مسرحية للأطفال: ( الأَميرُ الطبَّاخ) / تأليف: عمار سيف

الشخصيات: الرجل الحكيم، الأمير ، الحارس 1 ، الوزير و مجموعة حرس .
المنظر: ( مملكة، يدخل الرجل الحكيم وهو يضرب على الطبل مردداً بطريقة أقرب إلى الغنائية ، نسمع صوته في البداية من داخل الكواليس ثم سرعان ما يعلو بدخوله إلى خشبة المسرح )
الحكيم: أيها الناس، يا سكان هذه المملكة الجليلة بأميرها، أبلغكم، أيها الناس، بأني رجل عالم، خبير، قادر على أن أكرس علمي وخبرتي في إصلاح ما قد كُسِر بين الخصماء، واقرّب بين الفرقاء، لدي مفاتيح وصفات لحل الكثير من الأمور المستعصية. أيها الناس يا سادة يا كرام …
الأمير: أيها الحرس .
الحارس1:  نعم مولاي .
الأمير: هل تسمع ما أنا سامع ؟
الحارس1: نعم يا مولاي .
الأمير:  وماذا تنتظر، هل تنتظر أن اخسر الكثير من الكلام؟ اذهب واحضر لي  صاحب هذا الصوت بسرعة .
الحارس: أمرك مُطاع .
الأمير: ( مع نفسه ) إذا كان صادقا فيما يقول ويدّعي، فسوف أكون معه كريما إلى درجة التخمة، نعم .. سأذبح له كل يوم خروفا يأكله أما إذا كان كذابا ومنافقا فسوف أقطع له رأسه بلا رحمة أو تفكير.. نعم، لأن خيولي عزيزة عليّ، وبدأت أخاف عليها كثيرا هذه الأيام بسبب ما أصابها من تدهور، إنها غالية عندي وأغلى ألف مرة من رأس هذا المنادي المجهول .
 ( الملك يستمر بالتفكير ، يدخل عليه الحارس )
الحارس1 : مولاي الملك لقد أحضرت الرجل المنادي وهو في بهو القصر.
الأمير: ادخله بسرعة.
الحارس1: أيها الرجل المنادي تفضل. 
الحكيم: السلام عليك يا صاحب السمو .
الأمير: وعليك السلام ، والآن ، هيا هاتِ ما عندك .
الحكيم: ( بتعجب ) ولكن يا مولاي أنا لا املك شيئا
الأمير: ماذا تقول، لا تملك شيئا، إذن، لِمَ تصدع رؤوسنا من الصباح الباكر،  بكلام معسول، خالٍ من كل صدق .
الحكيم: ولكن يا مولاي، أنا رجل قادر على حل بعض المشاكل إن وجدت.
الأمير: وهذا ما ابحث عنه، حلا لمشكلة، إن وجدت لها حلا، فسأجازيك على قدرتك، وإن لم تفلح في حلِّها فسوف أقطع رأسك .
الحكيم: رأسي ..؟
الأمير: نعم
الحكيم: مولاي إذا كان الأمر فيه قطع رأس، فأرجوك أن تعفيني.
الأمير: هذا يعني أنك كذاب، ومن يكذب على الأمير ورعيته يقطع رأسه، هذه إحدى بنود مملكتنا التي ورثناها عن أبٍّ وجد.
الحكيم: ( بحزن ) هذا يعني أن قرارك لا مفر منه .
الأمير: نعم .
الحكيم: إذن، قل لي يا مولاي، ما هي المشكلة التي ناديتني من أجلها.
الأمير: خيولي عربية أصيلة ورثتها عن أبي, ولكن منذ مدَّة قصيرة بدا على أحدها، بعض الأفعال الشرسة التي لم أعتد عليها.
الحكيم : كيف  لم أفهم .؟
الأمير: مثلا ، في بعض الأحيان يقوم ببعض الأفعال العنيفة، وأحياناً يضرب الأرض بقوة حتى يحفرها، وفي أحيان أخرى، يقفز بطريقة مثيرة للاستغراب كأنه يهاجم وحشاً وهمياً، أو يُصارع الأمواج .          
الحكيم: إن ما يعاني منه هذا الحصان المسكين يحتاج للكثير من الأمور.
الأمير: مثلاً ..؟
الحكيم: أولا، عليَّ أن أعاين وأراقب تصرفاته.
الأمير : وهذا أمر سهل للغاية .
الحكيم: كيف ؟
الأمير: ( منادياً )  أيها الحارس.
الحارس1: نعم  مولاي
الأمير: جهِّز مكاناً لهذا الرجل الحكيم في الإسطبل، فقد عيناه مسئولا عن خيولنا. 
الحارس1:  سمعاً و طاعة ( يخرج )
الحكيم: ( خارجاً ) شكرا لك يا صاحب السمو, وأتمنى أن أكون عند حسن ظنك.
( ظلام ، فاصل موسيقي غنائي ، يدخل الأمير للمسرح متذمرا ومستغربا )
الأمير: أيها الحراس، أيها الحراس ( يدخل الحراس بسرعة) لماذا هرب الرجل الذي عيناه مسئولا عن خيولنا، لقد وفرت له كل ما يحتاج من أكل وشرب ومكان مريح، ابحثوا عنه في كل مكان، بل اجعلوا المملكة بأسرها تبحث عنه، أعطوا أوصافه  للباعة وأصحاب الدكاكين التجارية، وللمارة، أغلقوا أبواب المملكة قبل أن يخرج من أحدها. هيا نفذوا أوامري بسرعة .
الحارس1: سمعا وطاعة يا مولاي
الأمير: ابحثوا عنه واحضروه لي .
الحرس: ( يخرجون ) سمعا وطاعة يا مولاي
(بعد مدة قصيرة يقضيها الأمير ذهابا وإيابا في باحة القصر، يدخل عليه الحرس مع الرجل الحكيم وهو مكبل اليدين، والحارس يمسك به )
الحكيم: أنا لم اهرب يا مولاي، ولكنني شعرت بالتعب فقلت لأتجول قليلا كي أروِّح عن نفسي .
الأمير: ( غير مبالٍ بما يقول ) أحسنتم أيها الحرس لم تتأخروا كثيرا في إحضاره.
الحرس: نحن في خدمة مولانا وولي نعمتنا، ولن يصعب علينا أحد.
الحكيم: من يسمعكم تتكلمون هكذا يعتقد أنني كنت مختبئا في جحر فأر.
الحارس 1 : بالطبع, لأننا لم نترك مخبئا لم نبحث فيه عنك .
الحكيم🙁 مبتسما )  لو كنتم أذكياء حقا لوفرتم على أنفسكم مشقة التعب وبحثتم عني في بيتي أولا ، ولكن ماذا نفعل  للـ… ( يشير بحركة تدل على الإهانة) .
 الحارس 1 : ( بغضب ) هل تقصد أننا …… ( يشير بالحركة ذاتها )
الأمير: أفهم من كلامك أن لديك بيتا تسكن فيه مثل سائر البشر.
الحكيم: وماذا تعتقد يا مولانا هل أنا طائر ينام فوق الشجر؟
الأمير: لا .. ولكن كنت تتجول في شوارع المملكة هائما على وجهك.
الحكيم : هذه  هي مهنتي .. ماذا أصنع؟
الأمير: والآن دعنا من الكلام غير المفيد , وقل لي أين هربت ولماذا فعلت ذلك؟
الحكيم :  ( متحايلا ) لم أهرب يا مولاي،  بل تعبت وقلت في نفسي لأذهب للراحة في بيتي قليلا .
الأمير: وهل تعبك يجعلك تترك العمل من دون علم الأمير، أهذه مواصفات رجل يدعي الحكمة والعلم؟
الحكيم: أنا لست حكيماً يامولاي، و لكن بعض الناس يحبّون أن يطلقوا علي هذه التسمية، ومع ذلك فانا أعتذر .
الحارس 1 : ( باستهزاء )  يعتذر . هل ألقي به في السجن يا مولاي .
الأمير: لا،  ليس بعد أن أعرف لِمَ هرب وترك العمل.
الحكيم: ( متحايلاً ) صدقني تعبت من العمل، لا أكثر ولا أقل.
الأمير: إن لم تقل الحقيقة ، سأأمر بقطع رأسك .
الحارس 1 : أأمر مولاي أأمر
الحكيم: ( مع نفسه )  تفرحون بقطع الرؤوس ، أولاد الـ …..
الأمير: والآن قل لي ماذا حدث،  لأن صبري بدأ ينفد.
الحكيم: مولاي، هل أستطيع الكلام وتعطيني الأمان .
الحارس 1 :  هل فعلتَ شيئاً بحصان مولاي, كي تطلب الأمان قبل الكلام؟
الأمير: ماذا فعلت به قل لي ؟
الحكيم: لم افعل شيئا، لكن المشكلة في حصانك.
الأمير: كيف ، تكلم ؟
الحكيم: ليس قبل أن تمنحني الأمان .
الأمير : لك الأمان ، تكلم .
الحكيم: مولاي حصانك  ليس من الخيول العربية الأصيلة .
الأمير: ماذا تقول .؟
الحارس 1 : كـــــــيف ..؟
الحكيم: كما قلت لك .
الأمير: ( للحارس ) لابد أن هذا الرجل جاسوس يحاول بث الفتنة.
الحارس 1 : نعم .. مولاي صدقت .
الحكيم: مولاي ألم تمنحني الأمان ؟
الأمير: أيها الحرس القوا به في السجن ، ونادوا على الوزير حالاً .
الحارس 1 : أمرك مُطاع ( يمسكون بالحكيم ويخرجونه معهم )، هيا أيها الجاسوس .
الأمير:ماذا يقول هذا المجنون، مستحيل أن يكون حصاني المفضل ليس أصيلا،  مستحيل، لا بد انه يكذب، سألقنه درساً لن ينساه على صنيعه هذا .
الحارس 1:( يدخل )  مولاي .. لقد حضر الوزير .
الأمير : ليدخل بسرعة .
الحارس 1: تفضل أيها الوزير .
الوزير: السلام على مولاي .
الأمير : قل لي أيها الوزير،  من أين أتيت بحصاني المفضل .
الوزير: لِمَ يا مولاي هل حصل شيء.
الأمير: قل بسرعة قبل أن افقد أعصابي .
الوزير: ( مرتبكاً ) جلبته من إسطبل والدك يا مولاي.
الأمير: هل أنت متأكد؟
الوزير:  نعم يا أمير .
الأمير🙁 بغضب ) اسمع أيها الوزير إن لم تقل لي الصدق سأمنع عنك الأكل والشراب أو أقطع رأسك حالاً .
الوزير : أقسم يا سيدي ما قلته هو الصحيح بعينه .
الأمير: إذن كيف يمكن أن يكون حصاني ليس عربياً أصيلاً .
الوزير: من قال ذلك, هو عربي أصيل , ولكنــ ..
الأمير: ماذا تريد أن تقول .؟
الوزير : الصراحة .
الأمير: قل ما هي وإلا ..؟
الوزير : سيدي ومولاي، حينما أحضرت الحصان كان مهرا، وهذا ما اضطرني لاصطحاب أمه معي ولكن، ونحن في منتصف الطريق، ماتت الأم، وجاع المهر الصغير فأرضعته من ثدي بقرة .
الأمير: ماذا ..؟ هل أنا احلم ؟
الوزير: ولكن ليس كثيرا مرتين أو ثلاث حتى وصلنا المملكة وبعدها أمرت بإرضاعه من فرس موجودة في الإسطبل.
الأمير:  هكذا إذن , ولماذا  لم تخبرني بذلك؟
الوزير: خفت عليك من الحزن يا مولاي،  هذا بالإضافة إلى أن الأمر ليس بالمهم جدا. ولكن كيف علمت بذلك يا مولاي ؟!
الأمير: وهل تستهين بذكائي .
الوزير: بالتأكيد لا يا مولاي ، أعوذ بالله .
الأمير: هيا اغرب عن وجهي ولا تكررها مرة أخرى .
الوزير : ( يخرج )  أمرك أيها الأمير .
الأمير: أيها الحرس اذهب واحضر لي الحكيم من السجن.
 الحارس1 : ( يخرج ) حاضر مولاي.
الأمير: كيف عرف هذا الحكيم بأن فرسي ليست حصانا أصيلا، كيف ؟
( يعم الهدوء أجواء القصر، نشاهد الأمير وهو يفكر بصمت، يدخل عليه الحارس ومعه الرجل الحكيم )
الحارس: أيها الأمير أحضرت لك الخائن الجاسوس.
الأمير:  أيها الرجل الحكيم قل لي، كيف عرفت أن حصاني المفضل ليس حصاناً أصيلاً .؟
الحكيم: الموضوع سهل جدا.
الأمير: كيف ؟
الحكيم: بكل بساطة، إن الحصان العربي الأصيل لا يخفض رأسه عندما يلتقط الطعام، فهو يأكل ورأسه مرفوع دائما، ولأنه كذلك، وضعوا على عنقه عليقة، كي يستطيع الأكل مثلما يشاء.
الأمير:  ممممم صدقت ( مناديا ) أيها الحارس .
الحارس 1: نعم مولاي.
الأمير: كيف لم تعرفوا ذلك .؟
الحارس1 : سيدي ..
الأمير : ( مقاطعاً ) أغرب عن وجهي .
الحارس 1: ( بحزن ) أمرك مولاي
الحكيم : والآن أيها الأمير هل أعود للسجن .
الأمير: ( مبتسماً )  لالالا ,  بل سأتخمك من الأكل والشرب .
الحكيم: شكرا لسيادتكم .
