الفنان الكردي (أرسلان درويش) .. حينما يتجلى التخييل والمغامرة في فضاء المسرح/ فاروق صبري
في مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق بدأ الفنان المخرج (أرسلان درويش) بروفاته على مسرحية “اللعبة” ويتكون فريق العرض من الفنانين: يوسف عثمان، بشكو علي ، محمد جميل ، شيركو كرمياني ، محمد صالح ، وبالتعاون مع الفنان هيوا سعاد مدير دائرة المسرح التابعة لوزارة الثقافة.
وهذا العرض (اللعبة) سيضاف إلى تجربة أرسلان المسرحية الممتدة خلال أكثر من ثلاثين عاماً من العمل المجتهد في المجال الفني والمسرحي بشكل خاص ، مخرجاً ومعدّاً وممثلاً وإذاعياً وكاتباً وإدارياً في التلفزيون والمسرح.
يعتبر الفنان أرسلان درويش من المجددين للمسرح في منطقة كردستان العراق ومنذ بدايته حاول التميّز من خلال عروضه المسرحية، إذ انشغل بالبحث عن ما هو جديد ومدهش في عملية خلق البعد الفكري والجمالي للعرض، وهو بذلك ينطلق من أرضية أكاديمية. حيث تخرج بدرجة متفوقة سنة 1984 من معهد الفنون الجميلة في السليمانية ولعل من مظاهره تميّزه هاجس (الشك) الذي غمر تفكيره وهو يعيش وقائع قوميته الكردية طارحاً تساؤلاته المثيرة حول هوية مجتمعه وفي هذا الشأن يقول الكاتب :” إن كان الشك خصوصية الفنان المسرحي الكوردي الجاد، فإن (أرسلان درويش) يعتبر من أبرز هؤلاء الفنانين، حيث بدأ بداياته كفنان شكاك منذ انتفاضة آذار عام (1991)، بل هناك ما يميز جهوده من حيث العمق والدلالة، فمسرحيته (سور الصين) وهي رحلة مشتركة لكل من (ماكس فريش- بختيار علي- أرسلان درويش) تمثل تجربة ذات طابع شكاك إذ أنها تناولت قضية الهوية تناولاً مختلفاً مثيراً للجدل” وشكوك أرسلان المتسائلة لم تدفعه إلى طرح إجابات مسبقة الصنع ، بالعكس فتحت أمامه آفاق بحث وتنقيب والمزيد من الخلق والتجديد في مجال المسرح والفنان أرسلان يشير بدقة معرفية إلى فعل التجديد :”حاولت في معظم أعمالي التعامل السيميولوجي مع مفردات التركيبة السينوغرافية من أزياء وإكسسوارات وإنارة وماكياج وديكور والممثل، المفردة المحركة والمنتجة للفضاء المسرحي المتجدد بالمعاني والقيم الجمالية والفكرية”. وهذا ما نلمسه في تجلي تخييل المخرج درويش في عروضه المسرحية ومنها (بيت برنارد ألبا) حيث قدم درويش الأم (ألبا) على هيئة امرأة محدّبة الظهر وصارت توحي لبناتهن بأن يظهرن كمحدبات وذلك لفرض إرادتها المتسلطة والجنونية عليهن وعلى بيتها الغارق بالعتمة والقهر والضياع والخسارات.
يمتلك أرسلان درويش التخييل ويقرن تخييلاته بفعل المغامرة في إنتاج الحلول البصرية ومغامراته المسرحية تتأسس عبر مرجعيات معرفية ووقائع حياتية عشناها أو ربما نعيشها،صانعاً فضاءات عروضه المسرحية في شكل سمنفونية تتغير صورها وإيقاعاتها وفق الرؤية الفكرية والجمالية وعلى جميع مستويات الفضاء المسرحي ، النص ، التمثيل ، المكياج ، الإنارة ، الإكسسوار ، الموسيقى والمؤثرات الصوتية. ففي مسرحية (سور الصين) لا نرى الطاغية فقط في الزي الإمبراطوري الصيني، نراه لابساً ومتكوّناً إلى ما يشير كونه هتلر أو صدام حسين وهنا يريد المخرج أرسلان أن يؤكد تواصل الدكتاتورية عبر عصور مختلفة وفي شخصيات سلطوية مازالت تعكّر وتمسخ وتستبيح حياة الإنسان.
المعروف أن الفنان أرسلان درويش قد بدأ فور تخرجه بإخراج (فوق رصيف الرفض) وهو من تأليف الكاتبة البحرينية حمده خميس ، ولعل عنوان هذا العرض يدلّ على انشغال أرسلان بهاجس فضح الطغيان والقمع وكل ما يسئ لإنسانية الإنسان ولكرامته وحريته وهذا الهاجس لم يكن سهلاً التعبير عنه أو حتى التلميح به مسرحياً حينذاك لكن الفنان أرسلان يبدو أنه منذ بدء عشقه للمسرح قد أدرك أن هذا العشق لن يتجلى من دون التفاعل مع واقع شعبه وما يعانيه من ظروف صعبة وخانقة .
وحتى لا ترصده أو تلاحقه عيون ميدوزا السلطوية حاول المبدع أرسلان درويش بتحميل حلوله البصرية بترميزات وإيحاءات ودلالات غير مباشرة ولعل محاولته هذه قد تجاوزت حدود التخوف من رقابة السلطة لتصل إلى فعل البحث والتنقيب عند فضاءات مسرحية تغني تجربته المسرحية وهذا الأمر يمكن رؤيته وملامسته في دخوله إلى عوالم نصوص عالمية كلاسيكية وواقعية مختلفة وبل متباينة في طروحاتها الفكرية والجمالية ، إيماناً منه بأن هذا التنوع في تناول هذه النصوص يخلصه من التخندق ضمن تيار مسرحي ما وتمنحه روح المغامرة والتحدي والتي تعتبر خاصية جوهرية في أي عرض مسرحي يبتغي الجديد في الشكل والمضمون .
هنا لابد من الإشارة إلى ظاهرة معروفة ألا وهي أن البعض من المخرجين المسرحيين اتكأ على النصوص العالمية المعروفة لتغطية ضعف أو تقليدية الحلول البصرية التي يطرحونها في عروضهم المسرحية لكن هذا (الاتكاء) لم يكن موجوداً في ذهن وفعل الفنان أرسلان درويش وهو يقوم بإخراج ” اوديبوس ملكا” لسوفكليس الأغريقي 1986، “موزارت وساليري” لبوشكين الروسي 1990، “دائرة الطباشير القوقازية” لبريشت الألماني 1993 ،” سور الصين” ل ماكس فريش السويسري 1993، “الرجل الذي رأى الموت” لفكتور أمفيتيو الروماني 1994، “الإنسان الطيب في ستيزوان” لبريشت 1995، “ليلة القتلة” للكوبي خوزيه تريانا 2001، “انسوا هيروسترات” للروسي غوريغوري غورين 2003، “بيت برناردا البا” للأسباني غارسيا لوركا 2006.
وعند فضاءات محاولاته المسرحية انشغل أرسلان بتنويع مصادر نصوص عروضه المسرحية بالإضافة إلى تواصله وقراءاته مع الموروث المسرحي العالمي وكذلك العربي والعراقي، حيث أخرج “لمن الزهور” للعراقي محي الدين زنكنة 1988، “أصبر يا أيوب” للمغربي محمد مسكين 1995، ” اسمع يا عبد السميع” للمغربي عبد الكريم برشيد 1998، “الاستيلاء” للعراقي هوشنك الوزيري 1994.
وفي سياق تواصله المسرحي الاجتهادي اهتم أيضاً أرسلان بإرثه المعرفي الكردي المعروف والغني والمزدحم بأساطير وحكاياته التاريخية موظّفاً إياه في قراءاته البصرية لنصوص تروي الحاضر، وكان له في السياق تعاون أرسلان منذ عام 1979 مع الفنان أحمد سالار وأخرج له أكثر من عشرة نصوص منها “تحت الوشاح المطرز بالذهب”و “مرثية احمد مختار الجاف” 2002 وتوالت عروضه ” الغربة 2001)” و”الحارس 2006″ و” القتلة 2007″ و” فردوس الغمام” وبالتعاون مع الكاتب دلشاد مصطفى كمؤلف ومعدّ أخرج الفنان أرسلان العديد من الأعمال المسرحية نذكر منها (الحارس عام 2006 و”أنا لست واحداً منهم )” وهذا العرض أعدّ من رواية الكاتب بختيار علي .
ومن ضمن انشغالاته المسرحية واهتماماته بالطفولة قدم الفنان أرسلان درويش عروضاً مثل ” أصدقاء المزرعة” عام 1999 و أعدّ مسرحية ” درس المسرح ضروري” وأخرجتها زوجته الفنانة رمزية قادر وهذه المسرحية فازت بالجائزة الأولى في مهرجان النشاط المسرحي بالسليمانية.
* فاروق صبري / Sabrifarouk446@yahoo.com