نص مسرحي: (آخران في الانتظار) / تأليف: سعيد حجاج

*  الفصل الأول:
(جذع شجرة عجوز في منتصف المسرح. الشجرة غير مورقة على الإطلاق. توجد عليها العديد من الأسماء بجميع اللغات الحية. فليكن آخـر اسمين واضحين على الجذع هما فلاديمير واستراجون, على يمين المسرح يوجد درج منحدر إلي ما قبل المنتصف قليلا. يمتلأ  المسرح بالعديد من أوراق الجرائد المتعددة اللغات أيضا وبقايا معلبات للمأكولات والمشروبات. فوق الشجرة وبالتحديد على فرعين منها توجد قبعتان باهتتي اللون. كما يوجد أسفل الشجرة حذاء أسود ضخم. وفى خلفية المسرح توجد العديد من مقاعد الحدائق الخشبية يجلس عليها عدد هائل من الممثلين. ومن الأفضل أن تكون تماثيل لأنها طوال العرض لن تتحرك. أو بالأحرى أناس تخشبوا منذ فترة من فعل الانتظار)
(يدخل صفوان وهو صعلوك في بداية الثلاثينيات من العمر وهو يحمل خرجا كبيرا. ينظر إلي المكان فترة من الوقت ويتفحصه تماما ثم يخرج ورقة من جيب سرواله الممزق ينظر فيها مدققا ثم يضعها ثانية في جيبه. بعد برهة يرى الحذاء أسفل الشجرة فيقترب منه في حذر. وحين يطمئن يبدله بحذائه الممزق ويخطو به عدة خطوات فرحا به. بعد برهة أخرى يخرج صفيرا من فمه. يلمح القبعتين فوق فرعى الشجرة. يقترب منهما في توجس. وحين يتأكد أن لا أحد يتلصص عليه يمسك بالقبعة التي في متناول يده. ينفضها جيدا مما علق بها ويضعها فوق رأسه. يجلس ليخرج مرآة من خرجه, وينظر إلي هيئته. ثم يمتعض من منظره. يخرج أيضا مشطا. يمشط شعره ثم يرتدى القبعة مرة أخرى ويبتسم ابتسامة عريضة بلهاء. بعد برهة يخلعها ليضعها مكانها على فرع الشجرة. ثم يحاول الوصول إلى القبعة الثانية وبعد محاولات متتالية من الفشل بعد استخدام العديد من الإكسسوارات من داخل خرجه يخرج من المكان ضجرا وجميع أشياء ه مبعثرة على الأرض…
يدخل عزوز وهو شاب أنيق إلى حد ما ينظر للمكان ثم يخرج ورقة من جيبه ثم يطويها ويقذف بها إلى الأعلى فيلمح القبعتين على فرعى الشجرة يمد عصاه ليحصل بسهولة على القبعة الأعلى. ينفضها ثم يرتديها ويذهب بعيدا ليجلس مدندنا بإحدى الأغنيات. بصوت عال آخذ في الخفوت التدريجي حتى لا نكاد نسمعه حين يدخل صفوان..
يدخل صفوان يحمل حجرا يضعه أسفل الشجرة ليحصل على القبعة العليا فلا يجدها. يستغرب للحظات إلى أن يلمح عزوز جالسا وهو يرتدى القبعة . فيذهب إليه) .
صفوان: هل تسمح؟
عزوز: ” ينظر إليه مندهشا ”
صفوان: قبعتي .
عزوز: (يقف ويخلع القبعة ويعطيها له في احترام فائق وهو مازال يدندن بأغنيته )
صفوان : شكرا
( يذهب صفوان للجانب الآخر من المسرح ليدندن بأغنية هو أيضا. تتداخل الأغنيتان ينظر كل منهما ثم ينفجران في الضحك )
صفوان : الطقس اليوم حار .. مع أننا في المساء الطويل (صمت) إنها ليست قبعتي تماما, لكنني عندما رأيتها للمرة الأولى . أحسست أنها أثيرة بالنسبة لي حتى أنني لا أستطيع الاستغناء عنها (صمت) قلت في عقلي أنها ربما تركت لي ولم تترك لك (صمت) على كل لو أردت أنت الاحتفاظ  بها فاقبلها هدية منى  ( يذهب إليه في احترام ويقدمها له ).
عزوز : أشكرك. ليست مناسبة تماما ولا أحب ارتداءها في هذا الطقس البارد (صمت) إنه يوم شديد البرودة فعلا (صمت) إنني أفضل أن أكون عاري الرأس وجائعا .خصوصا في هذه المواسم التي تلفها البرودة .
صفوان: (مستغربا) بارد؟ (صمت) لقد قالت لي زوجتي مرة أنها تحب أن تراني يوما مرتديا قبعة كالأجانب. وها قد تحققت أمنيتها الغالية. وعلى ذلك أعتقد أنني سأذهب إليها يوما. فيما بعد يعنى لكي ترى القبعة (صمت) لابد أنها ستفرح كثيرا. أليس كذلك ؟
عزوز : أنا لا أعرف زوجتـك .
صفوان :هل زوجتك أيضا؟
عزوز : مالها؟
صفوان: ستفرح حين ترى القبعة؟ هل تمنت يوما أن تكون لك قبعة؟
عزوز: أنا لست متزوجا .
صفوان : هذا أفضل ألف مرة .
عزوز : لماذا ؟
صفوان: يعنى لو كنت متزوجا مثلى وتمنت زوجتك أن تكون لك قبعة مثلها عندئذ كنا سنتنازع بشأنها وربما يصل النزاع بيننا إلى حد القتال بين شخصين بريئين كل خطاياهما إنهما قد تزوجا ذات يوم (صمت) النساء هكذا لا تجلب غير النزاع والعنف .
عزوز:( يهز رأسه مبتسما )
صفوان: (جادا) كما أنك أنت نفسك كنت ستحرمني منها إلى الأبد ذلك إن بقيت على وجه الأرض حياه . الحمد لله .
عزوز : لأنني لست متزوجا؟
صفوان: لأننا لم نتنازع بعد .
(يضحكان . تمر لحظة صمت لا يجد كل منهما ما يقوله للآخر ).
صفوان: هل تعلم؟
عزوز : ( ينظر له متسائلا)
صفوان: هل تعلم أنني آتى من آخر الدنيا إلى هنا كل يوم .
عزوز: كل يوم ؟
صفوان: كل يوم .
عزوز: كل يوم !!؟
صفوان: ( مؤكدا) كل يوم .
عزوز: غريبة .
صفوان: ألا تصدقني ؟
عزوز: أنا أيضا آتى من أول الدنيا كل يوم .
صفوان : كل يوم ؟
عزوز: كل يوم .
صفوان : كل يوم ؟
عزوز : كل يوم .
صفوان: كل يوم .. كل يوم ؟
عزوز: كل يوم .. كل يوم .
صفوان: أنا لم أرك هنا من قبل .
عزوز: ولا أنا .
صفوان: مع أنك قلت منذ لحظة صغيرة أنك تأتى كل يوم فعلا. ألم تقل ذلك فعلا ؟
عزوز : أنا لا أكذب مطلقا .
صفوان: ولماذا لا تكذب مثلا ؟ هل تظن أنك حين تفعل ذلك أتألم مثلا أو شيئا من هذا القبيل؟ بالعكس إنني أفرح جدا .
عزوز : تفرح ؟
صفوان : لأنني أجد من يشاركني خصالي في هذا العالم . كما أنني لا أشعر بالوحدة. لا أريد أن أتمتع وحدي بهذا الامتياز المتفرد .
عزوز: لا . أنا رجل شريف .
صفوان : وهل ينتظر الشرفاء أيضا هنا ؟
( تمر فترة صمت طويلة)
عزوز  : (يدندن بأغنيته )
صفوان: هل سمعت عن تلك البلدة التي غزاها الجنود ذات ليلة فهرب الرجال جميعهم وبقيت النساء تنتهك أعراضهن ويفض الجنود عذرية كل فتاه. إلا واحدة اختبأت ولم يطالها أحد ولما خرج الجند من البلدة وتباهت الفتاة بعذريتها التي لم تمس خشيت النساء من شرفها ففضضن عذرية البنت بأصابعهن  .
عزوز: عفوا هل تحدثني؟
صفوان: نعم . النساء أنفسهن خفن من الشرف. قلن سيعود الرجال ويعرفن الحكاية ثم سين وجيم. سين وجيم فيطأطئ الجميع رؤوسهن إلا واحدة؟ هل هذا معقول؟
عزوز : سامحني . أنا لا أفهم ما تود أن تشرحه لي .
صفوان: نعم؟ (صمت) الحياة الشريفة تحتاج إلى أنبياء صب الله عليهم رضوانه وعصمهم من الذلل ووقاهم شر الحاجة أيضا يعنى. أما نحن فما علينا إلا نفعل شيئا واحدا. يفض كل منا عذرية الآخر لو جاز يعنى التعبير لكي نتساوى جميعا في الأعين وأنا لا أستطيع الوثوق في أنك نبي وأنك مازلت محتفظا يعنى ب ..وإن كنت تدعى ذلك فادع لنا ربك يمن علينا بمائدة من السماء وقل له صفوان يحب كل شيء لم يذقه من قبل. أو حتى ذاقه من قبل. لا فرق. أنا فعلا جائع .
عزوز: (يبتسم مأخوذا )
صفوان: (مستمرا لكن بعنف إلى حد ما) اخلع عنك هذه الهواجس. أنت لست نبيا ولا تستطيع أن تمثل هذا الدور وتتقنه وتقنع الجميع به. إن كلا منا يحبذ زلل الآخر. عندها سيكون ممتنا لله لأنه ليس هو الوحيد القذر على وجه الأرض. وساعتها سيتأكد أنه لن يكون وحيدا في الجحيم. بل هناك الملايين الذين سيحاول الاختباء بينهم في النار. كن شهما واعترف. أليس كذلك ؟
عزوز: ( مستغربا ومأخوذا . ومهادنا ) أعترف .
صفوان: (يخرج الورقة من سرواله ويقدمها له مستهزئا) وهذا يا ولدى صك الغفران (ينفجر في الضحك ويذهب بعيد ليستلقي على الأرض)
(يمر صمت مشوب بالرهبة من جانب عزوز )
عزوز: ( لنفسه) أريد أن أستريح حتى يأتي .
صفوان: من؟
عزوز:ماذا ؟
صفوان: من هو ؟
عزوز : شيء ما .
صفوان:هل هو نفس الشيء الذي ننتظره كل يوم؟ (يخرج ورقة أخرى من جيب سرواله) هل هو نفس الشيء المكتوب هنا؟هل تقرأ ؟
عزوز : أعرف .
صفوان: القراءة؟
عزوز: إنك تنتظره أيضا .
تمر فترة صمت , يخلع صفوان القبعة)
صفوان: تضايقني جدا. سأحرم زوجتي من متعة رؤيتي مرتديا قبعة تمنت أن تراني بها يوما.هل تأتى هنا في المساء فقط؟
عزوز: كل مساء .
صفوان: وأين تقضى بقية اليوم بطوله؟
عزوز: لا أعرف .
صفوان: (صمت) خيرا لك ألا تعرف شيئا في هذا العالم. إنني أحيانا أقول لنفسي هل لو كان الله يعنى خلقني حمارا أو شيئا آخر مثلا كنت سأعاني كل هذا الانتظار وكل هذه الحياة ؟دعك من مسألة حمل الأشياء . فأخي يحمل الأثقال ويجتاز أرقاما قياسية, بل يأخذ فيها ميداليات كثيرة ومع ذلك لا يتعب أبدا .
عزوز: وماذا تعمل أنت؟
صفوان: أقضى اليوم كله متسكعا في الشوارع النتنة. أنظر فقط داخل البارات الوضيعة التي ارتصت على الجانبين منذ العهد البائد .هل تعرف أنظر فقط, أنا لا أملك رفاهية الدخول إليها مثلا (صمت) هل تعرف لقد تركوها لكي ننسى أزماتنا . أو بالأحرى كي ننسى أننا قد خلقنا سدى. هل تعرف؟ دائما ما أقول بيني وبين نفسي. إن اللصوص حتى أحق منى بالحياة . إنهم يتسلقون ويشقون الجيوب ويستخرجون حتى أوراقا مكلفة ليقترضوا بها ما شاؤوا. إنهم يتعبون أما أمثالنا من الدهماء والرعاع فخير لهم أن يمكثوا دون فعل شيء . ظانين أن هذا هو قمة الشرف والسلوك الحسن. أحيانا أقول أيضا بيني وبين نفسي إن القناعة نفسها لا تعدو أن تكون سوى كلمة بلهاء اخترعها أولئك الكسالى الذين لا يحسنون فعل شيء ولا حتى يريدون. هل تعرف؟ إن بلادنا أغنى بلاد العالم لأنها منهوبة منذ بدء الخليقة ومازالت واقفة للآن. واقفة كبقرة حلوب. لم يبق في ضرعيها إلا الدم الذي ينبثق في وجوه أمثالنا. والباقي من اللبن بالكاد يكفى السادةا لحياة راكدة .. الحياة كالبحيرة الراكدة.. لابد من حجر يلقى لكي يحرك ركودها العفن .
عزوز: لقد طردتني أمي في الصباح الباكر. وأقسمت أنني لن أدخل البيت إلا إذا التحقت بعمل ما. حتى ولو في المراحيض العامة . أو حتى المواخير. حاولت إقناعها أنه لا جدوى من أي شيء فلم تقتنع أبدا .
صفوان : وماذا فعلت؟
عزوز  : لم أفعل شيئا .
صفوان: ولماذا لم تفعل شيئا؟
عزوز: لأنه لا جدوى من أي شيء .
(صمت)
صفوان: وبعد؟
عزوز: أفكر في خلع حذائي. هل ستخلع الحذاء أيضا؟
صفوان : هذه القبعة تقيك من الشمس. خذها .
عزوز: لقد عزمت على المبيت هنا. لن أذهب للبيت. الليل طويل .
صفوان: تقيك من المطر .
عزوز: ألم تقل إن الطقس حار؟
صفوان: لاشيء يبقى على حاله. ربما يأتي الشتاء الآن فجأة .
عزوز : (يأخذها ويرتديها) قبعتك؟
صفوان : ليست قبعتي لكنها مهمة بالنسبة لي .
عزوز : ملك من إذن؟
صفوان : ليس مكتوبا عليها أي شيء .
عزوز : ( يخلعها وينظر داخلها) مكتوب عليها .
صفوان: ماذا ؟
عزوز: بالفرنسية .
صفوان: هل تعرف الفرنسية؟
عزوز : قليلا .
صفوان ماذا ؟
عزوز: استراجون .. جوجو . هي ملك استراجون .
صفوان: (مستغربا) من ؟ من ؟
عزوز: جوجو .
صفوان: وهل فهمت أولا لتترجم ثانيا؟
عزوز : استراجون هو جوجو نفسه .
صفوان : هل تعرفه؟
عزوز : كان من زمن طويل ينتظر جود و .
صفوان: جوجو ينتظر جود و .. سجع محكم .
عزوز: ليس محكما بالضبط .
صفوان: تقريبا يعنى . هل تعرف القواعد؟
عزوز: تقريبا يعنى .
( يضحكان ثم تمر فترة صمت طويلة وهما في استرخاء ثم ينتفض عزوز فجأة )
صفوان: هل ستغادر الآن؟
عزوز : لا .. ليس الآن .
صفوان  : متى؟
عزوز : حين يأتي حاملا عشبه الأخضر وبرتقاله البهي .
صفوان : وهل سوف يأتي؟
عزوز : أولا هل أنت مؤمن بمجيئه؟
صفوان : مؤمن بجدوى مجيئه للعالم كله . لكنني لا أعرف متى يحدث هذا .
عزوز : سيأتي حاملا عشبه وسندسه الأخضر وبرتقاله البهي .وما لديه من ذهب لأمثالنا .
صفوان: وهل تحب البرتقال؟
عزوز: لماذا تسأل؟
صفوان: لأتحاشى الملل فقط لا غير .
عزوز : وهل مللت؟
صفوان: لكنني على كل حال سأنتظر .
عزوز : تنتظر من؟
صفوان : (صارخا ) هو .. هو .
عزوز : حسنا .. لا تغضب .
(يتحرك صفوان نحو القبعة الأخرى المعلقة فوق الشجرة . ينظر داخلها ويصيح )
صفوان: اسمع . وجدت كتابة أخرى في القبعة الأخرى .
عزوز : أرني .
صفوان : ( يعطيها له) هي لمن؟
عزوز : فلاديمير .. ديدى .
صفوان : كان أيضا ينتظر؟
عزوز : ( يهز رأسه بالإيجاب).
صفوان : هو و جوجو معا؟
عزوز : هو وأستراجون.
صفوان : نعم . هو واستراجون فاهم .. فاهم .
عزوز: فعلا ؟
صفوان: منذ متى ؟
عزوز : منذ ألاف السنين .
صفوان: ( ساخرا) آلاف السنين؟
عزوز  : ليس مكتوبا عليها أي شيء آخر .
صفوان : قلت إنه مكتوب عليها فلاديميـر .
عزوز : فقط فلاديميـر .. مكتوب عليها فلاديميـر فقط .
صفوان: حسنا .. حسنا .. لا تغضب . إنني أسأل فقط .
عزوز: لا بأس .
(عزوز يجلس بينما يتأهب صفوان للخروج )
عزوز : هل ستغادر الآن؟
صفوان: (يخرج ونسمع صوته من الخارج ) ليس الآن .
عزوز : ماذا تفعل إذن ؟
صفوان: لا شيء .. لا شيء .
عزوز : اسمع .. نسيت أن أسألك عن اسمك . ما هو اسمك؟
صفوان: اسمي .
عزوز : نعم .
صفوان: لحظة .. انتظر لحظة (صمت طويل )
عزوز : ها .. تذكرت؟
صفوان: ماذا؟
عزوز : ماذا؟
صفوان : أسمى؟
عزوز : نعم .
صفوان : صفوان.
عزوز: (صمت) ماذا تفعل يا صفوان؟
صفوان: لا شيء .. وأنت؟
عزوز : لا شيء .
صفوان : اسمك .. اسمك .. أنا أسألك عن اسمك .
عزوز: أنا؟
صفوان: نعم .
عزوز : عزوز .
صفوان: (صمت) ماذا تفعل ياعزوز؟
عزوز: لا شيء .
(يدخل صفوان 2 وهو سمين إلى حد ما ومختلف عن صفوان الأول تماما)
صفوان2: عارف .. عارف .
عزوز: لماذا خرجت إذن؟
صفوان2 : لنغير المنظر فقط .. هل تجرب أنت أيضا؟
عزوز: لعبة لطيفة؟
صفوان2 : جدا .
عزوز : حسنا فلنبدأ الآن .
( يخرج عزوز. وتمر لحظة طويلة .. مما يجعل صفوان 2 يشعر بالقلق)
صفوان2 : عزوز (لا رد) أين ذهبت (لا رد) ماذا حدث لك؟ هل تحتاج لمساعدة منى؟ أنا خدامك. لماذا لا ترد؟ يا إلهى .. لقد تركني الرجل وحيدا هنا. مثل كل يوم .. إنني لا أصدق مطلقا أنه يأتي كل يوم دون أن أراه. ومع ذلك فأنا لا أستطيع إلا أن أصدق ما يقوله تماما .. كزوجتي مثلا. فهي عاهرة محترفة لكنها تحافظ على سمعتها كأفضل ما يكون الحفاظ على السمعة. أنا متأكد أنها معذورة أيضا. فماذا تفعل؟ ( ينشد شعرا) في بلد تتعرى فيه المرأة كي تأكل. لا يوجد مستقبل .ولا يوجد أيضا رجال ( يضحك ) هل تعرف ياعزوز؟ لقد صرت حقا صديقي من الآن فصاعدا .. فلترتد وسام الصداقة من الدرجة الأولى والذي أمنحه لك عن طيب خاطر .. مثلما منحتك من قبل صك الغفران من الدرجة الأولى أيضا ( يلبس شخصا وهميا قلادة وهمية على أنغام الموسيقى ) هل تعرف؟ تلك هي المرة الأولى التي أصادق فيها أحدا.ربما لأنك مثلى تأتى كل يوم كي تنتظر شيئا ربما لا يجيء .. وربما لا يكون موجودا بالمرة .. أنا لا أعرف .. صدقني أنا إيماني مزعزع مما أراه واسمعه كل يوم عن تلك المجازر القاسية والبرد والجوع والامتهان الإنساني . عزوز؟ أين أنت؟ إنه شيء لا يطاق .. ربما يكون قد مل الجلوس هنا والحديث المكرر والمعاد والذي لا يعبر عن شيء ولا يبوح بشيء. ربما يكون قد ذهب إلى الحديقة التي في الخلف .. اسمع . صدقني إنها ليست حديقة ولا حقل .. بل ربما يكون حقل ألغام  أو غابة كثيفة للوحوش الضارية (صمت) لابد أن مكروها قد وقع له .أو أن شريرا قد طارده حين تطلع للمسير خلف الوادى (ضجرا) عزوز.. اسمع لقد خلعت عنك وسام الصداقة من الدرجة الأولى والذي سبق أن منحته لك عن طيب خاطر ولن أعيده مرة أخرى لك. أبدا وإن لم تأت مسرعا لأخذت منك صك غفرانى أيضا .( يجلس ويخرج أشياءه من الخرج) لقد أحضرت الشاي وأحضرت كوبين .. واحدا لي .. وواحدا لصديق افتراضي قلت ربما ألقاه ذات يوم هنا .. وأنا منهك من الانتظار الطويل (صمت) لقد قررت ألا أبرح المكان ثانية إلا حينما يجئ  ويمنحني وجودي الحقيقي أو حتى موتى الحقيقي .. توقى للحقيقة يقض مضجعي دائما وأبدا (ينادى) جودو .. أنا أنتظر هنا منذ ألاف السنين كآلاف من انتظروك في هذه البقعة من العالم.. إنني آتى إليك كل يوم في المساء كي لا يراني أحد وأنت تمنحني أو تسلب منى ما تشاء (ينادى) جودو أنا هنا فانظرعن يسارك إلينا تحت الشجرة الخريفية الذابلة وبين الورق الأصفر المتآكل وأوراق الجرائد المسطورة بكل الدماء المسفوحة من البشرية .. جودو .. أنا هنا انتظرك ولن أعود إلى المنزل لا في هذا المساء ولا في أي مساء آخر … لقد أحضرت خمري ونبيذي حتى إذا ما غبت عنى أغيب أنا عنك .
(يدخل عزوز مرتجفا وخائفا)
صفوان: عزوز قاسمني نبيذي ياعزوز. أين كنت؟ اسمع لن تلعب هذه اللعبة مرة أخرى لا تحاشيا للملل ولا تغييرا للمنظر.. وليذهب العالم إلى السعير والشتات .
عزوز: لقد طردتني ثانية من البيت .. وقالت لابد أن تعمل في مهنة ما .. لتربح كثير جدا .. ذلك حتى تملأ الجرة ذهبا ونرحل فإننا بلا بيت ولا وطن .. ولما لم يكن ذلك سهلا فقد قررت المجيء مرة أخرى .هل باستطاعتك أن تمنحني عملا؟ هل يمكنك فعل ذلك؟
صفوان2 : (مضخما صوته ومتخذا هيئة عظيم) هل تعمل عندي ياعزوز؟
عزوز : وهل ستمنحني أجرا كبيرا يا سيدى؟
صفوان2 : حتى تملأ أمك جرتها ذهبا .
عزوز : وماذا سأعمل عندك يا سيدى؟
صفوان2  : سوف تنتظر .
عزوز: أنا أنتظر دون مقابل يا سيدى .
صفوان2  : فليكن دون مقابل كما أردت ياعزوز .
عزوز    :وهل سيأتي يا سيدي؟
صفوان2 : بلاشك .
عزوز :وهل سوف يمنحني عملا وأجرا كبيرا؟
صفوان2 : لن يمنح أحدا عملا لكنه ربما يمنح أجرا يا سيدي .
عزوز: هل زوجتك تنتظر الآن؟
صفوان2 : (يخرج من شخصية العظيم) لقد طردتني من البيت وأبلغت عنى الشرطة بدعوى أنني لم أعد رجلا .. وليس باستطاعتي  أن أن  .. أنت فاهم؟
عزوز : أنت أيضا؟ .. وماذا فعلت ؟
صفوان2 :. إنهم ماديون. فماذا تظنني فعلت؟ خمن أنت .
عزوز : ولماذا تزوجتك؟
صفوان2  : يبدو أنها أرغمت على ذلك .
عزوز : و أنت لماذا تزوجتها؟
صفوان2 : يا سيدي لا تسأل رجلا لماذا فعل هذا بنفسه .. فدائما ما يكون هذا الأمر دون مبرر .