الأمير: أنا لن استغني عنك, ولذلك سأكلفك بمهمة أخرى .
الحكيم: مهمة أخرى .؟
الأمير: نعم , ولكن هذه  المرة أحتاج خبرتك  في شؤون عائلتي .
الحكيم  ( باستغراب ) عائلتك  ..؟
الأمير: بالتأكيد, فطنتك تساعدني في أمر آخر يزعجني.
الحكيم: وهو .؟
الأمير: أريد منك أن تهتم بأمور زوجتي لأنها أتعبتني في طلباتها واختياراتها وتدخلها في كل صغيرة وكبير.
الحكيم: وماذا عليّ أن افعل ..؟
الأمير: أن تحل لها كل مشاكلها وتنفذ لها كل أمورها ..؟
الحكيم: مولاي ، ولكني لا استطيع أن افعل ذلك .
الأمير: لماذا ..؟
الحكيم: لان هذه الأمور ليس لي معرفة بها
الأمير: ( بغضب ) بل تستطيع، وان لم تفعل سأقطع رأسك.
الحكيم: ( مع نفسه ) هل يعتقد هذا الأمير بأنني خروف مهيأ للذبح في كل مرّة .
الأمير: بماذا تدمدم ؟
الحكيم: لا شيء يا مولاي .. أنا تحت أمرك .
الأمير: جيد ( مناديا ) أيها الحارس .
الحارس 1: نعم مولاي
الأمير: خذ الحكيم وأعطه ما لذ وطاب من الأكل والشرب، ثم قدمه للأميرة.
الحارس 1 : إلى الأميرة..؟!
الأمير: نعم، كي يكون خادمها الأمين.
الحارس 1 : أمرك مولاي, هيا يا محظوظ هيا .
الحكيم: ( يخرجان ) أين .. هذا الحظ ؟
الأمير: أنا فرح جدا لأني تخلصت من طلبات زوجتي.
( موسيقى مفرحة نشاهد الأمير وهو يرقص )
الحارس 1 : ( يدخل عليه الحارس ) أيها الأمير .. أيها الأمير
الأمير🙁 بلامبالاة ) ماذا تريد ؟
الحارس 1 : لقد هرب الحكيم هرب .
الأمير🙁 بغضب ) هرب ..؟
الحارس 1 :  نعم مولاي .
الأمير :  ابحثوا عنه في كل مكان واحضروه أمامي .
الحارس 1 : أمرك مولاي
الأمير : ( مع نفسه ) ماذا فعلت به كي يهرب مرة أخرى ، إن كان هروبه غير مبرر، سأقطع رأسه.
( يفكر الأمير قليلا ، يدخل عليه الحارس ومعه الحكيم مقيد اليدين ) 
الحارس1:  مولاي،  لقد أحضرت لك الهارب.
الحكيم : الحمد لله، انه نعتني بالهارب وليس بالجاسوس.
الأمير: ( غاضبا )  لماذا هربت هذه المرة ؟
الحكيم: مولاي إن قلت لك حتما انك سوف تصدقني ..؟
الأمير:  بالتأكيد ..
الحارس1 : ماذا اكتشفت أيها اللعين اقسم إن كنت تكذب أنا من سيقطع راسك
الأمير: قل يا حكيم، ماذا اكتشفت ؟
الحارس1 : مولاي نقطع رأسه .؟
الأمير: نعم أيها الحارس سأقطع رأسه وأعلقه على جدار المملكة إن لم يقل الحقيقة.
الحكيم: ( بخوف ) أميري هل أتحدث ولي الأمان ..؟
الأمير: ( بغضب ) هل اكتشفت شيئا مشيناً ..؟  
الحكيم: ربما .
الأمير: إذن قل ..؟
الحكيم : بصراحة يا مولاي حين كنت قريباً من الأميرة وأنفذ لها طلباتها، اكتشفت شيئاً يصعب عليّ قوله، ربما ستقطع رأسي إن فعلت، لهذا فضلت الهرب على البقاء، ولكن بما انك تجبرني على القول، لاسيما انك وعدتني بالأمان .
الأمير: وهو لك المهم تحدث .
الحكيم: مولاي أن ما اكتشفته، هو أن حرمكم المصون ليست من صلب الأمراء وتنحدر من أصول غجرية.
الأمير: ( بتعجب ) ماذا تقول ..؟
الحكيم : إنها الحقيقة .
الأمير: أيها الحرس قودوه إلى السجن، ونادوا لي على وزيري.
الحكيم:( مع نفسه ) هذا ما كنت أتوقعه .
الأمير🙁 مع نفسه) إن كان حديث هذا اللعين حقيقة فأنه رجل ذكي وان كان كاذباً سأقطع رأسه هذه المرة رغم أني سأندم  كثيرا على ما أطعمته إياه .
 ( يفكر ، يدخل عليه الوزير )
الوزير: هل طلبتني يا أمير ؟
الأمير: قل لي يا وزيري هل الأميرة زوجتي ليست أميرة في الأصل..؟
الوزير: ماذا ..؟ لم افهم ما تقوله يا أمير .
الأمير:اخبرني الحكيم بأن زوجتي لا تنتمي لأصول ملكية، وإنها تنحدر من أصول غجرية. وأنت الوحيد الذي يعرف عن ذلك  اخبرني وإلا …….
الوزير:  مولاي الأمير، علمت بالخبر حينما كان والد الأميرة يحتضر، اخبرني بالقصة وبعدها فارق الحياة، رحمه الله.
الأمير: وماذا قال لك بالضبط ؟
الوزير: قال وجدت الأميرة في مكان قريب من بيوت الغجر، وقد سمعت صوت طفلة، وكنت في ذلك الوقت حزيناً على فقدان ابنتي العزيزة على قلبي، وهذا ما دفعني للاقتراب منها، وبمجرد ما أمسكتها ورفعتها عن الأرض أحسست أنها يمكن أن تكون هي الأخرى ابنتي، فأخذتها معي دون أن اخبر أحداً، حتى كبرت وتزوجت من الأمير. وقد طلب مني بأن لا اخبر أحداً .    
الأمير: ( بغضب ) وأنت لم تخبرني ..؟
الوزير: بصراحة يا مولاي، أحسست انه ليس بكامل قواه العقلية، وبدأ يخرف، لذلك لم اهتم بقصته، لكن كيف عرفت ذلك يا مولاي..
الأمير: الحكيم اخبرني .
الوزير: وكيف علم هذا الحكيم بذلك ..؟
الأمير: الآن سنعرف , أيها الحرس احضر لي الحكيم من السجن .
الحارس1 : ( من خارج المسرح )  أمرك مولاي .
( الأمير والوزير في حالة صمت وحيرة يدخل عليهم الحارس والحكيم )
الحكيم: أحضرت لك الرجل الخائن والجاسوس واللعين الحكيم هكذا سيقول لك الحارس
الحارس1 :  كيف تتحدث عن لسان حال الأمير أيها الرجل الخائن والجاسوس واللعين .
الحكيم:  وهل لديك غير تلك المفردات التي تذهب بنا للجحيم.
الحارس1  :   سألقنك درســـ ….
الوزير : ( صارخا ) اخرسا فأنتما في حضرة الأمير .
الأمير: أيها الحكيم بدأت تقلقني .
الحكيم: أنا ..؟
الأمير: نعم، وتجعلني في حيرة من أمري .
الحكيم: معاذ الله ..؟  لمَ يا مولاي
الوزير:( يتصرف كالأمراء )  لمَ يا مولاي ..ها؟  قل لي كيف عرفت بأن الأميرة ليست من أصول ملكية ..؟
الأمير: ( ينظر للوزير بتعجب خالعا تاج الأمارة ) أحسنت يا وزير خذ هذا التاج ضعه على رأسك وسوف أكتب المملكة باسمك.
الوزير: ( متداركاً نفسه ) عذرا يا مولاي لم اقصد ذلك .
الأمير : ( بعصبية ) اصمت واخرج من هنا أنت وهذا الحارس الغبي .
الوزير والحارس: السمع والطاعة لك يا مولاي .
الحكيم: ( ضاحكا ) وعلى نفسها جنت براقش
الأمير: والآن اخبرني كيف علمت بأن الأميرة ليست من أصل ملكي.
الحكيم : سيدي إن منحتني الأمان سأقول لك .
الأمير: وان لم أمنحك الأمان .؟
الحكيم: سأقول لك أيضا .
الأمير: إذن قل ولك الأمان .
الحكيم: عندما كنت قريباً من مولاتي لاحظت شيئا غريبا على وجهها يستخدمه الغجر أثناء حديثهم.
الأمير: ( بتعجب ) ما هو .؟
الحكيم: حينما تطلب مني شيء تغمز بعينها دائما.
الأمير:  صحيح أنا أيضا قد لاحظت ذلك وحين سألتها قالت لا اعلم ولكن إنها عادة ورثتها عن أهلي.
الحكيم: صحيح إنها عادة مكتسبة من الغجر.
الأمير: لا أعرف كيف أشكرك فأنت فتحت عيني على أشياء كثيرة.
الحكيم: ( منحنيا ) شكرا لك مولاي .
الأمير: ومن هذا اليوم لن استغني عنك أبداً .
الحكيم: شكرا لك مولاي على ثقتك وأنا فخور باني لم أخيب ظنك.
الأمير: نعم، نعم, لم تخيب ظني ومن الآن فصاعدا ستكون مرافقي وتخبرني بكل شيء عني وعن تصرفاتي وتحقق لي كل طلباتي.
الحكيم: سيدي أنا افتخر بذلك ولكن ..
الأمير: بلا ولكن اصمت . ( ينادي) أيها الحرس .
الحارس1 : نعم مولاي .
الأمير: خذ الحكيم وأطعمه كل أنواع الأطعمة الفاخرة التي أتناولها أنا شخصيا.
الحارس1: التي تتناولها أنت يا مولاي..؟
الأمير: ( وهو خارجا ) نعم , كي يعلم كل من في المملكة بأننا لا نعرف البخل .
الحكيم: أميرك لا يعرف غير إطعامنا , أصابتنا التخمة,  كل ظنه أننا خرفان نُعدُّ للذبح حينما يغضب منا .
الحارس1: إحمد الله واشكر  , فانا لم أره يطعم أحدا من نفس الطعام الذي يتناوله؟
( يدندن الرجل الحكيم بلحن والحارس ينظر إليه بحسد وغيرة، وهما خارجان . بعد ذلك يدخل الأمير إلى المسرح وكأنه يوم جديد) 
الأمير: ( متثائباً ) أيها الحرس .. أيها الحرس .
الحارس1: أمرك مولاي .
الأمير: احضر لي الحكيم .
الحارس1: ( بارتباك ) لقد بحثت عنه ولم أجده بالمملكة.
الأمير: كيف لم تجده , ابحث عنه جيدا .
الحارس1: بحثت عنه في كل زاوية ومكان ومخبأ ولكن بلا فائدة .
الأمير: ( بغضب ) اذهب واحضره لي حتى وان كان تحت الأرض .
الحارس1: ( خارجاً )  أمرك , أمرك , أمرك .
( يخرج الأمير وقبل أن يعود الرجل المنادي وهو مُقيَّد يسحبه الحرس بطريقة مُذلِّة )
الحكيم: انتم أيها المتسلطون لا تفقهون شيئاً سوى إيذاء رعيتكم. لقد أصبحت ملذاتكم أوجاعنا وطعامكم آلامنا وفرحكم جوعنا سينتهي الدهر ويأتي آخر وتتحول الأقدار وتصبحون كالنعامة، هكذا هي الأرض لا تتوقف عن الدوران ستنزل الكراسي إلى الجحيم لتنمو كراسي أخرى ينتظرها الجحيم ..
الحارس1 : اخرس أيها الغبي سيقطع رأسك إن سمعك مولاي .
الحكيم: وحتى لو أبقى على حياتي، ما الفائدة، طالما الفقر لازال يعم كل أرجاء المملكة .
الحارس1 :   اصمت وإلا …
( يدخل الأمير بسرعة )
الأمير: أين هربت أيها الحكيم هل طعامنا لم يعجبك .
الحكيم:( باستهزاء ) كانت كمية البهارات كثيرة قليلا .
الأمير: ماذا تقول  ..؟
الحكيم: أقول بالعكس مولاي كان جيدا ولكنه قليل .
الحارس1 : الإفراط حرام أليس كذلك ؟
الحكيم   خادم البط عوام .
الأمير: والآن قل لي لماذا هربت بعد أن عينتك مستشاري الشخصي؟
الحكيم: سيدي أنا لم اهرب ولكن ..
الأمير: ولكن ماذا , هل وجدت فينا ما لم يعجبك .
الحكيم:لا،  بالعكس مولاي .
الأمير: كل مرة تهرب وتقول لم يحصل ذلك، ولكن بمجرد أن نضغط عليك حتى تنفتح قريحتك وتعترف بكل شيء.
الحكيم: ( مراوغاً ) ولكن هذه المرة، حقا، إنني لا اعرف شيئا .
الأمير: اسمع أيها الحكيم أعدك إن تكلمت سأمنحك الأمان قبل أن تطلبه .
الحكيم: ( بفرح ) صحيح .
الحارس1 : أيها الأبله الأمير حين يعد يفي .
الحكيم: ( باستهزاء ) واضح جدا .
الأمير: إذن أنت اكتشفت شيئاً وتبحث عن الأمان له .
الحكيم: ( مرتبكاً ) لا يا سيدي وإنما …
الحارس1: لماذا لا تأمرني بقطع رأسه يا مولاي ونرتاح منه .
الحكيم: ( للحارس بهمس ) قطع الأعناق عندكم مثل قطع الأرزاق لرعيتكم.
الأمير: أسمع أيها الهارب ماذا اكتشفت فينا جعلك تهرب بسرعة .
الحكيم: سيدي إنكم في أحسن حال .
الأمير: وهل سألتك عن صحتي .
الحكيم: ها ..؟
الأمير: ( بغضب ) إن لم تُفصح اقسم أنني سأقطع رأسك هذه المرة ولن أتراجع عن قراري مهما حصل .
الحكيم: أنت لست من صلب الملوك .
الحارس1 : ماذا تقول ؟
الأمير: ( صارخاً ) ماذا تقول .
الحكيم: نعم يامولاي .. وأصولك تنتمي للطباخين .
الأمير: أيها الوغد سأقطع رأسك .
الحكيم: ( بخوف ) ولكنك منحتني الأمان .
الأمير: أيها الحارس زجَّ به في السجن .
الحارس1 : وأُحضر لك الوزير .  
الأمير :  بسرعة .
الحارس1 : أمرك مُطاع مولاي .
( يخرج الحارس مصطحبا الحكيم للسجن )
الأمير: ( مع نفسه ) ماذا لو كان كلام هذا الحكيم صحيحا وهل يعقل إنني لست أميرا ومن صلب أمراء؟ وإذا كان أمراً، صحيحا ماذا سيحدث؟ بالتأكيد سوف لا يحصل شيئا, سأبقى أميرا وولي أمر المملكة. ثم من يعلم بذلك, اوووووه  التفكير بهذا الأمر مزعجا جدا
( بينما يفكر الأمير يدخل عليه الوزير )
الوزير: اعتقد أن أمرا خطيرا قد وقع  بسبب هذا الحكيم .
الأمير: بالطبع لأنك لم تفعل شيئا في حياتك صحيحا، وإن الخداع عنوانك الصحيح. والآن قل لي من أنا ؟
الوزير: ( منحنيا ) أنت أميرنا المبجل .
الأمير: وكيف أتأكد من ذلك؟
الوزير: وهل يحتاج هذا إلى تأكيد .
الأمير: بالطبع .
الوزير: ماذا حدث يا مولاي؟!
الأمير: هل تعلم لقد هرب الحكيم بعد أن عينته مستشاراً خاصا لي، وبعد أن احضره الحراس عنوة وأجبرته على الاعتراف عن سبب هروبه، قال لي بأني لست من صلب الملوك؟
الوزير: ( مع نفسه ) أيها اللعين كيف عرف هذا الحكيم بذلك ؟
الأمير: بماذا تحدث نفسك ..؟
الوزير: أقول كيف يقول الحكيم مثل هذا الكلام .
الأمير: قل لي وإلا اضطررتني لقطع رأسك .
الوزير: ( بارتباك ) مولاي وما شأني أنا ؟
الأمير: لأنك تعرف كل شيء,  تحدث وإلا أمرتهم بقطع رأسك الآن ..؟
الوزير: ( خائفاً ) حاضر يا مولاي سمعا وطاعة .
الأمير: هيا ..؟
الوزير: مولاي المبجل، قبل أن تولد، أمر ملكنا المعظم بعدم زواج الرجال من النساء، ومن تخول له نفسه ويتزوج سوف يقطع رأسه. وكل هذا بسبب عدم إمكانيته على إنجاب الأطفال. ولقد كان يعتقد أن زوجته هي السبب، في حين أن المشكلة، حسب الأطباء، كانت تكمن فيه هو. وفي يوم من الأيام، شاهد الملك فتاة جميلة، فأعجب بها أشد الإعجاب. وهي مليكتنا الكبيرة. وقرر أن يتزوج منها على عجل، دون أن يعلم بأنها متزوجة من شخص يعمل طباخا، ومع ذلك لم يستطع أحدا أن يبوح له بالأمر. ولقد كانت آنذاك حاملة بك وأنت ما زلت جنينا صغيراً في بطنها، وعندما جئت إلى الدنيا، عم الفرح والسعادة في المملكة، وأمر بانتشار الأفراح وذبح الخرفان وتوزيع العطايا على الشعب احتفالا بولادتك، لأنه وبكل بساطة، لم يكن ينجب أطفالا. ولكن صدقني أيها الأمير إن هذا الأمر لا يعلم به إلا أنا. لكن حيرتي تكمن في الكيفية التي علم فيها الحكيم بسر مثل هذا؟
الأمير: وهذا ما سنعرفه الآن, ( مناديا ) أيها الحارس .
الحارس1 :  مولاي .
الأمير : احضر الحكيم بسرعة .
الحارس1 : أمرك .
