نص مسرحي:"بانتظار فلاديمير" تأليف مثال غازي
الرجـل: (كمحاولة لجلب الانتباه)… عفواً
استراغون: (يقترب بنظره من القبعة أكثر وكأنه ينظر إلى شيئاً ما)
الرجل: (ينتابه الفضول هو الآخر لينظر من الجهة الأخرى من القبعة)
استراغون: (يتفاجأ بوجود عين تنظر إليه من خلال الجهة الأخرى.. يصرخ الاثنان معاً..يبتعدان عن بعضهما)
الـرجـل: (معتذراً)… عفواً… لم أقصد إزعاجك
استراغون: (ينظر بغرابة، يدور حوله، يتأمل ملابسه وحقيبته ونظارته)
الـرجـل: (يبتعد عنه قليلاً خائفاً)، لابد أنك هنا منذ زمن.
استراغون: (يخرج ورقة من جيبه وهو يحاول تقصي الرجل بكل دقة وكأنه مخبر)
الـرجـل: (مستغرباً) غير أن المكان غريب جداً(مع نفسه) لابد أن في الأمر سوء فهم، علي أن أغادر في الحال (يهم الرجل بالمغادرة)
استراغون: (يكرر مع نفسه وكأنه قد استيقظ) حقاً… لابد أنّ في الأمر سٌوْء… فهمْ (يحاول اللحاق به)عَفوكَ أيها المبجل… هل أنتَ متأكدْ
الـرجـل: (مستغرباً) ماذا!
استراغون: أنْ كان الأمرُ كما تعتقدْ/ ألا يستحق الأمرُ أنْ تنتظر قليلاً أيها السيد.
الـرجـل: ولكني لا أريد، ربما هناك آخرين.
استراغون: (يقف في طريقه ليمنعه من المغادرة) إذنْ أنتَ ترفُضْ
الـرجـل: أرفض ماذا
استراغون: في أن تنتظرْ
الـرجـل: (ممتعضاً).
استراغون: لقد أخبرتني قبل قليلِ عن آخرين يا سيدي.. هل أنت طبيب؟
الـرجـل: كلا.
استراغون: محصلُ ضرائب
الـرجـل: كلا
استراغون: وكيلُ أحد الإقطاعيينَ أو ما شابه ذلك
الـرجـل: (بغضب)… كلا.. كلا.. كلا
استراغون: إذن ماذا إن لم تكن طبيباً أو محصل ضرائب أو إلى ما شابه ذلك
الـرجـل: (بغضب) لقد تجاوزت حدك أيها السيد (يصرخ) أنا أرفض أن…
استراغون: (مقاطعاً إياه) آ.. آ.. ها أنتَ ترفضُ مرةً أخرى وهذا ما يزيدُ في اتهامكْ.
الـرجـل: أنا لا أسمح أن…
استراغون: (مقاطعاً إياه مرة أخرى) آ… آ… أنتَ ترفضُ ولا تسمحُ ولا تُريدْ، لقد بدا الأمرُ جلياً بالنسبةِ لي في أنكَ (يتوقف فجأة عن الاستمرار في الكلام) حسناً أرجو أنْ تضع كلّ ما يشغلكَ جانباً وتقفْ لأنك لأنك
الـرجـل: ولماذا عليّ الوقوف إن كانت حريتي توجب علي المغادرة
استراغون: هذا لأنك.. لأنك
الـرجـل: لأني ماذا
استراغون: لأنك رهنُ الاعتقال
الـرجـل: الاعتقال.
استراغون: نعم أنتَ رهنُ الاعتقال/ وهذا ما يُوجِب عليكَ أنْ تذْعنَ لهُ… كي تنتظر.
الـرجـل: لا أريد
استراغون: بل تُريد.
الـرجـل: حسناً سأفترض أنك كائن تتمتع بحكمة ما وليس أي رجل لا عقل له على أن لا تقحم رغبتك وتضطهد الآخرين بها كأي قاطع طريق
استراغون: ها أنتَ بدأت تفهمُ، رغم أنكَ رجلٌ كثيرُ الافتراضاتِ والاتهاماتِ أيضاً…. أرجو أن تعلمَ أيها السيدَ قبلاً في أني لستُ قاطعَ طريقْ/ غيرَ أنكَ رجلٌ ذكيْ/ وهذا ما يزيد الأمرَ صعوبةً.
