كتب الباحث المغربي الزبير مهداد عن مسرحية "الحكواتي"

موضوع المسرحية: الحرفيون في الساحة يطلبون علال (حلايقي) ليحكي لهم قصة شعبية، يقوم التهامي برفض حضور علال ومنافسته، التهامي يتآمر ويوقع علال في السجن، تقوم خدوج زوجة علال لتحل محل زوجها وتؤدي وظيفته في الساحة، ثم تنصب فخا للتهامي الذي يعتقل ويسجن في حين يتحرر علال من السجن. وخلال هذه المشاهد يتم توظيف حكاية هارون الرشيد وقوت القلوب من ألف ليلة وليلة توظيفا أداتيا لا علاقة له بفكرة المسرحية ولا مضمونها. فقط لاستحضار بعض الشخوص (قوت القلوب في الصندوق) لأجل استكمال بناء الحكاية، وتحقيق الانتقال بين المشاهد، لذلك تم تحوير القصة والتصرف فيها. إلا أن هذا الانقلاب بين المشاهد يضمن حيوية العرض المسرحي ويحول دون سقوطه في الرتابة.
تحاول مسرحية الحكواتي للكاتب المغربي يحي بنفارس تفكيك النظرة الدونية إلى المرأة، والمتأسسة على صورة ذهنية نمطية سيئة وغير حقيقية، وذلك من خلال صورة مصغرة لمجتمع في هيئة رواد الحلقة، حيث سيتعرض أحد الرجال لمشاكل، لن يتمكن من تخليصه منها وتحريره من أسرها سوى المرأة، أسيرة النظرة الدونية إليها.
وتسلط المسرحية، الضوء من خلال تفكيك العلاقات السائدة بين شخوص المسرحية، على ثقافة ذكورية متحكمة في المجتمع متوارثة منذ عصور قديمة،
وهي المسرحية الاجتماعية الهادفة، والتي تتكون من ست لوحات، عارضة شرائح مختلفة من المجتمع: الحرفي التقليدي، المثقف، رجل السلطة، العاطل، إلخ، تتعامل مع بعض قضايا المرأة وقدرتها على أن تحل محل الرجل وتؤدي مهامه بكل جدارة، وتبادر بحماية كيانها وكيان أسرتها، وتخطط للمهام الصعبة التي يعجز عنها الذكور، مستعينة بذكائها ودهائها، دون السقوط في فخ المشاعر الذاتية والثأر أو الانتقام.
والمسرحية، تدعونا إلى تفكيك معاييرنا المزدوجة إلى مكوني المجتمع: الرجل والمرأة، وإعادة النظر في أحكامنا المسبقة، وفي موروثنا الثقافي، من خلال الإشارات الكثيرة التي ضمنها الكاتب نصه.
المسرحية تأخذنا إلى عالم الحلقة، لكن عندما نتابع تفاصيلها نجد أنفسنا أمام حكايات أخرى مستوحاة من ألف ليلة وليلة،
الموضوع يتطرق للمنافسة الشديدة للإعلام المعاصر ممثلا في المذياع، للثقافة التواصلية الشفاهية التقليدية، والمذياع أيضا أضحى يضعف دوره في العصر الحديث في ظل منافسة إعلام جديد، الثقافة التواصلية التقليدية ممثلة في الحكواتي سيضطر للانسحاب من الساحة والتواري، ثم يفتقده رواد الساحة، ليطلبوا منه العودة، ثم يتعرض لمنافسة راو آخر جديد، حسدا ورغبة في إزاحته من الساحة لاحتلال مكانه.
يتعرض الراوي القديم للمؤامرة يحيكها ضده الراوي الجديد الذي يسعى لطرده من الساحة واحتلال مكانته، وفي ظل تخاذل أصدقاء الراوي القديم، تتدخل زوجة الراوي الضحية، لتحيك أيضا مؤامرة لتخليص زوجها وتوريط الراوي الحسود، وتنجز ما عجز عنه الرجال، معربة عن قدرتها على القيام بما يقوم به الرجال من أدوار حياتية، بكل كفاءة وجدارة.
بين الواقع المعيش، ممثلا في الساحة وشخوصها الماديين، من رجال ونساء، وبين الواقع المفترض، ممثلا في الشخوص الذين يتم استحضارهم من التراث الحكائي العربي القديم، يرسم الكاتب يحي بنفارس ملامح قصة تتحرك وقائعها على الواقع وفي الخيال. وتستحضر قضايا الحريات الشخصية، والنفاق الاجتماعي، ورهاب السلطة، وغيرها من القضايا المطروحة في حياتنا الاجتماعية الواقعية، والتي تمزق علاقاتنا الاجتماعية وتسمم هذه الحياة وتفقدنا الأمل في عودة البساطة والصدق إلى حياتنا.
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت