"المسرح في سياق العولمة الثقافية: دراسة في تحولات الفرجة المسرحية بالمغرب" للدكتور محمد زيطان/ بشرى عمور

ناقش الباحث و المؤلف المسرحي محمد زيطان أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في موضوع : “ المسرح في سياق العولمة الثقافية : دراسة في تحولات الفرجة المسرحية بالمغرب” و ذلك يوم الجمعة 20 نونبر برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله/ ظهر المهرازـ فاس.
و كانت لجنة المناقشة قد تشكلت من:
ـ د محمد اوراغ / رئيسا
ـ د يونس الوليدي/  مقررا
ـ د عصام اليوسفي/  عضوا
وقد حاز الباحث على ميزة مشرف جدا، وفيما يلي بعضٌ مما جاء في التقرير الذي تقدم به حول أطروحته:
 
” إن موضوع  “ المسرح في سياق العولمة الثقافية : دراسة في تحولات الفرجة المسرحية بالمغرب” يطرح علاقة نوعية بين المسرح كفن فرجوي إنساني قديم، و بين سياقات الحداثة و ما بعد الحداثة المطبوعة بالمغايرة و الثورية و علو صوت العولمة، الذي أصبح يتردد في كل أرجاء المعمور، مؤثرا في مجالات الحياة الإنسانية، بما فيها المجال الفني و الثقافي، ليجد المسرح نفسه في مفترق طرق حاسم، يقوده نحو تحولات فرجوية تفتح أبوابه على اجتهادات و تجاربَ، فيها حوار ثقافي و تبادل و تفاعل. لذلك فإن تركيزنا على الثقافة في حديثنا عن المسرح  يعود بالأساس إلى قناعتنا بأن هذا الأخير  كان ولا يزال نتاجا ثقافيا محضا؛ فمن الثقافة ينطلق لصنع عوالمه ورهاناته وإليها يعود . باعتباره فعلا حضاريا ومدنيا ،يقوم على التفاعل الجدلي بين ثقافات أجنبية متباينة ومختلفة وقابلة للتأثير والتأثر.
فالمسرح في بعده الثقافي، هو فن الانصهار و التكثيف  الحضاري والجمالي لعلاقة الأنا بالآخر…لماذا الحضاري إلى جانب الجمالي؟ لأن المسرح في اعتقادنا، ليس مجرد مرآة تعكس الحضارة، كما جرت العادة في الحديث عن خصائصه الفضلى، بل هو حضارة موازية في حد ذاته، و باعث على الحس الحضاري و الإنساني بشكل عام، ذلك أن مجرد اجتماع الناس باختلافاتهم، و من دون إكراه ، في مكان بعينه، من أجل ممارسة طقس غير عدواني أو سلبي، يتمثل في مشاهدة حية لعوالم الفرجة المسرحية، يعتبر بحق تجليا للحضارة، و باعثا على البناء و التواصل و التماسك، في مقابل صفات النمطية و التفرقة و الأنانية و عدم القبول بنقد الآخر البناء و لا حتى القبول بنقد ذاتي خاص.
بعبارة أخرى، فقد أردنا لموضوع أطروحتنا أن ينخرط  بشكل أو بآخر في منظومة فكرية و ثقافية أولا،  ثم فنية إبداعية كونية، تحاول ملامسة قضايا جوهرية تخص كينونة المسرح وتحدياته الممكنة، من خلال البحث عن علاقات جديدة قائمة أو محتملة بين فن المسرح و العالم. و هو بحث يأخذ بعين الاعتبار الانتقال من مرحلة الحديث { عن} المسرح، إلى مرحلة الحديث{ إلى } المسرح على حد تعبير جوليا كريستيفا، و إن كانت هذه الأخيرة قد خصت الأدب بتعبيرها و ليس المسرح.لأنه من الثابت اليوم، أن الممارسة المسرحية لم تعد مرتبطة جذريا بنزعة الاستنساخ أو تقليد التجارب المسرحية السابقة بمختلف أنواعها و اتجاهاتها. حيث نتج عن هذا التحول الجيولوجي العميق في التجريب المسرحي، اكتشاف مساحات إبداعية جديدة، تقوم على حس المغامرة و التفاعل مع مختلف الفنون و العلوم الإنسانية. لذلك اخترت بدوري هذه المغامرة المعرفية و العلمية كمحاولة لاستقراء خصائص المسرح بجمالياته وشعرياته المختلفة، و أيضا برهاناته الآنية و المستقبلية في سياق هذا الأخطبوط الكبير، الذي يصطلح عليه بالعولمة، ثم كمحاولة للبحث عن أوجه التفاعل و التأثير، أو عن تجليات  عولمة  المسرح في ظل تمازج الفنون و تلاقحها، و في ظل الانفتاح المطرد على ثقافات الغير و فنونه السمعية و البصرية. سيما و أن  احتكاكي المباشر بتجارب مسرحية راهنة، سواء كممارس أو من خلال الدراسة الجامعية و البحوث الأكاديمية التي أجريتها سابقا-  قد مكنني من الوقوف على خصائص و ملامح المسرح العالمي عامة والمغربي خاصة، ومن ثم  تلمس مدى حضوره داخل النسيج الثقافي و الفني المعاصر ،و مدى  تفاعله مع رياح المستجدات الفكرية و السياسية و الاجتماعية و الجمالية.
إن إشكالية الموضوع الذي اخترناه  إذن، تطرح على محك البحث و الدرس: سيرورة المسرح  عموما و تجليات شعرياته و جمالياته في ضوء المتغيرات و الإكراهات، بل و التحديات الجمة التي أضحى يواجهها بفعل العولمة …مع الدفاع عن قدرته الخارقة على التكيف و التحول و الاستفادة من كل  المستجدات، بما في ذلك التجارب المسرحية التي أضحت تستثمر أساليب فرجوية رائدة، تحول العرض إلى تعابير للأداء المشهدي في المقام الأول، دائما في سياق المابينية و التناسج الثقافي الذي تقترحه الباحثة الألمانية إيريكا فيشر .
حاولنا طبعا، أن نقف عند حدود هذه العولمة ملتمسين تعاريف لها، و مبرزين  أوجهها الثقافية و الفنية على المستوى العالمي، قبل أن نحدد مكانة الثقافة و الفن المغربيين، و بالتالي موقع المسرح المغربي في هذه القرية الصغيرة، التي شيدتها تصورات العولمة. و كيف استطاع* مسرحنا*  أن يتفاعل، و يأخذ عن حضارات و ثقافات أخرى – قريبة أو بعيدة –  رؤى إبداعية و مبتكرات فنية . مثلما استطاع أن ينبش في ذاكرته التراثية و الفلكلورية و التاريخية ليؤصل لكيانه، و يبصم في فن مستورد أصلا بصمته الخاصة …هنا تطرقنا إلى مجموعة من التجارب المسرحية المغربية، في محاولة لتفكيكها و لمقاربتها من اجل الكشف عن الإستراتيجية و المناهج، التي اعتمدها أصحاب هذه التجارب، قصد إبراز موقفهم الفني من علاقة المسرح المغربي بالمسرح الغربي .
ولكن السؤال المطروح و الذي سعينا إلى تلمس الإجابة عنه في أطروحتنا، هو هل استطاع أصحاب هذه التجارب / الرواد أن يقدموا مسرحا بديلا، لا يرضخ لهيمنة النموذج الغربي؟ هل نستطيع القول بأن المسرحيين المغاربة استطاعوا أن يرسموا ملامح مسرح مغربي أصيل، ذي قدرة تنافسية و خصائص فرجوية أقوى من أن  تذروها رياح العولمة في مهب الهجنة و الإستلاب؟ أم أن الإنعطاف الحقيقي بالمسرح المغربي نحو التفرد لا يزال مرتهنا بما قد يصوغه  مبدعو الجيل الجديد من تصورات مبتكرة – راهنة و منسجمة مع معطيات عصرها – و ما يطرحونه من تجريب نصي و ركحي؟
سيما و أن  ما هو ظاهر للدارسين و للمهتمين  كون تراكمات المسرح المغربي منذ نشأته  إلى حدود الساعة،  اعتمدت في الغالب على تجارب غربية بدءا بعملية الاقتباس ثم مرورا بعملية التبني للمدارس المسرحية الكبرى من عبثية و ملحمية  و تسجيلية …و للمناهج الإخراجية الغربية المعروفة  التي تهتم بالفضاء المسرحي و بجسد الممثل و بتكوينه النفسي  مثل  * المسرح الفقير  البيوميكانيك ، البسكودرام، مسرح القسوة…* هذا يعني أن المسرح المغربي مثلما يقول الدكتور حسن المنيعي يقوم على*  ازدواجية فنية *  تتحدد أساسا عبر حضور الرافد المسرحي الغربي المهيمن بامتداداته التاريخية و حضور فعل مسرحي مسكون بهاجس الهوية و محاولة تأصيل الظاهرة المسرحية .
ما سعينا إلى تقديمه كجديد في هذا البحث، هو ربط المسرح عموما و المغربي خصوصا كمنظومة شاملة * نصوص، عروض، مؤسسات ، تلقي ، نقد…*  بالمحيط الخارجي العام الذي لن يكون إلا نظاما جديدا صار يحكم العالم بأسره ، هو نظام العولمة .مما ممكننا من معالجة مواضيع ثانوية سعينا إلى تضمينها بين ثنايا بحثنا ، من قبيل : صورة الآخر من خلال المسرح،  المرأة و الجسد في المسرح المغربي  المقدس  و المسرح المغربي ، المسرح بين الثقافة العالمة و الثقافة الشعبية …..”.
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت