الفائز بجائزة أفضل فيلم في مسابقة آفاق السينما العربية/ د. حسن عطية
رغم الدمار مازالت السينما السورية تبتسم للحياة
عن: مجلة الكواكب
يثير عنوان الفيلم السوري المنتج هذا العام (بانتظار الخريف) للمخرج الشاب “جود سعيد”، وتجرى وقائعه على الشاشة قبل عامين من زمن عرضه، يثير مجموعة من التساؤلات حول وصول هذا (الخريف المنتظر) اليوم أم مازال السوريون ينتظرونه في زمن الألم، وعن كيفية انتظارهم له؛ فرحا بالخلاص أم رعبا من مزيد من الدمار للوطن، وعن دلالة هذا الخريف، هل هو مرحلة ما قبل النهاية مثلما نقول خريف العمر، وخريف الحب، و(خريف البطريرك) والمعنونة به رواية الكولومبي “جابرييل ماركيز” الشهيرة، مما يجعل دلالة هذه الكلمة توحى بهرم الإنسان وتساقط أوراق الأشجار وهبوب رياح الموت، أم أن الدلالات التقليدية للكلمات مثل الخريف والربيع قد تبدلت معانيها، بعد أن أصبحت الثورة فوضى، والمخرب معارض، والانتحاري شهيد .
وسط هذه الفوضى اللاخلاقة يبحر الفيلم السورى الجميل (بانتظار الخريف) والحاصل على جائزة أفضل فيلم في مسابقة (آفاق السينما العربية)، التي تنظمها نقابة المهن التمثيلية كفاعلية موازية مع المسابقة الدولية داخل مهرجان القاهرة السينمائى، وبديلا عن غياب مهرجان مصري للسينما العربية، حلم السينمائيون به طويلا، وتكررت المطالبة به في اللجنة العليا للمهرجانات بالمجلس الأعلى للثقافة.
كتب سيناريو الفيلم المخرج الشاب “جود سعيد” مع الكاتب “على وجيه” صاحب المسلسل السوري (عناية مشددة) والسيناريست والمخرج المخضرم “عبد اللطيف عبد الحميد” صاحب أفلام (ليالي ابن أوى) و(رسائل شفهية) و(صعود المطر) و(قمران وزيتونة) وغيرها من الأفلام التي تميزت كلها بحس ساخر ونقد واع لمجتمعه، وهو ما أنعكس على فيلمنا الحالي الذي تغلفه الكوميدبا رغم الواقع المأسوي المرير الذي يجرى في أعطافه وينقله على الشاشة، وأن مالت هذه الكوميديا في مواقف كثيرة للهزل والضرب على الوجه والشتائم المتكررة، غير أنها لم تفقد الفيلم نكهته الخاصة وطموحه في عدم السقوط في ميلودراما سوداء تزيد الحياة ألما، وهو الطموح الذي يبدو أنه غاية المراد من إنجاز هذا الفيلم الموجه لجمهور الداخل لرفع روحه المعنوية تجاه الحرب الدائرة بلا هوادة على الوطن منذ ما يقرب من ست سنوات ، ولجمهور الخارج لإثبات أن السوريين مازالوا يعيشون ويفرحون بالحياة ويتمسكون بالأمل .
ينطلق حدث الفيلم الدرامي من وصول فريق سينمائي في صيف 2013 لإحدى القرى الريفية القريبة من قلعة الحصن بحمص شمال غربي سوريا ، لتصوير فيلم عن الحياة السورية ، التى بدأت تتفتت بظهور قوات ما يسمى بجيش سوريا الحر ، مع تغلغل وجود تنظيم داعش وإعلانه قيام الدولة الإسلامية ومواجهته للجيش النظامى ، ولأن الواقع صاخب ، فالقرية التى يهبط إليها الفريق السينمائى يجدها تشتعل حماسا ملتفة حول فريقين نسائيين للكرة الطائرة ، ينتمى الفريق الأول للرفيقة “نبال عيسى عطية” بالقرية ، والثانى لقرية أبو غازى وأبو معن ، وكلا منهما يريد الفوز بكأس الجمهورية ليحقق الفرحة لقريته ، فى الوقت الذى تقرر فيه الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولى التدخل لمساعدة القوى المعارضة ضد النظام ، وبالتالى ضرب المناطق المتاخمة للقرية ، مما يجعلهم فى مشاهد ساخرة يهرعون للاتصال تليفونيا بالسيناتور “مكارثى” ، الذى كان قد زار قريتهم من قبل لإبعاد الضربات الجوية عنهم .
وبأسلوب سينمائي أقرب للتسجيلى ، يتجادل الخطان وينتفض الواقع بأسر مخرج الفيلم “محسن” فى أحد الأكمنة ، من قبل فريق من فرق المعارضة المتعددة ، والتى تقطع الطرق دونما هدف واضح غير المزيد من تفتيت الوطن ، وكان الفتى “محسن” قد ضحى بنفسه ، أثناء توقيف الحافلة التى تحمل أبناء القرية والفريق السينمائى ، مدعيا أنه ضابط بالجيش السورى ، حتى لا يقع ركاب الحافلة للإهانة والتعذيب ، فتقوم زوجته “حلا عبد الكريم” (سلاف فواخرجى) الصحفية وكابتن فريق القرية بالبحث عنه فى كل مكان ، فى الوقت الذى تكثر فيه الشائعات حول انشقاق البعض عن النظام واختلافه معه وانضمامه لقوى المعارضة ، كما تكثر فيه الوشايات والاعتقال على الهوية وعلى المزاج أيضا ، وذلك فى صياغة تبدو عبثية كعبث الواقع المختل ، غير أن تمسكه بالأمل يميل بفيلمه نحو الحلم المتمسك بالحياة ، حتى أن مشهد الختام الذى يقتل فيه البعض من شباب القرية بنيران السفلة ، لا يتركهم الفيلم موتى بل يحيهم كى يعودوا فرحين بالحياة .
فيلم بسيط لا يدعى أكثر من أن يكون فيلما معبرا عن الرغبة في الحياة لشعب صار حلم الهجرة والموت على الشطئان بديلا عن التمسك بالوطن الذى تسلب أرضه شبرا فشبرا .