كتاب »لغة الجسد في الأدب « يوسف إدريس نموذجا/ تأليف : دكتور محمود سعيد

عن دار مصر العربية للنشر والتوزيع 2008
 
تعد هذه الدراسة رؤية نظرية وتطبيقية فى آن واحد، وقد اتجهت للكشف عن تجليات الجنس فى أدب يوسف إدريس، فى كلاً من القصة القصيرة والرواية والمسرحية .
ولقد نوقشت قضية الجنس فى الإنتاج الأدبى فى كثير من الدراسات على أنها أزمة اجتماعية ونفسية. والحق أن هذا الإنتاج بعينه يتضمن فى بناءه ومحتواه أزمة حقيقية فى الفكرة والتعبير .
ولا أحسبنى متزايداً إذا قلت أن هذه الدراسة أشارت إلى جزء كبير من تجاهل الباحثين الذى منيت به أعمال الكاتب، ومن ثم توصل الباحث إلى مجموعة من النقاط نوجزها فى الملخص التالى …
الإطار المنهجى :
بدأت الدراسة بمقدمة تبين بعض من سيرة حياة يوسف إدريس حيث النشأة ، ومراحل التعليم، إلى أن بدأت أعماله الفنية فى الظهور منذ بداية الخمسينيات إلى نهاية الثمانينيات فى القصة والرواية والمسرحية.      مما كان له بالغ الأثر فى تعدد الدراسات النقدية عن الكاتب ما بين رسائل علمية، أو كتب نقدية مستقلة عنه، أو فصول من كتب، أو مقالات منشورة فى الصحف والمجلات.
– لذا فموضوع الدراسة وأهميته يتمثل فى خصوصية وتفرد شخصية الكاتب من ناحية وخطورة وحساسية القضية المبحوثة من ناحية أخرى. لذلك بدأ الباحث برصد النشاط الجنسى عبر تاريخ الفكر الإنسانى من العصر البدائى إلى اليونانى، ثم الرومانى إلى العصور الوسطى ثم إلى عصر النهضة، مع إيضاح الموقع الصحيح الذى يمثله الجنس فى التراث الإسلامى، مستعيناً بالقرأن الكريم والسنة النبوية المشرفة، يتضح أن الإسلام لم يهمل هذا الجانب من جوانب الحياة، فقد وضع القواعد والأحكام والتوجيهات لأداء وظيفة الجنس فى غير علو أو كبت أو انحراف، لذا تعدت الدراسة إلى تتبع موقع الجنس فى الأدب الشعبى والشعر والنثر للتأكيد على أهمية الدراسة .
– تنبع مشكلة الدراسة من الفرض التالى: كيف استطاع إدريس عبر انتاجه الأدبى المتنوع ما بين القصة والرواية والمسرحية أن يعبر فنياً وموضوعياً عن خطورة الدور الذى يقوم به الجنس فى الحياة الإنسانية بشكل عام وفى المجتمع المصرى على وجه الخصوص .
أهداف الدراسة تبدو جلية فى النقاط التالية:
التعرف على موقع الجنس فى أدب يوسف إدريس، كماً وكيفاً من الناحيتين الموضوعية والفنية .
استنباط وتحليل أهمية الدور الذى يقوم به الجنس فى حياة المجتمع الإنسانى بشكل عام ، وفى المجتمع المصرى بشكل خاص .
التعرف على ملامح الرؤية العامة، التى يقدمها أدب يوسف إدريس، عن علاقة الجنس بأوجه النشاط الإنسانى المختلف .
السعى إلى تحديد لطبيعة العلاقة بين معالجة القضايا الجنسية وخصوصية الأجناس الأدبية الثلاثة : القصة القصيرة ، الرواية ، المسرحية .
أما المنهج :
إن إبداع يوسف إدريس وحدة فنية متكاملة، تجمعها أهداف واحدة، قد تؤكد على رؤيته الخاصة فى توظيف الجنس بمعنى، أن المنهج يعتمد على أكثر من اتجاه فهى دراسة موضوعية تكاملية تتطلب دراسة أولية لنتاج المؤلف بموضوعية، معتمداً على المنهج التحليلى والمنهج الاجتماعى السيوسيولجى .
التمهيد :
قد اعتمد الباحث على تمهيد للداراسة عبر مبحثين الأول هو قضية الجنس فى الأدب العربى والثانى قضية الجنس فى الأدب العالمى … أما الأول يعتمد على نموذجين من الكتاب وهم إحسان عبدالقدوس والكاتب السودانى الطيب صالح .. أما الثانى يعتمد على نموذجين أيضاً وهم الكاتب البريطانى د . هـ لورنس فى روايته عشيق الليدى تشاترلى ، والكاتب الأمريكى تينسى وليامز فى مسرحيتى وشم الوردة، عربة اسمها الرغبة.
ملخص الفصل الأول : الجنس والصراع الحضارى .
إذا كان الكاتب قد عبر عن إشكالية الصراع الحضارى مثل أقرانه من الكتاب، فإنه زاد عليهم بتصويره للقضية المبحوثة من منظور حضارة الأنا ، ووظف مضمونها لإبراز التناقضات السياسية والعاطفية والاجتماعية فى حياة أحد أبطاله، إذ أن يوسف إدريس يعد أحد جيل الرواد الذين لمسوا الفارق الشاسع بين الحضارات بصورة وضحت تخلف الإنسان الشرقى اجتماعياً وسياسياً، وقد اعتمد المؤلف على البعد العاطفى وخاصة ظاهرة الجنس لإبراز قيم الحضارتين بشكل محايد، لينشأ ما يسمى بمدأ المصالحة بين الحضارات والذى ينفى الشعور بالنقص والدونية لدى أى طرف … ولقد تتبع الباحث تلك القضية فى أعمال (رواية السيدة فيينا، البيضاء، نيويورك 80 ).. وأيضاً قد اخترق الكاتب الصراع الحضارى ما بين القرية والمدينة عبر تضاد القيم بين الرقى البدنى فى المدينة والتدنى الحضارى فى القرية فى إطار انحطاط الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الراهنة، وخاصة وأن يوسف إدريس من أهم الكتاب الذين عبروا عن مشاكل الطبقات الدنيا فى القرية والمدينة من خلال الربط المباشر ما بين الظروف الاقتصادية والأثر الاجتماعى الذى لا يمكن انكاره وخاصة فى أعمال ( الحرام ، العيب ، النداهة ) .
الفصل الثانى : الجنس والسياسة .
-إن الجنس عند يوسف إدريس ليس العلاقة بين الرجل والمرأة إنما هو إطار فنى يعبر عن عمق الكاتب الفكرى، الذى يمثل فترة حضارية كاملة.   فقد تداخلت السياسة والجنس بمعنى أن السياسة كالجنس ليست حكاً للجرح، ولا تهييجاً له وإنما هى حركة الجذور الغائرة فى الأعماق، فالسياسة فى الجنس ليست رسالة أو دوراً بل هى تحقيق للذات، والجنس فى السياسة ليس أخلاقاً وإنما حوار مع الوجود عبر التفاعل والنشاط الواضح بينهما، فليس الجنس تعبيراً جسدياً عن الحب الروحى أو المتعة الحسية الخالصة إذ أن العلاقات الجنسية غالباً ما تحدث فى تضاد مع أرضية عامة تتخذ موقف التأثيم ما بين القرية والمدينة، أو استخدام الجنس بصورة رمزية من أجل توصيل أفكار أخلاقية وسياسية وبالتالى تحول الجنس إلى دلالة تحمل أكثر من معنى يضمها اإطار العام للأزمة النفسية والسياسية للفرد والمجتمع… ولقد برزت تلك القضية فى أعمال ( مسحوق الهمس، اقتلها  العسكرى الأسود، الرجل والنملة، سنوبزم، بيت من لحم ) .
