(حيدر جبر الأسدي): ثقافة أهم المخرجين العراقيين … هي نتاج مناهج لثقافة غربية/ حاوره : خضير الزيدي
الفرجة: لنتحدث عن خصوصية المسرح العراقي بعد التغيير ؟
الأسدي: خضع المسرح العراقي في اشتغالاتة قبل التغيير الى فرضية القناع الجمالي في مجمل العروض المسرحية , حيث كان منتجو العرض يخبؤون في كينونته كماً هائلاً من الخطابات الأبستمولجيه والجمالية التي تقرأ راهن النظام السابق من جهة وتتقاطع مع تجليات ذلك الراهن من جهة اخرى , وبالتالي استطاع منتج الخطاب في تلك الفترة ان يختط له منهجاً ونمطاً يستطيع من خلاله تمرير ما يمكن تمريرة محافظاً في ذات الوقت على النسق الجمالي المسند الى لغة بصرية صوتية مرتدية وشاحاً علاماتياً , قادراً على التوحد مع الاخر ومفتوحاً على حزمة كبيرة من التأويلات , اما بعد التغيير فقد وقع منتج الخطاب في حيرة من أمره وفي تساؤل , هل يمضي على سياقاتة السابقة في التعاطي مع التوليدات النصية لإنتاج العرض أم يحاور الآخر في شكل مباشر دون استخدام الاقنعة مستفيداً من فسحة الحرية التي اوجدها المتغير السياسي الجديد ؟ وقد بقي منتج الخطاب في اشكالية وراح يتخبط على مستويات مختلفة لم تصله إلى نتيجة كي تبدأ نقطة الشروع , لذلك تجد ثمة عروضا تحمل القناع السابق واخرى تتنازل عن الجوانب الجمالية وتحاول ان تكون دعائية بشكل سافر , حتى وان كلفها التنازل عن جماليات العرض المسرحي , والبعض يحاول في المسكوت عنه ابان النظام السابق , ويخرجه إلى العلن ولكن هؤلاء وقعوا في ازمة الخطاب المباشر الذي طوق فعالية التلقي ونحسر على مجاميع خاصة ربما لا يشكل لهم المسرح عالماً مهمًاً بقدر الحصول على بعض العطايا التي يتوسمون الحصول عليها في العالم الاخر .. ومن هنا أجد أن المسرح العراقي أضحى في نكوص كبير رغم بعض المحاولات من لدن بعض المخرجين خصوصاً أولئك الذين يبحثون عن بيئة مسرحية مغايرة بغية تحقيق عروض مسرحية تشتغل على الجسد بوصفة علامة قادرة على تمترس الفعل الدرامي وإحداث الدهشة والجاذبية بعيداً عن المدونة النصية , وهذه المحاولات مازالت – كما اعتقد – في جدل مع الآخر الذي يهتم بالكلمة المنطوقة , ويؤمن بقداستها كما كانت عن الغرب قبل أن يقوم ارتو بتذويبها في أطروحته الشهيرة مسرح القسوة .. الذي استثمر عبرة الصورة البصرية من كرنفالات وأعيادا ومآسي وفعاليات المسرح الشرقي في كل موروثاته المعروفة .. إذا المسرح العراقي ما بين البقاء على القناع القديم وبين المباشرة في العروض الادعائية وما بين البحث عن مسرح ما بعد الدراما كما يسمو ما زال وهو بهذا الحال يرزح إلى هذا اللحظة دون أن يحدد ملامح اتجاهه في القادم من الأيام .
الفرجة: أريد أن أتساءل هنا لماذا تبدو دائرة التجريب في المسرح العراقي ضيقة قياساً لمسارح الدول العربية ؟
الأسدي: بدءا يشير الدكتور احمد سخسوخ في كتابة التجريب المسرحي بأن عناصر وطرق التجريب وأساليبه ( إنما ترتبط – في الواقع – بالمناخ الحضاري والعصر ووجهة نظر الفنان من الكون وموقفه من الإنسان , والتجريب ليس برفاهية فنية ولكنه ضرورة يفرضها قانون تطور الأشياء لكي يصبح الفن عصرياً وليس متحفياً ) وهنا أشار الدكتور مجيد حميد الجبوري بأن المسرحيين العراقيين في بداياتهم كانوا قد عمدوا على ابتكار الوسائل الجديدة التي تستطيع تخليص فنهم من المتحفية والتقوقع في أسار التقليد إلى التجريب والحداثة وقد نبه الجبوري إلى ابرز المخرجين المجربين كالدكتور صلاح القصب والدكتور عوني كرومي والراحل هاني هاني والمبدع عزيز خيون وهذا ما جاء في كتابه دراسات في المسرح العراقي , مما تقدم أقول أن بداية المسرح العراقي والى سنوات قريبة كان التجريب المسرحي يمثل مساحة واسعة في مديات الصنعة المسرحية ويخضع إلى رؤى تارة تجاور التيارات العالمية وتارة تنفلت منها بحثاً عن تمركزات خاصة لسير باتجاه بوابات تجريبية لتشكل فيما بعد قواعد وأصول اللعبة المسرحية لهذا الطرف أو لذاك , وربما أجد بان الذين , اشتغلوا ضمن تلك الدوائر المتمسرحة إنما كانت مناخات العمل مناسبة جداً ومعطيات الحال هي أفضل بكثير من المعطى الحالي , رغم الصعوبات التي كان يواجهها المجرب , وهذه الحالة وبسبب أزمات مرحلة التغيير السياسية والأمنية والاجتماعية وحتى الثقافية أدت بالضرورة إلى انكفاء دائرة التجريب في المسرح العراقي , وما قدم من أعمال لا ترتقي إلى أن تحسب على المسرح العراقي فضلاً عن التجريب الذي عهد عنه .
الفرجة: مع كل ما قلته هنا لماذا تفتقد دائرة السينما والمسرح في العراق إلى عروض متقدمة كالتي تشارك في المهرجانات الدولية ؟
الأسدي:اعتقد أن دائرة السينما والمسرح رغم أنها من أهم الدوائر المعنية بالفعاليتين المسرحية والسينمائية في البلاد , إلا أنها لم تقدم المستوى المطلوب منها , ربما البعض يتحمله أصحاب الدائرة والبعض الآخر تتحمله وزارة الثقافة , وأنا لا أريد هنا أن افكك الشبكة الإدارية التي تقود هذا الدائرة وعلاقتها بمنتسبيها بشكل خاص وبالفنانين بشكل عام واثر ذلك في تفعيل العمل الفني , وإنما أؤكد على ضرورة إيجاد آليات جديدة ولجان مستحدثة من شخصيات تخضع لمعايير علمية وأكاديمية , ومحاولة تغيير الوجوه المهيمنة على صناعة القرار في هذه المؤسسة , لكي نحصل على متابعة حقيقية للشأن الفني وبتالي يتم اختيار العروض المسرحية والسينمائية بشكل متميز سواء تلك التي تقدم في داخل البلد أو التي تمثله في الخارج حتى تكون جميع تلك العروض بالمستوى المطلوب , أما أسباب افتقاد الدائرة إلى عروض سينمائية ومسرحية متقدمة فأعتقد جزءا من هذه العروض موجودة على قلة الدعم المادي , والروتين القاتل الذي تمارسه هذه المؤسسة مع الكوادر المسرحية والسينمائية العاملة , ولكن بشكل عام اعتقد بان هذه المؤسسة حالها حال بقية مؤسسات الدولة تخضع لاشتراطات واليات وأنظمة ربما أسهمت في شل حركتها وجعلها معطلة ومعطلة لأغلب النتاجات التي تقدم إليها من قبل الفنانين العراقيين
الفرجة: لنتحدث عن مشروعك في خطاب المسرح العراقي ؟
الأسدي: رغم أن بداياتي في التمثيل , إلا إنني وجدت نفسي في مفصلين مهمين في الفعالية المسرحية أولهما الإخراج, وقد كانت لي محاولات لعروض مسرحية مدرسية وتجريبية , محاولاً الاستفادة من الأساليب الإخراجية التي درستها , أو التي بحثت عنها في الكتب الإخراجية , ولكني في ذات الوقت وفي هذا الجانب تحديداً كنت متأثراً بالاتجاه الذي تبنته جماعة الناصرية للتمثيل , وبوصفي عضواً في هذه الجماعة وقد عملت فيها لكثر من ( 14) سنه وما زلت فأن الجماعة كما هي معروفة والتي أسسها المخرج والناقد المسرحي ياسر البراك تبنت أطروحة المسرح الاسقاطي الذي نظر له البراك وكتب فرضياته في العديد من المقاربات والمقالات التي نشرت في اغلب الوسائل الإعلامية المقروءة , فالمسرح الاسقاطي يعمل في جميع روافد المسرح ولدية رؤية في كل رافد , فهو يعمل ضمن المسرح التجريبي وقد قدم أعمالا مهمة وجرب الاتجاهات المسرحية الأخرى كتيار مسرح العبث عندما قدم مسرحية ( الدرس ) ليوجين يونسكو , وكذلك تناول الإسقاط في المسرح الشعبي عند ما قدم مسرحيات مثل ( عشك , لعبة مظلوم الخياط ) وحاول أن يصل من خلال اللغة إلى فهم خاص للمسرح الشعبي واليات التواصل مع شريحة واسعة من المشاهدين , كما انه جرب أيضا مسرح الأطفال فقدم ثلاث مسرحيات من ( مسرح الدمى ) , وهو بذلك يعد رائداً في مسرح الناصرية ضمن هذا الاتجاه , وقدم ( مسرح التعزية ) برؤى حديثة من خلال مسرحيتين الأولى ( ليلة جرح الأمير ) تأليف عمار نعمه جابر والثانية ( الماء .. يا قمر الشريعة ) تأليف حازم رشك , وهذا التنويع والتلوين الذي يخوض مخاضه المسرح الاسقاطي , دلالة على أن الفعالية الاسقاطية هي فعالية كونية تتعدى المحليات وتغور في الما ورائيات , وتبحث من خلال هذا التلاقح مع الآخر على أساس المشترك الإنساني بين كل الاتجاهات والأطياف الموجودة , وقد كتب البراك في النص الاسقاطي وعناصر العرض وهدف الخطاب الاسقاطي , حيث أشار البراك في بعض حواراته بأن المسرح الاسقاطي ( اجتهاد قبل أن يكون تجديداً وهو تأويل جمالي للتظاهرات الاحتفالية الشعبية المفعمة بالرؤى المذهبية , وعلى هذا فأن القطيعة التي مارسها هي قطيعة جمالية مع المنجز المسرحي السائد ,وهو استثمار لطاقات الفن الشعبي بتقنيات المسرح الحديث ) وقد كتبت دراسة تفصيلية حول هذا الموضوع والموسومة ( المسرح الاسقاطي .. كونية الرؤيا وخصوصية الدلالة ) دارساً فيها كل تلك التفاصيل الاسقاطية التي نظر لها الزميل ياسر البراك وقد نشرت ضمن صفحة ستارة لجريدة الاتحاد الإعداد الماضية , وقد بنيت رؤيتي الإخراجية من هذه المساحة التنظيرية التي أشرت لها سريعاً , أما المفصل الثاني فهو النقد .. والذي يوصف بأنه ( رأي يتعلق بأثر إبداعي ) وبما أن ثمة اشتباكات وجدلية تراكمية قائمة ما بين المخرج والناقد في المسرح العربي والعراقي معاً , وهذه ترجع إلى أسباب متعلقة بنشأة تاريخ النقد المسرحي , إلا إنني أعي أهمية خلق ثقافة منهجية ما بين طرفي المعادلة , فأنا أؤمن بأن المخرج الواعي يجب أن يكون ناقداً فاحصاً وواعياً , ولذلك لم يأت اندكاكي بهذه الفعالية اعتباطاً , وإنما جاء من معرفة دقيقة بأهمية العلاقة ووظائف النمطين في داخل العملية المسرحية , لذلك أنجزت كتاباً والموسوم مقاربات في المسرح العراقي وهو جزء من مشروعي في قراءة العروض المسرحية ودراسة الظواهر المسرحية , والكتاب الآخر وما زلت اعمل عليه وهو دراسة الأساليب الإخراجية في مدينة الناصرية من عام 1980 إلى عام 2004 وقد حاولت أن احلل أهم الأساليب والوسائل الإخراجية لمخرجين عبر تحليل العروض التي قدموها وما زلت أضيف إلى العينات التي أخذتها عينات أخرى كي تكتمل الصورة , ويكون الكتاب بمثابة مصدر يرجع له الباحثون عند دراستهم لمسرح المدينة
الفرجة: هناك آراء تذهب إلى قصور في النقد المسرحي ما صحة تلك الآراء وكيف تفندها ؟
الأسدي: كما هو معروف في نشأة المسرح العربي ونقده قد مر بمرحلتين ,الأولى اعتمدت على نهج معين في علاقتها بالمسرح الأجنبي وبالحياة الاجتماعية والثقافة العربية .. كما يشر لذلك الناقد والمخرج العربي فرحان بلبل , فالمرحلة الأولى كان الكاتب المسرحي هو نفسه الناقد وبالتالي تتجلى رؤيته من خلال التذوق الفني , وهذا ما قام به مارون النقاش وخليل القباني ويعقوب صنوع , أما المرحلة الثانية فحاول النقاد من إيجاد قواعد خاصة بهم والبحث عن آليات للولوج إلى بنية العرض المسرحي الذي اخذ يتكامل , بعد أن تغيرت الرؤيا في ترجمة الكتب المسرحية , حيث كانت الترجمة السابقة واحدة من إشكاليات فهم المسرح بصورته الحقيقية كما نفهمه الآن , وبالتالي بدا العمل على أساس فهم المترجم ومن ثم فهم الفنان لما يقرأ , أضف إلى ذلك أن جدلية العلاقة ما بين المخرج والناقد في المسرح العراقي والعربي إنما قائمة على أساس عدم وجود تعاقد منهجي ما بين الطرفين , واعني بالتعاقد المنهجي هو غياب المنهجية الإخراجية من جهة وعدم اطلاع الناقد على المنهجية أن وجدت لدى بعض المخرجين من جهة أخرى وهذا الخلاف أدى إلى عراك وتصادم كبير ما بين طرفي المعادلة المسرحية , والى هذه اللحظة , في حين بلغ النقد ذروته في الغرب , لوضوح المنهجية الإخراجية ووضوح المناهج النقدية والأساليب الخاصة بقراءة العروض المسرحية وعلى مختلف توجهاتها . كما أن الناقد هو جزء من اللعبة المسرحية يحتاج إلى متطلبات خاصة واعني بالمتطلبات المهارات , فهو يجب أن يتمتع بموهبة تؤهله لأن يمتلك القدرة على اقتحام نص العرض , ويغور في العوالم والمساحات المتخيلة التي تشتغل عليها الرؤية الإخراجية , لذلك ليس الأمر متعلق بقصور النقد أو عدم قصوره بقدر تعلق الأمر بالفعالية المسرحية بمجملها , وبتقديري أن كل تلك العناوين تحتاج إلى إعادة صياغة والى مراجعة فاحصة .. فالناقد حتى وان كان مسيطراً على أدواته النقدية , فأنه يصطدم بعروض جوفاء خالية من الاشتغالات الجمالية أو إنها عروض تقليدية لا تستطيع وخز مخيلة الناقد ليتوحد مع العرض في أنساقه الجمالية , أو قد تأتي القضية معكوسة , لذلك ما يشاع لكلا الطرفين هي اتهامات تحتاج إلى فك اشتباكاتها من اجل العمل سوية لخلق عروض تجريبية قادرة على تثوير خزين الناقد بالشكل الذي يرتقي بكتاباته النقدية , مستفيداً من اغلب المناهج النقدية العالمية أو مبتكراً لمناهج جديدة تتوائم مع طبيعة المنتج الجديد .
الفرجة: كيف يبدو لك الواقع المسرحي اليوم قياساً لفترة السبعينيات والثمانينيات ؟
الأسدي: حفلت فترة السبعينيات والثمانينيات بعروض تجريبية مميزة وهي خلاصة الجهد التجريبي الذي قام به رواد المسرح العراقي , فقد كانت تجارب الراحل قاسم محمد في إخراج العديد من المسرحيات ولعل في مقدمتها مسرحية ( بيت برنارد البا ) تأليف الاسباني لوركا , وكذلك (بغداد الأزل بين الجد والهزل) , وأحاديث في مجالس التراث , كانت تبحث عن هوية عربية في المسرح , وأعمال شيخ المسرحيين الأستاذ سامي عبد الحميد ولعل من أبرزها ( هاملت عربياً , كلكامش ) وتجارب محسن عزاوي في إخراجه لمسرحية (روميو وجوليت) , وهذه الفترة كانت مليئة بالمخرجين الرواد الشباب وهم يعدون الآن عناوين كبيرة في المسرح العراقي , لأسباب كان في مقدمتها أنهم كانوا يقدمون تجاربهم الإخراجية وفق رؤى تحاكي الأساليب الإخراجية التي درسوها من منابعها الأصلية وفي ذات الوقت اجترحوا لأنفسهم أساليب خاصة , كذلك كانت نتاجاتهم مرحلة تأسيس وتأصيل حقيقي للمسرح العراقي ,وكان التنافس الجمالي السمة البارزة في فضائهم التجريبي وقد حققوا حضوراً ملموساً على صعيد المسرح العربي ومن بين هؤلاء المخرجين ( د. عقيل مهدي , د. عوني كرومي , د. صلاح القصب , د. شفيق المهدي , د. فاضل خليل , الفنان عزيز خيون , والمخرج عبد الأمير ناجي , المرحوم حامد خضر , غانم حميد وغيرهم ) وهؤلاء ومعهم الرواد قد حددوا مسارات المسرح العراقي ووضعوا اللبنة الأولى لتأسيس مسرح قائم على التجريب و الانفتاح على الآخر بأساليب حديثة , أما ما نشهده الآن فأعتقد حالة من الهذيان المسرحي من ناحية الإنتاج وحالة من التخبط في البحث عن اشتغالات إخراجية حديثة , حتى أولئك الذين يرومون التحديث وذلك بالاتكاء على فعالية الجسد إلا أن الأمور بتصوري فيها العديد من الالتباسات , لذلك أنا لست ضد أن يدخل هذا اللون في لجسد المسرح العراقي بالعكس أنا مع كل تحديث شريطة أن يستوفي الرؤيا كاملة وذلك يحتاج إلى دراسة معمقة بهذا الاتجاه قبل أن يتحول ويتمظهر تياراً وستجد له فيما بعد قطيعة معرفية وجمالية مع الآخر , وهذا الرأي لا يهمش محاولات البعض في التجريب المسرحي , وبالتالي دورة بالنهوض بالواقع المسرحي الذي أجده واقعاً مريراً , لا يحظى بالمقبولية من لدن اغلب المسرحيين , بسبب الإهمال المتعمد لكل مفاصلة بدءا من البنى التحتية للمسارح وانتهاءً بمستوى العروض مروراً بتفاصيل العملية المسرحية الأخرى
الفرجة: طيب ولماذا يركز الكثير من المخرجين على أعمال غربية بينما النصوص العراقية تحفل بالتجديد ؟
الأسدي: بما أن المسرح هو جنس فني وافد على الثقافة العربية بكل تمفصلاته , كما هو مشهور , فأن المعرفة به وخصوصاً على مستوى النص لم يألفها المسرحي العراقي حاله حال المسرحي العربي , وحين حاول التعرف على أصول الدراما وعناصر النص , وأساليب كتابته ظل يفتقر إلى المقومات البنائية في انساق النص ولم يزل النص المسرحي العراقي بما يحمله من تجديد قاصراً أما النص العالمي فهو يمنح المخرج مساحة حركة واسعة في الرؤية ولا أنكر بأن ثمة محاولات مهمة لبعض كتاب المسرح العراقي , إلا إن القيم الفكرية والجمالية التي يمنحها النص العالمي لا يمكن مقارنتها بالنص المحلي , وبالتالي فأن اغلب المخرجين التجريبيين وجدوا ضالتهم في النص العالمي , كما أن الكاتب المحلي وقع أيضا في اجترار الصياغات النصية التي تعلمها من الكتاب العالميين , وحين حاول أن يعرق تلك الصياغات لم تأت بالشكل المناسب أو على اقل تقدير تتواءم مع الأفكار المجتمعية , لأسباب تتعلق ببنيات فكرية ومجتمعية وقيمية التي يؤمن يها الكاتب العالمي وتقاطعها مع متبنيات الكاتب المحلي , ومن جانب آخر فأن ثقافة أهم المخرجين العراقيين هي نتاج مناهج ثقافة غربية , وبعضهم متسق بالعديد من الطرق والأساليب الإخراجية المعروفة للعديد من المخرجين العالميين الذين اخرجوا هكذا نصوص واعني تلك النصوص التي حاول المخرجون العراقيون بإعادة إنتاجها بنفس المنهجية ولكن برؤية عراقية .
الفرجة: بتصورك هل المناهج التدريسية قاصرة عن أداء تطوير واقع المسرح العراقي ؟
الأسدي: ربما حداثوية المناهج التدريسية والتطور الكبير الذي شهده العالم يجعلنا نلقي ببعض اللائمة على المناهج التدريسية , ولكن بتقديري الشخصي أن من يتحمل المسؤولية الكبرى في عدم تطوير الواقع المسرحي بالدرجة الأولى هم التدريسيون , مع التأشير إلى الآليات التقليدية المستهلكة في استقبال طلبة الفنون الجميلة , والتي عمد على الالتزام بها أصحاب القرار بوصفهم – بهذا الفعل – مصدات لولادة أجيال مسرحية قادرة على أن تبث الحياة المسرحية من جديد , فعند اطلاعك على هذه الكليات والمعاهد ستجد أن اغلب الوافدين إليها من الطلبة هم لا علاقة لهم بفن المسرح وبعضهم جاء من اجل الحصول على الشهادة لتغيير واقعه المعيشي بوصفه موظفاً في الدولة وبالتالي فأن الأموال التي تصرفها الدولة من اجل الحصول على كوادر مسرحية متخصصة تذهب سدى , ويضاف لذلك الكثير من التدريسيين ليس همهم الأوحد إخراج طلبة متميزين كما كانوا في السابق وطبعاً ثمة استثناءات موجودة وهي غنية عن التعريف لكن بهذا الواقع المزري , اعتقد أن بقي على هذا الحال وما خفي كان أعظم في دهاليز التدريس سيرفد المسرح العراقي بتلك النتاجات ذات الألوان الباهتة التي لن نشهد لها بريقاً كما كنا نشاهده حينما تتخرج دفعات من كليات الفنون , ومن هنا أجدها دعوة لكل الجهات ذات العلاقة في إحداث تصحيح المسارات التي يسير عليها الآخرون منعاً من انكفاء المسرح أو انزلاقه إلى ما لا يحمد عقباه