الحكي.. معركة إثبات الوجود ..!! أنقذوا حكواتي فلسطين/ هايل علي المذابي (اليمن)
ثمة تقليد تلتزمه القبائل في إفريقيا، يسمى تقليد ” أكين” وسيرة القبيلة بل ووجودها مرهون بشخصية “أكين” وهذا التقليد.. تقليد أكين ” عليه أن يحكي دائماً تاريخ القبيلة وأمجادها وسيرتها منذ البداية.. وعندما يشعر “أكين” هذه الشخصية المختارة التي تحكي بكبره وقرب فنائه عليه أن يورث كل ما كان يحكيه عن القبيلة وتاريخها وحاضرها و أمجادها لـ “أكين ” آخر .. وقد كانت العرب قديماً، تسمي الشيخ الكبير بالشيخ الكنتي ( مِن كنتُ ) لأنه يحكي قصصه، يحكي كثيرا، يحكي أكثر من الذي لا يجد ما يحكي لأنه لا يزال في دوامة الأحداث . و يحكي أكثر ليعيد بناء هوية قوامها صنع الحدث، لكنها اليوم بعيدة عن تلك الفاعلية، هي، بعبارة محددة، مهددة بالفناء و تريد البقاء و ( الوجود ). ومثل الجماعة يحكي الفرد ليجدد هويته، وليستبصرها عميقا، وليمدها بمعرفة تبدو – وهماً – معروفة من قبل لكنها تغدو معروفة- حقاً- عبر التشفير الرمزي ؛ أي تحويلها إلى أشكال رمزية كما يرى السيميائي كاسيرر. وبذلك تنتقل من هلام مفكك يتمدد في الوعي واللاوعي إلى صور محددة في الإدراك المتعيّن باللغة. تمارس الذوات المفردة حكاياتها لتعلن عن وجودها ( أنا أحكي إذن أنا موجود ) ، فوجودها بدون الحكي يعني الوجود غير المبين. اللغة داخل خطاب السرد هي من يهبنا صورةً بنيوية، و إلا فنحن حكايات مشتتة ؛ حكايات لا هوية لها ، ولا تأخذ هويتها إلا بالسرد. لماذا تموت حكايات عظيمة وتفقد وجودها ؟ لأنها ببساطة لا تحكى. هكذا يرتبط الحكي بالجماعة كما يرتبط بالفرد. أيّ جماعة تحكي لتشكل هويتها، تحكي لتكون، وفي عوالم أقطاب الدراسات الثقافية فإن الحكي هو الأمة The Narration Is The Nation، و كل حكي يشمل ” مجموعة قصص وصور ومشاهد وسيناريوهات وحوادث تاريخية ورموز وطقوس قومية ترمز إلى أو تمثل التجارب المشتركة والمآسي والانتصارات والويلات التي تضفي على الأمة معنى. و إذا كان الأمر كذلك، فالأمة تحكي لتعيد تشكيل ذاتها؛ لترسم معالم هويتها؛ لماذا يحكي السود رحلة العذاب والعبودية بين أفريقيا والعالم الجديد؟ ولماذا يحكي اليهود الشتات؟ ولماذا يحكي العرب سيرة أجدادهم في هذا الزمن بالذات؟ بل ولماذا أكثر من كل ذلك يسعى اليهود لإغلاق أهم مؤسسة في القدس مهمتها أن تحكي حكاية فلسطين؟.
من أجل ذلك نسعى إلى توسيع الحملة العربية لحماية المسرح الفلسطيني ” الحكواتي” وتنوير العقول بأهمية الحكي في تاريخنا، لنكون، فالحكي دفاع الهوية عن ذاتها. والحكي ترسيم رسمي لحدود الذات الجمعية ومشخصاتها وطموحاتها، وليس ذلك بالضرورة حنيناً مرضيّاً إلى الماضي بل هو استحضار للماضي من أجل ترسيخ الحاضر وتأمين المستقبل. الحكي معركة نخوضها لإثبات وجودنا، وتحقيق ذواتنا الناقصة الوجود بدونه.. وعلينا أن نساهم في إنقاذ أهم وسيلة إثبات وجود وتحقيق ذات، وأهم صرح عربي يسعى اليهود لطمس هويتنا من خلال إغلاقه، لان وجودنا العربي في فلسطين سيكون بدونه مثله مثل مصباحٍ بلا زيت.
هايل علي المذابي Strings1983@gmail.com