عزوز : كيف ؟
صفوان2  : ككل شيء .. انتظاري وانتظارك ..زوجتي وأمك .. كلهن نساء دائما ما يقدمن على أي شيء يضجر الرجال أو يجعلهم .. فاهم؟
عزوز: ( صمت) هل استرحت الآن؟
صفوان2 : ربما حين أخلع رأسي كالحذاء .
عزوز: هل تعبت؟
صفوان2  :نعم .. وأنت ؟
عزوز: أنا رجل مترد د أحيانا أؤمن وغالبا أكفر بكل شيء .. لكن ما أدركه جيدا أننى أموت انتظارا (يخرج سكينا ضخما ويقترب من صفوان..  وصفوان في شدة الرعب)
صفوان2 : ما هذا ؟
عزوز : هذا سكين حاد .
صفوان2  : ولماذا تحمل سكينا؟
عزوز : لكي تقتلني وتصلبني فوق هذه الشجرة العجوز .. لعل دمائي تعيد إليها ربيعا زائلا .. فأكون قد سجلت شيئا نافعا في موتى .. شيئا لم أستطع فعله طوال حياتي .. لكن أرجوك يا سيد صفوان احفظ قلبي لديك فلا يلمسه تراب أو يغرقه غسق ما .
صفوان2  : اهدأ أرجوك .
عزوز: الليل كئيب والوحش الأسطوري يزور المدائن كل يوم .. فيغتصب النساء و يسلب الرجال عقولهم والأطفال خضارهم السخي .. ليتركهم غير صالحين لشيء.. ونصبح نحن مدافعون أغبياء عن مواقع مهزومة .
صفوان2:  أيها الرجل كنت أظنني وحدي الذي يعانى أكثر مما ينبغى . لكنني الآن أدركت أن مثلى كثيرون لكنني غير مدرك لشيء هام . .اجلس يا عزوز وحدثني كصديق .
عزوز: إن المصائب لا تأتى فرادى ..بل إنها تتجمع لتتوالى فوق رأس الضعفاء .. صفوان .. إن كنت تريد أن تظل صديقي إلى الأبد ف… هل تحب أن تكون صديقا إلى الأبد ؟
صفوان2  : طبعا .. بلا شك .
عزوز : إذن اقتلني الآن واصلبني فوق هذه الشجرة وبعدما يتملى منى المارة جيدا أنزلني وادفني خلف القلعة التي تحجب القاهرة بكل ما فيها ومن فيها ..
صفوان2  : اهدأ أرجوك .
عزوز : ( في ثورة) أقتلني يا ابن البغي فلا حاجة لي بالحياة مادام الموت هو سيد الموقف ونحن لا نفعل شيئا سوى أننا نحيا كببغاوات  فقط نردد ما نسمعه. ونفعل ما يملى علينا  دون تفكر أو رغبة آه .. لا تنس أن تزف لأمي الخبر اليقين .
صفوان2  : قد يأتي الآن .
عزوز : لن يأتي .
صفوان2  : وما أدراك ؟
عزوز: سيرسل لنا في الطريق بمن يخبرنا أنه لن يأتي مثل كل يوم .
( يدخل في هذه اللحظة رجل يجر طفلا بحبل)
الرجل: ها أنا ذا أتيت من جبل الأوليمب ومازال سيزيف يد حرج الحجر من أول الدهر إلى الآن .
صفوان2  : هل أنت من ننتظره يا سيد؟
الرجل: لقد جئت إليكم لكي أنتظر معكم وهذا أبنى سينتظر معنا أيضا .
صفوان2  : لماذا تجره هكذا؟
الرجل :لأنه ابني وأخشى أن يمل الانتظار ويلعب بعيدا فتلتصق الدماء بحذائه الأبيض اللامع .. وأنا لا أستطيع أن أبتاع له حذاء جديدا ابيضا ولا معا ( يربطه في الشجرة) إياك أن تفك الحبل  أو تفعل شيئا دون مشورتي.ها هم الرجال ينتظرون ولا بد أن تكون رجلا أنت أيضا وتنتظر
الطفل: أريد أن ألعب .
الرجل : كيف تتفوه بهذا؟ تريد أن تلعب بينما أنا أنتظر كل هذا الانتظار كل يوم؟
صفوان2  :وهل تأتى إلى هنا كل يوم؟
الرجل : كل يوم .
عزوز : كل يوم؟
الرجل : نعم كل يوم .
( تمر لحظة صمت طويلة . يجلس صفوان و عزوز في جانب والرجل في المنتصف يحدث ابنه بصوت غير مسموع)
صفوان  : عزوز .. قل أنك مسرور حتى ولو لم يكن ذلك صحيحا .
عزوز : إنني مسرور .
صفوان2 : وأنا كذلك .
عزوز : وأنا كذلك .
صفوان2  : إننا مسروران .
عزوز :ماذا نفعل الآن ونحن مسروران ؟ اسمع دعنا في هذه الأثناء نتحدث بهدوء دون أن نحاول أن تجرفنا الشعارات والحماس الحار .. مادمنا عاجزين عن أن نظل ساكتين.
صفوان2 : أنت على حق .. فحديثنا لا ينضب .
عزوز: ودون أن نفكر .
الرجل: (في الجانب الآخر) يجب أن تهتم بدروسك وإلا فإنك لن تنجح أبدا في حياتك .
الطفل: لم أحضر كتبا معي .
الرجل : ليس مهما .. لقد أحضرت معي قلما للكتابة .. لكن أولا على أن أعرف ماذا ينبغي أن تكتب .
الطفل: ليس معي كتبا ولا كراريس ولا أي شيء .أنك لم تشتر لي شيئا ولم تمنحني مالا لأفعل ذلك  .
الرجل : (يكسر القلم ويقذفه بعيدا) ليس مهما أن تنجح .. فماذا فعل الناجحون .. فجميعنا ينتظر .
عزوز : صفوان .
صفوان2 : نعم .
عزوز : ( يحدق في وجهه) أنت لست صفوان الذي فتحت عيني على مرآه .
صفوان2  : وما هي المشكلة .. مادمت أعرف بماذا أتكلم معك فلأكن أنا صفوان .
عزوز : الآخر كان مختلفا .
صفوان2 : هي مسألة شكليه فحسب .
عزوز:  لا بأس أنا أيضا لست عزوز
صفوان2 : لا بأس ( يضحكان حتى يستلقيا على الأرض)
الاثنان معا : نحن لسنا نحن .
صفوان2 : ( بعد فترة صمت في استرخاء تام) إنني مريض .
عزوز  : (في استرخاء)  وأنا طبيب .
(يقوم عزوز ليتحسس جبهة صفوان ويضع رأسه على قلبه ثم ينتفض فزعا )
عزوز: حرارتك مرتفعة إلى أقصى حد .. ونبضك ضعيف. اسمع سأنتهز هذه الفرصة وأحضر بيضا لأضعه على  جبهتك صفوان2  : ( ينظر له مستفهما)
عزوز : الم تقل أنك جائع؟
صفوان2  : لم أعد جائعا .. صرت مريضا .
عزوز: أنت عندك بارانويا .
صفوان2 : ماذا ؟
عزوز : يبدو أنك ستعيش طويلا .
صفوان2 : ( باكيا) لماذا بالله عليك؟.
عزوز  : ألا تريد ذلك؟
صفوان2  : عمري لم أفكر في هذا .. أنا لا أفعل شيئا يا عزوز .
عزوز: هل تكره كل الأغنياء؟
صفوان2 : غالبا .
عزوز: ألديك نزعة طبقية .
صفوان2 : فعلا .
عزوز : لماذا ؟
صفوان2 : لأنهم يموتون سريعا من التخمة دون أن يفعلوا شيئا حقيقيا .
(صفوان يغنى أغنية بصوت أجش ساخر)
أتت لي أمي بالنبيذ لكي أنسى .. فما نسيت .
أتت لي أمي بالخبز لكي آكل .. فما شبعت .
أتت لي أمي بدراجة لكي أركب .. فما وصلت .
ثم بحلوى .. ثم بقارب .. ثم غرقت .
أتت لي أمي بنهدي حليب فرجعت صغيرا .. وارتشفت .
صفوان2  : (فجأة ينهض) قص لي حكاية يا عزوز .
الرجل:  (في الجانب الآخر يقص حكاية لإبنه) كان هناك طفل ضال .. جائع مارا جوار ملجأ .. فغافـل الحراس ودخل لكي يستريح . فرآه الجزار .. فهوى على رأسه بالساطور فخر صريعا .. فرمى جثته في المدينة وسط العمار .. لم يره أحد .. فرأته الكلاب فنبحت طويلا .. وحين يئست دفنته وحيدا في المدينة .. وجاءت بلافتة .. كتبت عليها: كان هناك طفل ضال جائع  مارا جوار ملجأ فغافـل الحراس ودخل لكي يستريح  فرآه الجزار فهوى على رأسه بالساطور ورمى جثته بعيدا في المدينة وسط العمار..فرأته الكلاب .فنبحت طويلا وحين يئست دفنته وحيد في المدينة وجاءت بلافتة كتبت عليها: كان هنا (يستمر في تكرار الحكاية بصوت خفيض)
عزوز: الكلاب تحفظ التاريخ نيابة عنا يا صفوان .
صفوان2 : ماذا ؟
عزوز: اسمع .. لقد عزمت على شيء هام .
(يدخل غلام على وجهه سيماء الأبرار ملتفا بملابس بيضاء ووشاح أبيض )
الغلام  :هل هو أنتم؟
الجميع: (يهبون واقفين يلتفون حول الغلام ) نعم نحن .
الغلام : لقد عرفت أنه لن يأتي وقد جئت لأخبركم  .
عزوز : هل تعرفه؟
الغلام : أنا أعمل لديه .
صفوان2 : خادما؟
الغلام : بل عبدا مطيعا .
عزوز : وهل أنت مستريح هناك؟
الغلام : لا يعرف الراحة إلا مطيع .
صفوان2 : إذن متى يأتي؟
الغلام: لم يخبرني بأكثر مما أخبرت الآن .
الرجل: الولد جائع ويريد أن أفك وثاقه الآن. فماذا أقول له؟
الغلام : ليس لي شأن بهذا .
الطفل: (باكيا) لماذا لم يخبرنا بموعد مجيئه إلينا؟
الغلام : لن يخبر أحدا قط بموعد مجيئه إليكم .
(يخرج فيعود كل إلى مكانه منكسرا)
صفوان2 : لا بأس سننتظر .
الرجل: (ومعه يرد د الطفل المقطع الأخير من الحكاية) وجاءت بلافتة كتبت عليها كان هناك طفل ضال جائع مارا جوار ملجأ فغافـل الحراس ودخل لكي يستريح فرآه الجزار ..فهوى على رأسه بالساطور فرمى جثته بعيدا في المدينة في العمار فرأته الكلاب فنبحت طويلا وحين يئست دفنته وحيدا .
(عزوز ومعه صفوان يرد دان مع الرجل والغلام الحكاية حتى تعلوا الأصوات حتى تخفت الإضاءة تدريجيا )
صفوان2 : الكلاب تحفظ التاريخ نيابة عنا يا عزوز .
إظـــلام

* الفصل الثاني:
(نفس المنظر السابق لكن القمامة ازدادت بشكل كبير وملفت.
ـ عزوز يجلس وحيدا جانب الشجرة متهالكا. يخلع القبعة يضعها على الأرض جوار الشجرة .. ثم بعد برهة يتحرك إلى الشجرة يحمل سكينا ليحفر أسمه بعد آخر اسمين على الجذع الضخم .
ـ يدخل صفوان يحمل خبزا) .
صفوان: إنك دائما ما تتركني وحدي هكذا .. ازرع القمح وأحصده ثم أصنعه خبزا . وأنت جالس هكذا لا تصنع شيئا ولا تدرى ما تفعل .
عزوز: هل أكتب اسمك ؟
صفوان2 : هل يئست؟
عزوز : كم من الأعوام مضت ومازال كل شيء راكنا إلى لا شيء .
صفوان2 : ألا تدري .
عزوز : ماذا؟
صفوان2 : لقد أبلغت زوجتي عنى الشرطة وإنني غائب  من زمن طويل .
عزوز: هل اكتب اسمك؟
صفوان2 : ولما لم تجدني الشرطة كلها .. رفعت زوجتي قضية نفقه في جميع المحاكم الدولية والمجالس النيابية والأمم المتحدة .. فرفضت دعواها .. هل تعرف لقد قال لها أحد القضاة: من هو هذا الشيء الذء ترفعين ضده الدعوى إننا لم نجد أى إشارة عنه في أي من سجلات الدولة .. أنت ترفعين دعوى يا سيدتي عن شيء غير موجود على الإطلاق. قالت زوجتي:إنه زوجي يا سيدي. قال لها القاضي كيف يكون ذلك يا سيدتي وأنت مازلت بكرا .
عزوز: يبدو أنك مازلت نائما تحلم .
صفوان2 : أبدا .. أنا لم أحلم طوال عمري يا عزوز .
عزوز: إذن ما أدراك بكل هذا الخرف الذي تتفوه به؟
صفوان2 : جريدة قذفتها الريح . لقد تحدثوا عن كل شيء بالتفصيل .
عزوز : لا بأس .. لقد جعت ولا أستطيع فهم أي شيء مما تقول .
صفوان2  : تفضل هذا هو ما صنعت من الخبز .
عزوز: خبز فقط؟ كل يوم خبز فقط .. كل يوم خبز فقط .. سنموت من التكرار .
صفوان2 : كنا هناك أيضا نموت من التكرار .. فما الذي تغير هنا؟
(يجلسان يأكلان بينما عزوز يأكل متقززا)
صفوان2  : مالك تأكل هكذا؟
عزوز: (فب عصبيه) علمني أيضا كيف أتناول الطعام أيها السيد .. إنك لا تطاق. لقد تصورت أنك أمي أو معلمي وأبى .. اسمع لو ظللت هكذا كثيرا  فسوف أموت هنا وكل هذا بسببك أنت .. وأمي أيضا .
صفوان2 : أمك ماتت منتحرة منذ فترة طويلة .
عزوز: (ساخرا) ماتت؟
صفوان: وتركت لك كل شيء .
عزوز : من قال هذا أيها المخرف العظيم؟
صفوان2 : جريدة قذفتها الريح من زمن ما .. لكنني أخفيت عنك الخبر كنت أخاف دائما من حزنك عليها (يبحث بين الجرائد) أليست هذه أمك؟
عزوز : ( ينظر للجريدة ثم ينظر له  وتمر فترة صمت ) أنت لا تعرف القراءة .
صفوان2  :من قال هذا؟
عزوز : أنت قلت هذا الكلام من قبل .
صفوان2 : لقد كان هذا في الماضي البعيد .. أما الآن فإنني استطيع على نحو ما قراءة جريدة  بأكملها .
عزوز : ومن هو الذي علمك هذ ؟
صفوان2 : الأيام التي مرت كفيله بأن تعلم الإنسان الكفر .. فما بالك بالقراءة .. إنها شيء سهل نستطيع أن نتعلمه حين نرغب في هذا .. إنها ليست صعبة على كل حال .
عزوز: (يتطلع في الجريدة مرة أخرى. ثم يقذفها بعيدا) إلى الجحيم بكل أنواع الخطر .. ارفع هذا الطعام فلن يكفيني طعام العالم أو يروى ظمأى ماءه أيها المغفل .. إنني فرحان يا صفوان فرحان .. لقد قضى الموت مهمته على أكمل وجه .. أكلها الموت مثلما أكل أبى من قبل .. لقد حزنت يومها حزنا شديدا عندئذ .. فقد تركني باسما ضاحكا .. لكنه تركني لا أستطيع الوقوف في وجه هذا العالم .. إنني معجب بالموت يا صفوان حتى الموت .
صفوان2  : إنك تهذى .. كيف لك  أن تفرح هكذا؟ لقد أخفيت عنك الخبر طيلة هذه المدة كي لا يعكر صفوك شيء .
عزوز: لن يعكر صفوي بعد الآن شيء .. اطمئن .. لقد تركت هناك كل شيء..تعال معء يا صفوان .
صفوان2 : إلى أين؟
عزوز: لا تسألني الآن .
صفوان 2 : لن أبرح هذا المكان أبدا حتى يأتي .
عزوز: لقد أتى فعلا .
صفوان2 : (مذهولا) أتى؟ بعد كل هذا الغياب؟ (يرفع يده ) ضمني الآن يا سيدي إليك وشد القذى من عيني .. من عين العالم .. فقد تعبنا انتظارا .. وإن كنت أنا غير فاعل لشيء فإن هذا الخلاء يا سيدي قد منحنى طهري كي أرجع للعالم مضيئا وأخرج وقلبي أبيض من غير سوء .. وسوف أكون نورا( كتشف أنه لا يوجد شيء) عزوز أين هو؟ للمرة الألف التي تخدعني فيها للمرة الألف التي تكذب على فيها .. إنك لم تفعل شيئا طول انتظارك معي سوى استمراء الكذب على ضعيف مثلى .. وليس لديك أي نية لفعل شيء ولا حتى الإيمان بمجيئه  ..أين هو إن كنت شهما؟
عزوز : إنه هناك .
صفوان2 : أين؟
عزوز : في بيتنا؟
صفوان2 : أي البيوت يسكنها هو؟
عزوز : إنه في الصندوق الخشبي تحت السرير.. إانه هناك يتكدس في الجرة .
صفوان2 : إنك تهذى .. ما انتظره لا يتكدس في الجرار أو تحت الأسرة .
عزوز: صدقني إنه هناك .
صفوان2:  إنه ليس هناك .. ولست أنت بمستطيع أن تجزم بغير ذلك .
عزوز  : استطيع يا صفوان استطيع .. الآن فقط استطيع فعل كل شيء .
صفوان2 : أحقا ما تقول؟ لا تحيرني معك يا عزوز .. فاهم ؟ (صمت) إنني بحاجة لزلزال يفتت لي ما ابتنته الحياة في رأسي وتحت ركام الأسئلة .. أحقا ما تقول فعلا؟
عزوز: أنت تشك إذن في مجيئه .
صفوان2 : كنت سابقا أشك في وجود نفسي أما الآن ….. (صمت )
عزوز: أنت بحاجة لأن تتكرر المعجزات على مرأى ومسمع منك .وهذا ما لن يحدث أبدا .
صفوان2  : أنا لا أشترط هذا .
عزوز: عمن تبحث يا صفوان؟ ومن تنتظر؟
صفوان2  : هه؟
عزوز : الحذاء ضيق .. إنني بردان .
صفوان2  :إنه ليس هناك  .
عزوز: أهذا آخر ما عندك ولن تأتى معي؟
صفوان2 : (مترددا وحائرا) إنني … هل؟ أنت .. أرجوك انتظره معي .
عزوز : أنا لا أستطيع ذلك .. إنني بردان .. لكن الجرة ستدفأ كل خلاياي الباردة .
صفوان2 : ( يعيش حالة صراع مع نفسه) لا .. لا .. فليغفر لك فرحك بالجرة .
عزوز : فليكن ذلك .
صفوان2 : فليكن ذلك نعم .. فليكن ذلك . فرحت بالموت وظللت معجبا به لأنه أهداك إلى أصل الموبقات .. ستدفع المال ثمنا لجحيم روحك .. اذهب يا معجب بموت أمك ..إنني غير معجب بموتك يا عزوز
عزوز : موتى؟ (يضحك) إنني أتحرك جيدا. انظر .. أستطيع أن  أحرك ذراعي وساقي في الهواء .. أستطيع أيضا أن ابصق في وجه العوز والحاجة.. هل تستطيع أنت فعل ذلك؟
صفوان2 : أنا ؟
عزوز: نعم أنت .
صفوان2 : حسنا فلنجرب .
( يقومان سويا بتأدية رقص حركي يعبر عن صراع كل منهما إلى أن ينهكا تماما )
صفوان2 : (بعد قليل من الصمت) ليس معنى أن تتحرك أو تبصق أنك حي يا عزوز ..الحياة غير هذا كله أنت لست حيا يا عزوز .
عزوز: ( مستهزأ ) وليس معنى انتظارك أنك صرت قديسا .. أنت أحمق ..
صفوان2  أنا لا أشتهى هذا أبدا .. إنني أتوق لأن أكون إنسانا .. إنني فقط انتظر لأكون إنسانا فحسب .
عزوز: حسنا .. توغل في انتظارك المميت حتى تتعفن هنا .
صفوان2  : وأنت .. تمرغ في الجرة .. وأرني ماذا سوف تكون .
عزوز : حسن جدا .. حسن ( يخرج)
صفوان2  : لقد مات عزوز (يبكى)
عزوز: (يعود ) سوف أزورك كل يوم ..
صفوان2  لتنتظره معي؟
عزوز: هل تحب الفاكهة الطرية والنساء؟
صفوان2 : اذهب ولا تجرني للمستنقع .
عزوز: النساء زينة الحياة.
صفوان2 : وموتها .
عزوز: رغم انك يا صاحبي قد تعلمت القراءة وحدك .. إلا أنك مازلت جاهلا بأشياء كثيرة .
صفوان2  : فليكن ذلك .
عزوز: إلى اللقاء .
صفوان2 : لقد مت .. ولست معجبا بموتك .
عزوز: طز (يخرج)
(يدخل  الطفل من الناحية الأخرى)
الطفل: ها أنا ذا جئت من آخر العالم حيث برومثيوس مازالت الطير تأكل كبده؟ وحيث مازال سيزيف يصعد ويهبط بحجره.
صفوان2 : أنت؟ أين أبوك ؟
الطفل: إنه هناك يحمل الحجر .
(يدخل عزوز مرة أخرى )
عزوز : ( يقترب من الطفل) تعال معي .
الطفل: إلى أين؟
عزوز : معي .. لقد ورثت كنزا .
الطفل: لا .. سوف أخبركم بشيء .
عزوز: تنتظر أباك ؟
الطفل: لن انتظر أحدا  .
عزوز : إنه عندي في البيت ,تحت السرير.
الطفل :.. إنه لا يسكن البيوت  .
عزوز: أبوك كان مخرفا .هاأنت تصيح نسخة منه .
صفوان2 : ( صارخا فيه ) اتركه معي .. لقد صار فاهما لكل شيء .
عزوز : سأغرقك بالحلوى .
صفوان2 : سيغرقك بالرضا .
عزوز : ستنام على الحرير .
صفوان2  : ليس في السعير سوى الشوك .
عزوز : سأحضر لك حذاء جديدا .
صفوان2 : سيأتي لك بقلب كبير .
الطفل: إنني …
عزوز : موافق هه؟
الطفل : متى سيأتي؟
صفوان2:  إنني لا أعرف متى .
عزوز: لن يأتي أحد .
الطفل: أنا ذاهب .
عزوز : معي؟
الطفل : لا .
صفوان2 : أرجوك اتركه .
عزوز : هو يختار .
صفوان2 : هو لم يدرك بعد .
عزوز : ولن يدركه أبدا .
الطفل: بل أدركت كل شيء .
عزوز : وماذا أدركت أيها الفتى؟ (ساخرا )
الطفل: كلاكما خاطئ.
صفوان2: ( في ثورة) ماذا تقول أيها الولد ؟ ألست مؤمنا بمجيئه؟
عزوز: اسمع ما يقول الولد .
صفوان2 : الولد لا يعرف شيئا. الم ينتظره فلاديمير واستراجون وغيرهم الكثيرون؟ هل كان الجميع على خطأ؟
الطفل: سأذهب .
عزوز: إلى أين؟
الطفل: إلى علمي وعملي (يخرج)
عزوز : أنت وحدك يا صفوان ( يخرج من اتجاه  آخر)
صفوان2 : ذهب الذين معي وبقيت مثل السيف فردا .
( بعد لحظات يدخل الغلام فيدخل عزوز أيضا )
عزوز:ما  الذي آتى بك؟
الغلام  : لن يأتي .
صفوان2: أنت لست خادمه ولا عبده المطيع .
الغلام : ومن أدراك؟
عزوز: لقد أتى لي .
الغلام : لك أن تعتقد بكذب ما أقول ولن أرد .
صفوان2  : كيف يكون هذا؟
الغلام : يقول كيف يجئ وهو داخلنا؟
عزوز : ( يضحك )
الغلام : اذهبوا جميعا .. فإنه فيكم الذي تريدون .
عزوز: لقد أصابك الهوس .
الغلام: أبقاكم جميعا هذا الذي ذهب .
عزوز: إلى لقاء .
صفوان2 : (متخبطا ) وانتظاري هذا .
صوت الغلام: ماذا جنيتم من وراءه؟
صفوان2 : هل كنت أنتظر سرابا كل هذا الوقت أيها الولد  ما الذي افعله الآن إذن؟.. قل ليا .. هل كنت على خطأ كل هذا الزمن .. ماذا كنت أجني أيها الولد قل لي .. ماذا بربك أفعل في هذا العالم والذي انتظرته لم يمد لي يدا ولم يأت . وماذا كان على أن أفعل وقد تركت نفسي لكل هذا الانتظار الطويل؟
إظـــــــــــــــــــــلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت