مسرحية "رايو نو سيتي" للمخرج علي اليحياوي/ .العربي بن زيدان (تونس)
الواقعية الاجتماعية بكل مرارتها و نكباتها الإنسانية
تواصل مسرحية “رايونو سيتي”،تأليف و إخراج الفنان المبدع علي اليحياوي سلسلة عروضها في تونس حيث تعتبر المسرحية واحدة من أهم العروض التي أنتجها منذ ما يزيد عن السنة، مركز الفنون الدرامية و الركحية بمدينة مدنين، قياسا بتعدد مستويات الفرجة الركحية و الدرامية التي يوفرها العرض المسرحي، حيث تتجلى تفاصيلها ضمن سياق تماسك البنية الدراماتوجية للعمل الذي عرف من خلاله المخرج علي اليحياوي كيف يمزج بين الرؤية الحداثية و التراثية في بعدها الواقعي و العجائيبي معتمدا على فضائيين في مجال الاشتغال على السينوغرافيا، بفضاء سفلي و أخر علوي يمثل جسرا مهجورا، توقفت أشغال الإنجاز به منذ مدة حيث حوله مهمشون اجتماعيا إلى فضاء لسكنات فوضوية فضاء يشبه أحياء العشوائيات التي تنمو على أطراف المدن الكبرى أين تعشعش مختلف مظاهر البؤس الاجتماعي و ما ينجر عنها من انتشار للرذيلة باختلاف أنواعها و أشكالها من تجارة جنس، تجارة مخدرات تحت سيطرة بارونات المال، أمام حتمية العيش من عائدات جمع القاذورات و مختلف النفايات.
تنقل مسرحية “رايونو سيتي” المتلقي على مدار ساعتين من الزمن الركحي، وسط فوضى يغذيها راهن سيوسو إجتماعي و ثقافي مجحف، يغتال الأحلام و يدمر الإنسان في ظل توقف “الجسر” عن أداء دوره في ربط أواصر التواصل و التقارب بين شرائح المجتمع بهدف توفير تكافئ فرص العيش بين أبناءه حيث يغتال الحلم و تتحول “الحرقة” أو الهجرة غير الشرعية إلى الضفة الأخرى السبيل الوحيد لوقف هذا الكابوس.
تغوص مسرحية “رايو نو سيتي” تشخيص مجموعة من الممثلين على غرار فرحات دبش – لطيفة القفصي، عواطف العبيدي، كيلاني زقروبة، ضو حمزة خلف الله، حمزة بن عون، نادية تليش، لسعد جحيدر، عبد العزيز التواتي، شوقي العجيلي، اسماء بن حمزة، جهاد الفورتي، ادريس عبد القوي.و مكرم السنهوري ،تغوص ضمن مشاهد مسرح الواقع في تفاصيل حياة سكان حي عشوائي يعيشون على جمع النفايات و القاذورات لضمان قوت عيشهم يعملون لفائدة أحد أرباب المال و الأعمال، الذي يجمع ثروته من خلال إستغلال الوضعية الإجتماعية المتأزمة للفئات المهمشة، تتقوى سطوته و نفوذه من خلال تجارة الجنس و المخدرات يستبح الأعراض، يوظف، يستغل شبابا،ن ساءا و شيابا لبناء مجد إمبراطوريته المالية بعدما وجد البيئة الحاضنة لمشاريعه .
لقد تمكن المخرج علي اليحياوي بجرأة كبيرة، و على منوال المسرح العالمي، في روسيا و الولايات المتحدة الأميركية، أن يقدم نموذجا لفئات إجتماعية تعيش بين ظهرينا، يحاول الجميع رفضها، محاسبتها، إتهامها بمختلف أشكال الرذيلة و الخطيئة في حين أن الجميع يجد في هذه الفئة ما يحقق نزواته و رغباته و حتى طموحاته وفق وضعه الإجتماعي، كصورة ذلك الطبيب رمز العلم و العلوم الذي يجد في مأساة سكان حي، الذي هو مصدر كل الأمراض و الأوبئة، يجد فيه عنصرا إيجابيا لخوض تجاربه المخبرية في إكتشاف وصفات لأدوية و علاجات تتلائم مع طبيعة المرض المتفشي في هذه البقعة، مشاهد تحيل المتلقي على طريقة تعامل الشركات المتعددة الجنسيات مع الشعوب المستضعفة في مجالات متعددة من مناحي الحياة . تحفل مسرحية “رايو نو سيتي” ركحيا بالمواقف الدرامية، و الإحتفالية تعبر عن طبيعة إنسانية لمجتمع مهمش ينبض بالحياة و الحلم حيث كان للزمن الركحي مدلوله العميق لدى المخرج الذي وظف زمن الليل و النهار ضمن سينوغرافيا تحكم خيوطها إضاءة خافتة تتماشى و المشهديات الجماعية و الثانئية إلى جانب إيقاعات موسيقية منسجمة مع روح المشاهد ذات المغزى التراثي و الأسطوري لمجموعة الرقص الشعبي و التقليدي.
بينما يجنح العرض في بعض مشاهده إلى الفن المعاصر من خلال مشاهد الرقص العصري لمجموعة الشباب الحالم للهجرة و العيش في الضفة الأخرى كأخر حل لنهاية الكابوس.