الأمير: ( للوزير ) كل يوم يفاجئني هذا الحكيم بسر من الأسرار وكأنه عالم أسرار.
الوزير :  قد يكون ساحرا .
الأمير: لا أظن .
الوزير: أنا متأكد انه ساحر.
 ( بينما يحاول الوزير الحديث نسمع صوت الحارس من خارج المسرح )
الحارس1 : اليوم  حتما ستعدم، لأنك تجاوزت هذه المرة على أمير المملكة .
 ( يدخلون للمسرح )
الأمير: أيها الحكيم أريد أن تخبرني كيف عرفت ( بهمس ) بأنني لست من صلب الملوك.
الحكيم: ( بهمس وهو يسخر )  أنت واضح  لي كالشمس .
الأمير:( بغضب ) ماذا ..؟
الحكيم: ( متداركاً الأمر ) الأمر وبكل بساطة إنني افهم بأمور الملوك، ولقد سبق وان تعاملت معهم كثيرا .
الأمير: الوزير يتهمك بالسحر .
الحكيم: والحارس يحلم بقطع رأسي، إن حاشيتك غريبة بعض الشيء .
الوزير:   ماذا تقول أيها المعتوه.
الحارس1:  الم اقل لك يا مولاي،  لابد من قطع رأسه .
الأمير: اخرسا ، وأنت ( للحكيم ) اخبرني كيف عرفت .
الحكيم: إن الملوك والأمراء يا مولاي، عندما يقومون بإكرام احد، يمنحونه دائما إما ذهبا أو ماساً، أو يعطونه قطعة ارض وإلى آخره من العطايا، في حين انك لا تمنحه سوى الطعام، وهذه من مميزات الطباخين الذين تنتمي لهم .
الأمير:  أيها الوقح كيف تتحدث معي بهذه الطريق، هل نسيت نفسك؟
الحارس1 : اقطع رأسه مولاي .
الحكيم: مولاي، لقد طلبت مني أن أكون صريحا معك وان اهتم بكل أمورك وان اكشف لك كل ما خفي عنك، وها أنذا افعل كما أمرتني .
الأمير:  نعم هذا  صحيح،  فأنت الوحيد الذي كشف لي أشياء لا يمكن أن اكتشفها لوحدي، في يوم من الأيام. لهذا أرجوك أن تبقى معي ليس كمستشار فقط وإنما كظل لي . فأنا في حاجة إليك .
الحكيم: أرجوك يا مولاي أعفيني من هذه المهمة الصعبة. فانا رجل يحب السفر والتنقل ومساعدة الخصماء والفرقاء، وان أكون حراً كطير من الطيور. أما حياة القصور والأكل الباذخ والملابس الفاخرة ليست مهنتي.
الأمير: حسنا سأتركك في حال سبيلك، ولكن قبل ذلك ( يلتفت نحو الحارس والوزير) أيها الوزير خذ الحارس معك واعدّا لنا وجبة مهمة من الطعام وضعا فيها كل ما لذَّ وطاب . 
الحكيم: ( مبتسمًا ) شكرا مولاي ودعني هذه المرة أنا أهديك شيئا.
الأمير: صحيح .. و ماذا ستهديني؟
الوزير:  ما الذي تملكه لتمنحه لفخامة الأمير . 
الحارس1 :  قلت لكم دعوني اقطع رأسه .
الحكيم: أيها الأمير ليس المهم أن تهديني مالا أو قصرا أو طعاما، وإنما المهم أن تعلمني حكمة استفيد منها ذات يوم ( يلتفت إلى الوزير والحارس ) إن ما أحببت أن اهديه إلى الأمير حكمة صغيرة، تقول ليس مهماً من تكون وإنما المهم أن تعلم ماذا تكون . وليس مهما أن تأمر، وإنما المهم أن تكون عادلا، وليس المهم أن تكون كريما حد الإفراط، بقدر ما هو مهم أن لا تكون بخيلا. وليس مهما أن تخيف من هم حولك، بقطع الرؤوس، والسجن والتعذيب، وإنما المهم هو أن تعلمهم معنى الحب والتعاون والطاعة كي يحبونك وتبقى أميرهم والآن أقول لكم وداعا.
الأمير:  وداعا وتذكر دائما، إن هذا المكان سيكون وطنا جميلا لك متى ما أحببت.
الحكيم:( خارجا ) وهذه أول الخطوات .
الأمير: ( للوزير والحارس ) من الآن سيبدأ التغير
( موسيقى مغنات تتحدث عن التغير  )
                                     ( نهاية المسرحية )
        تأليف: عمار سيف/ العراق – الناصرية (  حزيران – 2015)
ammarsaef@hotmail.com
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت