نص مسرحي قصير: "تمثال" / تأليف: بيان أحمد الزوري
(المسرح أبيض، الجدران ملطخة بالأبيض والأسود، سرير يتوسط المسرح، إنارات صفراء متدلية من الأعلى، طاولة طعام بكرسيين، كوبين، ملعقتين ومذكرة صفر أوراقها قديمة متروكة على الطاولة.
يدخل من اليمين الكائن الأول يرتدي ملابس مرقعة، يحمل حقيبته على كتفه، وقبعته التي تشبه قبعات الرسامين على الطريق، يكتف يده، يأخذ شهيقاً عميق ثم يخرجه بشكل زفير وآهات ثم يقصد السرير، يتقوس عليه ثم يقفز من سريره متجهاً للطاولة.. موسيقي متناغمة مع المكان )
الكائن: (بهدوء وهو ينظر للجمهور يحدثهم) هنا بداياتي، هنا نهاياتي (يشير للقلم) بداخل هذا القلم بحراً أسود يسبح داخله أنا وأنا صريع مرة و بعنفواني أزهو مرة أخرى، أتستر بضعفي خلف كلماتي اخلق من ضعفي قوة، أتجرد من كبريائي، من ضعفي وجبروتي وخيباتي وسقطاتي (يسقط منه القلم ويختفي)يا إلهي أين القلم أين قد يمكن أن يكون فلقد كان هنا
المسخ: (كائن قبيح الشكل، غريب الملابس، محنى الظهر، يملك ثقباً أسود مرسوم على صدره، يمشى بعرج وله أذنان صيوانها طويل بعض الشيء.. كان نائماً فاستيقظ على صوت الكائن وهو يبحث عن قلمه، يأخذ شهيقاً كأنه لتوه أنقذ من غرقه، ينظر يمينا ويسرى ثم يتجه ناحية الصوت) يا أنت، أنت نعم أنا أكلمك
الكائن : (بذهول .. يقف صامتاً يلف حول المسخ )
المسخ : أنت، ألا تخاف مني فلقد ازعجتني من نومي والآن من يستنقذك مني فخف (محدقا بالكائن بغضب)
الكائن : وهل أنت تخاف مني
المسخ : لا، فمهنتي مختلفة وهي ان يخاف الكائنات مني
الكائن : لما ؟
المسخ : من نقصي وهيئتي وصفاتي فكل الكائنات الكاملة تخاف مني، تخاف أن أوديها، لكن أنت مالذي تملك حتى أخاف منك
الكائن : كمالي رغم نقصي، شجاعتي رغم جبني، ازدواجيتي، كلماتي، صراعي
المسخ : وماذا يعني ذلك، فتلك مصطلحات لا تدخل ضمن قالبي
الكائن: (يحاول الاقتراب من المسخ لكن المسخ يبتعد عنه) تعال، تعال سأعطيك شيئاً، سألمس شيئاً قد بدا لي
المسخ : لا ،لا اتركني
الكائن: (يخرج قلماً ويحاول الاقتراب من المسخ فيدخل القلم بالثقب ثم يبتعد، واذا بالقلم يطير من الثقب ليد الكائن)
المسخ : آه ، آه انا أتألم جداً (يتقوس على الأرض وهو يتأوه)
الكائن: (ممسكاً بالقلم وينطق ما يكتبه) سأكتب نحو المدينة الفاضلة، نتطهر فيها ن ذنوبنا، نتجرد فيها من ضعفنا بالنطق به، نقف بكل ضعف معترفين متطهرين من ذلك بفكر حي ومناهض (يجف الحبر يرميه بالثقب ثم يطير القلم بحركة ساحرة ناحية الكائن)
المسخ: (يبدأ بالتأوه والصراخ، ثم يقف ويسقط)
الكائن : يجب علينا أن نقوم عمود الروح العمود الفقري، فالنفس مكيال و العقل ميزان وخادم ولا يمكن أن نتخذه سيداً ابدآ ولا يمكن الاستسلام لنقص داخلنا وقرارات تناهض الروح (يجف القلم ويأخذه المسخ دون أن يلتفت الكائن إليه)
المسخ: (يطير القلم للكائن، يكون المسخ بحال من الاضطراب، لكنه يقف على قدمين، بلا ثقب أسود يتبدل وجهه)
الكائن: (لم يتلفت للمسخ وهو بهذا الحال، ثم يكتب وينطق ما يكتبه) في ذات الوقت أن للكائن البشري في هذه الحياة انتفاضة تعادل فيها روحه وهي شرفه وهي انتفاضته على بيدته التي ولد فيها وعلى قيوده وفكره وعاداته وتلك هي وطنه الحقيقي (يضع القلم ويأخذ شهيق ثم زفير عميق وينظر لخلفه متعجباً) أين هو ذلك المخلوق المخيف؟
المسخ: أنا
الكائن : أين الجبان؟
المسخ : أنا
الكائن: أين هيئتك
المسخ : أنا ، أنا ، أنا
الكائن: (يحاول لمسه ويخرج صوت مزدوج وهو يضع يده على كتف المسخ، تطير حمامة تمهد لدولة بين رصاصتين، صوت أسراب الطيور)
إظـــــــــــــــــلام
(يضئ المسرح بموسيقى هادئة ، تمثال لونه أبيض يعود للمسخ بهيئته الجديدة، والكائن متقوس على الأرض يتحرك التمثال ويضع يده على الكائن فيتحول للون أبيض فيكونان تمثال واحد)
النهــــــــــــــاية
** بيان أحمد الزوري | albayn_company098@yahoo.com