الفصل الثالث : الدعارة وتجارة الجنس
-إن البغاء يمثل ظاهرة اجتماعية تتميز بها المجتمعات المعقدة، إلا أن الكاتب قد اخترق تلك الظاهرة بخلق مجموعة من الاختلافات البارزة ما بين البغاء فى الغرب والبغاء فى الشرق، فقد مثل الإطار الاقتصادى والسياسى والاجتماعى المحك الأساسى فى تلك القضية / الظاهرة .     وقد تتبع الباحث تلك الظاهرة فى أكثر من عمل: فى رواية نيويورك 80 والتى جسدت مواجهة ما بين مثقف شرقى ومومس أمريكية، فالمومس تلعب دوراً لا لبس فيه فهى مثقفة تمارس الجنس كحرفة، وتفخر بأنها تنتقى ما يروق لها من الرجال، فهى تمارس الدعارة بمنطق الصدق المطلق فى حين أن المثقف الشرقى يطلب الحقائق المطلقة وهو يعجز عن ممارسة الصدق المحدود، ليتضح أنه هناك فرق شاسع بين ما يدعه المثقف لنفسه من دور وما تلعبه المومس من دور واضح .
هذه الرواية ما هى إلا طريقة من طرق المؤلف لفضح وتعرية كل ما هو رخيص متدنى .
– أما قصة قاع المدينة ما هى إلا قصة انحدار المرأة نحو الدعارة فى الشرق، إذ يربط المؤلف ما بين الجنس كخطيئة والقدر كقضاء ثابت لا مفر منه ، لتنتفى قدرة الإنسان وإرادته أمام حيثيات الغيب وخاصة لو كانت البطلة مثل شهرت الساذجة الجميلة الفقيرة، ليبدو الإنحراف هنا على أنه حاجة المرأة للمال لسد بطون الأطفال الجوعى والزوج العاطل المريض .
– ويختتم الباحث هذا الفصل بقصة الحالة الرابعة والتى تبرز الفقر والجهل كدافعين أساسيين للسقوط فى الرذيلة .
الفصل الرابع : الجنس والدين .
-إن إطار الجنس الفنى هو طرح جذرى لمرحلة حضارية فيها من المتناقضات ،
والقيم المهدورة الكثير، وهو ما ليس موجود فى أى مرحلة مضت، لذا فهذه التجربة الصادقة التى تصدر عن الفنان فى مرحلة حضارية تصبح فى بؤرتها دعوة إنسانية تغوص فى عمق الإنسانية معبرة عن أزمات الإنسان فى أى زمان ومكان، ولقد ظهر ذلك الإطار فى ثنائية الدين والجنس .
فقد ارتبط الجنس بالدين فى حدود العلاقة الشرعية وغير الشرعية، فظهر كلاً من الجنس والدين داخل الحياة يتصارعان ، ويتصالحان ولا تستمر الحياة بدونهما .
تمثل تلك الثنائية محوراً من أهم محاور إبداع الكاتب، ويتم التعبير عن هذا المحور بالعديد من الحواجز الفاصلة (جدار، عرف اجتماعى، ستارة، اللغة، الديانة) إلا أن تلك الحواجز لا يمكن أن تمنع تحقيق القانون الإنسانى الأعلى حيث الجنس هو معنى من معانى القداسة الكونية حتى لو اختلف مع القوانين الوصفية والعرفية .
ولقد تتبع الباحث هذه الثنائية فى أعمال (الفرافير، قصة حوار خاص، قصة طبلية من السماء، قصة رمضان، قصة أكان لا بد يالى لى أن تضيئ النور، قصة أكبر الكبائر، قصة دستور ياسيدة، قصة بيت من لحم ) .
الفصل الخامس : الإنحراف الجنسى
-كما قدم المؤلف البيئة المصرية بصدق ونفاذ بالغين، ينبعان من معايشة وتعاطف وفهم، ووجهة نظر. فهو لا ينقل البيئة بطريقة تسجيلية ولا يختار اختياراً عشوائياً  ولكنه يتخير ما يخدم فكرته، وخاصة إن كانت هذه الفكرة، فكرة مبتكرة تتعلق بالانحراف الجنسى بكل صوره وبكل ما تحمل كلمة انحراف من معنى، إذ أن المؤلف من الكتاب القلائل الذين يتفحصون الظاهرة بعمق شديد، حتى لو لم تبدو تلك الظاهرة بشكل واضح .
إلا أنها بين يدى المؤلف تبدو أكثر عمقاً وشمولاً . فقد تناول الانحراف من أكثر من جانب من عالم الطفولة البريء إلى شذوذ الإنسان مع الحيوان، أو دخول الجنس داخل علاقات غير متكافئة ربما لفارق السن أو لتباين أو تفاوت طبقى واضح ما بين الرجل والمرأة، فالعلاقة الجنسية السليمة تتطلب إطاراً سليماً يشملها كى تبتعد عن إطار الانحراف .
وقد استنكر الكاتب أيضاً فعل زنا المحارم كشكل من أشكال الانحراف الواضحة التى تستنكرها كل الديانات والأعراف والأصول، والمؤلف بدوره يستهجن هذا الفعل المشين الذى يدمر الفرد والمجتمع، ولم يتجاهل المؤلف أيضاً دور الشذوذ الفعلى فى تدمير العلاقات الإنسانية ، فقد أشار فى أكثر من عمل فنى لعلاقات الشذوذ (العلاقات السحاقية، اللواط ) وليس من شك فى أن الكاتب وازن بين البعد الاجتماعى والنفسى للشخصية، حيث شكل واقعها النفسى، وحدد سلوكها فى المجتمع عن طريق الافرازات الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بها، والتى جاءت نتاجاً مباشراً لفساد النظام السياسى والاقتصادى والاجتماعى .
-ولقد استخدم الكاتب  المفارقات اللغوية، والوصف كمنبع ثرى، وظفه الكاتب للكشف عن العوالم الداخلية والخارجية للشخصية، وإبراز متناقضات واقعها المحيط بها، واعتمد عليه أيضاً فى التمهيد للحدث وتجلية أبعاده، والتخفيف من وقعه على الشخصية والقارئ معاً .
هذه الدراسة تقودنا حتمياً إلى استنتاج هام وهو أن يوسف إدريس أحد الفنانين الذين استطاعوا استخدام الجنس استخداماً فنياً ، بخلاف كثير من الكتاب الذين يستغلون الجنس كأسلوب رخيص للإثارة وكسب المال .
من خلال هذا الإطار نلاحظ أن الكاتب عبر عن كل لحظة حضارية مرت بها أمته ومجتمعه. فالجنس أصبح الاكتشاف، الحرية، الثورة، التجدد والتحضر ، واستطاع هذا الفنان أن يتفاعل مع واقعه من منطلق العاشق لوطنه.   وانتقاداته ما هى إلا محاولة لتصحيح الخط الثورى فى مصر والوطن العربى إلى مستوى حضارى أفضل، وقد نقل ذلك فى العديد من أعماله الفنية .
ولعلى أوضحت بذلك مجمل نتائج الدراسة ، بصورة موجزة حاولت الكشف عن مضمونها الفنى وغير الفنى. تلك الدراسة التى أعدت لاستكمال ما أهملته الدراسات السابقة عليها، وما هى فى مجملها إلا حلقة من سلسلة أبحاث تحتاج إلى من يتمها، حتى نضع بين أيدينا العمل الوافى الذى يكشف عن الكاتب واتجاهاته الفكرية، وينقد إبداعاته الأدبية نقداً موضوعياً، لا تشوبه أية شائبة من مغالاة أو تقصير .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت