نص مسرحي قصير: " أنها الحرب" تأليف: حسين العراقي

الشخصيات: الرجل و المرأة
المكان : بيت أكلت منه الحرب ..
(وميض ضوء، صوت انفجار، صراخ، صوت صفارات إنذار، دخان، غبار. تخفت الأصوات ويعم الهدوء ويضاء المكان إضاءة خافتة.. يظهر من بين الدخان والغبار رجل جالس على كرسي متحرك (مدولب) وامرأة خلف الرجل تدفع بذلك الكرسي وهما يسيران ببطيء وغطتهم الأتربة وفي اليمين صورة لشاب وضع في زاوية بروازها شريط اسود. وفي الطرف الأخر بدله عسكريه علقت على الجدار . وآلة عود وضعت على كرسي..)
المرأة: (تسعل من الغبار والتراب)
الرجل : (يضحك بألم ثم يصمت وهو ينظر لها ثم يبتعد عنها بكرسيه المدولب )
المرأة : ما الدافع لهذا الضحك
الرجل:  كي لا توجعني الحرب أحاول إغاضتها .
المرأة : بل أوجعتنا حتى أصبحت جلودنا قصائد ثوريه ..
الرجل : يا لتلك القصائد الثورية .يحبها الجميع ولا يثور احد.
المرأة : بل أوجعتنا حتى صار الموت أغنية صباحيه .
الرجل : القسوة معجونه في دمائنا
المرأة: لأنها أوجعتنا حتى صار من يموت اليوم محظوظاً ومن لم يمتّ صار محسوداً .أوجعتنا حتى غرقنا في الوجع فلم يعد للفرح مكان في حياتنا. أوجعتنا نعم أوجعتنا حتى صار النسيان لباسنا اليومي والذاكرة مجرد ألم ..
الرجل: (يقف يواجهها) رغم أنها أوجعتنا. لكن لم تهزمنا تلك الحروب الغبية. فطعم الهزيمة لا يتلاءم معنا رغم مرارة اللحظات التي كانت تسري بنا بل وصل مرها إلى حلقي .
المرأة: (بغضب وأعصاب متوترة) لماذا لا تعترف أن الحرب غيرت حتى ملامحنا فكيف بأنفسنا بعد كل ما أخذت منا (تتجه إلى الصورة على الجدار) نعم أخذت كل شيء ولم تعطنا شيء ..
الرجل: لأني لا أريد أن أكون مجرد تذكرة مقطوعة سلفاً بين الحيرة والحزن؟ لهذا أريد أن أغمضّ وجعي قليلا كي لا يخترقني ضجيجها ويشهق ألمها مرة أخرى في عمقي ..
المرأة : لأنها مازالت تلك الليلة الفاصل بين الحياة والحرب تستولي على ذاكرتنا
الرجل: كنت ممتلئ بالسعادة ومحمل بالأمل .كانت فرحتي الكبرى ونحن ننتظره أن يعود لأجراء مراسيم زواجه.. تلك الليلة التي حاولنا أن نبتهج أنا وأنت حتى نقتل الوقت لحين وصوله .بأجازة الزواج
المرأة : كنت حينها احلق في فضاءات الفرح وارسم للمستقبل ألف وجه وألف فرح
الرجل: لا أنسى حين راقصتك (تخفت الإضاءة  حد الظلام و ترتفع موسيقى هادئة تدريجيا وتنفرج بقعة ضوء تدريجيا في احد أركان المسرح وهما يرقصان بهدوء ويتحدثان )
المرأة : سوف تكتمل فرحتي حينها وأنا أراه يسعد بهذا الزواج ويأخذ من يحب
الرجل: والفرحة الكبيرة حين يزرع في هذا البيت ضحكات طفل يملئونا فرحا ويمسك في جلبابي كي احمله على صدري ..
المرأة: ليحفظه الله بحفظه ويكفنا شر الحرب ( طرقات باب قويه ومتكررة.. تخفت الإضاءة حتى يصبح المسرح مظلم عوده للمشهد السابق في مكانها السابق والرجل على الكرسي المتحرك ) لكن الحرب عادت وتقف على عتبات أبوابنا وهي فاتحة فمها تريد أن تلتهم الجميع علينا أن نغادر .
الرجل: تقصدين علينا أن ننهزم .. كي أتفتتّ هناك ألى أجزاء مخذولة كئيبة .
المرأة: لم يبقى لدينا شيء هنا نتحمل لأجله ولم يبقى وقت كافي علينا الخروج من دائرة الجحيم التي تحيط بنا
الرجل: أتعلمين أن كل الطرق إلى الحرب سوداء وكئيبة. حتى طرق العودة هكذا هي الحرب كأي عاهر.. لكن الفرق العاهر تتاجر بجسدها والحرب تتاجر بأجسادنا لأنواع الرصاص والقذائف التي تنثر براءتنا على الأرض
المرأة: لكنها الحرب تقضي على جميع المعايير والقيم الإنسانية فيها (تنظر إلى صورة الشاب المعلقة على الجدار) الحرب كم اكرهها نعم اكرهها..لأنها تعني ذهاب الأولاد دون عوده .. الحرب تعني قتل الأطفال وهم زرع الله على الأرض .الحرب تعني الفوضى والخراب والدمار ..
الرجل : لهذا سأبقى اتكأ على جراحي وأظل واقفا لا يثنيني الألم ..
المرأة:لأنك مازلت تبحث عن ملامحك التي تشعبت بها أخاديد الألم وبارود  الحروب وجراح فقد الضنى حين ودعته بصمت موجع ..
الرجل: لأني أؤمن أن العار ليس أن يدخل عدو إلى دارك رغم أنفك .بل العار أن يخرج سالماً أمام عينيك ..
المرأة: وماذا بعد كل هذا .. ألا تريد أن تستريح .
الرجل: صحيح أني أكاد أن أكون سفينة متعبة من الإبحار تحتاج إلى شاطئ ترمي عليه كل أحزانها لكن أعلمي أني قوي في داخلي لم تصدأ روحي وصوتي  مازال يصدح ولم تترهل حبالي الصوتية (يضحك بألم) فقط أخاف من قلبي أن يغافلني مره ويتوقف عن النبض من دون أن يخبرني . فأصير مجرد جثة تمشي على الأرض مثل الكثير من الجثث التي تتحرك دون منفعة.. لأنهم بلا حياة
المرأة: أنا لا أخاف الحرب.. لكني اكرهها نعم اكرهها.. لأنها حفرت الألم الذي عشش في روحي..عندما سرقت لحظات الفرح وفززت شهيق جراحي وأنيني ..فليس لدي متسع أخر للخاسرات..عليك أن تخرج من هذه الأرض
الرجل: وهل هناك متسع من العمر ليجمع كل خسارتي في حقيبة سفر والهروب بقارب يلاطمه موت الهزيمة عرض البحر  ..
المرأة: لكنها الحرب .
الرجل: وأن تكن الحرب ..فماذا عساها أن تفعل وماذا بعد كل هذا الضجيج والدمار والموت الذي فعلته هل بقي هناك متسع للخوف.هي من غزت عالمي واقتحمت حياتي وأخذت فلذت قلبي ..ضنا منها ترعبني بعد ألان.
 المرأة : لكن الأحزان أكلت من جرفنا الكثير ..خويت أجسادنا وابتلانا الوهن
الرجل: (يتجه بكرسيه المدولب إلى البذلة العسكرية المعلقة على الجدار يأخذ القميص) من لم يعيش الحرب لنْ يشعر بمدى فظاعتها..وأنا الخارج من كل أزمنتها وفظاعتها ومن موتها سهوا (يرتدي القميص العسكري) وخبرتها لسنوات كانت أطول من الحرب نفسها (يضحك بقوة) كانت الحرب  تعدنا نحن الفقراء بقصور بالفردوس ونحن لا نملك شبرا في هذه الدنيا..
المرأة : أما آن لك أن تترجل من صهوات الحروب ونزرع الأمل أما آن للمطر أن يغسل أوجه البنايات من بقايا البارود ..أما آن للوطن أن يصير وطناً..
الرجل: (يضع الخوذة على رأسه) أنا رجل رضع من حليب هذه الأرض وأكل من تراب هذه الأرض وقررّت          أن لا أتخلى عن هذه الأرض .. كل الحروب مرت من بوابة ذاكرتي لكني مازلت أقف صلد منتمي لهذا العمق ..لهذه الأرض ..لهذه الأرض
المرأة: (تتجه نحوه وتقف خلفه وتدفع الكرسي المدولب إلى عمق المسرح صوت دوي  أظلام ودخان ووميض ضوء )
النهايـــــــــــة ..
 
** حسين العراقي (20/6/2018)
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت