عند الباب ….. معادلة وطن/ سافرة ناجي
من الواقع وخارج الواقع تحركت افاق البنى الجمالية للنص الفني (عند الباب) الذي قدم على خشبة المسرح الوطني. أسست بنية هذا العرض على واقع السؤال الملح (ماذا عند الباب؟) أو (ماهو السر الذي يختفي خلف عتبة الباب؟) هذه الاسئلة المغايرة والمنتمية لايقونة الواقع الدامية كانت بوحاً اريكولوجياً لميثولوجيا مصطلح طالما احتدمت على بابه بيارق الدفاع عنه، ومن هذه العلاقة التلازمية بين محمول مصطلح الباب بوصفه مدلولاً مكثفاً لرمزية الوطن رسم فضاء تواصل العرض مسارات علاقته الجمالية عبر الزج بواقع متلقيه المؤدلج على ثيم الصراع بين الحياة والموت ليشارك المتلقي في رسم منحنايته الفكرية كاتب ومخرج العرض مهند ناهض الخياط. فهذه المفردة ذات المحمول الرمزي الذي ينفتح على معطيات واقعية رسختهل دلالتها اللغوية وما لها من ارتكاز رمزي في عمق الفكر الانساني سواء بحضورها الوظيفي/المادي، او الفلسفي، كلها تحيل وعي ولاوعي المتلقي إلى ان يتماهى معها لما لها من هيمنة على معطياته اليومية ليكون (الباب) اختزلاً دلالياً لحضوره الانساني في مدلول (البيت) كما أن رمزية مفردة (الباب) تتجلى في هذا العرض عند تشفيرها الفلسفي للفصل بين عالمين (الداخل/ الخارج) ووكشفها عن جدلية صراع محمولات هذين العالمين اللذان يفترقان بمعادلهما الفكري (الانسان). وبهذه المعادلة الجمالية يطرح صانع النص فرضيته الجمالية بوصفٍ مكثف لماهية هذا الوجود وتشكله الجدلي ذات البعد الميتافيزيقي التي استعيرت مفاهيماً ودرامياً لرصد دائرة الصراع الدرامي على مركزية الفعل الدرامي المكثف مرئياً في (ثيمة الوطن) ومن افق الميتافيزيقا رسمت سينوغرافيا العرض على على وفق ثنائية الرؤية بين (مهند الخياط ) وبين رؤية (أحمد عبد الامير) وهذا ماكشفت عنه بنيتي العرض، إذ البنية الأولى تمثل الموقف الجمالي للداخل المؤثث علامياً بقيم التاريخ المرصوفة في صناديق ملأت الفضاء فكانت علامة مهيمنة على العرض المسرحي وهي إشارة تأويلية إلى عمق التراكم الحضاري لهذا الداخل المتناقض مع بيئة الخارج المؤثثة بعلامات الموت والعنف وهي إشارة ذكية لصانع العرض الذي اختصر محنة الوطن وصراعاته بين ثنائية الداخل والخارج في حده المادي لتنفتح هذه الفرضية على ثنائية جديدة تعزز من قوة هذا الصراع بين هاتين البنيتين إلا وهي ثنائية (المنسلخ/ المنتمي) المنسلخ عن الداخل (أكرم) والمنتمي إلى الداخل (غسان) إذ كانا قطب الصراع اللذان شكلا مع علامة (الباب ) المتعددة الاتجاهات جوهر الفعل الدرامي في إشارة واضحة إلى حجم احتدام الصراع السياسي الذي فتح أبواب الوطن أمام أجندات خارجية، مما جعله يعيش تجاذبات رسمت من خلال الصورة الصوتية المتخيلة ذهنياً لطرقات الباب، إذ مع كل طرقة صوتية إشارة إلى إيدلوجية ما وهو يحيط الداخل باكثر من باب محيلاً هذه الصورة إلى التشبيه بالعربة التي يجرها أكثر من حصان باتجاهات متعاكسة مما أدى إلى شرخ جدران الداخل ويحاول المنتمي أن يسوغ ذلك بتبسيط ضرره على البنية الداخلية وهو يشير إلى ما تحمل هذه الصناديق من معاني فاعلة تشكل أفقاً يمنح محمولات الباب قوة الصمود لدوال صراع الذات الانسانية بين الشر والخير المتماهية مع مقولة (أوصد الباب جيدا حتى لا تدخل الجرذان) التي تكرر سردها تلميحا إلى دونية هذه الايدلوجيات وأساليبها القذرة. والصراع هنا يقترب من الواقع ويفارقه جمالياً في آن واحد. وهذا التجاذب جعل من المنتمي يعيش حالة من التناقض بين ذاته وبيئته مما يحدو به إلى اتخاذ قرار الانسلاخ يعيش تجاذباً بين القبول والنفور، لكن لاوعيه يحمل عمقه التاريخي المودع في حقيبة مصاحبة له على الدوام وكأنه يبحث لها عن بيئة آمنة. وهنا يبداء الصراع بين المنسلخ والمنتمي الذي يفتتح بطرقة جديدة على الباب ليدخل المنسلخ دالة العودة إلى ذاته التي فقدها في الهجرة عن ذاته ( الوطن) بوصفه كينونة الإنسان الحقيقية، إذ أحدهما يحقق كينونة الآخر ليرسم بذلك الفلسفة الجمالية لهذا العرض ويكثف هذه الكينونة في معادلة فكرية.
ذات = وطن
وطن = ذات
التي استعرضت ماهيتها من خلال الباثين الجماليين لها (أكرم/ المنسلخ، غسان/ المنتمي) وهما يؤكدان ذلك بأن لا وجود لحضور أي ذات بشكل فاعل في هذا الوجود بدون وطن وعقيدة وتاريخ، وهما يستعرضان تشكل كيونتهما عبر مورث ينتمي إلى العمق الفكري لثورة (الحسين) من أجل الحرية وكرامة الإنسان أفقا للحياة، وعندما يستبدل الإنسان كل ذلك بمساحة جغرافية فاقدة لقيمة الانتماء يفقد كينوته الوجودية ومن هذه الدوافع مجتمعة تمثل حضورهما الدرامي بين حدي النفور والقبول بهذا الداخل والانتماء له، والمنسلخ والانتماء وعلى ضوء هذا الفرض بدأ الفعل الدرامي في هذا العرض من الأزمة التي تتكور عند الباب ووصية (الحجي) في إشارة رمزية إلى الوطن وعلى ضوء هذا حدث الانقلاب الدرامي عندما تحول موقف الانسلاخ من الوطن إلى الانتماء له بقوة وهو يستفز ما رسخ في الذكراة من مورث البيئة وتقاليدها ليكون الموقف الحاسم في هذا الصراع هو نداء ( الحجي/ الوطن) الذي كان الباب هنا أيقونة لعقيدة دينية وهي تستنفر الكل من اجل اسعاف جراحاته لتسقط عندها كل رغبات الذات ليكون الانتماء الحقيقي للوطن ويعلن صانع العرض. إن الباب دالة ذو حدين ممكن أن نجعل منه باباً للموت وممكن أن نجعل منه باباً للحياة، والباب هنا إشارة إلى فردوس الحياة الجديد الذي لا يكون بدون أبناءه الذين استنفروا لتلبية النداء. وعلامة الباب اختزلت سؤال الوطن ومعادلته الكبرى التي بثت جماليا عبر ثانية الوجود الأزلية صراع الخير والشر محيلاً إلى الفيصل في كل ذلك هو الإنسان ممكن أن يرضخ لإغراء الشيطان ويبع كينونته، أو أن يرفض ويحافظ عليها. ففي هذا العرض أكد صانع العرض الجمالي على أن المعادل الموضوعي لكينونة الذات هو الوطن . فكان خطاباً جمالياً اعلى من صوت الوطن ودالته الكبرى (الإنسان) ليقولا عند الباب تتحقق معادلة الوطن في حدها الافتراضي والواقعي في آن واحد.