محمد أبو خضير: لا أجدني موافقا على دلالات المعيار والتقديم وثنائية الماقبل / المابعد في منتج الذات الإنسانية/ حاوره : خضير الزيدي
الفرجة: اسمح لي إن ابدأ سؤالي بمثل ألماني مفاده أن كل مقارنة تعرج هل تعتقد أن الفكر والأسطورة والتاريخ وجماليات الفن في العراق ينطبق عليها هذا التوصيف؟
أبو خضير: إن منجز أية ثقافة في قدراتها الإنتاجية وتنشيط الحراك الواقعي وليس بما انتجته بالكم وحيال واقع الثقافة العراقية ومنذ بداية القرن المنصرم لم تنتج أسئلتها الواقعية او الاستشراقية او قراءتها للتاريخ فالاجوبة ذات جهوزية يعكس تاشيرها في لوح الثقافة العراقية ولم تحمل الخطابات الثقافية والادبية بعدها النظري والنقدوي في عقود تاسيس الدولة العراقية رغم ما صرحت به من مقولات يسارية واشتراكية . فالافكار مقمشة بخامة الاخر في القصة والرواية والمسرح والرسم فواقعية ( السيد ) لها ابوتها في الواقعية النقدية ذلك ثمة خصام ثقافي فكري بين صورة الواقع ومقولات الفكر فاذا ما كان الواقع حداثويا سار الفكر باتجاه مضاد والعكس هو الصواب .في قراءته للثقافة الروسية يؤكد ( بردائيف )بان افتقاد الثقافة هذه للحداثة مصدر افتقارها وتوثينها لرموز تاريخية ولعل الثقافة العراقية قرينا ايقونيا في تلفتاتها الى رموز التاريخ فشرائح الانتلجسيا العراقية ذوات وجموع لها مرموزاتها التاريخية والدينية مما يعرقل انطلاق مقولات الحداثة التي لا تجيد سوى ( تحويل ما هو ملموس الى اثيري) وفق ماركس ذاته
الفرجة: طيبا ألهذا أراك أكثر نشاطا في ما يخص النقد الفني والمسرحي وحتى الأدبي فأين تجد نفسك بين هذه المسميات؟
أبو خضير: للخطاب النقدي الحديث شموليته المعرفية وفضاءاته الجمالية ذات التشميل التجنيسي والتنميطي والابداعي متخطيا تقوسات الاحادية والغزل الادائي. فالرؤية النقدية تتبع الانفراج والتطلع الى الانواع والاجناس الابداعية والمنهج النقدي يوفر حراكا وتفعيلا للرؤية ذاتها بتعادلية منصفة بين النقد الرؤية / المنهج مما يفتح فضاءات جمالية موضع حضور في متن النص الابداعي عموما. فجماليات السردية والبصرية في تناوب وتعاقد بنائي / تواصلي داخل نسيج النص التشكيلي او القصصي وما يتبعه النص ذاته من شعرية وانفراط تجنيسي له استقطابه للقراءة النقدية. فقراءة النص الجسدي تقترح تشاركات وتناظرات وقراءة جسد النص السردي او الرسموي لذا اجد ان نعية النص هي المسار الدال على جماليات اي نص دونما الاخذ بنوع او جنس او نمط فالكل في (كمونة) النص الجمالية في تباري لاغواء المتلقي ( الناقد ) وصولا الى النشوة النصية بعدا وانفلاتا في (العصبيات ) التي حكمت الفنون والاداب طوال عمرها الذائقي واسجل بعد ذلك ان السؤال يطرح مفهوما مستعارا من متحف النقد ( النقابي ) في تقسيماته الى نقد فني نقد ادبي في وقت يخطو خطاب النقد بحمولته الفكرية والجمالية نحو صواف ( النقد الثقافي ) والمعرفي ايضا لذا فان مسميات النقد التقليدي في ( تصادر / توافق / توازن / انعكاس / محاكاة / حبكة / ) دلالات مهجورة في اليات الاشتباك النقدي في حفر وتقشير وصولا الى ( لقى ) النص المؤجلة ابدا
الفرجة: من هذا الكلام هل تبدو لك الانجازات الفنية التاريخية من صنع الخيال وهل تراهن على قدرة الفنان القديم في فيما أنجزه من فن ؟
أبو خضير: لا أجدني موافقا بتمامية على دلالات المعيار والتقديم وثنائية الماقبل / المابعد في منتج الذات الانسانية وتشطيرات ذاتية مناطقية ( شرق / غرب ) قبل الميلاد / بعد الميلاد فالذات في مجمل تمرحلاتها محتشدة بالرؤية الكشفية ومقاصد التواصل مع الموضوع والذات. اخذت به الدراسات التاريخية العامدة الى فواصل وسمات ما لحقبة زمنية او قرن ما كمسميات العصر الذهبي / قرن التاريخ / قرن النقد ) وانطلاقا من ذلك التخليط والهجنة التي احكمت اليها مسارات التاريخ فليس ثمة فعل او نص او امة هي مخض خالصة دون تسلسلات وربما هي فرية في ماهيتها . كما ان فعل الحداثة وعلى وفق توصلات ( هو برماس ) هو فعل مستمر مما يقوض مقولات التفاضل والتضافر واحسب ان الفنون معاد راشح من مسارات الانسانية في تجادلاتها مع الخارج / الموضوعي دون الاستعانة بالماركسية وتوالياتها الصيرورية . ان المظاهر المجتمعية في الدراسات الانسانية المتاخرة لا تمنح التاريخ قدره في طرح وثبات اسئلة مستدعية كجملة اجابات فثمة شعوب وذوات هي خارج مسكوتات التاريخ المدون لها منجزها الفكري والنقدي ليكون الخطاب الجمالي في متحف ( مارلو ) الخيالي طيفا انسانيا للمنتج الفني دون تحديدات تاريخية جازمة
الفرجة: إذا كم علينا أن نصدق الصورة التي دونها التاريخ الإنساني لنا عبر كنوز العالم القديم؟
أبو خضير: ترتهن الذات العربية والاسلامية الى جهد تاريخي دائب في رتق فجوة التمايز بينها و( الاخر ) فالجرح النرجسي في اتساع حينما تتأزم معطياتها الذاتية والفكرية باثر جملة هزائم وكسوفات وانقطاعات عن عصرها الذهبي . فالذات قارة وجازمة باحقيتها في التبؤ والتنقيب عبر مراحل التاريخ الانساني وفق تراتبات افقية او هرمية او حقيقية ميتافيزيقية مطلقة وبفعل ذلك اتت قراءات التاريخ والتراث عبر مقولات (ارثذوكسية) عمادها الادلجة والجدولة والمعيارية ولعل الصورة التي دونتها الافكاروالبوتيرتات ( الغيرية / الغربية ) اجدها وفق رهاب التاريخ وفحوصا في اليات الاستشراق وما بعد الاستشراق وكان للأصطفائية دور في تكريس صورتها في مرآة الاخر التي اتخذت تنوعاتها المحدبة والمقعرة والتقليدية . فالتراث والتاريخ اللأديمقراطي بعيد في الاخر اكثر حتى في غرضية وبراغماتية وبذلك فاننا في حفرة تاريخ عربي / اسلامي فالماركسيون العرب لهم تاريخهم وللوجوديين مجساتهم بعكس نوبات الوجودية وللأسلامويين متعالياتهم المقرورة لذا فان الصورة الجامعة تبدو اكثر وضوحا لدى ( الاخر ) المدشن اصلا لتلك القراءات الوافدة ولا زال التاريخ لدينا مجسدا روحيا هاجسا لنمط شرعوا اجتراحا او مكونا فيزيقيا حيث الشيئية المحظة فالكنز في تصوراتنا ميراث نتواصل معه عبر حلقات الاجيال دون قراءة واستبصار صوري جمالي اخذت به قراءات الاخر لموروثنا الفني الجمالي . ان قوة التهويل والاقتفاء بالصورة التاريخية في ذاتنا الفردية او الجمعية فسرت في اعلاء شان المغيوب الذي حال دون نمو العلاقة في الاشياء للمجهول الذي يستعير العقلي ليتحول الى معلوم
الفرجة: طيب ألا ترى إن المنطقة الفكرية والنقدية في العراق تفتقر إلى أسماء بارزة وإذا كنت ترى العكس فمن هي تلك الأسماء وسؤالي يدور في هذه المرحلة المعاصرة؟
أبو خضير: تظل مقولات الثقافة العراقية بل والعربية الاسلامية معتدة بالسرديات الكبرى و( برديات ) السلف الفكري والنقدي وما تشترطه تلك المسكوتات في تقديس وانبهار وتشوف في مرآة الذات . وتلكم التاريخية التي اشاراليها العروي مواءمة للثقافة العربية كانت سورا حصينا امام حراك مقولات النهضة العربية المعاصرة اضافة الى افتقاد الثقافة العربية والعراقية الى فلسفة النقد او نقد الفلسفة وما يخلقه ذلك من استرخاء وطمأنة حيال الواقع وصيرورته الدائمة واجد فيما يخص المشهد الثقافي العراقي شحة في افكار وتنظيرات تخص منظومة الانسان والاشياء والحياة العراقية بابعادها ودلالاتها السايكولوجية والساسيولوجية والتاريخية والفكرية والانثربولوجية ولعل قراءة( الوردي) تنفلت في بعض تقوساتها في سكونية التاريخ بما حمله من ابعاد نقدية للذات وللتاريخ وللموروث وللحياة وشعابها المختلفة اما الممارسات النقدية فاجد ان المشهد النقدي يحمل حراكا تنظيريا وتطبيقيا دون فرز لذات بعينها فالكل في تقبل وتفحص للمنتج الابداعي وفق مسميات متنوعة تتقدم ببعض الياتها لدى ناقد دون اخر ولعل عقود الثمانينيات قد شهدت وفود الاتجاهات النقدية الحديثة التي اخذت مدياتها في الممارسة النقدية . على انني اجد في قراءات بعض النقاد نافذة لتبعية المناهج تلك وفق قراءات ذاتية ممثلة ب ( حاتم الصكر / سعيد الغانمي / عبد الله ابراهيم / عباس عبد جاسم / محمد صابر عبيد / بشرى موسى صالح )
الفرجة: عليّ ان اعود معك الى موضوع مهم اسمح لي أن أتساءل عن سر الدهشة التي تقف وراء العمل الفني أو المسرحي؟
أبو خضير: للخطاب الجمالي تمرحلاته تواصلية عبر انتاج الفنون عموما ومن هنا اتت مفاهيم ( التاريخية الجديدة )طارقة اسئلة استفهامية عن حضوة عصرها بذائقة ديمومية دون عصر اخر . كما فنون مدرسة ( فرانكفوت )بمفهوم (التسليع ) في استجاباتها للخطاب الجمالي . فثمة مقولات تخص التلقي باختلاف تشذرات ( عصور ) الفنون واتجاهاتها المدرسية واجد مع (رورتي )بان الدهشة التي اسميتها ليس وقفا على الفنون فهي منتج يستقر مع اي نص سواء اكان فنيا / فلسفيا / علميا . فالفلسفة لها ( نحوها النصي) والعلم هاجس بالبلاغة الغنائية عند ( رورتي ) نفسه مثلما للنص الرسموي / الجسدي / او المسرحي ( مرفولوجيته )وعلميته فالفنون المابعد حداثة فنون صناعة وثقافة لعب حر وظبط وفنشوية ونسف للسرديات الكبرى مما يسوغ الاندهاش حيال الخامة الوافدة في فضاء نفعوي/ فيزيقي المهملة المرذولة ( بصريا ) فالاندهاش اساسه ( اللعب الحر ) في استدعاء افكار ودلالات الى حاضنة النص لفتح فضاءات المباينة بين الواقع واقع الفكرة الناهضة او الخامة المتعالية فيزيقيا وبين ابعادها التجنية واسلبتها داخل فضاء النص / اي نص / وذلك شأن الدهشة
الفرجة: من هنا كم يختلف الفن التشكيلي والمسرحي العراقي عن غيره قياسا إلى العالم العربي والعالمي ؟
أبو خضير: يهمس باطن السؤال بما اسماه ( ادوار سعيد ) ب (سياسات الهوية )التي اخذت اشواطا زمنية طويلة في سجالها عبر ثنائية ( التراث / المعاصرة ) وفي عصر المديات والمابعد يات ( البنيوية / الكولونيالية / الحداثة / النسوية / الصناعية ) فان الخطاب الجمالي في كوزموبوليته منتجة صوب محو للهوية او مفارق الهوية والعودة الابدية الى التأجيل فالتأصيل حاصل وناتج سايكولوجي مازوق والعودة الى الاصل لدى ( كرستيفا ) هو رد فعل للشعور بالافكار والكسوف وان الباحثين عن الاصل انما هم مجروحون ومكتئبون . والخطاب الجمالي للفنون العربية الحديثة له كونيته متخطيا تمرحلات التثليث الذائقي( تضع تعجب تبني ) حسب تراتبات ( اركون ) فهو خطاب مكوكب . من هنا باتت مسميات الفن العراقي والمصري وغيره محض تحقيبات نرجسية وتاريخية اختطتها اليات الدرس النقدي التقليدي وخطابات البحث الاكاديمي المنتجة وقبل ذلك كانت الفنون العربية ( مسرح / قصة / رواية / تشكيل ) ترضيات وتلفيقات لخطاب الاخر المهيمن فالفنون العربية لم تعرف الى الآن مثلا ما عرفته الشعوب المستعمرة ( بفتح التاء ) من فنون المابعد كولونيالية في الرجوع الى لحظة انتاج الفن ذلك ان بعض التجارب رهينة تاكيد ( الآن ) دون هاجس الفني والجمالي فحركة المسرح العربي من ( حكواتي / افتعالي ) هي هواجس تتريثية اكثر مما هي تحرر في ذائقة المهيمن الفني والجمالي ( الاخر ) ان منظومة الفنون والاداب في لحظتنا الحاضرة حاصل تكافل وتعابررذوقي / ثقافي / انساني تستجمعها مسميات ( الدلالة / البنية / الرمز ) وتواصلاتها مع المتلقي وربما جماليات الحاسوب الاتية حتما
الفرجة: اود ان اسألك حيال مسألة مهمة الا وهي لجأ بعض من جيل الرواد إلى توظيف الفكر الرافد يني القديم (نحتا ورسما) لكن هذه الرؤية لم تكن قائمة عندهم إلا بعد أن أتموا دراستهم في بلدان العالم الغربي إلا تتفق معي إن ذلك يعد قصورا في رؤية بعضهم طالما الغرب هم من نبأهم إلى روح تراثهم ؟
أبو خضير: لا يختلف تعريج جيل فناني الرواد عما سبقهم وما سيليهم من فنانين ومفكرين في الذهاب والذود بدفء الرحم التاريخي . فالعقل العربي في سبات حتى يتم دهمه من الاخر المعرفي والفني والذائقي فكأن لدينا معلم ثان قبالة معلم اول وافلوطين عربي اتجاه افلوطين تاريخي مثلما لدينا (اميل زولا ) عربيا ولعل الاعجب هو استيفاد مشاعر مثل القومية وادلجتها وتقدمها للذات العربية مثلما ( زكي الارسوزي وساطع الحصري ) واخرين وهكذا الامر والفنون الوافدة من مسرح / رواية / قصة فالفن ياتي في العموم وعبر وسيط معرفي سواء الذهاب الى الماضي التراثي او مدخرات ( الاخر ) المعرفية وفي جيل الرواد ازعم ان ذهاب ( ال سعيد ) اقرب الى روح الانسانية والابعاد الحفرية واستجلاء المستتر الجمالي والفني منه لدى جواد سليم في قراءته للتراث بعد تزوده بثقافة ( الاخر )وما تراكم من كشف استشراقي وهذا ليس مأخذا بل ثمة انسدادات توقفت امامها قراءة جواد في ذهابه الى التاريخ والتراث وثمة تسهيلات لدى ( ال سعيد ) في انسنة خطابه العرفاني فاليات الرزم للدلالات الانسانية تألقت في رؤيته فثريا قبر الرسول معادل تعبيري لفن الحداثة الاوربية وفنون ( البوب آرت) واجد منجز جواد سليم رغم ريادته العريقة اصبح معرفا معرفيا او بصريا امام الاجيال اللاحقة له اثر ما تحمله نصوصه في ( تسنين ) للقراءة التراثية والتاريخية وكذلك شأن الانطباعيين العراقيين