جسد الممثل في التدريب والعرض..ثنائية شخصية الممثل في منهج البيوميكانيك/ د. فاضل الجاف

ملخص  الورقة التي قدمها المسرحي العراقي (د. فضل الجاف) بالجلسة الأولى لليوم الثاني من فعاليات المؤتمر الفكري :”فلسفات الجسد في المسرح المعاصر”  المصاحب  للدورة 25 لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر و التجريبي ( 10 ـ 21 سبتمبر 2018)
******************
تتناول الورقة مفهوم مييرهولد للحركة في علاقتها العضوية بجسد الممثل ودورها في خلق التعبير الجسدي( البلاستكا) في الفضاء.
يرى مييرهولد أن الحركة هي أقوى وسيلة تعبير في أداء الممثل” فحتى لو حرّمنا الممثل من الكلمات، الأزياء، الإضاءة، الكواليس، الصالة، وترك وحيدا مع براعته في الحركة فإن المسرح  يبقى مسرحا.” (مييرهولد, مدخل إلى  تاريخ المسرح وتكنيكه1914)
المحور الأول: الجسد الفيزيائي كآلة
نركز في المحور الأول على شرح المعادلة الشهيرة N=A1+A2، التي أعتمد عليها مييرهولد في تحديد علاقة الممثل العضوية بجسده كآلة وبذاته كمبدع منتج للعلامات( الدلالات) في العرض المسرحي. تلك المعادلة التي أستمدها من المنّظر المسرحي الفرنسي المعروف كونستانت بينوت كوكلين( 1841-1902)، والذي أكّد على ثنائية شخصية الممثل في شطرين، الأول هو الممثل كمؤدي والثاني الممثل كآلة.
أى أن في ذات الممثل يكمن المبدع والآلة معا.
الجسد الفيزيائي والجسد الميتافيزيقيّ
إن مفهوم  ثنائية الممثل/ الجسد الفيزيائي  والجسد الميتافيزيائي/  يشكّل الفكرة الأساسية في فهم منهج البيوميكانيك والوظيفته السيمولوجية للبلاستيكا (الحركة والإيماءة) في إنتاج المعاني والدلالات، من حيث كونه مفهموما  يمفصل  العلاقة بين الممثل كمبدع  وجسده كآلة على النحو التالي: N يعادل الممثل المكوّن من :A1 وA2. وهنا الأولA1 هو المبدّع الخلاّق الذي يحمل الفكرة ويصدر الإيعازات اللازمة لأدائها، والثاني A2هو الممثل المنفذ الذي يجسّد التصور العام،أو الآلة المنفذة، والأثنان يمتثلان في شخصية واحدة N هو الممثل بنفسه .
ففي حين يشكّل الجسد الميتافزيقي الذاكرة الجسدية للممثل، نرى أن الجسد الفيزيقي هو الجسد الذي يحتاج الى المران والدربة كي يكتسب المهارات الضرورية للحركة، فالأول غير مرئي، والثاني هو المرئي في العرض.
المحور الثاني : الجسد ماكنة والممثل ميكانيكي
يرى مييرهولد أن على الممثل الحديث أن يكون مرئيا على خشبة المسرح كمحرك آلي حقيقي” وبما أن فن الممثل كما يراه، هو فن إبتكار الأشكال البلاستيكية في الفضاء المسرحي، فإنه يجب على الممثل دراسة آلية جسمه. فإن تحقيق أي قدر من الطاقة والحيوية الضرورتين في سعي الممثل لبلوغ الأشكال البلاستيكية” الجسدية” لا يمكن ان يتحقق دون الدراية التامة بميكانيكية الجسد وقوانينها العامة.
يشكّل هذا المفهوم المحور الثاني من الورقة، حيث يتم التركيز على الحركة بالمفهوم المييرهولدي كما طرحه في منهجه البيوميكانيك إلى جانب أهمية الدربة التي تتطلب الإلمام والمعرفة الدقيقة بالمصادر الحقيقة الأكثر دينامية للحركة المسرحية المستقاة من التقاليد والأشكال المسرحية العريقة (الشرق والغرب)، بالتطابق مع معطيات ميادين العلوم كعلم النفس” بافلوف/ الإنفعالات الشرطية، فلاديمير باخترييف/ الأعصاب والفسيولوجيا، وليم جيمس إمكانيات الجسد العضلية  في التعبير عن الأحاسيس) وعلم الإجتماع” ونستلر تايلور/ إقتصاد الحركة” و قوانين الفيزياء في الحركة. بالإضافة الى معطيات السيرك والرياضة ومختلف الأشكال والأساليب الحركية.
ويرى مييرهولد” إذا كان من المقدر للمسرح أن يستمر وأن يصبح جزءا حيويا من مستقبل الثقافة في المجمتع يجب عليه أيضا أن يتغير بإستخدامة عوامل التطور الحاصلة في الميادين الأخرى. و”لذلك فأن هدف البيوميكانيك كان هو إعداد الممثل الجديد بكل مبادئ الحركة المسرحية”
( ممثل المستقبل، موسكو 1922.)
ويركز المحور أيضا على جوهر البلاستكيا وأهميتها في خلق الأشكال الجسدية وإنتاج الدلالات، وعلى مفهوم مييرهولد في التميّز بين: البلاستيكا المطابقة للكلمات والبلاستيكا غير المطابقة للكلمات وعلاقة الأخيرة بمفهوم الغروتيسك وسبل  تحقيقه في العرض المسرحي.
وتتناول الورقة بنية حركة الممثل على هدى مبدأ( العزيمة، التحقيق، رد الفعل) وترجمته العملية بالمصطلح المييرهولدي ( الإرتاد، السيرورة، الهدف) مع التركيز على إيتود رمي الحجر وإستعراضه للحضور( دقيقتين فقط)
المحور الثالث: جسد الممثل في التدريب
أثبتت الخبرة التربوية( البيداغوغية) للمعاهد والكليات المختصة  بتأهيل الممثل أن مادة الحركة وتدريب الممثل جسديا تعد أصعب مادة من بين مواد تأهيل الممثل. بما لهذه المادة من علاقة مباشرة مع المواد الأخرى كالتمثيل والصوت والإلقاء والإرتجال والتعبير الجسماني.
فمن الواضح أن الهدف من تدريب جسد الممثل هو أن يكتسب  قابلية جسدية  وآليات ضرورية لتنفيذ الحركة والإيماءة( أن تكون الحركة حسب فهم مييرهولد: واضحة، معبّرة وفاعلة، وأن تكون فنية، جمالية ورشيقة) و ضرورة فهم لغة الجسد( البلاستيكا)  لكي يكون بإمكانه أن يجسد دوره، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عن طريق التدريب(قال مييرهولد التدريب، التدريب، التدريب)حسب منهج شامل وبإشراف مدربين أخصاء في الحركة.
والملاحظ  أن العديد من  المدربين والأساتذة القائمين بتدريس مادة الحركة يلجأون إلي سبل مختلفة في تدريب الممثل جسديا، من دون  تطبيق منهج ثابث خاص بحركة الممثل على المسرح، فمن بين تلك الأساليب على سبيل المثال: اليوغا، تاي تشي، الجمناستيك،  الباليه، الرقص، الاكروباتيك والتمارين الرياضية والألعاب الجسدية بشكل عام … الخ.
ما المقصود بدرس الحركة وتدريب الممثل جسديا إذن؟
وماهي أهم المشاكل التي تواجه المعاهد وكليات المسرح عربيا في تدريب الممثل على الحركة؟
من هو المدرَب المؤهل لتدريب الممثل في الحركة واللياقة الجسدية؟ لعل الإيجابة على هذا السؤال تقتضي بعض التعمق في المشكلة التي يعاني منها المسرح العربي في الآونة الأخيرة، بسبب تكاثر عدد المدربين غير المختصين من المشتغلين في مجال تدريب الممثل جسديا.
أحاول أن أستند في هذه الورقة على تجاربي التطبيقية في تدريس مادة الحركة وتقنيات جسد الممثل خلال عملي مدربا ومخرجا وباحثا في العديد من المعاهد العليا في أوربا والبلاد العربية.
جسد الممثل في التدريب
أثبتت الخبرة التربوية( البيداغوغية) للمعاهد وكليات المختصة  بتأهيل الممثل أن مادة الحركة وتدريب الممثل جسديا تعد أصعب مادة  بين مواد تدريب الممثل. بما لهذة المادة من تأثير مباشر على المواد الأخرى كالتمثيل والصوت والإلقاء والإرتجال والتعبير الجسماني.
ومن ناحية أخرى  لا يعاني الراقص والموسيقى والمغني من نفس الصعوبات التي يواجهها الممثل، فمنتهم تحتم عليهم إكتساب مهارات جسدية خاصة قبل البدء بممارسة فنهم،  وبما أن هذه التقنيات واضحة وضوحا تماما ولا يمكن الولوج إلى  عالم المهنة من دون الإلمام بها وإجادتها عن طريق الدربة والمران المتواصل إجادة تامة.
التمثيل فن يصعب تحديد تقنياته الأدائية بسهولة، فالسينما بصورة عامة والدراما التلفزيونية بصورة خاصة، تعكس في معظم الأحوال صورة مغايرة  لفن الممثل، صورة يمكن تحقيقها  من دون توافر تقنيات جسدية خاصة: كن طبيعا كما أنت في الحياة! وتفهم فكرة أن تكون طبيعيا، غالبا ما، على أن الممثل لا يحتاج إلى كسب مهارات أو الحاجة إلى التأهيل والتدريب. المهم هو تقليد الواقع، إستنساخ الحياة.
في سياق هذا الفهم، أي إستنساخ الحياة بصورة فوتوغرافية، يكون التعامل مع الجسد في المسرح الطبيعي سلبيا في كثير من الأحيان، الجسد فيه سلبي لا يخوض تحديات شاقة في التدريب والمران.
وقد أثبتت التجارب إبان العقود الأربعة الأخيرة في تدريس تقنيات فن التمثل، عالميا الى درجة ما وعربيا إلى درجة كبيرة،  حقيقة مفادها أن مادة تدريب الممثل جسديا، أو مادة الحركة على المسرح تعاني في كثير من المعاهد وكليات المسرح من مشاكل وصعوبات جمة، معظمها ناجمة عن كيفيبة فهمنا لمادة الحركة وتدريب الجسد، فهم يكتنفه الغموض والإلتباس أو غياب التخصص الدقيق في مادة حركة الممثل على الممثل وتقنيات جسده.
فمن الواضح أن الهدف من تدريب جسد الممثل هو أن يكتسب  قابلية جسدية ضرورية وآليات ضرورية لتنفيذ الحركة والإيماءة( أن تكون الحركة حسب فهم مييرهولد: واضحة، معبّرة وفاعلة، وأن تكون فنية، جمالية ورشيقة) و ضرورة فهم لغة الجسد( البلاستيكا)  لكي يكون بإمكانه أن يجسد دوره”( الشخصية) و عالم النص أو مضمون العرض  جسديا وبصريا، وكذلك أفكاره وخياله كي تكون مرئية للمتلقي. ولا يمن تحقيق ذلك إلا من خلال التدريب حسب برنامج دقيق ومنهج شامل وبإشراف مدربين أخصاء في تدريب جسد وحركة الممثل، كما قال مييرهولد التدريب، التدريب، التدريب.
والملاحظ  أن كثيرين من  المدربين والأساتذة القائمين بتدريس مادة الحركة يلجأون إلي سبل مختلفهة في تدريب الممثل جسديا من دون  تطبيق منهج ثابث خاص بحركة الممثل على المسرح، فمن بين تلك الأساليب على سبيل المثال: اليوغا، تاي تشي، الجمناستيك،  الباليه، الرقص، الاكروباتيك والتمارين الرياضية، تمارين من منهج كرتوفسكي، جاك ليكوك، باربا، … الخ.
هل يمكن لواحد من هذه الأساليب أن يكون بديلا عن الآخر؟ وهل أن أي منهج الحركي، أيا كان، يمكن أن يطبق كمنهج في حركة الممثل على المسرح وتدريب جسده كي يكون فاعلا ومعبيرا ودقيقا؟
ما المقصود بدرس الحركة وتدريب الممثل جسديا حقا؟
وماهي أهم المشاكل التي تواجه المعاهد وكليات المسرح عربيا في تدريس هذه المادة؟
ماهي التقنيات الضرورية في لجسد وحركة الممثل التي يبنغي على المدرب أو أستاذ مادة الحركة أن يدرب طالب التمثيل بهدف إكتسابها وإجادتها ؟
من هو المدرَب المؤهل لتدريب الممثل في الحركة واللياقة الجسدية؟ لعل الإيجابة على هذا السؤال تقتضي بعض التعمق في المشكلة التي يعاني منها المسرح العربي في الآونة الأخيرة، المشكلة الناجمة  عن تكاثر عدد المدربين الغير مختصين المشتغلين في مجال تدريب الممثل على الحركة في الورشات التي تنظمها المهرجانات المسرحية المنتشرة على خارطة الوطن العربي من دون مراعاة للتخصص والحرفية.
أحاول  في هذه الورقة أن أستند على تجاربي التطبيقية في تدريس مادة الحركة والتقنيات الجسدية خلال عملي مدربا ومخرجا وباحثا في العديد من المعاهد العليا في أوربا والبلاد العربية.
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت