مسرحية العنف للفاضل الجعايبي:العنف خبز يومي/ وليد دغسني
يبدو المسرح في فترة متقدمة من تجربة وعرة سبيلا للحكمة أحيانا والتبصر..والجعايبي كمؤسس يقف اليوم عند ربوة الحقائق التي أثبتها الزمن كحتميات أو مسلمات تنطق بعبثية المسار داخل الكون مهما كان أثره. فكان الموت يخيم على الركح ويلقي بالمتفرج في بوابة غامضة هي فوهة لا رجوع من جوفها، فصار العرض ابتلاع للمتلقي وأخافه من حاضر تحكمه الشياطين المتوقدة لمزيد من القتل والأيغال في فوضوية الأزمنة التي نحياها … شخصيات واقعية بلبوس الطيف ..طيف الجريمة الحاضرة في أذهاننا وللمتسللة إلى تفاصيل المعيش لليومي فتسيطر الرغبة وشهوة العبث بالجسد وبالأرواح الزائفة بزيف الحياة.. شخصيات تقوم بالفعل وتصل إلى أصداه ثم ترتد ..خوفا من موت محقق يتشكل عند السماء كغيوم عاصفة لا تبقي..فهو اكتمال لتسونامي الهذيان الذي استبد بالبلاد بعد أرواح مهدورة قربانا لثورة متوحشة لم تع معنى الوجود المؤسس فغيبت وجهها الخادع وتزينت بأصوات باحة عاجزة وأجساد واهنة لم تتنصل من سطوة الخرافة وشهوة الدم قتلا للخطيئة ولم يكن المحقق بعيدا عن المشاركة في الفعل فكأنه يتلذذ عذابات الذنب ويستبطنها فيكشف عن وحش متخف بداخله لا يظهره بقدر استطاعته على استنطاق العنف الكامن في ضحاياه ممن تترك العنان لسطوة الشهوة اللذيذة في الانتقام.
ماذا يريد الجعايبي؟ يبدو وأن جمود الأحداث ورهبتها المصبوغة بإيقاع رتيب مقلق حد الخوف من انتفاض الوحش وامتداده للجمهور. قد حرك في الجعايبي فكرة الإيقاع بالمتفرج متلبسا بجرائم خفية لم تنجز بعد ولكنها حتما قادمة في ظل التحول الضاري الذي تحياه البلاد اليوم. ففيها يداس الورد ويتحول إلى علف ..هي البهائم التي تقاد بالغريزة فتنصاع نحو مجهول هي ذكريات محطمة ترويها ممثلة عن وطن خرف وجمهور لا يرتاد سوى الحانات ويكتفي بالتبرم واستنباط العنف عنف غير مبرر وغير منتج فهي الفوضى يا مولاي حتى وإن امتنع الإنسان ..الفوضى قادمة والذئب القابع في الأعماق يتوقد للنهش واسترداد ما سلب منه حتى وإن كان وهما.
“العنف” مسرحية بتفاصيل موغلة في السوداوية وبسينوغرافيا توحي بالانغلاق والعفن…إضاءة تراوح بين الممثل في عالمه المتوتر وبين المتفرج المنصاع لإرادة العرض غير أن ما يمكن أن يضعف العرض هو التكرار في السرد وعدم التقدم في الأحداث نحو توتر اكبر يتجاوز الشخصيات الهامشية نحو قضية اشمل وأعمق تهم راهن الكون في ظل تمزق الشعوب عبر الأديان والحروب والكراهية والطائفية ..ولربما أراد الجعايبي الإيفاء بتوجهاته القديمة وهي التعمق في ميثولوجيا اليومي التونسي وفضح الواقع بأساليب يتقنها فترتقي معه المعالجة الفنية المسرحية إلى ذوى الإبداع في نحت إيقاع خاص مربك ولذيذ دون أن تخامرك الرغبة في مغادرة القاعة فتفضل الانغماس مع الشخصيات في سجنهم والذي قد يكون سجن المخرج بالنهاية.