الـرجـل: بل هذا ما يؤكد اليسر في الاستنتاج أيها السيد
استراغون: أرجو أن يكون في معلومكم بأني لست سيداً لأحد وإلا ما كنت هنا.
الـرجـل: (يستغرب) وما علاقة الهنا والكنت في أن تكون سيْداً أو مسوداً.
استراغون: ألم أخبرك أنك رجل ذكي.
الـرجـل: ها قد عدنا إلى ذات الحلقة المفرغة ولم أعلم حتى هذه اللحظة في رغبتك عن سؤالي عن ماهية الأمر الذي تعينه.
استراغون: اذن أنتَ لا تعرفني.
الـرجـل: لم يسبق لي التعرف عليك
استراغون: ولا إلى فلاديمير.
الـرجـل: ولا على هذا المدعو….. المدعو
استراغون: (متداركاً) فلاديمير
الـرجـل: أياً كانت الأسماء فأنا لا أعرفه
استراغون: وجواسيسكْ؟
الـرجـل: (مستغرباً) جواسيس.. عن أي جواسيس تتكلم
استراغون: الذين كنتَ تُرسلهم بين آونةٍ وأخرى.
الـرجـل: (ممتعضاً) يا الهي… لقد بدأت أضيق ذرعاً بك.
استراغون: أرجو أن تكون محدداً في إجاباتك أيها المهذب. هل كنت من يرسلُهُمْ أم لا.
الـرجـل: كلا
استراغون: ولكنْ قد تكونُ أحدهُمْ
الـرجـل: يبدو الأمر محيراً جداً، أنا لم أكن يوماً ما مبعوثاً لأحد ما ولم أكن لأبعث آخرين غيري
استراغون: وهذا ما أردتُ معرفتُه بالضبط
الـرجـل: و وما يعنيه هذا… لابد أنك مجنون
استراغون: مجنون… لقد بلغَ الاستهتارُ بك حدّاً تتهمني بالمجنون.. وما يعنيهِ الجنونُ في نظركْ. لابد أنكَ لا تعرف فلاديمير وهذا ما حدا بكَ إلى أنْ تتهمني بالجنون.
الـرجـل: أرجوك يا سيدي أن تهدأ فأنا حتى لا أعرفك أو حتى أعرف هذا الشخص الذي اسمه..
استراغون: (يغضبه) فلاديمير
الـرجـل: لابد أن تهدأ… فقد تعني شخصاً غيري
استراغون: وما أدراك وما أعنيه، أنت تدفع التهمة عنك
الـرجـل: أية تهمة بالله عليك
استراغون: فلاديمير
الـرجـل: ها قد عدنا إلى ذكر اسم هذا الشخص مرة أخرى، ما شأني أنا ومعرفة المدعو فلاديمير
استراغون: وتستهين بهِ أيضاً، أنتَ دائماً هكذا تسخر منا/ هذا لأننا بحاجة إليك، فلاديمير كان الشخص الوحيد الذي يعرفك جيداً حد أنه تحررَ منكَ ومن سُخريتك له، لقد هزأت بثقتنا بك وهذا ما يوجبُ عليك إنزالَ أقصى العقوبة و… تنتظر
الـرجـل: اقسمُ يا سيدي في أني لم أسخر من أحد في يوم ما… وكيف وأنا لم أرى أو أتعرف على فلاديمير هذا الذي تتكلم عنه.
استراغون: من الطبيعي أنْ لا ترى فلاديمير، لأنه قادمٌ إليك كي يُحررنا منْك، هو في الطريق إليك (يصرخ) فلاديمير.. فلاديمير… إنه هنا (يحاول استراغون سحب الحبل المتدلي من على الشجرة كمشنقة وكأنه يسحب حبل لناقوس كبير يصدر أصوات تعلن عن قيام الثورة) فلاديمير… إلى الأمام (يتخذ استراغون هيئة إحدى القادة وكأنه يهتف ومن خلفه الجيوش.. ومن خلفه تصدر أصوات جيوش وقعقعة سلاح)
الـرجـل: (ينتابه الخوف) إن المكان غريب جداً ويعج بالأرواح الشريرة لابد أن أمضي في الحال. (يحاول المغادرة)
استراغون: (يمنعه) إلى أين؟
الـرجـل: لقد قررت المغادرة في الحال، لم يعد لي مكان هنا، ثم هذا لا يعنيك في أن أقرر المكوث أو المغادرة وليس لك عليّ أدنى حق يوجب عليك التجاوز في حريتك على حريات الآخرين، أنت حتى لا تعرف من أنا.
استراغون: بل أنا أعرفك جيداً
الـرجـل: بل لا تعرفني
استراغون: أعرفك
الـرجـل: بل لا تعرفني
استراغون: بل أعرفك… ألست السيد…
الـرجـل: (ينتابه الخوف)
استراغون: بيكيت
الـرجـل: (تسقط الحقيبة من يده)
استراغون: ألم أخبرك أني أعرفك جيداً
الـرجـل: هذا مستحيل
استراغون: لم يعد هناك مستحيل منذ غادرنا فلاديمير، الم أقل لك أنه قادم إليك وهو يميط اللثام عن وجهك (يؤكد) يا سيد بيكيت
الـرجـل: يا الهي
استراغون: ولكن ألم يكن من الثابت والمؤكد في أن تتعرف عليه في الحال أم أنك تتجاهل الأمر
الـرجـل: ومن تكون أنت
استراغون: أنا استراغون أيها السيد المبجل… منذ وطأت قدماك الأرض حتى تلاشت ذاكرتك تماماً
الـرجـل: أنت إذن استراغون.
استراغون: بل أنا فلاديمير وربما استراغون، المهم إني أحد الاثنين
الـرجـل: (يتضايق) علي المغادرة… إني أشعر بالاختناق فإن نفسي بدأ يضيق
استراغون: لم يَعدِ الأمر بيدك وأنت لا تملكُ حرية البقاء أو المغادرة الآن. أنتَ ملكْ لإرادتي، إن كان عليك المغادرة فلابد أن يكون ذلك فوق جثتي
الـرجـل: ولكن لم يعد لي مكان هنا
استراغون: (هذا لأن الأرض تلفظك)، لقد تأخرت طويلاً قبل أنْ يقرر فلاديمير أنْ يدق برقبته ناقوس هذا الحبل المتدلي، لم أكن لأمنعه هي إغماضة عين واحدة وجفوة انتباهه مهملة حتى بدأت أجراسه تقْرعَ (يصغي إلى أصوات موسيقى ملائكية تعم المكان) هل تسمع أيّ زمانِ أعمى، هذه الشجرة اصطفاها سفينة لنجاته ومضى دون أن ينهي تلك الجفوة من تلك الانتباهة ومضى للوصول إليك، من الغريبِ أنكَ لم تصادفه، يا لك من سيدٍ أعمى، أيّ سيدٍ أنتَ، لابدَّ إننا كنا ننتظرُ سيداً غيركْ، فالسيدُ لابُدَّ أنْ يعرفَ كلَّ شيء أمّا أنتَ…
الـرجـل: أما أنا
استراغون: أما أنت مجرد لا شيء، ولكن الأمر قد يكون وما تقول مجردَ سُوءِ فهمْ وقد تكون مجردَ شخصِ مدعٍ كذاب.
الـرجـل: أنا لا اسمح أيها السيد أياً يكون اسمك بإهانتي
استراغون: استراغون/ ذلك هو اسمي وصديقي فلاديمير وهذه شجرةٌ وتلك صخرةٌ وهذا المكانُ الذي نقف فوقه كنا ننتظرُ ومازلنا شخصاً اسمُهُ غودو.
الـرجـل: من الغباء أن يضيع الوقت مع شخص غبي مثلك يحاول رمي تهم غباءه وصديقه على الآخرين.
استراغون: قد نكون مجانين وربما أغبياء يا سيد بيكيت أرجوك باسمِ قوى السماءِ وباسمِ الكونِ والسيدِ المسيحِ أنْ تقبلَ استقالتي وصديقي فلاديمير عن العمل الذي كنا سوفَ نلتحقُ به ونعمل تحتَ ربقتكَ وسنكونُ سعداء في أنْ نبحثَ عن سيدٍ غيركَ يعرف
الـرجـل: من الواضح ثمة لبس في الأمر فما تنتظرونه لست أنا تحديداً
استراغون: ليس ثمة لبسٌ من الأمر، كلاكما من صنع الآخر، أما نحن فن صنع كلاكما
الـرجـل: أرى أن الأمر بدأ يزداد تعقيداً على ضوء استنتاجات غير محتملة قائمة على بقايا هراء نافذ. كان يجب علي المغادرة منذ البدء فلا شيء يضطرني لمواجهتك ولا شيء بالضرورة يضطرك على البقاء.
استراغون: (مع نفسه) حقاً ليسَ هناك شيءٌ يضطرني على البقاء، غير أن هذه الشجرة أقلتْ آخرين غيرنا كان آخرهم فلاديمير ثمة من نجا في لحاء الخشب الممتد نحو أبعد نقطة ضوء في سواد الليل (ينظر نحو الثقب الموجود في قبعته) كان ذلك فيما مضى… كان أقرب من الآن حين بدا بعيداً تكاد السحب أن تواريه ولكني أعرفه رغم أنك لا تراه.. انظر ذلك هو فلاديمير ذلك الذي خطاهُ تمتد عَبْرَ الحدودِ البعيدةِ حيثُ لا انتماء ولا عبودية ولا تبعية (يصرخ) ولكن من الغريب أنك لم تصادفه في الطريق، هيا تعال انظر هو هناك هل ترى (يقترب الرجل من الرؤيا) ذلك الوجه الشاحبْ/ هل ترى ذلك الجَسَدَ النحيل… إنه فلاديمير، هيا تعالَ تمعَّن في رؤيتكَ آه قد يكونُ واحداً ممن صادفتهُمْ (يتوقف استراغون وكأنه قد اكتشف شيئاً ما) أنتَ تنفي ملاقاته (متهماً إياه) أيها اللعين (يهجم عليه لخناقه) لابد لي من خنقكْ (يخرج فأسه) لابد لي من أن أقطعك إرباً
الـرجـل: (يقف الرجل دون خوف ليقابله ردود أفعاله العنيفة بإخراجه مسدساً ليضعه في رأس استراغون حال اقترابه منه لتحطيمه) قد يفقد السلاح رشده ليطيح بك الساعة، خطوة واحدة ليكون فيما بعد رأسك نثاراً لهذه الأرض.
استراغون: أنت تكذبُ حيثُ ادعيتَ عدمَ معرفتكَ بهِ، فإن كنتَ لا تعرفهُ فكيف تنفي مصادفتكَ له، كم أنتَ مراوغٌ أيها المبجل أما يكفي هذه التعاسة حتى بدأت تحتال عليَّ، هيا اضغطْ بأصبعك على الزناد فليسَ ثمةَ وقتٌ للحياةِ فيما تبقى لي من موت، هيا اضغط فلست ارحم من هذا السلاح الذي تطاولتَ بِهِ عليّ، هيا اضغط فما يملؤه هو خوفك أيها السيد.
الـرجـل: بل ما يشغلني الآن هو الرغبة في المغادرة (ينزل الرجل المسدس في رأس استراغون).
استراغون: (يرجع المسدس إلى رأسه) وموتي
الـرجـل: (يخفض المسدس) ما عدت أريد
استراغون: لقد أصبحت مسلوبَ الإرادة فيما تُريد أو لا تريد
الـرجـل: ولكني لا أريد سوى ترك المكانِ بأسرع وقتٍ ممكن، الوقتُ يمضي هيا تنحّ عن طريق وأفسح المجال لي للمغادرة وإلا
استراغون: وإلا ماذا هل ثمة ما تشترطه غيرُ موتي، أنا لست قاطعَ طريق أو لصاً كما أنك لستَ بطبيبٍ أو محصل ضرائب، سأثبتُ لك بأني لستُ كما تظن وسأسمح لك بالمغادرة رُغمَ كل الحدثَ والذي سوفَ يحدث. هيا/ الطريقُ أمامك من السّعة بما يسمحُ بمرور جيشٍ بأكمله.
الـرجـل: (غير مصدق) هل أنت جاد
استراغون: ربما يكونُ هذا القرار الذي لا أملكه هو أكثر القرارات جدية في حياتي ولكني رغم هذا قرار لا أملكه أيها السيد
الـرجـل: سأذهب في الحال (يحاول رفع الحقيبة استعداداً للمغادرة) الحقيبة نعم، سأذهب (يتوقف قليلاً) ولكن ألا يكون الأمر مجرد صدفة
استراغون: وغبيٌ أيضاً… يا الهي
الـرجـل: (يحاول ملاحقته) إن كان الأمر كما تعتقد أو حتى كما تقتضيه الحاجة إلا يتعين عليك أنت الآخر المغادرة فما الذي يضطرك على البقاء إن لم يكن هناك ما يمنعك عن المغادرة
استراغون: شيءٌ ما يمنعني من الداخل قد يكونُ مصدره اسمى درجات الحرية/ وربما مصدرهُ أدنى درجات التبعية (يتذكر.. هل تعرفْ لقد كانت أمي do you now? May mother was)
الـرجـل: (مشيراً إليه) أمك
استراغون: نعم أمي.. وكان أبي Yes my father.
الـرجـل: ها
استراغون: ثم جئت أنا Then I came.
الـرجـل:لقد فهمت
استراغون: (يتعجب) ما الذي فهمت، شيءٌ غريبٌ حقاً، هل تعرفُ أن لا شيء كان يستثيرني قدر أبعد نقطة ضوء في تلك الآفاق الفسيحة/ كانتْ مدينتي غابةً من غابات الظلام ولم يكن من نورٍ سوى أضواء المصابيح الخافتة. ولم يكن فيها سوى قطراتٍ من النفط/ وكنتُ أبحث ليلتها عن وجهِ نيرون في أضواء تلك المصابيح/ حيثُ كان يستمتعُ بنيران الحرائق المشتعلة، كانت ثمةَ رغبات تحترق وأخرى تنضج على تلك الحرائق. لقد فهمت الآن معنى أنْ يختار النارَ لطهارة مدنُهُ الموحلة، لقد ثارَ لحظتها على أغلى ما يملك فبنى ما استطاعَ على هشيم حرائقه، ترى كم كلفهُ ذاكَ إنْ لم تكن ذاتهُ الثائرة، لابُدَّ أنَّ روما كانت من خشب فاحترقت بسرعة. لم يكن فيها سوى الأشجار، رجالها من خَشَبْ، نسائها من خَشَبْ جدرانها من خشب، شوارعها من خشب لذلك احترقت بسرعة/ حيث لم يبقى سوى ظل نيرونَ ووجههِ الذي لا يعكسه سوء صفحة الماء الساخن (ينتبه) ألا زلتَ هنا ألم تكن قبلَ قليل ترغبُ بالمغادرة.
الـرجـل: ولازلت
استراغون: إذن هيا ودعني وما أريد وربما لا أريد تحت رغبة لا يناصرها فعل، الرغبة تبقى والفعل يموت
الـرجـل: بدأت أشعر بالاختناق
استراغون: بل وربما بالموت أيضاً كحال الفعل الذي خنقته تلك الأغصان الصفراء التي هي ربما شاهدة لقبور لا تنتهي… هيا سيحل الليل سريعاً فأتخذه جملاً وغادر وإلا
الـرجـل: وإلا ماذا
استراغون: وإلا ستضطرك الرغبة في عدم البقاء
الـرجـل: ولا أغادر
استراغون: كما هو الحال عليه الآن نعتزم الرحيل وتغلبنا عزيمة البقاء. نغادر أو لا نغادر
الـرجـل: أطرافي بدأت تتصلب، ما عدت احتمل يجب أن أغادر وبسرعة هذا ما سوف يكون عليه الأمر، أغادر أو لا أغادر.. كلا.. كلا سأغادر كان هذا قبل من تضطرني على البقاء، (مع نفسه) لكني كنت أرفض.. وأرفض ولازلت (يتدارك) ثم أن الأسباب التي كانت تمنعني لم يعد لها موجب ولا معيق لذلك ها أنا ذا أقول رغم صعوبة ما كان ولم يعيقني أياً كان سواء كنت محصل ضرائب أو واحد من وكلاء أحد الإقطاعيين كان أن الحرية رهن بصاحبها حتى وإن قررت البقاء فلا شيء برادع رغبة أملكها ثم أليس هناك من يرغب بمقابلتي، أليس كذلك؟
استراغون: هذا ما أردته لكْ
الـرجـل: حسن سأبقى، ولكن ليسَ طويلاً
استراغون: هذا من شأن السادة
الـرجـل: نعم وليس من شأن العبيد أمثالك ولا أحد يضطرني على المغادرة أليس كذلك
استراغون: كلا
الـرجـل: حسناً سأنتظر ولكن فقط لمقابلة شخص ما… اسمه… اسمه
استراغون: فلاديمير يا سيدي
الـرجـل: نعم فلاديمير وسأرى ما يتوجب علي فعله، سأسمح له بمقابلتي رغم أن الجو بارد هنا وكل ما بي يتصلب
(بعد مرور فترة طويلة)
استراغون: ليس ثمة دفء هنا
الـرجـل: ولكن… ألم يخبرك متى يعود
استراغون: من
الـرجـل: فلاديمير
استراغون: كلا
الـرجـل: ولكنه سيعود
استراغون: هذا رهنٌ بمشيئتهِ
الـرجـل: وهل الأمر سوف يطول؟
استراغون: بقدرِ مسافة الطريق
الـرجـل: ولكنه لابد أن يعرف أني هنا بانتظاره
استراغون: بالتأكيد فحدود معرفته أصبحت لا تضاهى، إنه يعرف كلَّ شيءٌ
الـرجـل: ولكن بحدود
استراغون: أفكارٌ بالية
الـرجـل: هذا ما أعرفهُ عنه
استراغون: بل هذا ما لا تعرفهُ عنه
الـرجـل: (ينظر من خلال قبعة استراغون) ربما لاح في الأفق
استراغون: ليس بعد
الـرجـل: عليك أن تصفه لي فربما يمكنني التعرف عليه بسهولة فليس من المعقول أن انتظر شخص لا أعرفه لمجرد أنه يود مقابلتي… هل هو طويل.
استراغون: كلا
الـرجـل: قصير
استراغون: كلا
الـرجـل: هل ثمة ما يميزه
استراغون: كلا لا أعرف
الـرجـل: لقد أصبحنا في موضع من التعقيد من حيث تدعي معرفته
استراغون: إنه… إنه
الـرجـل: إنه ماذا/ استراجون/ لا أعرف هل نسيته
استراغون: نعم
الـرجـل: لابد أنه يملك ملامحاً مميزة تعيننا بسهولة على التعرف عليه
استراغون: إنه ليس بالطويل ولا بالقصير مثلما هو ليس بالنحيف أو البدين، ثم إنه ليس هنالك ما يميزهُ سوى إنه يتكرر بملامح الآخرين.
الـرجـل: إذن لابد أن هناك ما كان يعمله
استراغون: ربما
الـرجـل: هل هو محصل ضرائب
استراغون: طبيب
استراغون: كلا
الـرجـل: وكيل أحد الإقطاعيين أو ما شابه ذلك
استراغون: كلا.. كلا.. كلا.. لقد ضقْتُ ذرعاً بك أيها السيد
الـرجـل: ها.. ها أنت ترفض من جديد
استراغون: هذا ما كان عليك تذكره.
استراغون: ولكني لا أتذكر سوى أنني هنا منذ زمنٍ بانتظار شخصٍ اسمُهُ… اسمه (يحاول التذكر)
الـرجـل: فلاديمير
استراغون: نعم ذلك هو اسمه.. فلاديمير
الـرجـل: قد يأتي… أليسَ كذلك
استراغون: لا أعرفْ
الـرجـل: وقد لا يأتي
استراغون: لا أعرفْ
الـرجـل: ولكننا هنا
استراغون: وهذا ما يزيد الأمر صعوبة، ثمّةَ ما يُعيقُ الرؤيا من هنا (يحاول النظر إلى البعيد ولكنه لا يستطيع) ثمة ما يحد ذلك التطلع، إنه أشبه بسحابةٍ بيضاء أو ربما صفراء… لا استطيع النظر إليها بصورةٍ جيدة… هل تذكر حالما حَضرتَ إلى هنا
الـرجـل: كان ذلك فيما مضى حين قررت المغادرة بأسرع وقت ممكن قبل سنوات، كنت حازماً في عجالتي ولازلت، فالسادة لا ينتظرون بل يُنتظرون، غير أنه تأخر قليلاً حين كان يجب عليه الحضور
استراغون: لا ضيرَ في القليل من الانتظار
الـرجـل: وهذا ما قررته بالفعل، لازلت حازماً في ذلك رغم غضبي بدأ يتزايد، فالرغبة تنمو ولا عزيمة… والمكان يشي بالتقلص
استراغون: لا شيء هنا سوى الأغصان/ أنْ تنمو حتى تتشابك وما أنْ تتشابك حتى تتلاشى، إنها تُعيق عنّا الرؤيا حيث لا أفقَ ينمو، لا سحابْ، البصيرة ثم البصر، أيّ ضياعٍ يلفّنا، لابد أنْ يأتي سريعاً (استراغون) يتخبط بالأشياء وقد أصابه العمى.
الـرجـل: (ينظر خلال القبعة) نعم لابد.. هل تراه
استراغون: كلا وإنْ كنت لم أعُدُ أرى جيداً، ليسَ هناك ما استطيع رؤيته
الـرجـل: (يحاول تقريب القبعة من يمينه كي يرى) بإمكانك أن تراه عن قرب هيا انظر ربما هناك من يأتي.
استراغون: لقد أخبرتك بأني لا أستطيع
الـرجـل: بل ستستطيع (يحاول إرغامه على الرؤيا)
استراغون: (يبعد القبعة عنه) بل لا أستطيع، لقد فقدْتَ الرؤيا تماماً هل تسمع/ ما عُدتُ أبْصرِ
الـرجـل: (ينظر إلى استراغون وهو يتخبط في مشيته كالأعمى) هذا مستحيل
استراغون: يا الهي لابد أن تكون هي السبب، الأغصان، لابُد أن تكونَ هي ذاتَ المصابيح المطفأة التي لا تعينُنا إلا على العمى.
الـرجـل: ولكنك الوحيد الذي يعرفه، هذا مستحيل، أرجوك، إني أتوسل إليك، هيا انظر جيداً فلابد أن يكون هناك من هو قادم في الأفق.
استراغون: صدقني، لا أفق هناك
الـرجـل: ولكني أتوسل إليك
استراغون: اللعنة عليك أخبرتك أني لا استطيع.. لا استطيع/ إنه العمى
الـرجـل: وسيمتد إلي، أليس كذلك حيث يقترب (يبدأ هو الآخر بالتخبط بالأشياء بحثاً عن استراغون) استراغون (يصرخ) أين أنت
استراغون: قد أكونُ قُربكَ وقد لا أكون لم أعد استطع التمييز، يجب أنْ نفعل شيئاً وبسرعة
الـرجـل: ولكن لا عزيمة
استراغون: ولكنْ هناكَ الرغبة، يجب المحاولة، لابد أنْ تكون هي الأغصان… سأقطعها… إنها السبب (يحاول التلويح بالفأس.. للنيل منها في الهواء من جدوى وفي كل مكان)
الـرجـل: أية أغصان
استراغون: إنها في كل مكان، تمتد نحونا لخناقنا، يجب التخلص منها (يبدأ بالتلويح بالفأس حتى يكاد يصيب الرجل) يجب… يجب
الـرجـل: ولكني أمنعك
استراغون: سأنالها حتى لو كلفني ذلك حياتك.. نيرون (يصرخ) النار، المصابيح، فلاديمير… فلاديمير إنهُ هناك
الـرجـل: توقف أيها اللعين… سوف تقتلني، أنت لا تراني وأنا كذلك، حاذر وإلا
استراغون: لا أستطيع صدقني، لا أستطيع/ إنه فلاديمير حيثُ يقتربْ
الـرجـل: اللعين… سأناله (يخرج مسدسه ليحاول النيل من فلاديمير في كل مكان حيث تعم المكان الفوضى إزاء تخبطهما معاً حيث يبدأ بإطلاق الرصاص في كل مكان للنيل من فلاديمير دون أن يراه واستراغون يلوح بفأسه في كل مكان كي يفسح الطريق لفلاديمير بالاقتراب) فلاديمير، لا أصدق، اللعين، سأناله
استراغون: (يضحك) بجنون هيا اضرب أنتَ لا ترى ولا تستطيع هيا سدّد بصورةِ جيدة/ لقد اتضح كُلّ شيءٍ بالنسبة لي… هيا اضربْ إنهُ هناك… وربما هنا.. هيا اضربْ
الـرجـل: اللعين… سأصيبه… اللعين (أصوات إطلاق الرصاص)
استراغون: (يستمر بالتلويح بفأسه) إنه في كل مكانٍ أيها المبجل، يا للعريْ لقد بدأت الرغبة تنكشف
الـرجـل: ستموت، سيموت، ستموتون
استراغون: وتبقى أنتَ تزدردُ الهزيمة بوجود هذه الأغصان، سأقطعُها
الـرجـل: سأناله
استراغون: سأقطعُها
الـرجـل: سأناله
استراغون: سأقطعها
الـرجـل: سأناله
……. ((فجأة يعم الظلام حيث لا رؤيا حيث تبدأ النواقيس تقرع إيذاناً بمجيء القادم)) ..