آليس «فى بلاد العجائب» محاكاة مصرية لعالم والت ديزنى/ هند سلامة
عن: روز اليوسف
اعتمد مسرح الطفل طوال السنوات الماضية على شكل تقليدى وتناول مكرر سواء على مستوى الصناعة الفنية للعروض التى كان يعتمد أغلبها على ملابس الحيوانات فى محاولة لمحاكاتها دون بذل جهد فى التجديد والابتكار؛ ما تسبب فى تقديم صورة نمطية وفقيرة خاصة بمسارح الدولة لهذا النوع من المسرح، فلم يكن هناك اهتمام حقيقى بتقديم إنتاج ضخم بعروض الطفل، وهو ما نجح فيه مؤخرا المخرج محسن رزق حيث نهض وارتفع بصناعة مسرح الطفل بشكل جيد للغاية وغير مسبوق بمسارح الدولة بدءا من دقة اختيار العناصر لتقديم صورة مبهرة مع مصممة الملابس نعيمة عجمى ومهندس الديكور حازم شبل ومصمم الإضاءة أبوبكر الشريف.
اجتمع الثلاثة معا وساهموا بشكل كبير فى خروج عروضه فى لوحة تشكيلية شديدة الجودة والإتقان؛ بدأ رزق فى الاهتمام بمسرح الطفل من تجربته الأولى بعرض «سنووايت» الذى قدمه على خشبة مسرح متروبول وإنتاج البيت الفنى للمسرح؛ نجح العرض نجاحا جماهيريا كبيرا وحقق أعلى نسبة إقبال جماهيرى فى عروض البيت الفنى لعام 2017 حصل به على جائزة أفضل عرض وأفضل تمثيل لمروة عبدالمنعم وأفضل ملابس لنعمية عجمى، وبعد ثقته من نجاح هذه التجربة قرر تكرارها على خشبة مسرح البالون تحت مظلة البيت الفنى للفنون الشعبية فى «آليس فى بلاد العجائب».
يتميز مسرح البالون بأنه أكثر سعة لاستقبال أكبر عدد ممكن من الجماهير، بالإضافة إلى أنه أكثر ضخامة لتحمل ديكورات أضخم وأغنى من مسرح متروبول، وبالفعل صمم مهندس الديكور حازم شبل هذه المرة ديكورات أكثر تنوع وضخامة من عرض «سنووايت»، اقترب به شبل من عروض المسارح الأمريكية والأوروبية، وكان من بين المشاهد الأكثر تميزا بعرض «آليس» الغابة التى تتنقل إليها آليس فى منامها، احتوت هذه الغابة على عدد من النباتات والحيوانات والكائنات الغريبة التى استطاع مهندس الديكور الإيحاء بها بشكل كبير خاصة تصميمه لوحش ضخم يسير بحفرة المسرح المقابلة للخشبة فاستغل المساحة الفارغة أسفل المسرح ودمجها بإحكام شديد مع أحداث العرض فى مشهد مهاجمته لأليس ثم تمكنها من القضاء عليه ربما كان من أصعب المشاهد على مستوى التنفيذ والتصميم، وتعتبر من المرات النادرة التى يصمم بها كائن ضخم على المسرح وكان من الواضح أن المسرح ساعده كثيرا لاستيعاب هذا الحجم من ضخامة الديكور والتشكيلات المتنوعة التى صنعت لحظات إبهار مميزة، وهو ما لم يكن متحققا بالعرض السابق، إلى جانب تنوع الديكور فى مشاهد مختلفة مشهد القصر والغابة وقصر الملكة الحمراء والملكة البيضاء كل هذه المشاهد المتعددة أتقن شبل تصميمها بشكل كبير فكان للديكور الحظ الأكبر بهذا العرض، ولن نبالغ إذا اعتبرناه البطل الحقيقى للعرض، بالإضافة إلى دقة وجودة تصميم الملابس لمصممة الأزياء نعيمة عجمى؛ فهذان العنصران شكلا جزءا كبيرا من نجاح «أليس فى بلاد العجائب»، حيث خرج العرض بصورة مسرحية شديدة الجذب والإبهار وربما يذهب الأطفال لمشاهدة العرض بمجرد رؤية صوره على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» فكان للصورة أثر كبير فى عنصر الجذب الجماهيرى، وتعد العامل الأبرز فى الدعاية للعرض.
المعروف أن قصة أليس إحدى القصص الخيالية الشهيرة القادمة من عالم والت ديزنى وأخذ محسن على عاتقه تقديم سلسلة أعمال ديزنى للأطفال خلال الفترة المقبلة ففى أليس تشاهدها بمراحل نموها منذ أن كانت طفلة إلى أن وصلت إلى سن النضج وقررت والدتها أن تزوجها من الأمير الذى يحاول فرض سيطرته عليها وفى مشهد مشاجرة بينها وبين والدته تتركهما أليس إلى عالم الأحلام ويأتى إليها الأرنب الصغير كى يسبح بها إلى بلاد العجائب التى ترى فيها حيوانات وكائنات غريبة ويتنبأ لها أصحاب هذا المكان بأنها سوف تقتل الوحش الكبير على يديها وستقيم العدل وتقتل الظلم المتمثل فى الملكة الحمرا الشريرة التى استطاعت الإطاحة بشقيقتها الملكة البيضا وتقابل أليس صانع القبعات الذى سيساعدها فى رحلتها كى تصل إلى غايتها.
كما سبق أن ذكرنا تنوعت مشاهد العرض بين الغابة ومرحلة انتقالها من الواقع للحلم باستخدام تقنية الفيديو بروجيكتور وتجسيد مشاهد الأبواب المغلقة بين الفيديو وخشبة المسرح، قدمها المخرج ومهندس الديكور بدقة وإتقان شديد؛ ما اضفى حالة من التنوع والإبهار على العمل فى تتابع واختلاف مشاهده واعتماده على مناظر مختلفة، ساهم هذا التنوع فى جذب خيال الأطفال طوال العرض فاستطاع صناعه التحكم فى لفت أنظارهم والسيطرة عليهم تماما مما لا يدع لهم مجالا للشرود ولو للحظات قليلة، ويحسب للمخرج محسن رزق مهارته فى إدارة هذا الكم الكبير من الممثلين على خشبة المسرح.
قدم معظم الممثلين أدوارهم بمهارة وإتقان شديد خاصة ضياء شفيق فى دور صانع القبعات حيث تميز ضياء بخفة حركته الشديدة بين التمثيل والأداء الحركى الذى قدمه باحتراف وروح منطلقة فكان من اشد الممثلين والراقصين إبهارا بالعمل كما استطاع قيادة عدد لا بأس به من الراقصين بالمشاهد الاستعراضية التى خرجت فى صورة مبهجة ومنضبطة وكذلك كان الطفل فى دور الأرنب الصغير الذى قدمه ببساطة وتلقائية عمر إيهاب، لكن يؤخذ فقط على البطلة مروة عبد المنعم التعامل مع مسرح الطفل من خلال مدرسة قديمة فى التمثيل والتى تقترب بشكل كبير من منطقة الكرتون فى الأداء مثل الكلام بثقل وببطء شديد ويعد هذا الأداء من أقدم الأشكال فى تناول عروض الطفل، الذى لم تتجاوزه عروض وبرامج الأطفال منذ زمن طويل خاصة ونحن اليوم نخاطب طفلا صاحب ذهن أعقد وأشد صعوبة فى مستوى الوعى والإدراك من أطفال سنوات سابقة، لكن فى كل الأحوال نحن أمام عمل متميز اجتهد صناعه جميعا من ممثلين ومصممين ملابس ومسكات وإضاءة وديكور، حتى خرج فى صورة مسرحية مشرفة ومبهرة؛ ويعتبر نقلة جديدة فى مستوى الإنتاج والصناعة المسرحية لعروض الطفل وعلى دربه يجب أن تسير الأعمال المقبلة؛ لكن نتمنى فى النسخ المقبلة أن يخرج التمثيل من عقدة ومطب «الكليشيه»، شارك فى بطولة العرض هانى عبد المعتمد، حسن الشريف، بسمة ماهر، هبة محمد، نور الشرقاوي، محمد عمر، كريم عبدالشافى، أحمد حمودة، أحمد شومان، أحمد عبدالمعبود، عبد الحميد جبر، مصطفى محمد، ليلى عبد الحميد، عمر إيهاب، حمادة محمود، محمد فايز، محمود صلاح، نور شادى سرور، حور الشاذلى، أشعار عادل سلامة، ألحان جون خليل، موسيقى مارك إسكندر، استعراضات ضياء شفيق، ديكور حازم شبل، إضاءة أبوبكر الشريف، ملابس نعيمة عجمى، ماسكات محمد سعد إخراج محسن رزق.