"اللغة المسجلة في الجسد" / إعداد: د. محمود سعيد
مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي 2018
المؤتمر الفكري (فلسفات الجسد في المسرح المعاصر)
المحور الثالث: (الجسد في المسرح بين المنظور الأخلاقي
والاجتماعي)
مقدمة:
حينما يخترع أحد المؤلفين لغة ما لنفسه، فذلك لأنه غير راضي عن اللغة التي بين يديه، أو بالأحرى لأنه تربطه باللغة المستحدثة علاقات عاطفية، إن اللغة المخترعة نشأت في تجويف اللغة المستعملة كمادة أولى معها، وضدها، لأنها تتفجر من الداخل، إذ أن اختراع اللغة الجديدة هي وظيفة جوهرية من وظائف المسرح، حيث تغير نظام المعاني المعتاد لتبدو بصورة مختلفة، لغة في الوقت نفسه عادية، وغير عادية تشجع العلاقة مع العالم باستعراض اختلافها، فاللغة المسرحية نشأت لكي تقال، كما أن النص يسهم في إنتاج القارئ وتحدد نوعية القارئ الذي ينتجه النص مدى طبيعته التقدمية .. يقول (بول فاليري) في أطراف الجسد يوجد العقل والفكر ولكن أيضاً في أطراف العقل يوجد بدوره الجسد.
ويؤكد (ميشيل فوكو) أن الجسد هو السطح الذي تنقش عليه الأحداث نفسها، والذي تقتفي أثاره اللغة وتقوضه الأفكار ومحور الذات المفتتة التي تتبنى وهم الوحدة الجوهرية.
وأيا ما كانت النتيجة فالفعل الدرامي يشكل جزءاً من تصرفاتنا، وربما نمارسه بلاوعي على الاختلاف، ومابين الوعي وعدم الوعي .. تبدو لنا اللغة المسجلة في الجسد مابين الاحتفاء والاحتقار، أو القداسة والتسليع.
“والكثير من النصوص تقع في المنطقة الحذرة بمنآى عن أي تجريب، والآخرون جعلوا من الكلمة ساحة مناوراتهم، ولم ينتهوا من استغلال استراتيجيات التفاعل اللغوي، إنهم يستثمرون – بنوع خاص – مناطق الحميمية والميكرو مواقف”([i]).
يعتمد المسرح على عرف تاريخي يتمثل في لغة جميلة، هي لغة مسجلة بالجسد التي حققت له الشهرة بوصفه مسرحاً صيغ من أجل أن يقال، أو كأنما المؤلف وضع الثقة بالكامل في الكلمة للتعبير عن كل شيء، ربما من أجل هذا السبب قامت طليعة الخمسينيات بالهجوم على اللغة مركزة على هشاشتها، وقلة كفايتها كأداة اتصال، أو بفضح المسرحانية المضحكة في عباراتها الجاهزة (كليشيهات)، وهكذا، ومعارضة لعرف أدبي شائع في المسرح منذ أصوله الأولى، تصدى بعض المؤلفين لإبراز عجز الكلمة.
“وعلى النقيض من ذلك، عمد بعض كتاب المسرح، إلى إبراز الصعوبة التي تصادف شخصياتهم عند الكلام، واستعصاء اللغة حينما يراد التعبير عن عذاب اجتماعي: لايجد الكلمات المعبرة أو هو يتجاوز الكلمات، وهكذا ظهرت حوارات غامضة وهشة تتألف من مفردات مقصورة على ما بطل استعماله من اللغة”([ii]).
والسؤال الذي يظل قائماً هو مدى ملاءمة اللغة للواقع، وميلنا إلى الحكم عليها من خلال قدرتها على أن تكون مرنة، واضحة، بلا غموض.
“وسبق يونسكو الحديث في كتابه “يوميات مفصلة” عن اللغة عن الجزع الذي يستولى على الإنسان حينما لايكون متفقاً مع لغته، ويشعر أنها تخلت عن مكانها لطوفان العبارات الجاهزة، كلما أفرزها، اختنق تحت ابتذاليتها الرهيبة، وضل طريقه إلى حقيقة شخصيته، هذا الرأي الميتافيزيقي حول اللغة (من نحن إن لم نكن اللغة التي نتكلمها، أو كلما حاولنا أن نفتح أفواهنا بالكلام سيطرت علينا لغة ميتة؟) حيث يتم التعبير عنه بطريقة هاجسية من خلال جميع المسرحيات”([iii]).
إذا اخترع كل كاتب مسرحي كبير لغة لاستعماله، فهو يدرك أنها ستستمر عن طريق نفس الممثل وصوته، عن طريق جسده، اللغة المسرحية نشأت لكي تقال، هذا الحقيقة البدهية البسيطة التي نسيت هي التي حققت المجد”([iv]). لكل كاتب عظيم حتى وإن كانت اللغة مسجلة في الجسد.
إنها تذكر بمعنى الكلمة، وإلى أي قدر من العذاب يتعرض الفرد في سعيه إلى تحقيق مصالحه بين لغته وبين جسده.
أولاً: مسرحية حباك عوضين تامر([v]) لـ سامح مهران
حباك عوضين بين المفارقة وآلية التخفي:
يلجأ المبدع إلى الطاقة التخيلية يحتمي بها؛ ليسوغ لها استقبال الواقع وفق قانونه الخاص، إذ يعيد إنتاج مفردات هذا الواقع وفقاً لتصوراته وأمنياته وهذا يعني أن الخيال وسيلة لمجابهة ضغوط الحياة، إذ يكمل في خياله ما يفقده في حياته.
“لكن هذه الطاقة التخيلية لاتأتي من فراغ، إذ يبني المبدع عالمه الخيالي بالاعتماد على معطيات عالمه الواقعي، بل أنه يجعل لهذه المعطيات وجوداً مغايراً، وبذلك تحول الخيال إلى طقس من الطقوس توظفه لتشكيل أنساق سردية تنقله من واقع ساكن ومحدود إلى آخر أكثر حيوية واتساعاًً، أي أن التخييل أصبح وسيلة للهروب من واقع الحصار والعزلة والوحدة والاغتراب، ومن هنا استحال الخيال في بعض النصوص السردية إلى نوع من التنفيس عن القهر، ومخرج لعبور مناطق أكثر براحاً واتساعاً”([vi]).
لذا ينسج المبدع خيوطه الدرامية من ثنائية لها طرفان (الحقيقي والمتخيل)، يجمع بينهما علاقة جدلية، يتسم فيها الأول بمعاني الضيق والمحدودية، بينما يتسم الطرف الآخر بمعاني الاتساع، ولعب سامح مهران على ثنائية الحقيقي والمتخيل بذكاء ومكر مابين معطيات الواقع الحياتي والطاقات التخيلية، في مزج مكثف بين الحياتي والدرامي.
اتاح له قدراً من الاختيار؛ ليفضل مسلكاً على آخر، أو عرفاً على آخر، أو تقليداً على آخر، ليكون هذا الاختيار أداة لمساءلة الفرد عن كل تصرفاته، حيث الخلل والتمزق الذي يضيق أو يتسع، وقد يتحول هذا التمزق إلى نوع من (التنافر) الحاد والوقوف على طرفي النقيض، إلا أنه ثبات ووقوف متعمد ومحسوب بشكل واضح في مسرحية حباك عوضين حتى وإن حكمت الفوضى الأمور، والتي تمتد من العالم الخارجي إلى العالم الداخلي للإنسان، فبات يعيش حالات نفسية تنتظمها فوضى من نوع خاص، ومن ثم اتجه هذا الإنسان المعذب بتناقضات الداخل والخارج، إلى الخلاص من هيمنة النظام الذي يقيده، كما كان لعب حباك وظهوره واختفاءه، كان لعباً محسوساً على الرغم من أنه يؤمن بالقدرية، إلا أنه إيمان واثب متوقد للأمام.
إذ يمثل الجسد بتكويناته المختلفة ركيزة أساسية في بناء عوالم النص المسرحي هذا، ولذلك تم توظيفه بوصفه أهم عناصر البنية النصية؛ ومن ثم جاء التوظيف لهذا الجسد في رد فعل مضاد للثقافة التي أقصت المرأة، والرجل وحجبت عنهما البوح بتفصيلات هذا الجسد.
بالكتابة وبالاختلاف تتحدد الحياة بمعاني الجديد في بيان المتحيل الدرامي، ظاهراً كان أم خفياً، حتى وإن استخدم المبدع ثنائية الحقيقي والمتخيل عبر أكثر من زاوية لعل أبرزها اللعب على الجهل وخاصة لعبة الدجل. وقلب معانى الفهم والعقل وتدبير هذه العلاقات بعقلانية متفتحة على صيرورة العالم.
“وأمام انتشار سهولة الفهم المصاحب لهذه الظاهرة، ويسر التأويل والتبرير للكائن والمتستر فيها، برزت رموز باهتة بدأت تكرس وجودها بمعاني الظلام والجهل والجهالة الكبرى، لتعاملها وادعائها امتلاك الحقيقة المطلقة، وهو ما فطن إليه الفكر العربي الأصيل، ومعه الإبداع الدرامي العربي الذى أراد معرفة دور المسخ في خلق فضاءات مرسومة بالقمع، ومصادرة الاختلاف، ووصفة، ببهتان الرجعية المفلسة”([vii]).
لكن في نص حباك لعب من نوع آخر، أنه يحمل بذور الدجل من زاوية الجهالة والسذاجة حيث، نجد أشكال التطرف المحمي بالعقم وبالغباء حاضراً بشكل كثيف في هذا الوعى، بعد أن أصبح فتيل الفوضى مشتعلة في القرية بسبب افتقار المجتمع إلى العقل والعقلانية والدفء والتواد للابتعاد عن التطرف والذى يقود إلى أزمنة الظلام.
وهنا نحن أمام البطل المهزوم في ضوء مشروع بطل ناقص حيث “تنقسم الذات لديه إلى ذات واقعية تجسدها (الأنا الغافلة) وذات مثالية يمثلها (الأنا الحالمة) التي يحلم أن يكون عليها حيث تنقسم صورة الذات إلى صورة واقعية.. وهي ما يرى الشخص نفسه عليه في الواقع ثم إلى صورة مثالية وهي ما يطمع الشخص أن يكونه كما يمكن النظر إلى صورة الذات أيضاً خلال منظور خارجي أي الطريقة التي نعرض بها أنفسنا على الأخر فنحن نعرض أو نظهر أنفسنا في حالة الذات الاجتماعية وفقاً للطريقة التي يرانا بها الأخرون والتي نرغب في ترسيخها في أذهانهم عنا، اما الذات الخاصة الداخلية فهي ما نرى أنفسنا عليه دونما حاجة لارتداء الأقنعة، وكل التي تكون أقرب إلى عالم الخارج الاجتماعي منها إلى عالم الداخل الحقيقي([viii])، إلا أن البطل يبدو كبطل مضاد أو مهزوم حتى وإن حقق نجاحات مؤقتة، إلا أنها تعتمد على الزيف والخداع مابين الذاتية والموضوعية.
إذ تشير الافتراضات المعرفية الأكثر تأثيراً في الخطاب المسرحي، إلى التقابل بين الوضعية والذاتية، بين الموضع والذات، المنظور الوضعي أم الذاتي، ولقد أتاح هذا التناقض، اقرار علاقات سيموطيقية وبرجماتية في (السياق اللغوي) شديدة الاتساع.
ووسط هذه التأرجحات يبرز حباك عوضين متلاعباً بالكل عضوياً وجسدياً وفكريا، خاصة أن اللعب الدرامي في مسرحية حباك عوضين يعتمد على لعبة الوعي المسبق بالأفكار وإعادة ترتيبها تباعاً كوعي جديد مغاير.
“إذ يسعى المسرح إلى تحطيم النظام الرمزي المألوف في استخدام اللغة ليخلق عالماً منفرداً، عالم الخيال مدفوعاً من قبل الحاجة إلى إدهاش وجذب انتباه المشاهد دائماً”([ix]).
خاصة أن الكلمة في المسرح ملزمة بإعادة الدلالة الثابتة والتعبيرات تساير القواعد اللغوية لتنتج التأثيرات المرجوة.
إذ أن هناك لغة تصنع جسداً، وجسد ينتج لغة، وأيضاً هناك لغة مسجلة في الجسد، أو كما يقول سامح مهران “تعتمد الحقيقة في إنتاجها وتوزيعه واستهلاكها على نظم دائرية السلطة فهي منها وإليها فيما يعرف في دراسات الخطاب بنظام حكم الحقيقة”.
“هذا المزج بين الأنا والعالم مدون في اللغة نفسها، حيث يتحول الرمز إلى أداة لإدراك فقرنا الكامل أمام العالم” ([x])، وأمام اللغة، لذا يتم استخدام الجسد أحياناً ليحل محل اللغة ذاتها.
حباك عوضين تامر بين اللعب والخيال وبينهما الجسد
“يبدو جسدنا، وهو مقيد بالحياة والزمن والموت، وتتمثل الحياة بالفعل والتفاعل والحركة، وتتخبط بين ماهو موجود بين درجتي المعاناة والسعادة، ومحكومة بعداد الزمن (العمر) المتراكض نحو الإنجاز فالشيخوخة فالنهاية المتمثلة بالسكوت والموت، وضمن هذه العجالة نسعى جاهدين لتكثيف تفاعلنا بقدر المستطاع ضمن زمن محدود، آملين من خلال هذا التسارع أن ننجز أقصى ما يمكن إنجازه، وبين درجتي المعاناة والسعادة نتخبط في بحر التفاعلات، وهي محصورة ضمن قيود وشروط الجسد وتقلباته”([xi]).
خاصة أن المسرحية تبدو كحلم يترجم العوالم التي انتقتها الصورة من فوضى العالم، إلى الرحلة في الحلم على الصعود والهبوط، على الشباب والشيخوخة، على الحزن والفرح، على آلية الإنسان السابحة في سديمية لاتعطي لوجود هذا الإنسان أي معنى، كل شيء إذن بلا معنى واضح. فالمسرح يعني التجاوز .. تجاوز الذات بمحاكاة الآخر”([xii])، ومن فعل التجاوز ينطلق حباك عوضين في مرونة وسرعة مابين الظهور والتخفي وتعمد التجاوز والوثب السريع للوصول إلى أشياء أكثر غموضاً.
خاصة أن حباك يلعب على أساس الرفض، رفض السائد والجاهز والعادي والبديهي، وذلك بحثاً عن البديل الغريب والمدهش والمرعب والمثير، كل شيء يبدأ من الفعل وأول فعل يمكن أن يمارسه الإنسان هو أن يرفض، فالواقع أصغر من المتصور، والمحسوس أضيق من المتخيل، والحاضر متخلف عن المستقبل، واليومي ليس أجمل من الحلم، لذلك كان لابد من رفض الواقع المعطى، وهذا فعلاً تأكيد على الحاجة للاتساع والثورة والتجديد ورفض القوالب التنظيرية المحددة لأفعالنا الإبداعية، هذه هي طبيعة الجسد المتجدد والمتفاعل مع أعضاء بيئته، كما صورها سامح مهران في (حباك عوضين تامر) بشيء من المكر والدهاء، إلا أنه لعب على الوضوح أيضاً فحباك يحمل رسائل واضحة وأفكار سليمة، إلا أن الوسائل هي التي تتغير.
إذ إن عنصر اللعب في المسرح يساعد كثيراً على تحويل الواقعي إلى مثير للخيال وإلى العبث والتسامي بالذوق، فالجسد المسرحي منذ بداية نشوئه وتحوره نحو النضوج والحلم بالوصول إلى التكامل.
هو جسد دائم التفاعل والغليان والتطور والبناء الذاتي، منذ أن يبدأ بفكرة داخل رأس المؤلف متحولاً إلى إشارات ورموز متطورة من الكلمات والأوصاف والعناصر التي تنتقل تدريجياً إلى العناصر الأخرى المكونة لكينونته الجسدية المتكاملة.
“فثقافتنا العربية تُعلي من شأن الكلمة وتنظر إلى الجسد نظرة شك وريبة، ولا تراه – خاصة في حالة المرأة – إلا في علاقته بالجنس والوظائف البيولوجية، وترى أن احترام الجسد يتجلى في تقييده وتعتيمه لصالح أفعال القول، رغم أن هذه أيضاً لاتخلو من قيود وإن كانت أخف وطأة وأكثر وضوحاً”([xiii]).
وتتعاظم هذه الوسيلة الفنية حينما تسعفه معطيات واقعه في تشكيلها؛ وهو ما توفر لـ سامح مهران الذي استثمر الطبيعة المرحة الساخرة للروح المصرية في توظيفه لاثنتين من هذه الوسائل الساخرة لا تنفصل إحداهما عن الأخرى؛ بل تتكاملان معاً؛ هما المفارقة والنكتة، في عملية أشبه باللعب ذاته، “في المسرح يستدعي اللعب ولعب المسرحية هو المسرحية ذاتها The Playing of the play it self فهي يصبح لها وجود من خلال، .. كل الصدف والأشياء الخاصة بمناسبة ظهوره”([xiv]).
ومن هنا فلا يمكن تمييز الأداء عن المسرحية، “ولايمكن القول أنه زائد عن الحاجة، ذلك أن جسد المؤدي يقاوم بطبيعته الرمز الذي هو وسيلة النظام أو السلطة للفرض قسراً بناءاً يتسم بالوحدة والتجانس على مجالات الحياة: فن – اقتصاد – سياسة، وإذا كان الجسد تدفقاً من الرغبات المتحركة والمتفاعلة، فإن الرمز يحد من تدفق هذه الرغبات، ويدفع بها في القنوات التي يرد لها أن تسير فيها”([xv]).
ليتحول حباك إلى رمز في لعبة التبادل، تبادل السلطة والرأي والتنفيذ في حد ذاته، “وبما أننا لانواجه العالم الفعلي مطلقاً ونلتقي وإياه، فالواقع يصبح بنية تصوير تمثيلي ليس إلا، أي أنه بمثابة واقع نصي، حتى لو اقتصر تعاملنا معه على التخيل دون الاختبار الحقيقي”([xvi])، وهذا ما حدث لحباك هو بطل بكل المقاييس، إلا أنه سلسلة في اللعبة ذاتها في لعبة الاختيار.
فالذات الإنسانية حدثت تنشئتها بواسطة إيجاد صلة بين الأقوال والأحداث لإيجاد خطابات، والجسد معنى وخطاب في الوقت ذاته وقد استخدمه سامح مهران في ذات المنطقة.
ففي (حباك عوضين تامر) تتحول الحكاية إلى أسطورة، ولو لم تنتشر بين الناس أنها أسطورة تبزغ وسط الناس وحياتهم، تبدأ من الصغير والمهمش والمعتاد، وكم تحتوي كلمة المعتاد على تفاصيل طويلة لانهاية لها في حياة حباك وغيره ووضعه الاجتماعي وأفراحه وتطلعاته وإحباطاته، بل إن كلمة المعتاد هي أساس وقوام هذا النص المسرحي البسيط المعقد في ذات الوقت، وذلك في ظل “ارتباط المفهوم الاجتماعي بالمفهوم الشعبي للجسد، والذي استخدم فيه الجسد في الطقوس الشعبية: من كرنفالات ورقص ومناسبات اجتماعية، ومن ثم أصبح الجسد خاضعاً للثقافة السائدة في المجتمع ولمفهوم التوارث؛ كوسيلة لنقل مشاعر الإنسان الشعبي وأحاسيسه، ومن ثم ظهر مفهوم (الجسد المقدس)؛ وهو جسد مخصص ومفروز لتحقيق مجموعة من الأهداف، وكذلك للتعبير عن أفكار مجتمعية، وتنمية الطاقات، وبهذا قدم الجسد في إطاره الشعبي الإنسان عبر التاريخ والزمن، وعبر عن إرادته ومخاوفه ورغباته وشهواته، وظل وسيطاً للغة حية قادرة على تحقيق التواصل، لذا خضع الجسد في هذا المفهوم لعنصرين: الأول: هو ماديته في إطار المفهوم الشعبي الطقسي، والثاني: هو خضوعه لعامل الطبيعة”([xvii]). وقد وعى سامح مهران بهذين العنصرين بشكل كبير في رسم حباك عوضين تامر حتى لو كان جسداً مجرداً.
“إذ إن الجسد شيء مجرد بالضرورة، ولكنه تجريد يقوم على إدراكنا لمجموعة من الأشياء الحية Fleshy والملموسة Palpable في العالم. فما الذي يحدث عندما نستخدم مفهوماً تجريدياً من أجل صياغة تحليل ما؟ هل يعد الجسد جزءاً من شخص ما؟”([xviii]). فالاستخدامات المختلفة للفظ الجسد تعد شيئاً جوهرياً، حيث إنها تحمل معها العديد من الافتراضات والنظريات، وغالباً ما تكون هذه النظريات متجذرة في رؤى أيديولوجية أو سياسية، خاصة أن الأجساد تعمل في فضاء حقيقي، كما أنها مصنوعة من مادة حقيقية.
“يبدو أن للجسد حدوداً مراوغة، فما الذي يتضمنه الجسد، وما الذي يستبعده؟ وبأي أسلوب يمكن أن نفكر في الجسد كأحد النصوص؟ وهل الجسد مادة خام أم أداة؟ وكمثال للأسئلة النظرية الصعبة والمربكة التي تشغل بالنا، يواجهنا هذا السؤال: كيف نفهم العلاقة بين الجسد والعقل؟”([xix]).
واعتقد أن الجواب يبتدي في فهم المسافة بين اللغة والجسد، “فالجسد ليس مفهوماً يمكنك أن تتعرف عليه من خلال الإشارة إلى أي جسد، لكن تشير لفظ جسد بوصفه طريقة لهيكلة الأفكار التي تتعلق بالإنسان؛ الإنسان وفكره لا الجسد، إذ أن اللغة هي تنتج جسداً.
“يتحدث فوكو عن الجسد باعتباره خطاباً Discourse، والخطاب هو أحد أنظمة استخدام اللغة التي تحمل مقومات القوة من خلال، كما يبدو، تمثيلها لمجموعة معينة من الأفكار، ومن العناصر الأساسية في خطاب الجسد تلك الطريقة التي يتبدى فيها الجسد ويظهر كأنه كيان واضح ومألوف وحقيقي، وكذلك الأسلوب الذي تصاغ من خلاله الأفكار حول الجسد كأنها قابلة للتحقق المادي السريع والصريح”([xx]).
“إن الجسد يعتبر وسيلة للتفكير في نقاط التلاقي بين الشخص والعالم المحيط به، وهو أيضاً وسيلة للتفكير، وتظل العوالم التي صورها النص حالات، لأن المتخيل متجذر في طبيعة الحكي والتذكر، بشكل مواز للإبداع كمقدرة، يعمل على تطوير الموضوعات، ووصله بآفاق أخرى، فعملية التحويل لاتتم إلا عبر قنوات، منها قناة الخيال، وهكذا يصبح النص منصهراً للواقعي والاستيهامي والمحتمل، ورغم حضور الخيال المجسد في الغيبي، وفوق الطبيعي واختراق الواقع والمستقبل، فإن متعة المتخيل تظل غير مكتملة، إذ يحضر فيها الخيالي بأشكال وفي مواقف تجعل المتخيل والمعرفي يتقاطعان ويُخصبان بعضهما البعض، لينتج ويستنتج منها (حباك) حياة جديدة يصنعها بلغته وجسده مستغلاً عامل الجهل الذي يحتوي الناس.
“إن خطاب المتخيل يتمظهر عبر تنوع حضوره وتشكيلاته بالنص في مهيمنين أساسيين هما الحلم والعجائبي باعتبارهما تجليا للمتخيل، يهيمنان ويُلحمان ويصهران السرود بباقي المكونات، كما يُكسران علاقة الراوي بواقعية الحكي والأحداث، ويعملان على تنضيد الحكي وتفاعلاته، ويطعمان الواقعي بالمحتمل لاستيلاد نص رحلي سردي مفتوح”([xxi]).
ولعب سامح مهران على الخطاب المتخيل في لعبة التنكر والتخفي لـ حباك ومهره والأم في أكثر من موضع في المسرحية. وذلك حتى لو لجأ إلى الخارق أو العجائبي إلى عنصر الخارق المتجاوز للحدود والمواصفات المعلومة، وذلك من أجل بناء عجائبيته وإضفاء طابع المبالغة عليها، ويتحقق بدرجات وتلوينات فيها ما هو خاص وما هو عام، ترافقه أفعال خارقة تتجلى في تطويع الأشياء التي لعب عليها حباك ووقع العمدة في شركه بسهولة، فيما يشبه السرد الشفهي التمثيلي.
إن السرد الشفهي هو الفن الذي يؤديه السارد الشفهي التمثيلي من خلال تقديم الأسطورة والملحمة والنكتة والحكاية والرواية؛ وذلك لأنه يستطيع أن يفعل كل هذا سواء مع الطفل أو الشاب أو البالغ أو مع كل هؤلاء مجتمعين وفي أي مكان كي يعيد خلق الحكايات كأعجوبة إبداعية، كمل يفعل حباك تماماً في إداء تمثيلي ذو مميزات خاصة؛ حيث إن الكائن البشري عندما يسرد بصوته الحي ويستخدم جميع أجزاء جسده؛ وذلك عندما يسرد بصوته الحي ويستخدم جميع أعضاء جسده، وهو في هذه الحال لايقوم بدور الإبلاغ؛ وإنما بدور الاتصال؛ لأنه يؤثر في سامعيه ويتأثر بهم لحظة بلحظة، وهذا لأن الراوي ليس مجرد آلة صماء، ولكنه إنسان يستخدم الصوت الحي والإشارات الجسدية المعبرة عما يريد قوله؛ لأنه يروي روايته للجمهور وإنما مع الجمهور وهذا ما كان يسعى إليه سامح مهران في هذه المسرحية.
إذ “يعتبر السرد الشفهي التمثيلي –تماماً – مثل التنويم المغناطيسي وهو تنويم غير تقليدي حيث يتمكن الكائن البشري – عندما يحي بصوته الحي ويستخدم الإشارات الجسدية المعبرة – من جذب انتباه الجمهور وفتح أبواب الحقيقة أمام كل واحد من المشاهدين؛ حتى يرى العالم بنظرة جديدة؛ وبمنظور كي يرى أو لكي يؤكد وجود العالم؛ منظور يساهم في تحويل الحقيقة كلها وتحويل حقيقة كل إنسان”([xxii]). وقد مارس حباك تلك اللعبة بمساعدة سامح مهران.
إذا مارس بصدق وبالصوت الحي واستخدمت فيه تعبيرات الجسد بصدق، لدرجة أن نجح حباك في حبك الحدث الحالم، أي حدثاً حالماً يستطيع الراوي الصادق من خلاله إذا استخدم صوته الحي وتعبيراته الجسدية كلها أن ينقل الجمهور من عالم الحقيقة إلى عالم الأحلام، بل حدثاً تخيلياً يستطيع حباك من خلاله، ليس فقط إحداث انعكاس للحقيقة، لكن خلق الحقيقة التي يستطيع من خلالها عرض أحداث الأمس، وتأكيد أحداث اليوم، وتوقع أحداث الغد؛ حتى يتلمس كل واحد من أفراد الجمهور طريق الحاضر واتجاه المستقبل، لذا نجح حباك بشكل واضح في حبك مجموعة الحكايات والأقاصيص بعناية ونجاح، بل وبهلوانية شديدة، مستخدماً الجسد متداخلاً في اللغة واللغة التي تنتج جسداً خاصاً بها.
وهنا تبدو أهمية المفارقة، ولعبة التخفي التي ارتكز عليها النص المسرحي، ومما لاشك فيه أن هناك مفارقة زمنية في الفن، إلى درجة أنه ليس مبالغاً فيه القول إن تاريخ الفن مليء بالمفارقات الزمنية، في العصور القديمة اليونانية اللاتينية نجدها، إلى جانب التاريخ نفسه، في الملحمة، وفي المسرح، وفي الفنون التشكيلية، في الفن المسيحي البدائي يمكن رؤية الله على صورة جوبيتير (كبير آلهة الرومان)، والعذراء على صورة جون والقديسات على صورة حوريات الغابن وكذلك الصور التوراتية على صورة ملابس مثالية متعايشة مع زينات تلمع تتماشى مع ملابس المكان نفسه وزمن الرسام”([xxiii]).
وفي نهاية المطاف فإن المفارقة الزمنية يجب أن تبرز على أساس خلفية تحديد موقع متماسك بشكل كاف -أكثر دقة – للعالم الخيالي، حيث إن التجزئة والتركيبات الفوقية لأزمنة يخلق انطباعاً مهجوراً بصفة عامة يذوب فيه التأثير الصدامي للمفارقة الزمنية ولايصبح صعباً عزل بعضها، مثل هذه الحالة في حباك عوضين.
الجسد بين الحضور والغياب
حينما يصعد الموت إلى الرمز الموضوعي الذي يشير من طرف خفي إلى الأوضاع السياسية والاجتماعية وغيرها يتحول الموت إلى رمز تتداخل فيه المعاني، بشكل يجعل الموت في مسرحية (حباك عوضين) رمز متجدد واضح التشكل مع القراءة متداخلاً ما بين الواقع والمتخيل.
“لذلك، دائماً ما نجد أن الحدث في هذه المسرحيات يهيمن عليه نموذج أبوي يدفعه ويديره ويوجهه، ويتجسد درامياً في هيئات عدة، كأب حقيقي طبيعي، حي أو ميت، حاضر أو غائب، أو في هيئة طيف شبحي يتلبس البطل، أو كملك مستبد أو دكتاتور عسكري، أو كنوتي عجوز مخنث ذي طبيعة ضارية، أو كموظف محلي تافه يصعد للسلطة عن طريق المكائد الماكرة”([xxiv]).التي لاتخلو من الفكاهة. ورغم أن الفكاهة قد تأتي قاتمة مريرة، أو تحمل طابعاً جروتسكياً غربياً، أو حتى طابعاً كئيباً مروعاً، فالمسرحية وأجواءها النفسية المشرقة بجلاء، مابين الواقع والعلم، الحقيقي والتخيل، خاصة أن، المسرحية تبدأ في مكان معتم كئيب، بجنازة يندب فيها “حباك” البطل الذي تحمل المسرحية اسمه، أباه المتوفي، وتتكون من سلسلة من المواجهات مع قوى الشر المختلفة.
فبعد هذه البداية الواقعية، تنساب المسرحية كالحواديت الخيالية، لـ حباك هذا الوفي الذي لايخلو من الوازع الأخلاقي، ومع أنه يحتال على الأغنياء ويسلبهم أموالهم ليوزعها على الفقراء. في طرح قديم ومعروف، إلا أنه ليس مستهلكاً إذ تختلف زاوية الرؤية بشكل واضح.
فمن الموت ينطلق حباك لحياة أخرى، وتحرر طاقاته الإبداعية والفنية، وتمكنه من استغلالها في مقاومة باقي ممثلي السلطة الأبوية، بل وخداعهم أيضاً. وهنا يتحول الواقع المتخيل إلى قوة مضادة. ففي البداية يقابل حباك اثنين من الارهابيين الإسلاميين يتسمان بالهزلية، ويحاول هذا الارهابيان تجنيد حباك لخدمة قضيتهما مع وعده بالأموال، فيعرضان عليه مبلغ 10 آلاف يورو مقابل قتل الكافر الأجنبي، وخمسة آلاف يورو لقتل المسلم الذي يخالط الكافرين، وألفي يورو لقتل المسلم الذي يدفع الضرائب للحكومة الكافرة، ويتهرب حباك من الموقف بالحيلة، ويطلب إمهاله بعض الوقت كي يعد نفسه للجهاد ويستجمع شجاعته.
إرهابي1: السكة دي رزجها واسع فوج فوج ما تتصور
حباك : فوج فوج ما تتصور بكام يعني
إرهابي: لا بكام ولا بكامشي كد ما بتخلص كد ما يتصرفلك
(المسرحية ص 32)
ولكن حباك ما يلبث أن يتخلص من هذين الإرهابيين حتى يجد نفسه وجهاً لوجه أما بعل زبول، الذي يأتي مرتدياً سترة أنيقة وحاملاً حقيبة متخمة بالنقود، ويشعر بعل زبول بفرحة غامرة حين يستسلم حباك – بعد طول مقاومة – لغوايته، فيضربه بالرصاص ويسرق حقيبته. وعلى الفور يحمل بعل زبول على ظهره ويذهب به لزيارة واحد من أقدم مريديه وأكثرهم تميزاً ونبوغاً على أمل أن ينجح هذا المريد في إقناع حباك بتوقيع معاهدة معه، أي مع الشيطان.
ويلتقي حباك مع هذا التابع الأمين للشيطان، وهو رجل أعمال فاسد، في زنزانته بالسجن، فإذا بها مكان فاخر الأثاث والديكورات، يحفل بكل أسباب الرفاهية. ويحاول بعل زبول، في إقناع حباك بتبني تعاليم الشيطان ومريده، فحين يعود حباك إلى منزله، حيث ينهار الشيطان عند ذكر لفظ الجلالة، كما هو حاله دائماً، يقوم حباك وأمه بسرقة سترته والذهب الذي يزين به عنقه، ثم يدفناه في أعماق الأرض.
لكن الشيطان لا يلبث أن يعاود الظهور مرة أخرى، ولكن في هيئة عروسة ضخمة من القماش، بارزة النهدين، يصل طولها إلى ثلاثة أمتار، ويخبرهما بأنه قد حصن نفسه ضد أي ذكر للفظ الجلالة أو آيات القرآن بعد أن حشا أذنية بالقطن.
على أن حباك لن يستخدم ذكاءه وخياله وفنون التحايل والخداع لنشر الشر في العالم مثلما يفعل بعل زيول، وإنما سيستخدمهم لمحاربة الأشرار ومساعدة المحتاجين وعلى هذا يقرر حباك أن يمارس التمثيل، ويكون فرقة صغيرة مع أمه وخطيبته ويمشي بين الناس ولكن – على عكس الممثلين المحترفين – دون أن يعلم أحد بحقيقة أمره، ليبدأ الفصل الثاني مع الألاعيب وحيل الخداع والتنكر المسرحي. ففي البداية، تتنكر رشا ومهرة كساحرتين تمتطيان مقشتين لإقناع شيخ الخفر – الذي يطارد ابنه مهرة ليتزوجها – بتزويج هذا الابن من ابنة العمدة، شرع حباك في التلاعب بأطماع العمدة وجشعه، فيقنعه بالحيلة بوجود بقرة تتبرز قطعاً من الذهب بدلاً من الروث، ويعطيه إياها مقابل عشرين بقرة من الحوامل (عشر)، يوزعها على الأسر الفقيرة.
وحين يكتشف العمدة هذه الخدعة، ويطلب استرداد أبقاره يدعي حباك أن تلك الأبقار لم تكن سوى أمراء تحولوا بفعل السحر إلى أبقاره وأنه – أي حباك – قد أبطل مفعول السحر وأرسل كلاً منهم إلى مسقط رأسه.
وحين يرفض العمدة تصديقه، ويأمر خفيره بإطلاق الرصاص عليه، يشرع حباك في حيلة أخرى على الفور، فيسحب ذبل حيوان من جيبه، ويدعي أن باستطاعة هذا الذيل إعادة الموتى إلى الحياة.
واستعداداً لهذه الحيلة، كان حباك قد تظاهر بطعن أمه على إثر مشادة حامية بينهما أمام العمدة، وحتى يثبت العمدة صحة إدعائه، يؤرجح الذيل المزعوم فوق جثتها، ويا للعجب، ها هي الروح تعود إليها من جديد.
وهكذا، ينخدع هذا العمدة الساذج المتعطش للسلطة مرة أخرى، فيدفع مليون جنيه ثمناً لهذا الدليل السحري.
وفي النهاية يتنكر حباك في زي امرأة بينما تتخفى أمه وخطيبته في هيئة كتلة من الحجر وشجرة على جانب الطريق، وينجح في إقناع العمدة بأن شيخ الخفر الشرير، القاسي، يدبر المكائد ليسلبه ثروته وسلطته، ويوعز إليه أن يضربه بالرصاص لتأديبه، طالما أنه يستطيع أن يعيده للحياة مرة أخرى بواسطة الذيل السحري عبر لعبة التنكر الجسدي، وذلك الجسد المتأرجح بين الحضور والغياب.
ويكتشف العمدة أنه قد خدع من جديد، يصرخ مطالباً بدم حباك، ويأمر بتقييده ووضعه في جوال، آمراً اثنين من حراسه بقذفه من فوق قمة أعالي الجبال.
ولحسن حظ حباك، يضع الحارسان الجوال لبرهة من الوقت ويذهبان لأخذ قسط من الراحة، وفي هذه الأثناء، يتصادف مرور الإرهابيين الذي قابلهما حباك في بداية الأحداث، ومن خلال الأحداث استخدم الجسد مع اللغة في إحدى حيل حباك يحاول خداع الإرهابيين، بل ودفعهما لـ الصراع حول. نعيم الجنة ومباهجها، حتى إنهما يقتلان ويسرقان رغبة في الفوز بها، يتظاهر حباك بالعراك داخل الجوال مع أحد الملائكة الذي يصر على الصعود به إلى جنات عدن، وحين يسمع الإرهابيان هذا الحوار. يتلهفان على أن يحلا مكانه داخل الجوال، بل ويتعاركان معاً حول أحقية كل منهما في الفوز بالجنة، وينتهي بهما المطاف إلى قتل أحدهما الآخر ويدخلبجسده الأحمق إلى الجوال منتظراً أن يقذف به من أعلى الجبل إلى جنة عدن
يبدو أنه “يتأسس النص على رؤية شديدة السخرية مما حدث ويحدث في حياتنا المعاصرة، وبما تفكر فيه عقولنا أو يغيب عنها، وفيما وصل إليه حالنا من تعلق بالقيم المندثرة والفكر المتكلس، مستفيداً كاتبه من صيغة المحاكاة الساخرة (الباروديا) المعروفة في الدراما العالمية ليعيد بها بناء أسطورة فاوست الأوروبية الشهيرة بصورة تهكمية، بعد غرسها في تربة صعيدية جنوبية، وملئها بالعديد من الأفكار البادي بعضها على السطح، والمضمر أغلبها في ثنايا مواقف وحوار الشخصيات”([xxv]).
لذلك يضعنا المؤلف أمام البطل حباك وهو شاب انقطعت معرفته بماضيه، ولايشكل له الأب قيمة تذكر، وغيابه مثل وجوده غير مهم، وكل قيمته تكمن في المال الذي كان يوفره له، ولم يغير اختفائه شيئاً في حياة حباك وسط هذا العالم الفنتازي، يبرر “حباك” مواطناً بسيطاً يلاعب الحياة وتلاعبه، بطل بلا بطولة.
مسرحية حسن البغدادي([xxvi]) .. لـ جيمس فليكر
بداية نطرح مجموعة من الأسئلة نخترق بها عالم حسن البغدادي، هل الإنسان حر في خياراته، أم أن قوة الطبيعة، أو ربما بسبب قوة الكون وبسبب كونه مبرمجاً من مادة مسبقاً فهو متورط ومقيد؟
هل القيود التي تفرضها الطبيعة أو الكون على الإنسان تجعله يظن بأنه صاحب قرار، بينما هو مقيد في تصرفاته بسبب الكثير من القوانين الطبيعية أو الكونية المفروضة عليه؟ سواء كان حاكماً أم محكوماً، يمثل القوة أو الضعف.
عندما قرر الخليفة هارون الرشيد إعدام نرفانا ورافع، طلب منهم الاختيار مابين زواج نرفانا من الخليفة، أم قضاء ليلة واحدة يمارسان فيها الحب ثم الإعدام، لذلك كان القرار هو الفرار للموت وفناء الجسد بعد الحياة في منفه ولو ليلة واحدة.
إن عدم التواجد في منطقة الموت، والاقتناع علمياً ونفسياً بحقيقته، كلها عوامل تجعلنا أصدقاء للموت.
إن الجسد الميت الذي كان في الماضي والذي يعيش بداخلنا من خلال تخزيننا لتفاصيله لايمكن أن يبقى على ما كان عليه، بل يتحول ويتحلل بداخلنا لينصهر مع مركباتنا ويتحول إلى جسد مختلف وجديد، ولن يبقى منه إلا ما يحتاجه جسدنا، وهكذا تعامل فليكر مع جسد ألف ليلة وليلة، اعتبره جسد ميت إلا أن أثاره مازالت وتجلياته ملموسة، وفق أفكارنا المسبقة عن ألف ليلة وليلة.
وهكذا تصبح أفكارنا المسبقة هي أقوى دافع وأهم حاجة تجعلنا نبحث عن تساؤلاتنا، فيتحول العمل إلى مقدمة مفيدة للتعبير عن أنفسنا بكامل الحرية، وطرح كل ما يشغلنا علنا أمام الجسد، وهذا ماطرحه هارون الرشيد أمام العاشقين رافع ونرفانا، الحياة مقابل الجسد، الحب يوازي الموت، “وبين ديكتاتورية المنطوق وديمقراطية الجسد؛ على المبدع أن يبحث عن لغة إبداعية تعبيرية خارج النص المنطوق”([xxvii]).
لذلك فاللغة هي حاجة للاتصال والتفاعل، توجد لغتك حسب حاجتك، وبما أن البشر يختلفون وتختلف حاجاتهم باختلاف البيئة، فإنهم يحصلون على لغات مختلفة، مثلما كانت لغة رافع ونرفانا مختلفة عن لغة هارون الرشيد، فقد اختارا لغة القلب والخلود الأبدي بدلاً من خلود مؤقت مزيف جسدي.
فهناك سياق مجتمعي يوضع فيه الجسد، يشابه إلى حد كبير فكرة النص الذي يوضح الأطر الحدودية للعلامات الجسدية، وهذا يوضح فلسفة التعاطف التي اجتاحت حسن تجاه رافع ونرفانا، بل وجعلت من حسن عدوا للخليفة نفسه.
يكشف النص عن التوازن، والتحول، والعلاقة التي يخلقها المؤلف بين كل من المفردات يعتمد على ثقافة القارئ وعلى خبرته المحسوسة وخياله، كما أنه يحرك مايمكن أن نسميه بالفضول الخلاق الذي يعتمد على المعرفة المكتسبة وتداعي الأفكار والصور الذهنية المسموعة وألف ليلة وليلة. إن مثل هذا المفهوم للمسرح إنما يحول الزمن إلى حاضر لا نهائي، “يعامل الزمن عندئذ كما لو كان طبقات متتالية من الأقمشة الشفافة حيث كل قطعة منها تغطي وتكشف في آن واحد”([xxviii])، فاللعب على زمن الليالي لم يبتعد عن جسد الليالي ذاتها، إذ تنشأ علاقة بين زمن الليالي وجسدها في نفس الوقت في مسرحية حسن البغدادي، فنحن أمام حكاية واحدة تتفرع منها حكايا أخرى كطبقات متتالية بالفعل.
وإدراك حسي لأدق التفاصيل كي نقرأ حركة، أو نلاحظ تغير ذهني أو مادي وهكذا فإن قراءة الحركة ليست مجرد إدراك لتصرف ما؛ ولكنها تشمل أيضاً قصة في حالة صيرورة”([xxix]). كما في حالة حسن البغدادي.
إذ “يستكشف المسرح الإمكانيات التعبيرية، الشكلية والرمزية للجسد، الكلمة، المكان والمادة الفيزيقية، موسعاً حدود اللغة والأشكال، وكل هذا بدون الانشغال بغائية نفعية مباشرة، بل فقط بالمتعة نفسها التي يحدثها النشاط الفني والإبداعي”([xxx]).
كمتعة الإثبات، إذ يجد الإنسان متعة الإثبات في وجود شيء، في تأكيد أن الحقيقة هي كما يعتقد هو أنها كذلك، ومشاركة هذا الإثبات مع الآخرين، كما حدد حسن هدفه ببساطة من البداية حتى النهاية حتى مع اختلاف المواقف والأحداث والظروف المحيطة، كان يعي جيداً متطلبات كل مرحلة.
لتعلو متعة الاقتراب من ماهو مرغوب: من أجساد مثالية، وعلاقات مثالية، وقواعد مثالية، شيء مرغوب هو شيء يثير الإعجاب، حلم الامتلاك أو ببساطة شيء حضوره محبب، أو حتى متعة الإبتعاد والهروب، وقد مارس حسن متعة الاقتراب من ياسمين، إلا أنه أيضاً مارس متعة الهروب في نهاية المسرحية من حياة هارون الرشيد.
وقد لعب جسدياً النص على هذه المتعة، بشكل غريب، ففعل الهروب أصبح هدفاً للقاصي والداني حتى حسن ذاته استسلم لهذا الفعل في البداية، حيث الهروب من الحقيقة جسدياً بتمرده على بدانته ورؤيته لنفسه كعاشق.
التمرد والالتباس الجسدي والفكري:
لايخفى على أحد أن استخدام الالتباس مقرونة بالتمرد هي لعبة قديمة متجددة، وقد وردت بشكل واضح في ألف ليلة وليلة، ولعب عليها (جيمس فليكر) في هذه المسرحية الطويلة والمتنوعة الفصول والأحداث والحكايات.
إلا أن المؤلف تعمد الخلط والمزج مابين التمر الفكري والالتباس والجسد الحاضر الغائب، الجسد الذي يسعى للهروب، وهو نفسه الجسد الذي لايخشى الإعدام في شجاعة وقوة وتجليات للبطل في المتخيل والحكايا واضحة جداً حتى لو كان الغموض يؤطر الأحداث.
حيث “الغموض، أو الإبهام، أو الالتباس، هو عكس الوضوح، ويتولد الالتباس من مقولة تثير الشك، لأنها تحتمل أكثر من تفسير، ويتجلى ذلك في كلمة، أو عبارة، أو نبرة، أو صيغة نحوية، أو عملية ترقيم وتنقيط، أو وجود جناس، من بين المسببات الرئيسية التي تحدث الالتباس، الإيجاز المفرط في التعبير، وإشارة الضمير الضبابية، والسياق الشعري الخاطئ أو المعكوس، واستخدام كلمة ذات معنيين أو أكثر”([xxxi])، ليحدث الالتباس كتعبير عن فكرة في لغة ذات طبيعة خاصة، تثير أكثر من معنى، أو تخلف تشككاً في المعنى الحقيقي.
ولاشك أن لهذا الالتباس عدة مسببات إرادية أو عفوية، سلبية، أو إيجابية، منها القدرة على توليد الظلمة من النور، أو الرغبة في التقعر واستنباط معان اعتباطية من معان أخرى واضحة أو غير واضحة، أو الميل اللاشعوري إلى تحويل ما هو غامض إلى ماهو أغمض، أو محاولة إخفاء معان سطحية داخل تلافيف من الألفاظ والتوليدات اللغوية، فقد يعود سبب الالتباس إلى عمق أفكار المؤلف، أو القدرة الزائدة على تركيز المعاني واختزالها، أو إلى ثقافة واسعة متنوعة، تجمع مابين اللغة والجسد، إذ يمتلك الإنسان جسداً يستخدمه ويتلاعب به فكرياً ومادياً ومعنوياً.
عالم الليالي الشرقي ورؤية فليكر الغربي:
أن هناك عالمين للمعنى: العالم الفكري أو العقلي، والعالم الدلالي؛ أي: أن المعنى لايمكن توصيله إلا من خلال حامل مادي له، ومن ثم “فاللغة ما هي إلا نظام مثالي من العلامات يحتوي على المعنى “النفي أو البحت”؛ أي: العقلي الخالص، والجسد البشري في المسرح هو وسيط مادي لبناء العلامة، لايمكن إعطاء الثقة التامة له، ولهذا حذر شيللر بوضوح من المكسب الوهمي للتجسيد، فلكي يتم استخدام الجسد بشكل جيد في المسرح لابد من تجريده من الجسدية الواقعية؛ للتحرر من كل ما يشير إلى أعضاء الجسد”([xxxii])، كما سعى المؤلف لعملية التحرر الجسدي عبر فعل الاختيار لكلاً من رافع ونرفانا أو فعل الهروب لـ حسن.
“فالبشر ليسوا مجرد منتجات للوسط المحيط، كما أن الوسط المحيط بهم ليس مجرد صلصال يشكلونه على نحو تعسفي، وإذا كانت الثقافة من شأنها أن تغير مظهر الطبيعة، فإنها أيضاً مشروع تفرض عليه الطبيعة حدوداً صارمة، وإذا صح هذا التوتر بالنسبة للكلمة، فإنه يصح أيضاً بالنسبة لبعض الأنشطة الثقافية … الثقافة حرة ومقيدة، والمثقف حر ومقيد، ولكنه ليس تناقضاً مطلقاً لاسبيل إلى حسمه، ذلك أن الحركة الجدلية تصاعد بين النقيضين، إنجاز جامع بين الحرية والقيد”([xxxiii]).
وإذا تم مزج اللغة مع الجسد للبحث عن منتج جديد، انطلقت الأسئلة مدوية كالطلقات.
“هل تعتبر اللغة أحد تلك الأوجه؟ هل هي نتاج الثقافة أم موروث الطبيعة؟ ما الذي سنراه إذا وضعنا اللغة كمرآة للعقل: الطبيعة الإنسانية أم التقاليد الثقافية لمجتمعنا؟ فإن طرح السؤال بذاته يبدو غريباً لأن اللغة تقليد ثقافي لا يتنكر بلباس غير التقليد الثقافي ذاته، فتختلف اللغات بشكل كبير في أنحاء العالم”([xxxiv]). لكن ماذا يحدث إذا حاولنا النظر بعمق أكثر عبر منظار اللغة، بعيداً عن المستوى السطحي للألفاظ ونحو المفاهيم التي تكمن وراءها؟، حيث الاختلاف الواضح بين عالمي الليالي الشرقي وعالم المؤلف الإنجليزي جيمس فليكر، لينطلق سؤال حيوي…
هل تأتي استنارة الجسد من أنوار مسلطة عليه أم يكون هو مصدر تلك الاستنارة التي ينشرها ويغطي بها المساحة من حوله؟
“إنها تلك الكلمات التي تشكلها أعضاء ذلك الجسد مجتمعة والتي تمثل الوميض الذي يبرق من حوله ليحيطه بهالة منيرة غير محددة الأبعاد، إنها محركات وآليات وأجهزة ذلك الجسد التي تصنع وتنتج من أمامنا تلك الكلمات المنطوقة وغير المنطوقة من خلال الباعث النفسي الذي يولد استثارة انفعالية تترجمها العناصر المكونة للجسد”([xxxv]).
فالنص لا يتبع الأسلوب التقليدي للكتابة المنمقة التي تسطر العبارات بأسلوب قواعدي رصين يحفظ للجملة عناصرها المنصوص عليها، المؤلف لايضع نقطة بنهاية الجملة لتختم المعنى، فالجملة تظل منفتحة على العديد من المعاني، الكلمات عند هذا الكاتب متشابكة الأحرف متباعدة للغاية بحيث تترك للقارئ مساحة وافية لإبداء تخيله، إنه لايسرد نصاً أدبياً لكي تتفق معه أو تتعارض معه، بل لتعيد كتابته مرة أخرى عند كل قراءة جديدة وتأمل جديد.
قد يبهر البعض ويصدم البعض الآخر، إنه يحدث فزع وارتباك في المادة الكلامية أو ربما أراد أن تكون نفس تلك المادة هي التي تُحدث لدى القارئ حالة من الفزع الفكري، أمام مايحدث وسيحدث لـ رافع ونرفانا.
فاللغة تندفع في جسد الممثل، وجسد الكلمة والموقف. فالمسرح يحدد الفكرة بسرعة أكثر من الفكر لأنه يندفع هناك حيث تنعقد اللغة مع الأشياء ويشكل مع الفضاء لغزاً رمزياً.
“إن الجسد هو أساس المسرح، هو في الوقت نفسه رهان، ما تكشفه هذه الأخيرة ما تسمح برؤيته، وتتيح التفكير فيه، إن المشهد المسرحي هو في حد ذاته نوع من مراجعة الذاكرة بالنسبة للجسد يرى منه ماهو قريب أو بعيد، ماهو منعزل أو مجهول، والمشهد هو نقش الجسد، هو نقش مثالي ونموذجي، لأنه يوفر المثال لكل نقش حتى باتاحة رؤية الجسد في لحظة انفصاله وفي لحظة انهياره”([xxxvi]).
كما صنع لنا جيمس فليكر عالماً شديد البساطة والغرابة في ذات الوقت، إلا أنه عالم الليالي الشرقية ليالي ألف ليلة وليلة في يد كاتب إنجليزي أنتج منها عالم وليالي أخرى عبر استخدام ماكر للجسد جسد اللغة وجسد الفكر.
“إذ لم يعد في تصور الدراما الحديثة القبول بالتتابع الكرونولوجي للزمن، وبما أن الماضي لاينفصل عن الحاضر، فإن عنصر الاستمرار يظل ملازماً لرصد العلاقة بينهما، لهذا يظل مفهوم الدراما باعتبارها تجربة معرفية أساسية لحياة الإنسان تقوم على الجدل بين لحظة ماضية ولحظة آنية، وبين عالم الواقع، وعالم الاحتمال مفهوماً عائماً ودائماً، يرتبط بطبيعة نشأة الدراما من الحاجة الإنسانية التي تلبيه، وهي الحاجة إلى المعرفة”([xxxvii]). وعليه تبقى علاقة الماضي بالحاضر أمراً ضرورياً لاستشراف المحتمل، وفي هذا التمازج بين الأزمنة، ما جعل من الدراما تتجه نحو اللازمن، حتى المكان، مكان مرتبط بالمسرحية كعالم جديد وكون جديد، وبذلك فلا مجال للبحث عنه في خرائط العالم.
التمرد بين الجسد والفكر
يكشف جيمس فليكر منذ البداية نظرته الموضوعية العقلانية للجسد من خلال البعد المادي المهم، حيث الجسد ودلالته المطلوبة والمرجوة على حد قول حسن …
حسن : أنا أحب بإخلاص كحب مجنون ليلى … وبالتأكيد فإن التي ملكت على قلبي ليست أقل جمالاً من ليلى ..
سليم : (بسخرية) وا أسفاه .. لقد أخطأت حين انتقلت من الخاص إلى العام، ولم توضح نواياك، ولكني لن أذكر المجنون فالمجنون كان شاباً وأنت شيخ، وكان ايرادات حلواني، وكان نحيفاً من شدة الوحدة وأنت أكثر بدانة من ذوات الأربع.
حسن: وحتى لو كنت كما قلت ياسليم، تاجراً كهلاً قبيحاً بدنياً، أليس لدي سبب مقنع لأحزن وأتألم وأنا على سجادتي، أو كيف احقق مني قلبي؟ (المسرحية ص41)
عبر هذا الحوار الافتتاحي للأحداث في بداية المسرحية، يعري الكاتب بعضاً من الحقائق في هيئة تمرد فكري على صورة العاشق الولهان القديمة المتأصلة في النفس، وصولاً إلى (حسن) الشيخ البدين، إلا أنه عاشق، في لعب بالجسد عبر الجمل الكوميدية الخفيفة التي انطلقت على لسان سليم وهو يستمع لشكوى صديقه حسن، لتبدأ المسرحية من حكاية أخرى في قالب من التمرد الفكري المبني على الاستخدام الواعي للجسد.
يبدو بين سرد أحداث المسرحية .. الطويلة جداً والتي تمتد لخمس فصول مدى وعي المؤلف بلعبة التمرد مقرونة بالإحساس بالجسد، بمعنى أن التمرد جاء لغوياً وفكرياً وجسدياً … حسن يتمرد على جسده كي يرتدي ثوب العاشق، وسليم يستخدم جسده الجميل في الإيقاع بياسمين، والخليفة يستخدم جسد السلطة للحصول على مايريد، (ورافع ونرفانا) يتخيران اللقاء الجسدي الحميمي من خلال قضاء ليلة حب واحدة حتى وإن كان نهايتها الإعدام، على ألا تدفع (نرفانا) جسدها ثمناً للفرار من قرار الموت.
في المسرحية لعب وتمرد فكري وجسدي منذ البداية حتى النهاية وهذا ليس بجديد على عالم الليالي (ليالي ألف ليلة وليلة)، وما بها من تمرد وعشق، وخداع وخيانة واستخدامات متنوعة للجسد، إلا أن جيمس فليكر هنا دمج الفكر بالتمرد في بوتقة احتياجات الجسد الروحية قبل المادية في ذكاء ووعي بالجسد ومتطلباته المعنوية قبل الحسية.
إلا أنه من أجمل المشاهد في المسرحية مشاهد الإشباح (شبح النافورة، شبح رافع، شبح نرفانا). وحوار بين الأشباح في مرونة وجمال، حوار الأرواح إلا أنه الإحساس بالجسد حتى بعد الإعدام مازال موجود في ربط درامي مهم من المؤلف ودلالات على استمرار الحياة لـ الحبيبين (رافع ونرفانا) حتى بعد الإعدام، وما يحمله من تجليات بدوام واستمرار الحب، بل وانتصاره في لغة راقية تحمل الجسد وتطير به.
شبح النافورة: مرحبا بك أنت وفتاتك البيضاء بين هؤلاء الأشباح تجري كما تحب، فإنني قد أفزعت واخفت ذوي اللحم والشحم (المسرحية ص205)
ففي مفارقة شديدة العمق والتكثيف يقر شبح النافورة أن الموتى هم الأحياء، في حين الفزع الأكبر من أصحاب اللحم والشحم إذ يطلق عليهم الأحياء، في وضع معكوس جميل واختراق للأجساد الميتة وهي على قيد الحياة، في حين أن الأرواح تبدو في أبهى الصور المادية والحسية في مفارقة شديدة التميز، أثبت فيها (جيمس فليكر) أن للجسد لغة مسجلة فيه وله ومن أجله في ذات الوقت، ليؤكد على أن العلاقة والخطاب مابين المُسيطر والمسيطر علاقة تراتيبية متحولة تشبه لعبة الكراسي الموسيقية حيث تبادل الأدوار، خاصة في لعبة (حسن البغدادي) الحلواني الذي غادر نعيم الدنيا ورفاهيتها في قصر الخليفة، وأيضاً رافع ونرفانا اللذان قبلا الموت على ألا يتفرقا أحياء.
مسرحية رابعة العدوية([xxxviii]) … لـ نادية البنهاوي
الجسد الصوفي أم تجسيد التصوف:
إن القراءة الفاعلة المشاركة تلغي الصوت الواحد وطغيان المعنى الواحد، وتثبت في الوقت نفسه قاعدة الحوار الديمقراطي، التي لم يعد النص بالنسبة إليها خطاباً مغلقاً، بل أصبح نافذة مفتوحة على فضاء الفكر الواسع، من خلال نظرة جديدة وفهم مختلف للذات والعالم والآخرين، ومن النظرة الجسدية المزعومة ندخل عالم نادية البنهاوي مع مسرحية رابعة العدوية.
يبدأ نص (رابعة العدوية) من اللحظة الفارقة في حياة المرأة (رابعة) فارقة بمعنى أنها تعني لرواد الحانوت مايشتهون من أغاني العشق والهوى والمجون، إلا أنها في ذات الوقت تبغي العزف على الناي، فهي تعشق الغناء وتعشق العزف على الناي أيضاً، لدرجة أنها وقعت في حيرة الاستمرار في الغناء أم العزف على الناي، تغني ما يتمنى الناس، أم تعزف على الناي ومن فعل الحيرة تبني الكاتبة بنيتها الدرامية.
رجل2: لانريد حيونه… نريدك أنت يا رابعة … غني … غني ..
رابعة: لكني أحب العزف كما أحب الغناء …
رجل1: إذن العزف لك والغناء لنا، يمكنك أن تعزفي على الناي عندما تخلي بنفسك وغني لنا. (المسرحية ص37)
وما بين اللحظتين (مايتمناه الناس وما تحبه رابعة) ظهر (أبوسفيان) التاجر، ليجذبها إلى ما تحب، ويغري صاحب الحانوت بالمال كي تعزف (رابعة) تعزف له خصيصاً، أو تحديداً تبتعد عن عرض الجسد كسلعة لرواد الحانوت.
وهنا تبدأ لحظات الفعل المهم (لرابعة) حيث بدأت تجلس وتجالس (أبوسفيان) تعزف له وتسمع منه؛ ومن ثم بدأ الكلام يخترق العديد من الثوابت لديها كامرأة، وكان أبرزها التفريق ما بين الحب والعشق والهوى … ويجيب لها عن تساؤلها، والتي دوماً ما كانت تقلل من شأن الجسد أمام الروح.
رابعة: عن الحب؟! وما الفرق بين الحب والعشق والهوى؟!.
أبوسفيان: فرق كبير الحب يخاطب العقل والوجدان بينما العشق والهوى يخاطب الغريزة، بالحب وحده نصبح أقوياء … لأن الإنسان ضعيف. (المسرحية ص 39 -40)
ومن هنا بدأ الفعل المهم الذي أرادت الوصول إليه (نادية البنهاوي) وتمنته (رابعة) في ذات الوقت؛ ومن ثم بدأت مرحلة التحول لدى (رابعة) (الجسدي والنفسي) والتي دوماً ما تشير الأحداث على هيئة إرهاصات قديمة متجددة في حياة رابعة، التي تحن لحياة الطهر والنقاء، تلك الحياة التي يحاول (أبوسفيان) إعادتها في نفس رابعة.
ثم بدأت الكاتبة في عقد حلقة من الجدل والمناقشة حول (معاني اللذات) ومفردات الشهوات ما بين الحلال والحرام، والجنة والنار، الدنيا والآخرة، كل يفسر ما يشاء كيفما يشاء، وتبعاً لما يريد أن يصل إليه، هناك حلقة مفقودة في النقاش للوصول إلى الحقيقة، والمؤلفة تركتها مفقودة هكذا للقارئ، كي يبحر هو الآخر برأيه وبرؤيته في رصد وتأكيد على الاتجاه النفسي، وتلك سمة مميزة لمسرح (نادية النهاوي) حيث الأعمال الفلسفية ذات البعد الديني، إذ “تندر في مسرحنا الأعمال الفلسفية ذات البعد الديني، والتي تتخذ من آلام الإنسان الوجودية موضوعاتها، وتبحث في حيرة الروح، وعثراتها وأشواقها إلى الخلاص، إن النص ينطلق من موقف ضياع رهيب وسط متهة مظلمة، ويتطور إلى رحلة بحث عن منقذ للخروج عبر ميادين موحشة، وممرات ضيقة ملتوية، تموج بالأشباح وولائم الموت”([xxxix]). لتعود إلى لعبة الجسد مابين الاحتفاء والاحتقار.
إذن يمكن تصنيف نص (رابعة العدوية) باعتباره نصاً نفسياً وتعبيرياً ودينياً، نصاً يطرح عبثية الوجود والزمان والمكان، ويطرح كذلك فكرة (الخلاص)، فهناك (أنا) مقهورة هي (رابعة) وهناك الآخر الصارم وهو الإطار الذي تتحرك من خلاله رابعة، وهناك أيضاً الحبيب (أبوسفيان) وهو يمثل الآخر الغامض الواضح في نفس الوقت.
ويمتزج في النص الواقع بالرمز والحلم. إلى أن ينتهي الفصل الأول بنهاية رحلة رابعة مع العرىّ والرقص والغناء إلى حياة الزهد في إطارها الروحي ومضمونها الفلسفي إلى عزلتها في كوخها الصغير، ليبدو هنا التحول الجسدي والروحي.
وتقفز المؤلفة لفترة (سنتين) في الفصل الثاني، لعلها الفترة اللازمة لدخول رابعة عالم التصوف والزهد، وتعلم معطيات الحياة الجديدة.
أما الفصل الثالث (بعد ثلاثين عاماً) فيرصد لحظات النهاية في حياة رابعة بعد أن وصلت لأعلى مراحل ومراتب الزهد والإيمان، والعشق الروحي مع الخالق،في نص مسرحي يتسم بقلة الشخصيات. “وهي سمة من أهم سمات مسرح نادية البنهاوي، والحدث الدرامي على بساطته يحمل أبعاداً ودلالات رمزية مركبة ومعقدة ربما تتسمع لتشمل الوجود النفسي والمادي لكل البشر”([xl]).
وفي المسرحية تبحر الكلمات عبر التداعيات المرة، لمرأة قد تكون وحيدة فريدة، وقد تمثل أكبر قدر من البشر في رحلة بحثها عن (الخلاص الروحي) على حد قول (رابعة) في نهاية المسرحية …
صوت رابعة: اه من التدريبات الروحية عندي يا رباح .. ألا ابكي .. ولا اصرخ .. ولا اهرب من الالم إن هذا اشرف ما يمكن أن يفرضه إنسان على نفسه وأرجو بعد موتي أن يكتب على قبري عبارة واحدة لا أمل في شيء لا أخاف من شي أنا حرة. (المسرحية ص174)
وهنا أول مراحل التحرر الجسدي.
ومن ثم يبدو المشهد على مستويين أحدهما واقعي والآخر روحي، وأيضاً خلط الواقع بعالم ما فوق الطبيعة، واستعاضتها عن الحدث التقليدي بمشاهد كثيرة جداً تكاد تكون مستقلة لاترتبط إلا في وجدان الشخصية المحورية.
لذلك جاء محور النص متمثلاً في الذات الإنسانية النسائية بشكل عام، فحملت رابعة دلالات رمزية عديدة، في ظل نص مسرحي يعزف نغمات غير مألوفة، ويبحر في داخل النفس البشرية، ليستمد مادته الروحية والفنية والفكرية مترامية الأطراف، حتى لكأنها تستعصى على الحصار بما ترتكز إليه من قوانين التداعي الحر، الذي يبدو منفلتاً في أي وحدة أو اتساق، أو ترابط بين العناصر والأجزاء، ولعل هذا مرجع غموض النص “إذ يضع النص في بؤرته شخصية امرأة بالغة التعقيد وتكوينها النفسي والفكري المتجذر في تجربة اجتماعية وإنسانية متعددة الأبعاد والاهتمامات، مشغول دائماً بالبحث عن النغمة المفقودة”([xli]). بدرجة أن تحول النص إلى فن الاعتراف أو الترجمة الذاتية، وخاصة أن النص بأكمله يتمحور حول التجربة الذاتية (لرابعة) ولكنها في ذات الوقت ليست تجربة أحادية خاصة، بل هي أشمل وأعم.
عبر مواجهات تتم بين الإنسان وذاته، وفي دهاليز النفس البشرية، لكنها ليست دهاليز داكنة، بل هي دهاليز موحية وشفافة وراقية، لرغبة امرأة في تحرير الجسد من أزماته السابقة دخولاً في مرحلة جديدة.
“لها مذاق خاص ومتميز، إذ إنها تبدو في أحيان كثيرة تنويعات على لحن أساسي ، يتمثل في بحث الإنسان الدءوب عن الخلاص وسط أمواج الضياع والتشتت ، وانعدام المعنى واهتزاز اليقين، والعجز عن التواصل الإنساني الحقيقي ، والبحث عن فرح مفتقد في زمن ضائع، ورغم هذا فإن المسرحية لا تثير الإحباط واليأس والتشاؤم بقدر ما تشعل جذوة التحدي والإصرار ، والتساؤل الواعي المتجدد”([xlii])، باستخدام لغة الجسد؛ فالجسد يحمل من المعاني والرموز والدلالات ما يجعله قابلاً دائماً للنقاش.
“فثقافة الجسد تمثل مكوناً أساسياً من مكونات ثقافة المجتمع، ومن ثم فهم طبيعة الإدراك المعرفي الذي ينظر بمقتضاه أفراد المجتمع لأنفسهم وللعالم من ناحية، ومحاولة توافقهم مع ما يتعرضون له من مواقف اجتماعية وثقافية من خلال تلك المكونات من ناحية أخرى، يمكن أن يساعد بدوره على إيجاد فهم جيد للدور الذي يلعبه الجسد كوسيلة للاتصال بين أفراد المجتمع”([xliii]).
ولقد صاغ الإنسان العديد من التصورات والاتجاهات حول الجسد الإنساني بمكونه الفيزيقي وافكري والحسي؛ لما يتمتع به الجسد من خصائص وقدرات وملكات ومن أهم تلك الملكات العقل والذي جعل من الجسد أداة إدراك العالم، كما في حالة رابعة وإدراكها للفارق بين التحرر الجسدي والروحي.
إن اختيار “الجسد” مرتكزاً لاستجلاء نص رابعة ومركزية “الجسد” فيه لها خصوصيتها، فهو يتعامل معه على أساس من ثلاث اعتبارات: المصدر – صيغة الحضور في العالم ذاته – موضوع العلاقة بالآخر.
أما مصدر الجسد فهو الكلمة الإلهية: “كن”، ومن ثم كان الجسد الإنساني جسداً مقدساً بمصدره، وقد أسس هذا الاعتبار لخط ميتافيزيقي ديني، يحضر فيه الخطاب الديني بأشكاله كافة بدءاً من النصوص السماوية وانتهاء بالنصوص الشعبية عنها وأيضاً، صيغة الحضور في العالم ذاتاً، فكان مسئولاً إلى حد كبير عن هذا الوعي – بمطلق دلالة الكلمة فلسفياً – الذي تبطن نصه وتخفي تحت لغته موجهاً نواتج الاختيار منها وتجليات توزيعها لتتشكل نصاً مسرحياً له خطابه النوعي عن الإنسان، الذات.
والاعتبار الأخير هو: “العلاقة”، إذ أخذت العلاقة حدين أقصيين: إما “مع” وإما “ضد”؛ ليتكشف لنا الوعي في نص (رابعة) عن حدته.
فالجسد هو صاحب تلك الأبعاد الفلسفية والرؤى الفكرية بكل ما دار حوله من المقولات والتنظيرات في المدارس الفلسفية القديمة والحديثة، وهو بؤرة التحليل والاشتغال لمدارس التحليل النفسي والاجتماعي والأنطولوجي والميثيولوجي، وهو القاسم المشترك الأكبر في كل صراع ثقافي أو سياسي أو ديني، إنه الحضور المتعين للإنسان داخل عالم يزاحمه بموجوداته ومخلوقاته وأشيائه، فهو ليس فقط حامل لصيغة وجود الذات في العالم وإنما هو فاعلها الأصيل والمركزي، ناهيك عن حضوره الوجودي المكثف سواءً ظاهرياً عبر أعضائه وحركته أو رمزياً عبر كمونه خلف كل فعل أو رؤية أو تجربة”([xliv]).
إن البحث عن كتابة تناول حضور الجسد تناولاً مختلفاً عن النموذج التقليدي هو الأساس “إذ إن معظم الدراسات التي تناولت حضور الجسد وتجليه (نصاً) كانت تتأسس على رؤية النصوص الأدبية للجسد الإنساني بوصفه كتلة من الشهوات والنوازغ والرغبات المكبوتة (PORNO) التي يخرجها النص من غياهب النفس وخلجاتها؛ لتتجلى لغة على صفحة الورق”([xlv])، لغة تسجل في الجسد، أو جسد ينتج لغة.
“وكلما كان الجسد منتجاً لأكثر مايمكن من المواد المتعرية عنه يكون أكثر إشعاعاً، وأن حالة عدم الإشعاع هي الموت”([xlvi])، كما في حالة رابعة والتي مثلت الجسد الذي ينتج لغة.
تحاول المسرحية التعامل مع قضية الجسد من منظور يحرر الجسد الإنساني من القبضة الغاشمة للمفاهيم المبتذلة، كما أنها دراسة تحرر الجسد من أسر الثقافة الرأسمالية الطفيلية السائدة بطابعها التجاري الاستهلاكي، حيث راجت التجارة في البشر، وتحول الجسد الإنساني إلى سلعة وهذا ما رفضته رابعة وقبلت به حيون صديقتها، فقد كان الجسد موضوع التابو “الأول”؛ اذا اختلفت نظرة البشرية له عبر العصور، وتناولته العديد من العلوم، “ذلك لأن اكتشاف الجسم البشري قد أسهم في حل معضلات كثيرة كانت تواجه الفكر الإنساني عبر تاريخه حول وظائف العقل وموضوعات الإدراك، وردود فعل الإنسان الحسية وسط المثيرات الاجتماعية، كما اهتم الإبداع بكافة مجالاته بشأن الجسد، وكأن الفنان قد اكتشف في نفسه جسداً”([xlvii])، وهذا ما حدث لرابعة عندما حاول سفيان في البداية أن يخلصها من أعباء الجسد ومتطلباته الساذجة لدى نادية البنهاوي؛ “فلم يعد الاهتمام بكيفية السيطرة على جسد المرأة في ظل النظام الأبوي هو القضية الأساسية في الفكر النسوي، حيث تحول الاهتمام إلى فكرة “تحرير الجسد” ذلك الجسد الذي له سلطة على نفسه لأنه تحرر مما يقمعه سواء كانت قاعدة اجتماعية أو أخلاقية أو سلطة طبيب أو كاهن أو قاض”([xlviii]).
ولعبة تحرير الجسد هي أول وأهم مفردات لعبة الخلاص لدى الصوفية، حتى لو كان “جسد المرأة يخضع لسلطة مزدوجة، فهو واقع تحت سلطة العام التي تتمثل في النظام السياسي والأيديولوجي القائم، وسلطة الخاص، وهو النظام الأخلاقي في المجتمع، فالمرأة هي ملك للرجل بوصفها تجسيد لقيم الذكورة، وجسد المرأة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بظروف وجوده بوصفه جسداً شكلته التقاليد وأخضعته القوانين وحاصرته الضغوط المادية والثقافية وأسير علاقات عائلية، يظل مخبأ مختفياً ولايبرز إلا من خلال التمثيلات الاجتماعية ولكن في ذات الوقت موضوعاً للرغبة لارتباطه بالجمال والإغراء والإثارة، ومن ثم كانت ضرورة محاصرته وإخضاعه تحت ألف غطاء وغطاء”([xlix]).
فالمسموح به لجسد الرجل غير مسموح به لجسد المرأة، “وأعيد ابتكار الجسد ليعبر عن القيم الثقافية الغربية، ليظهر في صورة الجسد النحيل القوي السليم بدنياً، الجامع بين خصائص الذكر والأنثى كالاستقلالية والصداقة والمنافسة والشباب والسيطرة على النفس، أي إضفاء صورة الذكور على جسد المرأة انسجاماً مع نزعتها التنافسية الجديدة”([l]). وبذلك أصبح مجال تمثيل جسد المرأة بوصفه موضوعاً للتأمل مجالاً معقداً إلى حد كبير، وقد لعبت عليه نادية البنهاوي بمستويات متنوعة كان أهمها .. العلاقة بين الجسد والمجتمع والثقافة، وذلك نظراً لتنوع ردود الفعل الجسدية وسط المثيرات الاجتماعية والوسط الثقافي الذي يعيش فيه حامل هذا الجسد، “فكل مجتمع تواجهه مهام أربع: إعادة إنتاج سكانه عبر الوقت، التحكم في أجسادهم عبر المكان، كبح الجسد الداخلي (الرغبات) من خلال النظم، وأخيراً حضور الجسد الخارجي في الحيز الاجتماعي، وفي ضوء هذه المهام فإن عملية تنظيم المجتمع ما هي إلا تنظيم للأجساد داخلياً وخارجياً، بالإضافة إلى أن تحليل هذه العناصر الأربعة يؤدي إلى تحليل نظم المجتمع وأيديولوجياته”([li]). حيث علاقة الجسد بالمجتمع ودراسة بنية الجسد الداخلية (الرغبات) والعلاقة بين الجسد والمعتقدات الدينية، جسد المرأة والتحكم فيه من خلال السلطة الأبوية، حكم الجسد أو تطويع الجسد لتحليل النظم السياسية والاجتماعية، بل وتؤكد على الدور الذي تلعبه الثقافة في جعل الجسد صناعة ثقافية أكثر من كونه ظاهرة طبيعية.
حيث تفاعلات الحياة اليومية على الجسد “فالحياة اليومية متغيرة والاستعمالات الجسدية المنظمة لاتنقطع أثناءها والإنسان يسعى دائماً أن يطوع هذه الحياة وفقاً لتجاربه الجسدية والتي تؤكد على دور الجسد في تجميل الحياة اليومية حيث تصف دور الثقافة الغربية في تشكيل مشاعر الإنسان وعواطفه الكامنة في جسده مما يدعوه إلى تغيير تجاربه الحسية الجسدية وإشاراته المنطلقة منها واحتياجه الدائم لإعادة تشكيلها وفقاً للمتطلبات المتغيرة لهذه الحياة”([lii]).
رابعة بين الجسد المقيد والجسد المحرر:
يشير مفهوم الجسد المقيد إلى الضوابط التي تحكم الجسد وتطويعه للاستخدامات المختلفة وللتعبير عن العملية التي يتم بمقتضاها ضبط الجسد ونزعه من حالة الفوضى التي يتعرض لها المجتمع. فقضية تطويع الجسد وإخضاعه سواء بالتحكم الطوعي من خلال عملية التنشئة الاجتماعية أو من خلال التحكم غير الطوعي من خلال القيود السياسية والدينية والاجتماعية، “وهو ما أطلق عليه فوكو “ميكروفزياء السلطة” وهو حصر الجسد في بعد واحد وهو “التدجين” فقد تحدث فوكو عن “التشريح السياسي للجسد” الذي يؤدي إلى وجود أجساد طبيعية منقادة وقابلة للاستخدام والتحويل والإنتاج كما يسمح في الوقت نفسه بإخضاعه للسلطات القائمة والفئات الحاكمة بطرق مستترة “أكثر ديمقراطية” تقدم على ترويض الجسد.
وتدخل ضمن دراسات تطويع الجسد أو حكم الجسد وتقييده الدراسات النفسية التي حاولت توضيح كيف يخضع الجسد لعملية تحكم داخلي من قبل صاحبه في محاولة للتمرد عليه أو التصالح معه أو بوصفه رمزاً لرغبة صاحبه في السيطرة على المتغيرات الاجتماعية”([liii]).
وقدمت نادية البنهاوي رابعة، لتوضح لنا العلاقة بين نفسية المرأة وجسدها وعالمها الخارجي، تلك العلاقة التي وصفتها بأنها علاقة معقدة، علاقة تحكمها النظم السياسية والاقتصادية والدينية في المجتمع، تتأرجح بين دفتي “النحافة والسمنة” بين انضباط وفوضى الجسد، ليصنع للمرأة شكلاً جديداً يرغم المجتمع أن يرى إنسانيتها بدلاً من جنوستها.
وفي مقابل مفهوم “التحكم في الجسد” ظهر مفهوم مقابل وهو “تحرير الجسد” من القيود المفروضة عليه سواء كانت قيود قيمية أو دينية أو نفسية “فقد أسهمت التحولات الكبرى التي شهدتها المجتمعات الأوروبية خلال عصر النهضة في تحرير تدريجي للجسد على مستوى الحياة الواقعية حين جعلت نظريات العقد الاجتماعي من الأفراد أسياداً لأجسادهم عبر تأكيدها على المساواة الطبيعية، وقد استمر الاهتمام بالجسد نظراً لتركيز الرأسمالية عليه، حين اعتبرته قدرة على الإنتاج وأداة تضخ مزيداً من الرأسمال”([liv]). فالجسد المحرر هو جسد مالك لسلطته ولحامله حق الاستغلال والاستعمال، تماماً مثل حالة رابعة وحيون، رابعة اختارت تحرير الجسد، وحيون اختارت الجسد المقيد باللهو مع الرجال في الحانات، لتبرز ثنائية الروح والجسد، أو النفس والجسد قد أدت إلى تمزيق الجسد الإنساني بما يتفق والمصالح الاقتصادية في رابعة.
“إذا كان الجسد ليس شريراً بحد ذاته فلماذا نرهقه، نحرمه من احتياجاته الطبيعية أحياناً، وهل قمع الجسد هو تعذيب الجسد؟ وهل يسكن في أجسادنا الشر؟ كثيراً ما يوصف شخص بأنه مادي أو جنسي، فهل المادة والجنس من الأمور الخاطئة؟ وهل يسكن في أجسادنا الشر؟ كثيراً ما يوصف شخص بأنه مادي أو جنسي، فهل المادة والجنس من الأمور الخاطئة؟ وهل من الخطأ أن يكون الإنسان مادياً أو جنسياً؟ أي التعبيرات أكثر دقة جسماني أم جسدي أم الجسدانية؟”([lv]).
وحول الرؤية الإسلامية لهذه الثنائية يؤكد رمضان البسطويسي، “أن الجسد يتشكل وفقاً لعلاقة الإنسان بنفسه، روحه وبالعالم من حوله، ويذهب إلى أن الخطاب الأصولي الإسلامي يكرم الجسد حياً أو ميتاً، يرى فيه “أمانة” لدى الإنسان لاينبغي له تدميرها، بل إن المتصوفة، وسيلتهم في المعراج الروحي هو الجسد فكل مجاهدتهم تتم عن علاقة حية وفعالة مع الجسد، فالجسد لديهم هو بوابة الصعود إلى عالم تتوحد فيه الأشياء، ويشعر الإنسان بانتمائه العضوي مع الجسد الكوني العام، ويؤكد الباحث في دراسته – من خلال الاستشهاد ببعض آراء علماء أصول الدين – على رفض هذه الثنائية ويرى أن الإسلام – عبر العبادات أن الجسد هو الإنسان في سعيه نحو الله”([lvi])، وهذا ما عُرف عن رابعة في رحلتها مع التصوف. ليتم طرح سؤال حيوي هنا، هل نحن أمام لعبة تجسيد التصوف أم الجسد الصوفي ذاته؟
خاصة في ظل فرضية مهمة هي أنه “من أصعب المسائل البحثية في تاريخ التصوف الإسلامي، أن نحاول إيجاد أصل واحد لنشأة هذه الحركة الروحية، إلا أنه من المؤكد أن النشأة وإن كانت إسلامية، إلا أن هناك العديد من الروافد الروحية التي غذت تلك الحركة، حتى يمكن أن تزعم التصوف”([lvii])، وهنا تبدو لعبة التصوف.
“فالمتصوف ينشد العودة مرة أخرى إلى تلك الوحدة الأولى، فالله هو المرجع كما أنه المصدر، ولقد كانت فكرة الذات الإلهية وطبيعتها مثار جدل في التاريخ الفكري للإسلام”([lviii]).
ومن هنا، نرى رابعة العدوية – مثلاً – تقول: “ماعبدت الله خوفاً من الله، فأكون كالأمة السوء إن خافت عملت، ولا حباً في الجنة، فأكون كأمة السوء أن أعطيت عملت، ولكني عبدته حباً وشوقاً إليه”، وطبقاً لهذا التصور، فقد شوهدت رابعة تحمل ناراً وماءاً فلما سئلت في هذا قالت: لأشعل ناراً في الجنة وأطفئ نار الجحيم، حتى تزول الحجب من الحجاج، ويبين طريقهم، فيرون وجه الله دون خوف أو رجاء”([lix]).
وحين يصل الإنسان إلى مرحلة إقامة علاقة مباشرة مع الله، فسوف يطلب الموت، فالموت هو –دائماً- مطلب الصوفية، حيث تنبعث عنه الحياة الحقيقية للصوفي، فالأنا في تلك الخبرة تخبو حتى تكاد تنطفئ، لكن ذبالة منها تظل تتقد، أن هذه الوثبة الأخيرة في الموت المحيط تحقق وحدة يتم فيها الامتزاج الكامل بين الوعي واللاوعي، وبين الأنا والهو، وقد حاولت نادية البنهاوي التأكيد على هذه الفكرة كثيراً.
إذ دخلت رابعة مرحلة جديدة مع صديقتها (حيونة) مرحلة رصد المسافة بين الروح والجسد، تهافت الرجال، واختفاءهم العبودية والحرية، الجسد الحر والجسد المقيد، وتبدأ كلمات رابعة في التحول التدريجي نحو لعبة الروح واحتقار الجسد شيئاً فشيئاً، هي تبتعد عن الجسد كي تقترب من الروح أكثر والعودة إلى لحظات الطهر والنقاء. .. على حد قول رابعة..
رابعة : إن أبا سفيان هذا ليس أكثر من إنسان أعاد لي نفسي لحظات كنت فيها نقية طاهرة ليس أكثر من ذلك لنفسها كان هناك شيء يشدني إليه لا أعرف مداه. (المسرحية ص50)
ونعدو للأحداث مرة أخرى (للجسد) والذي وصل لحد التطرف والإسراف في الشهوات بشتى الحواس والطرق، جسد رابعة، إلا أنه في ذات الوقت يلهث نحو التطرف الإيجابي والعودة بالمسرحية كرحلة الألم، ألم الخروج من الواقع القاسي للدخول إلى مرحلة جديدة، مرحلة من السؤال والإجابة.
رابعة : أي سن تعتقد أن المرء من الممكن أن يحب
أبوسفيان : حتى أخر العمر.
رابعة : حتى لو تخطى الثمانين أو التسعين.
أبوسفيان : مبتسماً أو المائة .. المشاعر لب لها عمر يارابعة
رابعة : ومذا عن الحواس.
أبوسفيان : الحواس! الحواس كباقي أعضاء الإنسان إذا لم تستخدم تضمر مع الزمن. (المسرحية ص84 – 85)
تفوح من اللغة قوة وعبق الجسد وأهمية اللقاءات الجسدية بشكل عام مع عدم إنكارها للروح والعشق من أهمية إلا أن الجسد أيضاً له ذات الأهمية. فنحن أمام لغة تصنع جسداً، وجسداً قد ينتج لغة، لغة خاصة به.
إلا أن الكاتبة أخذت الأحداث لمنطقة أخرى شديدة الغرابة، مليئة بالتجريد الفلسفي، كأنها أرادت أن تكسو رابعة وتصوفها بإطار فلسفي تجريدي حداثي.
إلا أنها أيضاً عادت لنفس مرحلة (صلاح عبدالصبور) وحلاجه الحلاج الذي يطلب الموت والألم، ويتلذذ بالألم ذاته، لكن يبقى الحلاج هو قراءة خاصة بصلاح عبدالصبور لشخصية جاءت من التاريخ ليلتقطها المبدع من زوايا معينة تخصه هو تماماً كما فعلت نادية البنهاوي برابعة العدوية.
مراجع البحث
([i]) جان بيير رينجير: قراءة في المسرح المعاصر، ترجمة، حماده إبراهيم، إصدارات مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، القاهرة، 2004، ص155.
([ii]) المرجع السابق، ص156.
([iii])المرجع السابق، ص159.
([iv])المرجع السابق، ص178.
([v]) سامح مهران: حباك عوضين تامر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2014.
([vi]) رشا ناصر العلي: ثقافة النسق قراءة في السرد النسوي المعاصر، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2010، ص77.
([vii]) عبدالرحمن بن زيدان: الاختلاف ومعنى الآخر في مسرح أبو العلا السلاموني، المركز القومي للمسرح، وزارة الثقافة، القاهرة، 2008، ص101-102.
([viii]) شاكر عبدالحميد: الأسس النفسية للإبداع الأدبي في القصة القصيرة، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 2007، ص323.
([ix]) سانتياجو ترانكون: نظرية المسرح قواعد لتحليل العمل الدرامي، ترجمة: رانيا عايد الرباط، إصدارات مهرجات القاهرة للمسرح التجريبي، العدد 22، وزارة الثقافة، القاهرة، 2010، ص61.
([x]) سانتياجو ترانكون: مرجع سابق، ص64.
([xi]) شحاده راضي: الجسد الأدمي والمخلوق المسرحي، الهيئة العربية للمسرح، الإمارات، 2013، ص16.
([xii]) عبدالكريم برشيد: المسرح بين التأسيس والتحديث، الإمارات، إصدارات دبي الثقافية، 2014، ص137.
([xiii])نهاد صليحة: المسرح بين الفن والحياة، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 2000، ص51.
([xiv]) مارفن كارلسون: فن الأداء، ترجمة منى سلامة، إصدارات مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، القاهرة، ص248.
([xv]) سامح مهران: الحداثة والتراث في المسرح العربي، المركز القومي للمسرح، وزارة الثقافة، القاهرة، 2005، ص118.
([xvi]) سامح مهران: مرجع سابق، ص119.
([xvii]) فريد النقراشي: الجسد المقدس، مؤسسة لينك برك للطباعة، القاهرة، 2016، ص9.
([xviii]) كوليت كونري: المسرح والجسد، ترجمة، لبنى إسماعيل، المركز القومي للترجمة، وزارة الثقافة، القاهرة، 2016، ص30.
([xix])المرجع السابق، ص37.
([xx])المرجع السابق، ص62.
([xxi]) شعيب حليفي: الرحلة في الأدب العربي، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2002، ص375.
([xxii]) فرانشيسكو جارثون: مسرح السرد التمثيلي، ترجمة، سكير متولي، إصدارات أكاديمية الفنون، وزارة الثقافة، القاهرة، 1996، ص7.
([xxiii]) خوسيه لويس: المسرح والخيال، ترجمة خالد سالم، إصدارات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، القاهرة، 2006، ص122،123.
([xxiv]) نهاد صليحة: مقدمة مسرحية حباك عوضين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2014، ص5.
([xxv]) حسن عطية: مابعد الحداثة في المسرح العربي نموذج مصري، بحث ضمن كتاب دراسات وبحوث المهرجان الأكاديمي، الكويت، 2014، ص215.
([xxvi]) جيمس فليكر: حسن البغدادي، ترجمة محمود مكي، الهيئة العامة لقصور الثقافة، آفاق عالمية، العدد 29، القاهرة، 2003.
([xxvii]) شحاده راضي: مرجع سابق، ص97.
([xxviii]) لوسيل جاربانياتي: الزمن العلمي والزمن المسرحي، ترجمة، نادية كامل، إصدارات مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، القاهرة، 2006، ص21.
([xxix]) المرجع السابق، ص34.
([xxx]) سانتياجو ترانكوف: نظرية المسرح قواعد لتحليل العمل الدرامي، ترجمة، رانيا الرباط، القاهرة، 2010، ص478.
([xxxi]) إبراهيم حماده: الدراما والنقد، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 1996، ص269.
([xxxii]) المرجع السابق، ص147.
([xxxiii]) تيري إيجلتون: فكرة الثقافة، الهيئة العامة للكتاب، ترجمة شوقي جلال، القاهرة، 2012، ص6.
([xxxiv]) غاردو بيتشر: عبر منظار اللغة، عالم المعرفة، العدد 429، أكتوبر 2015، الكويت، ص25.
([xxxv]) فالار نوفارينا: أنوار الجسد، ترجمة أماني أيوب، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 2012، ص5.
([xxxvi]) لوسيل جاربانياتي: المسرح والتقنيات الحديثة، ترجمة نادية كامل، القاهرة، 2007، ص57، 58.
([xxxvii]) الهواري بنيونس: الأبعاد الفنية والجمالية في مسرح السيد حافظ، مجلة المسرح، عدد سبتمبر 2012، ص98.
([xxxviii]) نادية البنهاوي: رابعة العدوية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2010.
([xxxix]) نهاد صليحة: ومضات مسرحية، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، 2001، ص280
([xl])دعاء خليل: الكتابات المسرحية النسائية في مصر 1950 – 1990 قراءة نسوية، رسالة دكتوراه، المعهد العالي للنقد الفني أكاديمية الفنون، 2011، ص225.
([xli])سيد الإمام: النغمة المفقودة في سوناتا الحب والموت، مجلة المسرح، القاهرة، العدد 98/99، يناير فبراير، 1997، ص59.
([xlii]) نبيل راغب: مقدمة مسرحية الوهج، الهيئة العامة للكتاب القاهرة، 1996، ص13.
([xliii]) سحر أحمد محمد خليفة: ثقافة الجسد في المجتمع النوبي، رسالة دكتوراه، قسم اجتماع، كلية الآداب، جامعة حلوان، 2003، ص4.
([xliv]) شوكت المصري: شعرية الجسد، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 2012، ص12.
([xlv]) انظر: إدوار الخراط: الفن المراوغ في أحاديث جانبية، مجلة فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، شتاء 1997، ص 88 – 98.
([xlvi]) شحادة راضي: الجسد الأدمي والمخلوق المسرحي، الهيئة العربية للمسرح، الإمارات، 2013، ص34.
([xlvii]) سامية قدري: الجسد بين الحداثة ومابعد الحداثة، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 2016، ص15.
([xlviii]) سامية قدري: مرجع سابق، ص30.
([xlix]) حياة الرايس: جسد المرأة من سلطة الأنس إلى سلطة الجان، سينا للنشر، تونس، 1995، ص34.
([l]) سارة جامبل: النسوية وما بعد النسوية، ترجمة: احمد الشامي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2002، ص190.
([li]) أحمد زايد: الجسد والمجتمع، مجلة إبداع، العدد التاسع، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، سبتمبر 1997، ص8.
([lii]) ديفيد لوبرتون: أنثروبولوجيا الجسد والحداثة، ترجمة، 1993، ص38.
([liii]) سامية قدري: مرجع سابق، ص62.
([liv]) المرجع السابق، ص63.
([lv]) المرجع السابق، ص74.
([lvi]) رمضان بسطاويسي: الجسد من المنظور الفلسفي، 1995، ص171.
([lvii]) عبدالعزيز موافي: ملفات الحداثة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2000، ص94.
([lviii])المرجع السابق، ص96.
([lix]) المرجع السابق، ص99، 100.