مسرحية سحر الغرام تفتتح الدورة الأولى للمهرجان الوطني لهواة المسرح بمراكش/ عبد الرحيم محلاوي
“إن الغابة فيها لا تمثل الطبيعة فحسب بل تتعداها لكي تمثل غرائزنا أيضا”.
يان كوت في كتابه (شكسبير معاصرنا)
قدمت فرقة تراجيكوميدرا مسرحية “سحر لغرام” في إطار افتتاح الدورة الأولى لمهرجان هواة المسرح الذي انطلقت فعالياته ما بين 28 شتنبر و 2 أكتوبر 2018 بمراكش ، وسبق لها أن توجت بنفس المسرحية بعدد من الجوائز منها :
- الجائزة الكبرى،والسينوغرافيا ، والتشخيص صنف الذكور ، بالمهرجان الوطني للمسرح الاحترافي والفنون بخريبكة في نسخته الثانية سنة 2015 .
- جائزة لجنة التحكيم والسينوغرافيا عرض ” سحر لغرام ” مهرجان ليالي مسرح جسور الدورة الخامسة / أسفي
- الجائزة الكبرى والسينوغرافيا بمهرجان لوشام للفنون الدرامية الدورة الثانية / الدار البيضاء
إلى جانب العديد العروض بمختلف المدن المغربية والجوائز في المهرجانات الوطنية التي شاركت فيها المسرحية .
إضاءة لا بد منها :
رغم أن شكسبير الذي عاش في الفترة من 1564 – 1816 قد اشتهر بأعماله التاريخية والتراجيدية الخالدة ، لكنه قدم العديد من الأعمال الكوميدية التي تعامل فيها مع المشاعر الإنسانية ببساطة استطاعت أن تنفذ إلى الصدور وترسم الابتسامات على الشفاه عبر القرون وفى مختلف البلاد ، ومسرحيته “حلم ليلة صيف” واحدة من الأعمال الكوميدية الرائعة التي تم تقديمها بمختلف اللغات وبالعديد من المحاولات في أغلب دول العالم ، فمسرحية «حلم ليلة صيف» من أكبر أعمال صاحب «هاملت» و «ماكبث»، بل كانت تعتبر من أعماله المتوسطة ، وربما الترفيهية الخالصة أيضاً.
مسرحية “سحر لغرام” :
تتلخص مسرحية سحر لغرام المأخوذة عن “حلم ليلة صيف” للمسرحي الانجليزي وليم شكسبير ، في كون ليلى لم تستسلم لقدرها الذي رسمه له والدها في الزواج من عمر ، واتفقا هي وحبيبها أشرف على الهرب على أن يكون اللقاء في الغابة .. لم تخبر الفتاة أحداً بخطتها سوى صديقتها هدى التي كانت تحب عمر من قبل وتركها من أجل ليلى ، لكن هدى ظلت تحبه وأخبرته بخطة ليلى ليترك فكرة الارتباط بها ، لكن عمر لحق بالحبيبين في الغابة، ولحقت هدى به وهكذا كانت الغابة هي مسرح الأحداث ومكان لقاء الأحباب حيث يوجد شابان يتصارعان على حب فتاة واحدة ، وهناك فتاة أخرى تتضرع إلى حبيبها لكي يرأف بحالها..
وعندما يرى ملك الجن الذي تواجد بالغابة في تلك اللحظة أن عمر يعامل هدى بقسوة ، فتأسف لحال الفتاة إلا أن حاله لم يكن أفضل منها بكثير فقد كان هو الآخر يشكو للنزق من زوجته ملكة الجن التي رفضت إعطاءه الولد التي تبنته ليصبح من أتباع الملك ، لهذا قرر أن يلقنها درساً قاسياً بأن يضع في عينيها وهى نائمة رحيق زهرة الحب الذي سيجعلها تقع في حب ربيع الذي حول النزق رأسه لرأس حمار .. حتى يتمكن من استخدام ذلك كرافعة للحصول على تغيير رأيها … واشفاقا على حال هدى فكر في وضع رحيق الحب في عيني عمر عندما ينام وبذلك تحل مشكلة كل العشاق ، وأمر النزق بتنفيذ تعليماته لكن النزق أخطأ ووضع رحيق الحب في عيني أشرف الذي استيقظ ليجد هدى أمامه وتكون هي أول من يراه فيقع على الفور في حبها، تاركا حبيبته ليلى التي ظلت تطارده في الوقت الذي كان عمر يطاردها ، وهكذا جعل خطأ النزق حال العشاق أسوأ مما كان ، فماذا يفعل ملك الجن؟! بالطبع عنف النزق الذي أراد تصحيح خطأه بأن وضع رحيق الحب في عيني عمر الذي وقع هو الآخر في حب هدى ليتحول الأمر إلى وجود شابين يقعان في حب فتاة واحدة هي هدى في هذه المرة ، ولما رأى ملك الجن ما فعله النزق من تخريب في علاقة العشاق ازداد غضبه ليملأ الغابة بعاصفة حتى لا يتقابل العشاق وعندما غرقوا في النوم وضع ملك الجان في عيني عمر واشرف رحيقاً ليفسد به السحر السابق ، وجعل المحبين يتصورون أن ما عاشوه كان مجرد حلم ، كما أفسد مفعول السحر لزوجته وأعاد ربيع لطبيعته الأولى وسوف تنجب لملك الجن الجنيات.. وذلك بعد أن وافقت على إعطائه الولد ليصبح من أتباعه .
ورغم سكون الغابة الظاهري فان أحداث المسرحية جعلت منها حلبة عاشت فيها الشخصيات الحب ، الكراهية ، الغدر ، النكران … فالغابة تشكل عنصراً أساساً في بناء النص ، من زاوية المكان فالغابة بالليل مكان مسرحي يحيل على الانسلاخ بدون رقابة أو سلطة ، الغابة مكان أو ميدان للمحبين لتأكيد حبهم دون الحاجة إلى إذن من والديهم ، الأمر الذي نجحوا في تحقيقه في النهاية. لذا الحصول على فرصة لكسر القواعد التي هرب منها العشاق ، في الغابة حصلوا على أسباب التلاعب من خلال جرعة الحب لدى ملك الجن ، حصلوا على اندماج وإعادة تحديد علاقاتهم. لذا يلعب هذا العالم الخيالي دوراً هاماً في إظهار شخصيات الذين رفضوا الموافقة على النظام القائم آنذاك الذي كان يحدد أسس حياتهم
وإنما يريد خيالاً إنسانيا يتواصل معه على مستوى الوعي التاريخي والوجدان الحي ، لذلك اعتبر المتابعون أن نجاح العمل مرتبط عضويا بمسألة إعادة إنتاج النص المسرحي (إعدادا) ، وفق رؤيةٍ تلائم الإنسان المغربي اليوم ، وإنما تجاوز ذلك إلى تجاوز حدود النص ، كي ينال من قدسيته الكلاسيكية ، عبر إعداده مع ما يتوافق مع روح الزمان والمكان.
ومن المؤكد أن هذا الجانب السحري /الليلي/ الجني هو الذي فتن ، ليس جمهور شكسبير وحده ، بل أيضاً عدداً كبيراً من الفنانين للاشتغال على هذه المسرحية .
المسرحية من إخراج ناصر مويي ، وهو يسعى فيها إلى الالتزام ببعدين ؛ أولاً بوضع لمسة مغربية من خلال اللغة والأغاني والمقاطع الموسيقية والجو العام إضافة إلى قطع الديكور التي استعان فيها بالصناعة التقليدية المغربية ، وثانياً بالحفاظ على أبعادها الكلاسيكية من حيث البناء الدرامي التصاعدي ، والتركيز على الأداء التمثيلي الصادق اعتبارا أن العرض ارتكز على المشاعر الإنسانية التي لم يغفل عنها منها: الحب والغيرة والتكبر التي قد تصيب الإنسان على غفلة…
العرض المسرحي بين الرؤية الابداعية
بالرغم من استخدام الدارجة ، فان ممتعة التلقي للعرض وحواراته تلامس القلب بكل حواسه !حيث تناسب الجمهور المغربي وهذا العصر بمتطلباته ، ولتحقيق المعادل البصري للعرض تميزت الرؤية الإخراجية للمخرج في المجرى الذي يخدم الغاية النهائية للعمل المستفيد من الحكاية الأصلية للمسرحية الشكسبيرية ، مضافاً إليها الحس الفرجوي عنده ، وتوظيفه للغة الجسد والفضاء المسرحي بوعي هندسي تكويني .
ويظهر في مشاهد العمل، الحرص الواضح عند مختلف القائمين عليه أن يكون رهان الفرقة على الفرجة والإمتاع من حيث كل قطع السينوغرافيا من ديكور واكسسوار وملابس واضاءة وتمويج موسيقي .
وأبرز العناصر الفنية هو التمثيل الذي كان في مستوى راقي ، أما بالنسبة للسينوغرافيا فكانت بسيطة خالية من المبالغة معبرة ، عبارة عن قلب كبير تتحول من البيت الذي تنطلق منه الأحداث ، إلى كوخ ملكة الجن ، كما شكلت بها أشجار الغابة أيضا ، وكذلك كانت الإضاءة بسيطة تتغير بين إضاءة عامة للخشبة أو بؤر ضوئية على الممثلين بألوان تعبر عن نفسية الشخوص ، وفي رأيي هذا ساعد العرض المسرحي عموما حيث يجعل عين المتفرج ترى رؤية المخرج وغرضه من استقبال العرض مبتعدة عن كثرة الديكورات التي في أغلب الأحيان ، لا تساعد العرض المسرحي بل تؤثر عليه بشكل سلبي ، وكذلك نجد ملابس العرض بسيطة في البداية ، أزياء عادية تنتمي إلى عصرنا ، ومن ثَم تتحول تلك الملابس إلى ملابس أثينية أو ملابس لامعة ارتداها عالم الجن.
كما خدم ذلك المزج فكرة العرض في الوصول إلى أن الحب غريزة إنسانية على مر العصور ، وهي أن لكل قلب من يهواه ولكل إنسان من يكمله ويشاركه مشواره في الحياة ، وأنه تحت ظل الحب والتفاهم والإنسانية تكمن السعادة التي افتقدها العشاق في المدينة فهربوا إلى الغابة لتحقيقها، ليظهر الصراع بين مجتمع المدينة الذي يسرق الأحلام بسبب قوانينه التي تحرم الأمل والحلم والحب، وبين الغابة التي حققت الحلم والسعادة مبتعدة عن القوانين التي لا تنظر إلى الإنسانية فيترك العرض الجمهور يختار بين المجتمعين ويحتفل الممثلون مع الجمهور في النهاية ، خاصة وأن المفاهيم اختلطت هذا الزمن ، لأن الحب جرد من معانيه السامية !
البطاقة التقنية للمسرحية
العرض المسرحي : سحر لغرام
التأليف :إعداد خلية الكتابة ( عن مسرحية حلم ليلة صيفية لوليام شكسبير )
المخرج : ناصر مويي
السينوغرافيا :عبد الخالق خاشع الرحمان
الممثلون :عبد الخالق خاشع الرحمان – محمد آيت الوراق – حسناء لمزر – وديع العواد، عبد الهادي مجاهد – عتيقة هموشة
التقنيات : ياسين مويي
المحافظة العامة : محمد داود
ملابس: مريم القدميري
تنفيذ الديكور : عبد العاطي بنباضريف
مدة العرض : 60 دقيقة
لغة العرض : العامية