقد القيم الجمالية .
من المشاكل التي يعاني منها مسرحنا في ما بعد التغيير (عملية التلقي) في المسرح الجاد حيث تصل (البروفات) فيه إلى ستة أشهر ويعرض العمل في يومين أو ثلاثة أيام، ويقتصر التلقي على النخبة المهتمة بالشأن المسرحي والعاملين فيه، وهذا أسبابه عديدة البعض أوعزها إلى فعل الاشتغال الغاص بالتشفير والترميز والذي يشكل صعوبة لدى المتلقي في الولوج لماهياته، والبعض يرى سببه قلة الوعي لدى المتفرج الذي ساهم في هذه الفجوة في عملية التلقي، وهناك أسباب كثيرة أخرى في هذا الجانب.
أن أغلب المهرجانات التي تقام في العاصمة بغداد أو المحافظات العراقية لم تخدم الحركة المسرحية كفعل ثقافي لأن إنتاجها قائم على مفهوم غسيل الأموال أو كإسقاط فرض، وهمْ المؤسسات بأن تقدم عمل مسرحي وليس إيمانا منها بماهية المسرح بقدر إيمانها برضا المسؤول عنها عند تقديمها أي نتاج. وهناك الكثير ممن يقوم على هذا المهرجانات ليس لهم علاقة حقيقة مع المسرح لا من بعيد ولا من قريب، وهذا انعكس سلبا بدوره على النتاج المسرحي.
مما لحظ غياب الجمهور لأسباب كثيرة، منها الوضع الأمني، ضعف الإعلان كون أغلب الأعمال التي تقدم خصوصا في المحافظة انتاجها ذاتي.
التكنلوجيا هي الأخرى التي جعلت العالم عبر عن غرفة صغيرة وليس قرية، كان لها أثرا بالغا في غياب المتلقي من خلال انشغاله بآخر المستجدات في جميع المجالات منها الثقافة والفنون، وهناك الكثير من العروض المسرحية تنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هذا أدى بدوره إلى عدم رغبة البعض في ارتياد قاعات العروض.
رغم التحولات الخطيرة التي هددت بنية المجتمع العراقي والسياسي بقى المسرح العراقي في الصدارة، لكن هناك محاولة شرسة من قبل فنانين المسرح التجاري لتشوية الفعل الجمالي الحاصل اليوم في مسرحنا، إن مشكلة التلقي الكبرى هي الوضع الأمني، ما أن يستقر سوف نجد ان قاعات المسارح سوف تكتظ بالجماهير رغم المتغيرات التي طرأت على بنية المجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت