مسرحية:" 25سم"/ تأليف: علي عبد النبي الزيدي

 (مسرح ما بعد الخراب أو نصوص المدينة الفاسدة)
 
( تحذير )
هذا النص غير صالح (الآن) لخشبات مسرحنا العراقي والعربي، وأومن تماما بأنه سيقدم من قبل جيل مسرحي قادم أكثر ثورية واختلافا عن جيلنا، الجيل الذي سيقرأني بهدوء ودون انفعال أو تُهمٍ جاهزة.. أكون لحظتها قد غادرت الحياة، الحياة التي لم أحبّها ولو لساعة واحدة!! هذا النص هو ضمن مشروع نصوص اطلقت عليها بـالديستوبيا (نصوص ما بعد الخراب أو نصوص المدينة الفاسدة) سيظهر ضمن كتاب يضم العديد من هذه الأعمال المسرحية.
الشخصيات
-شاب1 : في الخامسة والعشرين من عمره.
-شاب2 : في الخامسة والعشرين من عمره.
-أبو درب : في الخمسين من عمره.
1 ـ (استهلال سخيف وغير محترم)
المكان: غرفة (رقم 155) في فندق من الدرجة العاشرة، فيها سرير واحد مغطى بشرشف أبيض ناصع البياض…نرى الكثير من الجمهور يدخل الى الغرفة، أو هكذا يتخيّل (الشخص) الذي سنعرفه لاحقاً بأن هؤلاء يدخلون الى غرفته في الفندق! هذا (الشخص) يقف على سجادة الصلاة، يصلي بعمق، بعدها ينتهي من صلاته…
الشخص: (يتحدث مع الجمهور بهدوء جدا، أو هكذا نتخيّل ذلك) أستغفر الله، ما الذي يحدث هنا؟ ومن أنتم؟ أو ما الذي جعلكم تدخلون الى هذه الغرفة؟! عجيب. هناك الكثير من الغرف الفارغة في هذا الفندق، لماذا هذه بالذات وهي الأكثر وساخة؟ (يصيح بهم) اسمعوا جيدا، أنا لستُ مسؤولاً عن وجودِكم هنا، ولا تعتبوا عليَّ بعد ذلك.. لأنني ببساطة لم أرسل لكم دعوة للحضور، لقد جئتم بأنفسكِم.. لذلك لست مسؤولاً عن ما سيحدث فقد دخلتم الى الغرفة الخطأ! تذكروا ذلك، لقد جئتم للغرفةِ الخطأ… (الشخص يختفي)
 2– (نعال أبو الإصبع)
المكان: غرفة صغيرة رقمها (154) في فندق من الدرجة العاشرة، الألوان غادرت الجدران تماما، سرير واحد وضع في الزاوية، كل محتويات الغرفة من شراشف ووسائد وغيرها تبدو على قدر كبير من الوساخة وتخرج منها روائح نتنة وعفونة مقرفة… شاب1 يجلس على سريره لوحده، يبدو مرتبكا، يتحدث مع أشخاص لا نراهم وكأنه في جلسة تحقيق…
شاب1:  قصتي، قصتي.. هو إنني، إنني… (يصمت) آسف آسف، أنا شابٌ تعبان (يبتسم بصعوبة) ليس اسمي، لالا.. أنا أقصدُ بأنني شابٌ تعبان من برج الأسد وفي الخامسة والعشرين من عمره، أو أنا مرتبك و، و، و…… أرجو المعذرة، اسمحوا لي أن استمرَ بالحديث عن ما حدث لي، القصةُ ببساطة أنني تعرضتُ للقتل، أعني، أعني للتهديد، نعم، لقد هددوني بالقتل كما أظن أو هكذا فهمت، وضعوا لي ورقة وفوقها رصاصة عند باب بيتي، الورقة كتبوا عليها: (يرتبك أكثر) أنت عميل! هذا كل ما كتبوه، كان يفترض أن أكونَ الآن في عداد المذبوحين، أعني من الفاطسين.. والفطيسة تعني أن لا أحد يدفنك مثل أي حيوان نفق على قارعة الطريق، فيقال عنه : هذه فطيسة! ولكنني هربتُ مباشرةً عندما قرأتُ تلك الورقة لأنني لا أعرف فعلا ماذا يقصدون بكلمةِ عميل ولا أريدُ أن أتحوّلَ الى فطيسة. أنا شابٌ تعبان تركتُ المدرسة من أجل أن أسكتَ أفواه عائلتي. أنا تعبان وقد جئتُ الى هنا من أجل أن أحصلَ على فرصةِ اللجوء الى أيِّ بلدٍ أعيش فيه، أيّ بلد، حتى لو في سويسرا لا يهم، المهم عندي أن أكونَ آمناً وأنام بهدوء فيه ولا أكون فطيسة… ( يتوقف) ها؟ ماذا؟ لا تبدو القصّة مقنعة، اصبروا عليَّ قليلا.. سأقصُّ عليكم قصة غريبة عاشرة أخرى. قصتي، قصتي هو أنني…
(طرقات على باب الغرفة، يتوقف شاب1 عن سرد قصته الأخرى، يَفتح له الباب، يدخل شاب2 متعبا وبملابس رثة)
شاب2:  هل أنت من يسكن في هذه الغرفة؟
شاب1(يتلفت متهكماً) لالا.. أحدٌ غيري ينام في هذه الغرفة يشبهني.
شاب2:  سبحان الله.
شاب1:  خيرْ، ما بك؟
شاب2:  أنا أقصد.. هل أنت من ستشاركني غرفتي في هذا الفندق؟
شاب1:  هذه غرفتي لوحدي وفيها سرير واحد كما ترى.
شاب2:  لالا.. هي غرفتي أيضا.
شاب1:  منذ ليلتين أنام فيها لوحدي.
شاب2:  هم قالوا لي ستأخذ السرير الثاني الذي لا أراه هنا!
شاب1:  من هؤلاء؟
شاب2:  إدارة الفندق.
شاب1:  هذه أولُ مرةٍ أعلم أن لهذا الفندق العفن إدارة!
شاب2:  أول ما دخلت شممتُ هذه العفونة، ولكن ماذا يقصدون بعبارة مكتوبة تواجهك عندما تدخل لهذا الفندق: الإدارةُ غير مسؤولةٍ عن صقوطِ الطابوق؟
شاب1:  سقوط بالسين وليست بالصاد.
شاب2:  بل بالصاد.. هل أنت أفضل من إدارة الفندق؟
شاب1:  قلت لك بالسين.
شاب2:  وأقول لك بالصاد.
شاب1:  سين.
شاب2:  صاد.
شاب1:  سألتزم الصمت.
شاب2:  أفضلْ (صمت) ………. لم تجبني على سؤالي.
شاب1:  الجواب.. عادةً يسقط بعض الطابوق من سقفِ الغرفة.
شاب2:  غرفتنا؟!
شاب1: الفندق بأكمله.. ألم تقرأ العبارة الأخرى.. الادارةُ غير مسؤولةٍ عن سقوطِ البناية؟!
شاب2:  بالصاد؟
شاب1: بالسين.
شاب2: (صمت) البناية؟! كلها ؟ الله الساتر.
شاب1: القضية احترازية ليس إلاّ!
شاب2: سأنام على سريري.
شاب1: هذا سريري.
شاب2: إدارة الفندق قالوا لي ستنام على السرير الثاني، وهذا (يشير للسرير) هو السرير الثاني.
شاب1:  وأين السرير الأول؟
شاب2:  ابحث عنه وستجده في الغرفة.
شاب1:  أية غرفة؟
شاب2:  غرفتنا.
شباب1:  لا يوجد سوى هذا السرير.
شاب2:   أعرف.
شاب1:  كل خراء ونم على الأرض.
شاب2: قلت لك هذا سريري.
شاب1: بل هو سريري.
شاب2: (يصرخ) سريري.
شاب1: (يصرخ) سريري.
(يتوقفان عن الصراخ، يهدأن، يضحكان…)
شاب1:  لا أعرف لماذا أتخيل كلمة سريري كأنك تقول لي أنت سرسري.
شاب2:  راودني هذا الشعور أيضا.
شاب2:  أها، طيب، لنهدأ الآن ونجرُّ نفساً عميقاً وسأكون نزيلاً خفيفاً عليك.
شاب1:  بعيداً عن سريري.
شاب2:  (يتفحص الغرفة، يتمدد على السرير) أنا متعب، والقرآن متعب.
شاب1:  مثلي، والقرآن متعب… (يدفعه من السرير)
شاب2(يقع) لكن تعبي يهدُّ الحيل.
شاب1:  مثلما هدَّ حيلي.
شاب2:  ستبدأ الدراما.
شاب1:  (يصيح) موسيقى صاخبة…
شاب2:  (ينهض) جئتُ هارباً من مدينةٍ هدمتها الصواريخ على أحلامنِا ورؤوسِنا.
شاب1:  اشتغلت رحمة الله.
شاب2:  اشتغلت.
شاب1:  وجئتُ هارباً من نفس المدينة ونفس الصواريخ والأحلام.
شاب2:  سبحان الله.
شاب1: سبحان الله.. تتشابه الأسماء والوجوه والأمكنة والقنادر أيضا…!
شاب2: لا أريد أن أتحوّل الى فطيسة.
شاب1: هذه كلمتي المفضّلة.
شاب2: تركتُ أهلي تحت الأنقاض.. صاروا الآن فطائس جمع فطيسة (يصيح) موسيقى صاخبة.
شاب1: وتركتُ أهلي تحت سقفِ وحيطانِ بيتِنا فطائس وهي جمعُ فطيسة.. الحيطان التي كُنّا نكتب عليها ذكرياتنا بقلم الرصاص: ذكرى في يوم العيد ” ذكرى العائلة السعيدة.. ابوي مع أمي وأختي أمل وأخي الصغير محمود” ونكتب أيضا “الوردةُ مصيرها الذبول والذكرى باقية لا تزول” تلك الحيطان نامت فوقهم مع ذكرياتنا…
شاب2(يصيح) موسيقى هادئة… يفضّل أن نكتبَ.. الوردةُ مصيرها الذبول والذكرى ستزول.
شاب1:  كلما رأيت الورود…….. تذكّرت نعال أبو الإصبع.
شاب2: وما علاقة النعال أبو الإصبع بالورود؟
شاب1:  لا أعرف.
شاب2:  سبحان الله.
شاب1:  سبحان الله.
شاب2:  أريدُ أن أصلي لأهلي صلاة الوحشة.
شاب1:  سبقتُكَ بصلاتي البارحة.
شاب2:  سبحان الله.
شاب1:  سبحان الله.
شاب2:  لا أعرفُ كيف خرجتُ حياً.
شاب1:  حتى أنا لا أعرف.
شاب2:  ما زالتْ لنا خبزة في هذه الحياة.
شاب1:  أخره بهكذا حياة.
شاب2:  هل أخره كلمة نابية؟
شاب1:  لالالا.. هي كلمةٌ عامية فيها رائحة سيئة فقط.
شاب2: أها. (صمت) أنا لا أهل لي ولا بيت ولا مدينة ولا ذاكرة ولا حيطان ولا نعال أبو الإصبع.. كل شيء تساوى مع الأرض، لذلك قررتُ أن أطلبَ اللجوء لبلدٍ ما حتى لو كانت سويسرا. لا يهم.
شاب1:  سويسرا؟ هُجمَ بيتك، ولكنك تحتاج الى قصّةٍ مقنعة.
شاب2:  ألا تكفي قصّة البيت الذي تهدّمَ فوقنا؟
شاب1:  عادي.. مثلك آلاف البيوت.
شاب2:  عائلتي تحت الانقاض.
شاب1:  عادي.. مثلك آلاف الناس.
شاب2:  هربتُ من الصواريخ.
شاب1:  عادي.. الصواريخ في كُلِّ مكان.
شاب2:  المدينةُ التي خرجتُ منها لم تعد صالحة إلاّ للجثث.
شاب1:  عادي عادي.. كل المدن هنا ماتت وصارت فطيسة.
شاب2:  وماذا يمكن أن أحكي لهم؟
شاب1:  ابتكر قصّة غريبة، محتدمة، عجيبة، ساخنة ومؤثرة…
شاب2:  سأحاول.
شاب1:  وتذكّر بأنهم قد سمعوا آلاف القصص قبلك.
شاب2:  سأحاول.
شاب1:  لا يقتنعون.
شاب2:  سأحاول.
شاب1:  إذن قل شيئا الآن، أي شيءٍ من بابِ التمرين، بروفة (يصيح) موسيقى تافهة.
شاب2:  سأحاول…قصتي، قصتي.. هو إنني، إنني… (يصمت) أسف أسف، أنا شابٌ تعبان (يبتسم بصعوبة) ليس اسمي، لالا.. أنا أقصدُ بأنني شابٌ تعبان من برج الأسد وفي الخامسة والعشرين من عمره، أو أنا مرتبك و، و، و…… أرجو المعذرة، اسمحوا لي أن استمرَ بالحديث عن ما حدث لي، القصةُ ببساطة أنني تعرضتُ للقتل، أعني، أعني للتهديد، نعم، لقد هددوني بالقتل كما أظن أو هكذا فهمت، وضعوا لي ورقة وفوقها رصاصة عند باب بيتي، الورقة كتبوا عليها: (يرتبك أكثر) أنت عميل! هذا كل ما كتبوه، كان يفترض أن أكونَ الآن في عداد المذبوحين ، أعني من الفاطسين.. والفطيسة تعني أن لا احد يدفنك مثل أي حيوان، فيقال هذه فطيسة! ولكنني هربتُ مباشرةً عندما قرأتُ تلك الورقة لأنني لا أعرف فعلا ماذا يقصدون بكلمةِ عميل ولا أريد أن أتحوّل الى فطيسة. أنا شابٌ تعبان تركتُ المدرسة من أجل أن أسكتَ أفواه عائلتي. أنا تعبان وقد جئتُ الى هنا من أجل أن أحصلَ على فرصةِ اللجوء الى أيِّ بلدٍ أعيش فيه، أي بلد، حتى لو في سويسرا لا يهم، المهم عندي أن أكونَ آمناً وأنام بهدوء فيه ولا أكون فطيسة… ( يتوقف) ها؟ ماذا؟ لا تبدو القصّة مقنعة، اصبروا عليَّ قليلا.. سأقصُّ عليكم قصة غريبة عاشرة أخرى…
شاب1:  سويسرا؟ هُجم بيتك.
شاب2:  لم يبق لي بيتٌ حتى يُهجم.
شاب1:  أنت تكذب وقصتّك تافهة تشبه قصتي التافهة أيضا يا تافه!
شاب2:  وكيف عرفت بأنني تافه وقصتي تافهة؟
شاب1:  انجب.
شاب2:  هل انجب كلمة نابية؟
شاب1:  لالا.. هي كلمة عامية تُستخدم للمدح كما أظن.
شاب2:  اذا كانت للمدح كما تظن أقبلها منك حتى لو كانت نابية، ولكن كيف عرفتني كاذبا؟
شاب1:  قلت لك انجب، وقد عرفتك كاذبا لأنني قبلك كنت أكذب بنفس الكلمات.
شاب2:  صح .. أنا لا أملكُ القدرة على تأليف الكذب، ولكن لا تقل انجب للمدح.
شاب1:  وماذا أقول؟
شاب2:  قل مثلا.. اخرس أفضل من انجب.
شاب1: لالا.. انجب فيها ملوحة أكثر، وعليك عندما تحكي لهم حاول أن تكذِّبَ بصدق!
شاب2:  وكيف أكذِّب بصدق؟
شاب1:  أن تتحوّل الى رجلٍ ساقطٍ حقيقيٍّ وتتحدث لهم عن قصةٍ مؤثرة.
شاب2:  ساقط؟ هل هي كلمة نابية؟
شاب1:  لالا.. ساقط تعني أن تكونَ منحطّاً.
شاب2: وهل كلمة منحط نابية؟
شاب1:  لالا.. منحط تعني بأنك سافل.
شاب2:  ها.. سافل أفضل من ساقط ، ولكن الكذب حرام.
شاب1:  ستظل هنا ما دمت تؤمن بالحرام.
شاب2:  هكذا عشتُ.
شاب1: عشتو عليك…
شاب2: اشكرك.
شاب1:  دعنا نكذب قليلا حتى نعيش.
شاب2:  لم أقتربْ من الحرامِ يوماً.
شاب1:  ولم أقترب منه والله ولكن الحاجة أم الاختراع.
شاب2:  دعنا نبحث عن شيءٍ حلال يُخرجنا من هذا الجحيم.
شاب1:  الحلالُ سيُعيدنا للبيوتِ التي هدَّموها على أهلنا وأحلامِنا ورؤوسِنا.
شاب2:  مُذ كنتُ طفلا علّموني من يكذب يرميه الله في النار!
شاب1:  وفي بيتي أخذتُ نفس الدروس.. نار وشوي وقلي وسلق وتشريب وعذاب شديد.
شاب2:  ما عدتُ أستطيع البقاء هنا.
شاب1:  وروحي محاصرة في هذا الفندق والإدارة غير مسؤولة عن سقوط البناية.
شاب2:  وغير مسؤولةٍ عن صقوط الطابوق بالصاد.
شاب1(يحذره) انتبه.
شاب2:  ماذا؟
شاب1:  رأيت طابوقة سقطت هناك.
شاب2:  أنعل أبو هكذا فندق!
شاب1:  هو أرخص الفنادق ماذا نفعل!؟
شاب2:  ولكن كيف لهم أن يقبلونا كلاجئين ونحن لا نجيد تأليف القصص المؤثرة؟
شاب1:  لقد ملّوا مِنّا ومن حكاياتنا التي لم تعد تؤثر بهم.
شاب2:  وماذا نفعل؟
شاب1:  أنا أفكر.
شاب2:  هل كلمة أفكر نابية؟
شاب1:  نعم هي نابية!
شاب2:  حرام.
شاب1:  والله ذبحتني بالحرام.
شاب2:  دعنا نفكر بالحلال ونخرج.
شاب1:  ما بك؟ قلت لك بالحلال سنُدفن في هذه الغرفة.
شاب2:  أستغفر الله.
شاب1:  الحلول تحتاج الى خسارات!
شاب2:  لا أملكُ نقوداً والله إلاّ ما يسدُّ البلعوم.
شاب1:  الخساراتُ لا تعني النقود.
شاب2:  ها، فهمتك. يمكن أن أتبرع لشخص في سويسرا بإحدى الكلى فهي زائدة كما أظن ولا تعني شيئا، أو أتبرع بالرئة الثانية، العين اليمنى أو اليسرى، واحدة تكفي، أو أتبرع مثلا.. بالساق اليسرى أو هذه اليد أو هذه، أو أتبرع مثلا بإحدى الخصـ .. لالا ، هذه صعبة قليلا.
شاب1:  لماذا تُجبرني أن أقولَ لك في كُلِّ مرةٍ.. انجب.
شاب2:  قُلها ما دامت ليست بكلمةٍ نابية.
شاب1:  لا أريد أن أخسرَ شيئاً من أعضائي وأحشائي وخصـ…
شاب2:  (يقاطعه) حيرتني معك.
شاب1:  هي خسارةٌ من نوعٍ آخر (فترة صمت قصيرة، يصيح بعدها) موسيقى صاخبة، سأقول شيئا مهما، أأأأ.. سمعتُ بأنهم يقبلون وبسرعة من لديهم ميول منحرفة نحو الـ…!
شاب2:  (يقاطعه) منحرفة؟!
شاب1:  نعم منحرفة.
شاب2:  وهل هذه كلمة نابية؟
شاب1:  لا .. هي تستخدم للمدح.
شاب2:  تعني يقبلون المنحرفين؟
شاب1:  يقبلونهم مباشرةً بعد أن يتمَّ………. فحصهم!
شاب2:  فحصهم؟!
شاب1:  ما بك؟ نعم فحصهم.
شاب2:  ومن أين يفحصونهم؟
شاب1:  (يضربه على مؤخرته) من هنا.
شاب2:  لماذا؟
شاب1:  حتى يتأكدوا بأنهم…
شاب2:  أستغفر الله.
شاب1:  كلهم حصلوا على اللجوء دون تأخيرٍ كما عرفت.
شاب2:  والحرام والنار والقلي والسلق والتشريب والشوي والعذاب…؟
شاب1:  يتوقف الحرام شرعاً أمام غرضٍ نبيلٍ فيتحوّل الى حلالٍ لأغراضٍ انسانية!
شاب2:  الحرامُ هو الحرام؟
شاب1:  سنتعفن هنا.
شاب2:  ولكنه عفنٌ حلال.
شاب1:  فطيسة.
شاب2: فطيسة حلال.
شاب1:  أنا كنتُ أفكر، أفكر يعني.. موسيقى هادئة (فترة صمت) لو وجدتُ شخصاً يبادلني الخسارة لفعلتها معه!
شاب2:  انت مخبل؟ كيف لك أن تخسرَ بكا…؟
شاب1(يقاطعه صارخا به) إي أخسرها وأخسر أبوها، وإي أنا مخبل وسأعيش سعيدا بجنوني هناك.
شاب2:  يا ربي.. ما الذي جعلني أكون في هذه الغرفة الحرام؟!
شاب1:  ربما قدرك وقدري معاً.
شاب2:  اسكت الله يخليك.. أنا لم أصلِ للآن صلاة الوحشة على أرواح أهلي الذين ما زالوا تحت الأنقاض وهو يقول لي ميول منحرفة وفحص وما اعرف شنو وأخسرها وأخسرها أبوها، هسه هي عرفناها زين أبوها منو؟
شاب1:  نحن من يحتاج الى صلاة الوحشة أكثر منهم.
شاب2:  الصلاة للموتى.
شاب1:  أنا وأنت ميتان.. وداعتك.
شاب2:  وأنت شيطان رجيم.. وداعتك أنت.
شاب1:  وما الذي يدعوك أن تبقى مع الشياطين؟
شاب2:  لا أدري.
شاب1: اذن كُلْ خراء واسكت هذه المرة.
شاب2:  أكلنا مادامت كلمة خراء ليست بنابية.
شاب1:  لا شيء يبقينا هنا، لا شيء.. سوى القتلِ والنسيان…
شاب2:  أن تموتَ مرفوع الرأس أفضل من أن تعيشَ منحرفاً.
شاب1:  يمكن للطريق المنحرف أن ينتهي ونبدأ بعدها السير بطريق مستقيم.. كبل.
شاب2: أيُّ حظٍ عاثرٍ جعلني أخرج من بين الأنقاض ودوي القذائف فأجد نفسي في هذا الخراء؟
شاب1:  الزمنُ كفيلٌ بشطبِ الخراء وغيره!
شاب2:  ذاكرتي معبأة بصراخ أمي وأبي واخوتي الصغار…
شاب1:  تعال ادخل…
شاب2:  أين؟!
شاب1:  ادخل لذاكرتي، ادخل ادخل ادخل.. ادخل لتسمع صوت أبي وهو يُرتل القرآن ترتيلا قبل أن تداهمَ بيتنا الصواريخ (يرتل)وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ…” (يتوقف) لالا.. الصواريخ تُبصر جيدا أهدافها يا رب.. وحتى عندما تُخطيء تصيبنا أيضا. تعال انظر لأمي في رأسي.. ظلت تزحف وتزحف وتزحف رغم نزيفها وهي تبحث عن أولادها وسط الغبار ودخان البارود علها تُعطيهم آخر نفسٍ من أنفاسِها ليعيشوا للحظات أخرى، تعال انظر في ذاكرتي لترى أخوتي الصغار الذين كانوا يلعبون بالتراب قبل أن يتحوّلوا الى قطعٍ من تراب، تعال…
شاب2:  (يقاطعه) كأنك تتحدث عن ذاكرتي.
شاب1:  نحتاج الى قرارٍ شجاع لكي نحصل على لجوءٍ إنساني!
شاب2: قرار شجاع؟!
شاب1:  قيل بأن الكرم شجاعة.
شاب2:  صح.. ولكن ليس في…
شاب1:  (يقاطعه) أنا لا ما نع عندي في…
شاب2:   أستغفر الله أستغفر الله…
شاب1:  ما رأيك؟
شاب2:  في، في، في ماذا؟
شاب1:  أن ننحرف!
شاب2:  ننحرف؟
شاب1:  و……. ونفعلها مع بعضنا الآخر!
شاب2:  نفعلها؟! أنا وأنت؟ (يصيح في فضاء الغرفة) موسيقى لحرب ومجزرة ستحصل الآن… (يصرخ به) انت فعلا كلب بن كلب، وعليك أن تحترم نفسك وتبتعد عني، ابن القندره يقول لي تعال ننحرف، ما يستحي…
شاب1:  قل عني قندره ولا تقل ابن القندره لأن أمي لا تستحق أن يقال عنها قندرة، حاول أن تهدأ وتفهم.
شاب2:  لن أهدأ ولن أفهم.
شاب1:  قلت لك الكرم شجاعة.
شاب2:  وتريدني أن أكون كريما بـ… (يشير لمؤخرته) انت مخبل صاحي؟
شاب1:  اذن.. سنظل في هذه الحفرة للأسف.
شاب2:  صح الإدارة غير مسؤولةٍ عن سقوط الطابوق ولكن هذا لا يعني أن أسقط أنا الآخر.
شاب1:  (يحذره) انتبه.
شاب2:  ماذا؟
شاب1:  رأيت طابوقة أخرى سقطت هناك.
شاب2:  أنعل أبو هكذا فندق!
شاب1:  إذا بقينا في هذا الفندق راح بين قوسين ( … ) أخواتنا.
شاب2:  وهل بقي لنا أخوات لكي…
شاب1:  أعتقد انحرافنا أفضل قصة يمكن أن نحكيها للجنة قبول اللاجئين.
شاب2:  حاول أن تفهم، أنا من عائلةٍ شريفةٍ يا أخي وأهل المدينة كانوا يُقسمون بشرفِنا.
شاب1:  وأهل الأرض كانوا يُقسمون بشرفِ عائلتي أيضا.
شاب2:  الشرفُ يعني الـ…
شاب1(يقاطعه) يمكن للشرف أن يؤجَّلَ قليلا يا صاحبي، يؤجَّل، ما بك؟
شاب2:  كيف للشرفِ أن يؤجَّل وهو عنوانٌ عريضٌ للبيتِ والناس والعشيرة؟
شاب1:  البيتُ والناس والعشيرة لن يعلموا شيئاً.
شاب2:  وشرفنا؟
شاب1:  المهم أنهم سيقبلوننا بشرفٍ كلاجئين شريفين!
شاب2:  وبكارتنا؟
شاب1:  ستعود كما كانت وأفضل مع الزمن.
شاب2:  كيف ستعود؟
شاب1:  لا أعلم ولكنني أعتقدها ستعود.
شاب2:  وربنا ؟
شاب1:  أرحمُ الراحمين.
شاب2:  لالا، لا يمكن، حرام ثم حرام ثم حرام…
شاب1:  الحرامُ أن نبقى هنا.
شاب2:  أنا أصلي وأصوم.
شاب1:  وأنا أصلي منذ السادسة من عمري.
شاب2:  والعيب؟
شاب1:  البقاءُ هنا هو العيب.
شاب2:  ونارُ جهنم؟
شاب1:  نعيشها في كُلِّ لحظةٍ هنا.
شاب2:  والناس؟
شاب1:  لا تخف.. يظل هذا السر بيننا ونُقسم على ذلك بشرفِنا.
شاب2:  نُقسم بشرفنا؟ حقيقة أنت واحد سرسري وساقط وما تستحي، وهل يبقى الشرف بعد أن أن أن…
شاب1:  (يقاطعه) أنا مستعدٌ أن يدعونني فلان المنيـ … أيضا مقابل أن أحصلَ على فرصةِ اللجوء لبلدٍ أعيشُ فيه بشرف!
شاب2:  كيف تكون شريفاً وأنت ستحمل لقباً في داخلِك يضافُ الى اسمِك؟
شاب1:  ما بك؟ لا تقفلها بوجوهِنا، سنفعلها معاً لمرةٍ واحدةٍ وينتهي الأمر.
شاب2:  ومن قال لك سينتهي الأمر؟
شاب1:  هي مجردُ وسيلةٍ ليس إلاّ.
شاب2:  عشتُ نظيفاً لخمسةٍ وعشرينَ عاما.
شاب1:  وعشتُ بكاملِ نظافتي والله.
شاب2:  كيف أغادر تلك السنوات وأسلم جسدي لك؟
شاب1:  أنا أيضا سأسلم لك جسدي، ومن يفضح الآخر سيفضح نفسه بالتأكيد.
شاب2:  وأيُّ بلدٍ سيقبلنا؟
شاب1:  هولندا.. تقبلنا ركض وداعتك.
شاب2:  أشعرُ بالخجل من الله.
شاب1:  هو يعلمُ بنوايانا الشريفة.
شاب2:  الشريفة؟! وأخجل منك أيضا، أخجل أخجل أخجل.
شاب1:  هدفنا النبيل يحتِّم علينا أن نتنازلَ قليلا عن خجلِنا وشرفِنا.
شاب2:  لا يسلم الشرف الرفيع…
شاب1:  (يقاطعه) اسكت الله يخليك.. يا شرف يا رفيع يا نعال…
شاب2:  في رأسي ألف لا وألف نعم أخرى! كيف لي أن أصنعَ من اللا والنعم كلمة مقنعة لي وتقبل بطلبك أيضا؟! في رأسي أسئلة مريضة تبحثُ عن أجوبةٍ لكي تشفى! ماذا يعني أن تُولدَ من أجل أن تُسحق، تٌداس، تُنتهك، تُقتل.. حتى أنك لا تُدفن مثل باقي البشر؟! ربما أبي الآن يعترف لنفسه تحت الأنقاض بخطأ ولادتي، وهو يُدرك في هذه اللحظات بأننا مهزومون، هزمتنا أحلامنا التي لن تتحقق، هزمتنا أخلاقنا التي لم يعد لها محلٌ من الإعراب، هزمنا الحرام الذي يريد أن يُصبحَ حلالاً…
شاب1: كنتُ أرددُ هذه الكلمات قبل أن تدخلَ غرفتي!
شاب2: أريدُ أن أعيش.
شاب1:  السنواتُ تركض هنا باتجاهِ قتلنا.
شاب2:  وهناك؟
شاب1:  تركض باتجاهِ الحياة.
شاب2:  من أين جئت بهذا الحل المقرف؟
شاب1: أعرف صديقاً فعلها مع صديق آخر وحصلا على اللجوء مباشرة، ركض لهولندا…
شاب2:  أنا لم أقترب من امرأةٍ في حياتي.. كيف تريدني أن أقتربَ من رجل؟
شاب1:  ستقترب من أخيك، وقيل في المثل بين قوسين (…) أخوك ولا تخرب بيت أبوك”!
شاب2:  لالالا، لا يمكن.. أخجل.
شاب1:  هم قالوا ..الصديق في ساعةِ الضيق.
شاب2:  أخجلْ، والله العظيم أخجل.. عشتُ عمري كله محاطاً بالخجلِ والعيبِ والأخلاق…
شاب1:  فكِّر قليلاً بسموِّ هدفِنا.
شاب2:  قلتُ لك بأنني رجل شريف وأبي كان شريفا، جدي كان أشرف الشرفاء، وجد جد جد جد جد جد جدي كانوا كلهم شرفاء، كيف أخرج من قاعدةِ الشرفِ هذه وأتحوّل الى واحد منيـ …؟
شاب1: أكملها…
شاب2:  ماذا أكمل؟
شاب1:  كلمتك الأخيرة.. قلت منيـ .. وسكت.
شاب2:  أخجل من إكمالها.
شاب1:  اترك الخجل جانبا وقلها كاملة وبشجاعة…!
شاب2: لا أستطيع.. لأن ذاكرتي معبأة بمفردات الشرف، معبأة جدا، حيل، لا أستطيع..لأن أبي كان يزرع الشرف في حديقة بيتنا مع النخيل وأشجار التفاح والبرتقال فننام وعطر الشرف يحرسنا، لا أستطيع.. لأن الشرف يذكّرني بعباءةِ أمي! هل تعرف ماذا تعني تلك العباءة؟
شاب1: عباءة أمك نسخة طبق الأصل من عباءة أمي.
شاب2:  شرفي…
شاب1(يقاطعه صارخا به) والله ذبحتني بشرفِك.. وكأنك الوحيد في هذا العالم من يملك شرفاً.
شاب2:  (يصرخ به أيضا) أبي كان يردد دائما.. الصلاةُ التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر مضيعة للوقت.
شاب1:  ومن قال لك بأنها فحشاء؟
شاب2:  منكرٌ على أقلِ تقدير.
شاب1:  (يصرخ به) سأخرجُ أبحثُ عن شابٍ آخر يُشاركني أحلامي وانحرافي معاً.
شاب2:  انتظر انتظر.. دعنا نتحاور أكثر.
شاب1:  أنت مُقفل.
شاب2:  أخافُ من الحرامِ والنارِ وجهنمِ والعذابِ والكثير من المفرداتِ الأخرى.
شاب1:  وأخافُ من كُلِّ هذه المفردات أكثر منك.
شاب2:  اذن دعنا نبحث عن حلٍّ آخر بعيداً عن الحرام…
شاب1: (يقاطعه) صدقني.. لا حلَّ لقبولِنا كلاجئين غير أن أحدَنا يفعلها مع الآخر.
شاب2:  لا تقل يفعلها.
شاب1:  وماذا أقول؟
شاب2:  نحتاجُ الى كلمةٍ مهذبهٍ وتُعطي نفس المعنى.
شاب1:  فاعل ومفعول به مثلا.
شاب2:  لالا…
شاب1:  نمارس مع بعضِنا.
شاب2:  نعم.. نمارس أفضل.
شاب1:  كُن قوياً ومؤمناً وتوكّل على الله يا أخي.
شاب2:  لا تقل توكّل على الله في أمرٍ لا يرضيه سبحانه.
شاب1:  سيرضى عنّا صدِّقني مع الوقت.
شاب2:  كيف؟
شاب1:  نتوب.
شاب2:  ربما لا نستطيع التوبة.
شاب1:  هم يقولون.. باب التوبة مفتوح الى آخر نفس.
شاب2:  أعني قد يغرينا الشيطان ويجعلنا نستمر.
شاب1:  في ماذا نستمر؟
شاب2:  في في.. في هذا الموضوع.
شاب1:  عن نفسي سأتوب.
شاب2:  سيُكتب في ملفنا بأننا نمارس الرذيلة.
شاب1:  لأن الفضيلة لا يمكن لها أن تجعلنا نُقبل كلاجئين!
شاب2:  سيكتبون مفردة منيــ .. في ملفنا الرسمي لتكون أكثر قدرة على التعبير.
شاب1:  سنعتاد على هذه المفردة.
شاب2:  أستغفرُ الله.
شاب1:  كُلُّ شيءٍ ممكن أن يُصححَ بعد أن نخرجَ من الوطن!
شاب2:  أريدُ أن أبني قبوراً لأهلي.
شاب1:  عندما تضع الصواريخ أوزارها ويصمت الموت قليلا لن تجد حتى عظامهم!
شاب2:  يا ربي.. أنا في ورطة.
شاب1:  سأبحثُ عن غيرِك.
شاب2:  وتتركني؟
شاب1:  لا أستطيع إجبارك.
شاب2:  سأموتُ وحدي في هذه الغرفة.
شاب1:  إذن تعال معي لتعيش.
شاب2:  من يضمن لي أن الله سيسامحني؟
شاب1:  سأخرج دونك… (يهم بالخروج من الغرفة)
شاب2: (يصرخ بقوة) انتظر، انتظر (بألم) موسيقى لمدينة مهدمة على أهلها (صمت) أنا موافق ولكن لا أستطيع أن افعلها معك ولن أدعك تفعلها معي.
شاب1:  (يتوقف) لماذا؟
شاب2:  أخجلُ منك.
شاب1:  ومن سيفعلها؟
شاب2:  نبحثُ عن طرفٍ ثالث.
شاب1:  دع الأمر بيننا.
شاب2:  قلت لك أخجلُ منك.
شاب1: لا بأس.. الطرف الثالث موجود.
شاب2:  أين؟
شاب1:  في الغرفة المجاورة لغرفتنا!
شاب2:  من يكون؟
شاب1:  يُدعى أبو درب.
شاب2:  وكيف عرفته؟
شاب1:  ومن لا يعرفه؟ لقد كنت أصغي كل ليلةٍ للأصواتِ الصارخةِ من غرفته.
شاب2:  أصواتٌ صارخة، غرفةُ تعذيب أم ماذا؟ أعوذ بالله…
شاب1:  لابدَّ من الصراخِ يا أخي.
شاب2:  أستغفر الله.
شاب1(يحذره صارخاً) انتبه…
شاب2:  (خائفا) ماذا ؟
شاب1:  رأيت طابوقة سقطت هناك…
شاب2:  لنغادر للغرفة الأخرى…
(يغادران الغرفة مسرعين)
    3 ـ ( بسطال يابس وفطيسة متفوخة)
المكان: (غرفة (رقم 155) في نفس الفندق، لا تختلف كثيرا عن غرفة (رقم 154)، فيها سرير واحد مغطى بشرشف أبيض ناصع البياض…شاب1 وشاب2 يقفان وسط الغرفة. أبو درب هو الشخص الذي ظهر في بداية النص، يقف على سجادة الصلاة، يصلي بعمق، ينتهي من صلاته…)
أبو درب: ( متأملا…) قصّتي.. أنا أُدعى أبو درب.. أعيش في هذه الغرفة من أجل أن أحققَ الأحلام لمن يُريد ذلك، ربما تحوّلتُ الى سببٍ شريفٍ كما أرى لكي ينام الناس بسلامٍ في أرضٍ خضراء بعيداً عن هذا السواد، قصّتي لا تشبه أية قصةٍ أخرى.. لأن الفضيلة والرذيلة يتداخلان في هذه الغرفة فتنتصر الفضيلة دائما، أنا أسميها فضيلة لأنني أراها هكذا عكس من يراها رذيلة! قصتي…
شاب1: (يقاطعه) أروعُ قصةٍ في هذا الكون.
أبو درب: (يتفحصهما) من أنتما؟
شاب1: نعتذر لأننا جئناك دون موعدٍ يا عم أبو درب.
شاب2: وجدنا باب الغرفة مفتوحاً فدخلنا.
أبو درب:هو مفتوح دائما وأبدا!
شاب1:  نحن نسكن في الغرفة المجاورة لغرفتك.
شاب2:  يعني جيران.
أبو درب:  وماذا تريدان؟
شاب2:  لا شيء.
شاب1:  يقصد جئناك بطلب، معروف، خير…
أبو درب: لا شيء في عمري سوى المعروف.
شاب2:  أنا، نحن…
شاب1:  نحن، أنا…
أبو درب: ما الذي جعلكما تدخلان الى غرفتي؟
شاب1:  من أجل أن نعيش!
شاب2:  الصواريخ…
أبو درب: مرة أخرى…
شاب1:  نعم مرة أخرى.
شاب2:  تركناهم تحت الأنقاض.
أبو درب: مرة أخرى؟
شاب1: مرة أخرى.
شاب2: كل الأبواب أغلقت بوجهنا سوى باب غرفتك يا عم أبو درب.
شاب1:  وجدناه مفتوحاً فدخلنا بسلام.
أبو درب: لم أغلق باب غرفتي يوماً بالرغم من أن الإدارة غير مسؤولةٍ عن صقوط البناية!
شاب1:  صقوط بالسين.
أبو درب: (موبخاً إياه) بالسين.
شاب1:  (يتدارك الحالة) نعم صح بالصاد بالصاد.
أبو درب: اختصرا.. ماذا تريدان؟
شاب1: الكرماء يُشعلون المشاعل لضيوفهم كما كان أبي يقول ذلك.
شاب2:  الكرماء هم المشاعل كما قال أبي أيضا.
أبو درب: الحياة السعيدة هناك تحتاج الى تضحيات كما تعرفان.
شاب1:  سنضحي…
شاب2:  لا خيار أمامنا.
أبو درب:  لن تتحملا!
شاب2(لشاب1) ماذا يقصد؟
شاب1:  لا أعرف.
أبو درب:عشرات الشباب دخلوا الى هذه الغرفة ومنها مباشرة خرجوا باتجاه المدن البيض وهم يترحَّمون لي الآن! ولكن ذلك يحتاج الى الكثير من الصبر والتحمّل.
شاب1:  سنصبر ونتحمّل.
شاب2: جئناك من أجل تلك المدن البيض.
أبو درب: والألم؟
شاب1: (خائفا) أي ألم؟
شاب2:  الألم.. أن تترك أهلك تحت الأنقاض وتهرب من أجل أن تعيش ويعيشوا في روحك.
أبو درب: قلت لكم لن تتحمّلوا.
شاب2:  قل شيئا واضحا أرجوك.
أبو درب: هذه هي المرة الأولى لكم بالتأكيد.
شاب2: وستكون الأخيرة بإذن الله.
شاب1:  بإذن الله.
أبو درب: وهذه هي المشكلة.
شاب1: لا تقلق.. كل شيء تحت السيطرة.
شاب2(لـ أبو درب) ماذا تعني بكلمة مشكلة؟
أبو درب: المشكلة في الحجم!
شاب1:  أيُّ حجم؟
أبو درب: ما بك؟ قلت لك الحجم، ألا تفهم؟
شاب2: أعتقد بأنها كلمة نابية.
شاب1: رجاءً.. قُلها بوضوح…
أبو درب: (يشير لعضوه الذكري) الحجم عندي 25 سم!
شاب1: (باستغراب) 25سم؟
شاب2: هذا رقمٌ مبالغ فيه كما أرى.
شاب1: الأرقام تُضرب ولا تقاس.
أبو درب: من يؤمن بقضيته يصبر على ألم الحقيقة!
شاب1:  الله الله…
شاب2: (لـ أبو درب) ولكن ألا ترى معي بأنه كبير الحجم.
أبو درب: هذا الموجود حبايبي.. يمكنكم البحث عن رجلٍ آخر عنده حجماً أصغر مني.
شاب1: نحن من مدينةٍ بعيدةٍ ولا نعرف أحداً سواك.
أبو درب: وماذا يمكن أن أفعل لكما؟
شاب1:  أن تجد لنا حلاً.
أبو درب: مثلما دخلتم لغرفتي بالمعروف يمكنكما أن تخرجا منها بالمعروف وتبحثا عن رجلٍ آخر.
شاب2:  قلنا لك بأننا لا نعرف أحداً سواك.
شاب1:  ولا نملك الوقت لكي نبحث.
شاب2:  نريد الخروج من الوطن حالا.
أبو درب: كونا كالرجال إذن ومثل كُلِّ الشبابِ الذين خرجوا من غرفتي سعداء.
شاب2:  أستغفر الله…
أبو درب: ولماذا تستغفر؟
شاب1: لا يقصد شيئا (لشاب2) دع استغفارك جانباً الآن.
شاب2: صار…
أبو درب: الرجولة أن تكونا على قدر كبير من التحمّل والصبر.
شاب1: ولكن الرجولة لا تعني…
أبو درب: (يقاطعه) بل تعني، نعم تعني…
شاب2: أنا بين أن أعيش هناك وبين أن أبقى هنا مثل شاهدةِ ميدانٍ يجربون حدَّة رصاص بنادقهم في جسدي! أنا بين أن أخرجَ من هذه الغرفة الى غرفتي الأخرى وأنامُ حتى مطلعِ الموت، وبين أن أخرجَ من هنا الى مدنٍ بعيدةٍ تستقبلني بالأزاهير.
أبو درب: كم أكره هذه الخطب الرنانة.
شاب1: (لأبو درب) أنا دخلت لهذه الغرفة من أجل أن أعيش، ولن أخرج منها إلاّ بجواز مرور منك، ولكنني لم أجرب هذا الشيء من قبل وأخاف من هذه الـ 25 سم أيضا.
شاب2: يا عمنا، يا أبو درب.. أتريدنا أن نتحمل هذا الحجم من أجل الخروج من الوطن؟
شاب1: أيُّ وطنٍ هذا الذي عليك أن تعيش فيه بألم وتخرج منه بألم لكي تبحث عن سعادتِك في وطنٍ آخر أقل ألماً؟!
أبو درب: الموضوع كله مثل أية عمليةٍ جراحية لإصلاح الجسد.
شاب1: كنا نتمنى أن يكون أقل حجماً!
شاب2: ما هذه الورطة يا ربي؟
أبو درب: هناك الكثير من الشباب بانتظار الدخول لغرفتي، وسينتهي وقت مواجهتكما معي، وعليكما أن تقررا حالا.
شاب1:  سنقرر، دعنا فقط نتحاور قليلا.
شاب2: ربما نصل لحلٍّ يرضي كُلّ الأطراف.
أبو درب: أنا مجردُ وسيلةٍ ولست طرفاً في حكايتِكم، أومن أن التضحيات العظيمة تنتج نتائج عظيمة، مثلما المقدمات الخاطئة ستنتج نتائج صحيحة!
شاب1: رجل حكيم.
شاب2: لم أفهم شيئا والله العظيم.
أبو درب: تعلمتُ في هذه الغرفة التي أسكنها منذ سنوات طويلة.. أن لا يمكن لأحلامك أن تتحققَ وأنت تنام في الغرف المجاورة العفنة.
شاب1: وهل كلهم خرجوا من غرفتك بكامل قواهم الـ…؟
أبو درب: (يقاطعه) ليس مهما أن يخرجوا بكامل قواهم.. المهم أنهم خرجوا وهم مؤمنون بقضيتهم! (يخرج من تحت السرير مجموعة كبيرة من سجادات الصلاة ) تركوا سجادات صلاتهم هنا وخرجوا، ما زالت حرارة أصابعهم وجباههم عليها، حتى أنني لا أعرف أسماءهم، خرجوا من غرفتي باتجاه الله، باتجاه الحياة التي يحلمون بها، باتجاه الأمل…
شاب1: ماذا يعني بأنهم صلوا هنا وخرجوا؟
شاب2: هل هذه غرفة أم مسجدا؟
أبو درب: سمها ما شئت.
شاب1:  ربما صلوا صلاة الشكر.
أبو درب: سمها ما شئت.
شاب2: (يصيح) ولكنني شريف، والله العظيم أنا شريف.
شاب1(لشاب2) اسكت الله يخليك.
أبو درب: الشرف لا يصنع المعجزات.
شاب1:  ليست مشكلتنا في الشرف الآن.
أبو درب: وما هي مشكلتكم إذن؟
شاب1:  الحجم…
شاب2:  السؤال يقول.. أ كُلُّ من يريد أن يحقق أحلامه يخترقه هذا الشيء؟
شاب1:  25 سم من أجل أن نخرج من هذا الجحيم!
شاب2:  نخرج من فندق إدارته غير مسؤولةٍ عن صقوط الطابوق بالصاد.
أبو درب: لا أملكُ الوقت لهذه الثرثرات والمخاوف والشرف والصاد بدل السين.
شاب2:  يا ربي.. أريد أن أخرج من هذه الغرفة وأريد أن أبقى في نفس الوقت.
شاب1:  سأخرج وأبقى وأبقى وأخرج، وسأخرج وأبقى، وأخرج أخرج أخرج وأبقى وأبقى وأبقى…
أبو درب: انتهى وقتكم.. اخرجا حالا…
شاب2:  انتظر قليلا.
شاب1:  سنقرر.
شاب2:  الآن.
أبو درب: وأنا أسمع.
شاب1:  سأبقى.
شاب2:  وسأبقى وأمري الى الله.
شاب1:  وأفعلها.
شاب2:  وأفعلها، ليس بيدي.
شاب1: لا خيار أمامي.
شاب2: ولا خيار عندي.. أستغفرك ربي وأتوب اليك.
أبو درب: مرحبا بكم في غرفتي.
شاب2:  أنا خائف.
شاب1:  وأنا أكثر.
أبو درب: قبل العملية.. عليكما أن تدفعا لي مبلغا من المال جراء عملي!
شاب1: مبلغاً؟
شاب2: ولماذا المبلغ؟
أبو درب: أتعابي.
شاب1: انقلبت الموازين والله.
أبو درب: وهل تعتقدون أن هذه العملية تجرى دون أن تدفعوا مبلغا مقابل عملي؟
شاب1: أعتقد من يفعلها يفترض هو من يدفع مبلغا لنا.
شاب2: وهذه هي الأصول.
أبو درب: إذن لن نتفق.
شاب1: سنتنازل عن المبلغ.
شاب2: بالرغم من إنه حقنا الشرعي.
أبو درب: كل من دخل الى غرفتي دفع مبلغا وخرج راضياً وسعيداً.
شاب1: يعني فوق الـ… ندفع مبلغا لك؟ هذا ظلم.
شاب2:  والله العظيم هذا ظلم.
أبو درب: لست بظالم، في هذه الغرفة هناك اشتراطات، قوانين لابد من تطبيقها، قد يسميها البعض دستورا.
شاب1: ولكننا لا نملك إلاّ القليل من المال.
أبو درب: ما في جيوبكم يفي بالغرض.
شاب2: (يبحث في جيوبه، يخرج القليل من النقود ويسلمها لـ أبو درب) هذا كل ما عندي.
شاب1: (يبحث في جيوبه، يخرج القليل من النقود ويسلمها لـ أبو درب) وأنا أيضا هذا كل ما أملك.
أبو درب: (يأخذ النقود) لا بأس.. إذن لنبدأ فهناك من ينتظر أن يأتي دوره خارج هذه الغرفة.
شاب1: وهل هناك من ينتظر غيرنا؟
أبو درب: الكثير يا عزيزي… (يصيح بهما) من يبدأ أولا؟!
شاب1: ( يشير لشاب2) هو!
شاب2:  لالا.. هو أولا!
شاب1:  (لشاب2) جرب أنت أولا.. لن تخسر شيئا.
شاب2: إذا كنت ترى ذلك يمكنك أن تجرب قبلي.
شاب1: ولكنني أخاف.
شاب2:  ليس أكثر مني.
شاب1: لم أجرب سابقاً، حاول أن تفهم.
شاب2: وأنا ما زلت بتولا أيضا.
شاب1: كنت أعتقدك شجاعا.
شاب2: واعتقدتك أيضا.
أبو درب: في مثل هذا الأمر عليكما أن تحتكما الى القرعة.
شاب1: لست محظوظا أبدا.
شاب2: وحظي كما ترى دفعني لهذه الغرفة.
أبو درب: اذن .. ليكن أحدكما بطلا ويقول أنا الأول.
شاب1: أنا، أنا الثاني.
شاب2: وأنا الثاني أيضا.
أبو درب: لنلعب.. أحدكما يصفع الثاني وإذا وقع أرضاً يكون هو الأول.
شاب1: أنا موافق.
شاب2: وأنا أيضا.
(يقف شاب1 فيصفعه شاب2 فيقع أرضا، ويقف بعدها شاب2 ويصفعه شاب1 فيقع أرضا أيضا ، يُعيدا الصفعات لعدة مرات فيقعا في كل مرة، تنهار قواهما فيتوقفا عن هذه اللعبة)
أبو درب: لا فائز في هذه اللعبة وأنا تأخرتُ على زبائني كثيرا.
شاب1: أبو درب الله يخليك.. جِدْ لنا حلاً.
شاب2: الله يخليك أبو درب.
أبو درب: الله لا يخليني.. لماذا عليّ دائما أن أجدَ حلولا لمشكلات هذا العصر المستعصية؟ لماذا يضعني زبائني بين مطرقة الحلال وسندان الحرام؟ لماذا لا يقف أحدكم بكُلِّ فخرٍ وكرمٍ وعزٍ ويقول تفضل يا أبا درب.. أنا الأول مثل أيِّ فارسٍ يمتطي حصانه الأبيض؟
شاب1:  أريدُ فقط أن أرى إذا كان الأمر مؤلماً.
شاب2: أحتاجُ أن أصلي صلاة الوحشة لأهلي، أحتاجُ أن أقرأَ تلك الذكريات التي كتبناها على حيطانِ بيتِنا، أحتاجُ أن أصحو…
شاب1: (لشاب2) لقد دخلنا الغرفة وانتهى الأمر.
شاب2: القوةُ التي جرَّتنا لهذه الغرفة نفسها تجرّني لخارجِها.
شاب1: أُخرج لتتعفن في هذا الفندق.
شاب2:  قصتي…
شاب1:  (يقاطعه) أسكت أسكت أسكت…
أبو درب: وأنا أقولُ لكما.. نعم الأمر مؤلم خاصة وأنكما تفعلانها لأولِ مرة، ولكن لا خيار أمامكم إما الخروج من غرفتي حالا أو الخروج من الوطن.
شاب1:  سأخرج…
شاب2: أجدني خائفاً أمام هذه الحقيقة المرّة.
شاب1: سأنتصرُ لحلمي.
شاب2: أحلمُ أن أبني قبوراً لأهلي.
أبو درب: ستخرجان من هنا برؤوسٍ مرتفعة.
شاب1: ليكن ما يكون…
أبو درب: (لشاب2) وأنت؟
شاب2: قصتي.. أنا أغرقُ بالخوف والشرف، رأسي يدعوني الآن أن أنتصرَ على نفسي وأخرج من غرفتِك باتجاهِ المدينة التي خرجتُ منها، قصتي.. لست شجاعا أو بطلا كما يعتقدني البعض، كُلّ القصةِ بأنني سأحاول البقاء من أجل أن تكون الوردة مصيرها الذبول والذكرى باقية لا تزول…
أبو درب: (يشير له بالخروج) اخرج…
(شاب2 يخرج من الغرفة مسرعا ويبقى شاب1)
      4 ـ ( أمل بعطر القندرة)
المكان:غرفة أبو درب…نرى الكثير من الجمهور يدخل الى الغرفة، أو هكذا يمكن أن نطلق عليهم بالرغم من أن الحدث يجري في غرفة وليس على خشبة مسرح!.. أبو درب يقف على سجادة الصلاة، باب الغرفة مفتوحاً، يستمر بصلاته بكل خشوع، يتوقف…
أبو درب: (يتحدث مع الجمهور بهدوء جدا، أو هكذا نتخيل ذلك) أستغفر الله، ما الذي يحدث هنا؟ ومن أنتم؟ أو ما الذي جعلكم تدخلون الى هذه الغرفة؟! عجيب. هناك الكثير من الغرف الفارغة في هذا الفندق الوسخ، لماذا هذه بالذات وهي الأكثر وساخة؟ (يصيح بهم) اسمعوا جيدا، أنا لستُ مسؤولاً عن وجودكم هنا، ولا تعتبوا عليَّ بعد ذلك.. لأنني ببساطة لم أرسل لكم دعوة للحضور، لقد جئتم بأنفسكِم.. لذلك لست مسؤولا عن ما سيحدث.. لأنكم دخلتم الى الغرفة الخطأ! تذكروا ذلك، لقد جئتم للغرفة الخطأ…
(يدخل الى الغرفة شاب3 وشاب4.. يُشبهان الى حد كبير شاب1 وشاب2. يقف شاب3 فيصفعه شاب4 فيقع أرضا، ويقف بعدها شاب3 ويصفعه شاب4 فيقع أرضا أيضا، يُعيدا الصفعات لعدة مرات فيقعا في كل مرة، تنهار قواهما فيتوقفا عن هذه اللعبة…)
( انتهــــــــــــــت)
** علي عبد النبي الزيدي ( العراق-الناصرية)/ صيف 2017
Ali_zaidi65@yahoo.com
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت