د. محمد حسين حبيب: المسرح يملك القدرة على ترميم الذات وتطهيرها معرفيا وجماليا / حاوره: خضير الزيدي
الفرجة: هل يمكن أن نعد للمسرح العراقي خصوصية يشار أليها وسط الكثير من المسارح العربية؟
د.محمد: أستطيع القول وعبر متابعة مباشرة لي شخصيا ونقديا للكثير من العروض المسرحية وخاصة لعروض مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي وفي دورته الأخيرة (العشرين). لقد حقق المسرح نجاحا منقطع النظير فلقد حققت مسرحية (تحت الصفر) العراقية حضورا بارزا ومميزا من بين العشرات من العروض المسرحية العربية والعالمية حتى …. وبرغم أن المهرجان المسرحي ليس هو الحكم النهائي مثلما معروف لنا جميعا لكني ردت إن أسوق مثالا قريب زمنيا أما قبل ذلك ومنذ اكثر من ثلاثة عقود والى الآن أقول أن المسرح العراقي لم يزل يتمتع بخصوصية إبداعية على كافة أصعدته النصية والإخراجية والتمثيلية والتقنية مما يجعله في مقدمه مسارح الدول العربية إلى جانب مصر والمغرب وبعض التجارب المسرحية من سوريا ولبنان وتكمن هذه الخصوصية في مسوغات أساسية كثيرة منها أن المسرح العراقي متابع بامتياز لما يجري حوله محليا وكونيا وبالتالي فهو يسعى باستمرار إلى الجديد والمثير والمدهش تواصلا منه مع تطور المسرح بمختلف تخصصاته الفنية
الفرجة: انفتحت نصوص المسرح في السبعينيات على رؤية فكرية وأبان حرب الثمانينيات اتجهت نحو توظيف الرؤية السياسية وفي التسعينيات سادت موجة المسرح التجاري للتخفيف عن كاهل الفرد العراقي، ألا ترى أن الضرورة التي جاء من اجلها المسرح لم تعد تتحمل قلق التغيرات في حياتنا الاجتماعية؟
د.محمد: المعروف دائما عن المسرح بأنه حاجة اجتماعية أولا وضرورته ملتصقة بهذا القلق الاجتماعي لأن عليه دفع هذا القلق عن الناس من خلال خطابه الفكري والجمالي …. فالمسرح يقول ما يردده الناس أو يطرح ما يجول في خواطرهم لذا فالمسرح ( قد ) يقلق كثيرا هو أيضا إذا عجز عن التواصل والتفاعل مع الآخرين وعليه لابد من تجاوز قلق الفنان وهو حق مشروع له بهدف الاستقرار والقبض على البديل الموضوعي لسحق قلق التحولات والتبدلات الزائلة حتما
الفرجة: هناك رؤى تلح الآن على إعادة النظر في قضايا المسرح، تعتمد على علاقات مباشرة وتشمل تغيرا في الرؤية الإخراجية واعتماد المسرح على أشخاص معينين، كيف تنظر إلى تلك الرؤى كونك مختصا في الشأن المسرحي؟
د.محمد: تبدو الأزمات المسرحية قضية واردة في كل زمان أو مكان بل أحيانا تجد لهذه (الأزمة ) ضرورة لوقوعها كي يتمخض عنها انفعالا إبداعيا منتجا لنا رؤى فنية جديدة من شأنها حلحلة هذه الأزمة والأمر الوارد والمشروع أيضا أن الاعتماد على الجهود الفردية لأشخاص معينين لا سبة فيه أو عيب بل هذا هو تاريخ المسرح قائم على جهود فردية بدأها أشخاص لوحدهم وتعرضوا ما تعرضوا أليه من معاناة وشجب وتصغير لكنهم في النهاية حققوا الشيء الكثير … ومسرحنا العراقي الآن لا ينقصه سوى ( التقنية الحديثة ) في البنايات والأجهزة وتوفير كاف للدعم الإنتاجي ( المادي ) حصرا … فضلا عن وضع الرجل المناسب في المكان المناسب في كافة مؤسساتنا المسرحية بل حتى الثقافية سواء في بغداد أو في كافة محافظات العراق.
الفرجة: ما الأسباب التي تجعل من المسرح العراقي ضعيفا ولا يمكن مقارنة بعض أعماله قياسا إلى مسارح الوطن العربي وقضاياه الحساسة ؟
د.محمد: هناك الكثير من الأسباب التي تجعل من المسرح ضعيفا يمكنني أن أبين لك بعضا منها على سبيل المثال هناك ضعف في الدعم الإنتاجي وهذه مسألة غاية في الأهمية من حيث تعزيز دور المسرح أضف إلى ذلك عدم توفير التقنية الحديثة في الأجهزة الضوئية والصوتية مثلا وخلو الكثير من محافظات العراق من وجود( بناية مسرح ) مثلا بمواصفات فنية معقولة تخصص للعروض المسرحية وبابل مثال على ذلك وأستطيع أن اعزز القول باستسهال المؤسسات الثقافية العراقية واللجان المنبثقة عنها للإنتاج المسرحي والاعتماد على عروض مجانية فاقدة لأبسط مفاهيم الوعي المسرحي فكريا وجماليا والأمر الذي يوفر مساحات كبيرة لجعجعة بلا طحن لمهرجانات مسرحية تبدأ وتنتهي بافتتاح المسؤول لها ومغادرته بعد كلمات الترحيب به والمشكلة الأكبر أن بعض الفنانين من المحسوبين على الفن طبعا يسهمون أنفسهم في هذه الجعجعة مع الأسف لإغراض مادية ودوافع شخصية تحابي وتجامل المسؤول فقط
الفرجة: إلا ترى أن خطاب المسرح الجمالي يبدو لنا منحسرا جراء الظروف التي يشهدها العراق؟
د.محمد: من المعلوم لنا جميعا أن المؤقت زائل حتما وبرغم كل الظروف التي مرت وما زال القليل جدا منها كان المسرح العراقي وفي اكثر من محافظة عراقية يقدم الكثير الكثير إلا أننا في الأعلام والترويج والمتابعة لا ننظر سوى إلى بغداد صحيح توقف المسرح في بغداد لظروف أمنية قاهرة لكنه كان منتعشا جدا في بعض المحافظات الأخرى مثل البصرة الناصرية بابل وكر بلاء و واسط و ميسان وكل محافظة يقام فيها اكثر من مهرجان مسرحي إلى جانب العروض المستمرة الجماهيرية منها والتجريبية وأرجو أن لا نقيس انحسار المسرح في بغداد ونعده انحسارا للمسرح العراقي فهذا خطأ تشخيصي لا منطقي تحملناه عبر سياسة المركز والهامش التي ولت بلا رجعة.
الفرجة: من الأسماء التي تراها قد حققت منجزا نقديا في الشأن المسرحي؟
د.محمد:هناك أسماء لم تزل تحقق منجزا فعالا عبر الكثير من المنجزات النقدية المهمة التي تطرح في الشأن المسرحي ثقافيا وفكريا وجماليا مثل الدكتور عقيل مهدي يوسف وعواطف نعيم ويوسف رشيد ورياض موسى سكران ومحمد أبو خضير وجلال جميل وربما القائمة لن تتوقف عند هذه الأسماء المهمة في الشأن المسرحي فهناك أسماء نقدية لها شأن لا يقل عنهم مثل حسين علي هارف وحسين الأنصاري وعواد علي وياسر البراك وكريم عبود والمرحوم ناجي كاشي وعبد الخالق كيطان إضافة إلى المتحدث معك بما عززته من دراسات وأعمالا وكتابات تنظيرية تخص الراهن المسرحي العراقي عبر بوابة النقد الفكري والجمالي.
الفرجة: ما هي المعالجات التي من شأنها أن تعيد للمسرح هيبته ومكانته التاريخية ؟
د.محمد: نعم أستطيع أن أؤكد لك أن جلها يكمن في القضية الإنتاجية إلى جانب الانتباه دائما إلى أهمية الدور المسرحي حضاريا وهذه نقطة مهمة أرى من الضروري التوقف عندها ومن هنا يمكن القول أن لا أحد مسؤول عن معالجته سوى الدولة بالدرجة الأساس.
الفرجة: ثمة عزوف من قبل الكثيرين عن عالم المسرح، هل ترجح عودة الأسباب إلى الذائقة، إلى إشكالية فهم خطاب المسرح مثلا وقصور الرؤية الجمالية عند المتابعين له؟
د.محمد: اعتقد أن السب الرئيس يعود على الفنان نفسه حيث يتوهم بعض الفنانين (المخرجين خاصة ) بأنهم مخرجون فعلا وهذا الأمر بدوره يربك العملية المسرحية برمتها ويمكن القول في هذا السياق بأننا نقع جميعا فنانين وجمهور في متاهة مسرحية من شأنها أن تزيد فقدان الثقة ما بين الجمهور والمسرح.
الفرجة: ممكن القول أن المسرح يعالج ترميم الذات ، وما الوسائل التي يعتمدها في سياق فكرته هذه؟
د.محمد: بداية لا بد من التحديد ذات الفنان أم ذات المتفرج؟ لأن كلا الذاتين يمكن أن يخضعا للترميم فالفنان أحيانا لا يرى نفسه إلا عبر ما يقدمه للناس وهذا جزء لا يتجزأ من ترميم ذاته بنفسه وشعوره بتكامله ووجوده ومسوغات هذا الوجود . استنادا إلى جملة ( أنا اقدم مسرحا إذا أنا موجود) والمتفرج يقع في السياق ذاته عبر متابعته وانفعاله وتأويله لما يشاهده على خشبة المسرح في انه يرمم الذات ويطهرها أحيانا شعوريا وفكريا وجماليا أما الوسائل فهي ذاتها الوسائل الفنية المستندة إلى مرجعية ومعرفية واعية محتكمة إلى الموهبة والموضوعية والقراءة التحليلية للواقع المعاش عبر جميع مجالاته الحياتية.