مسرحية "سمها ما شئت" مسك ختام مهرجان دوز العربي للفن الرابع/ العربي بن زيدان (تونس)
سمفونية القهر بعزف منفرد للفنانة أماني بلعج
رقصت، غنت، تحركت بإنسيابية عالية، تقمصت أكثر من شخصية، أدت أكثر من المونولوج في حوارات داخلية حملت دلالات فكرية عميقة، نقلت المتلقي لأكثر من محطة تاريخية، اختزلت الأزمنة و الأمكنة في خريطة الإخفقات السياسية و الهزائم النفسية و الإجتماعية، كانت بمثابة ضمير المرأة الغائب أو المغيب الملتهب، المنتفض، الرافض لكل أشكال تسفيه المرأة، ألهبت الخشبة بحضورها وأدائها الإستثنائي في سمنفونيا جسدية نحتت أشكالها المتعددة من عمق الحضارات، قلما يتقنها أي ممثل سوى الفنانة أماني بلعج في مونودراما “سمها ما شئت ” نص و إخراج الفنان المتألق عماد دغسني .
لم تكن أخر ليلة في إختتام الطبعة 13 لمهرجان دوز العربي للفن الرابع العادية، بعدما حولتها الفنانة أماني بلعج إلى سهرة مسرحية بإمتياز قلما تجد مونودرام بهذه المتعة الفنية العالية، جعلت المتفرج بمختلف شرائحه مشدودا طيلة ساعة من الزمن الركحي في متابعة رائعة “سمها ما شئت” تأليف و إخراج الفنان المتميز عماد دغسني، الذي إستطاع أن يفجر طاقات هائلة لدى ممثلته بما جعل التوافق و التناغم و التكامل بين الجانبين عنوانا كبيرا لنجاح العرض الذي يواصل حصد الجوائز و كذا إعجاب النقاد و المتتبعين.
تنطلق مسرحية “سمتها ما شئت” من لحظة خيبة أمل و إنهيار إمرأة يهجرها حبيبها و يتركها وحيدة في مواجهة مصيرها في ضوء الإضطرابات السياسية و الأمنية التي تعصف بالبلاد حيث تتعرض مدرسة الرقص التي تدريها المرأة للحرق من طرف جماعات متشددة في ظل صعود الأصولية التكفيرية أوجها،.و في ظل وجود تحالف غير معلن بين الأصولية الدينية و الألة البيروقراطية يرفض التأمين تعويضها وترفض البنوك مسح ديونها فتجد نفسها مهددة بالسجن أو تسليم منزلها كرهن للبنك٬ فتزداد نقمتها وعزلتها، فتتحول إلى محاكمة حقيقية للتاريخ و صناع هذا التاريخ المزيف التي تديره عصابات الحكم بشعارات زائفة محمولة على أكتاف شرعيات متعددة الألوان و المرجعيات، الثورية و الوطنية و الدينية، كل هذه الإشكاليات المتداخلة ماضيا و حاضرا، كانت المرأة الغائب الأكبر ضمن سياقاتها التاريخية، فمن هذه اللحظة خطت وحددت المرأة المضطهدة، محاور إنتفاضتها ضد كل من يستغلها و يستعملها جسدا، بداية من لحظة مساوماتها من قبل م موظف البنك و وكالات التأمين، بين إستغلالها جسديا مقابل تسوية وضعية مدرسة الرقص، لكن إرتفاع سياق العمل الدرامي، يحيل المتفرج لمواقف عديدة متشابهة تجعل من المرأة العربية مجرد سلعة و بضاعة للتسلي و المتعة ضمن مجالس الأمراء و الرؤساء حيث جسدت ماني بلعج عديد المونولوجات و الحوارات الثنائية، تعري نفاق الأنظمة التي تحسن لعبة التمسك بالحكم رغم كل التحولات و الصدمات و الثورات فمن الأنظمة البولوسية القمعية، تقمع كل المسيرات المطلبية، يصبح النظام في عشية من ضحاها إلى نظام عسكري يدعي حماية الحريات و الممتلكات.
لقد تمكنت الفنانة أماني بلعج، ان تمتع الجمهور بأداء تمثيلي راق، كانت لغة الجسد فيه، المصدر الرئيسي للوصول لكل مستويات القراءة البصرية للنص الدرامي الذي إعتمد على الرمزية في مجال إختزال الحالات الإجتماعية و السياسية و الثقافية التي عصفت و لاتزال تعصف بالمجتمعات العربية كأنها حالات يتم إستنساخها في مختبر السياسيين و المنظرين .