مسرحية "دعوة زوجية": دعوة فنية لتأمل الحياة من خلال مؤسسة الزواج/ تحسين يقين

 لو سألت عددا من الناس عما استخلصوه، واستخلصنه من الحياة، ستجد أنهم/ن مهما شرقوا وغربوا في إجاباتهم، فسيكون الموضوع الاجتماعي، أي الرجل والمرأة، موضوعا مهما، يحضر بقوة.
وما نؤسسه اجتماعيا، يعني الكثير للتأسيس الفكري والثقافي والسياسي، ومن هنا يأتي دور الفن ليؤكد على جوهر رئيس من جواهر الحياة، حيث يشكل النجاح الاجتماعي-الأسري، الجوهرة الثمينة، فليس هناك حاجة لنكرر أهمية لبنة السرة في بنية المجتمع.
إذن، تشكل علاقة الرجل بالمرأة الموضوع الرئيس في الأدب والفن، والعلوم الإنسانية، ومن ذلك بالطبع العلاقات العاطفية والزوجية، لذلك فقد نهل وما زال الأدباء وكتاب الدراما من هذا الموضوع، كونها جذابا من ناحية، وكونه أصلا يحمل بذور درامية واقعية تتعلق بالعلاقة وتطورها، وما يضطرب فيها.
ومن تلك الأعمال الفنية التي تناولت ذلك، مسرحية “دعوة زوجية” التي شاركت في مهرجان فلسطين الوطني للمسرح، وهي من إنتاج مركز القلعة لفنون المسرح- الناصرة.
فإلى أي مدى نجحت المسرحية في المعالجة والإضافة؟ شكلا ومضمونا؟
تابع جمهور المسرحية أحداث المسرحية، فأثارت الضحك، ولكن بعد الانتهاء من المشاهدة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه، إلى أي مدى تركت المسرحية جدلا ونقاشا معمقا حول مضمونها ورؤية الإخراج؟
على مدار الساعة، تابعنا الحكاية الممثلة، التي أخذتنا الى التفاصيل اليومية، والتي نحن على ألفة معها، فلا جديد قيل عن الاختلافات الزوجية وطرق حلها، بل راحت المسرحية تعمق الصورة النمطية للمرأة، المفعول بها، خصوصا في التهديد المتكر ب “تحريدها” الى بيت ابيها، ثم تهديدها بعدم مغادرة البيت!
أغلب الظن اننا كنا ازاء اسكتشات مسرحية، ستاند أب كوميدي، حيث أزعم انها لم ترتق لما يمكن ان نعده مسرحا، يترك أثرا عميقا، يصاحب المشاهد ويعيش معه فترة أطول كثيرا من فترة العرض.
لقد غلب على العرض الجمود في الديكور والتمثيل عبر التكرار، فلم نشاهد أي تطور درامي حقيقي، حيث أن محدودية النص ومحدودية الشكل الفني انسجما معا، فجعلنا نشعر أننا إما نستمع لدراما اذاعية بسيطة، او لجزء من مسلسل ميلودراما من المسلسلات الطويلة.
كذلك، فقد كانت حركة الممثلين في أغلبها حركات عادية، لم يتم التعامل مع الجسد مسرحيا، بل تم الاعتماد على الحوار فقط، فكانت محدودية التمثيل هنا لهذا السبب؛ حيث أن تقليد الشخصيات لا يكفي هنا.
ودلالة ذلك لو أننا أغلقنا الستارة ما الذي سيتغير؟
كنا نطمح أن يتم معالجة الاختلافات والنزاعات الزوجية بشكل معمق ومؤثر، لا بشكل مسطح، كذلك فإن المسرحية لم تنجح في الحوار مع الجمهور، كما كان يفترض بالمسرح الذي ينفتح مع الجمهور، ان الحوار المحدود مع الجمهور، يجعلنا نزهد به، ولم يتم ذلك لكان أفضل.
أما إلى أي مدى نجحت المسرحية في المعالجة والإضافة؟ شكلا ومضمونا، فإننا هنا نرى ان تفسير ذلك ينبع التلازم العضوي بين الشكل والمضمون؛ حيث أن المضمون العادي والمسطح، لاءمه الشكل التمثيلي المسطح.
لقد طمح طاقم المسرحية لتقديم عرض مسرحي لكن للأسف، فلم يتجاوز الاسكتشات كثيرا، فهو يتراوح ما بين ستاند اب كوميدي وما بين المسرح، حيث اندمج الجمهور مع جزيئيات /لوحات العرض من جهة، في الوقت الذي قاد الخط الدرامي العرض من البدء حتى الانتهاء.
كما بدأنا النص، ننتهي، وهو أن فضيلة العرض أنه قام على الاشتباك مع هذا الموضوع الهام في الحياة، بل هو المؤثر والحافظ والناظم، فكيف ستكون الحياة إن تعرض البيت للضربات!
مسرحيا، وفكريا، فإن الفكر الاجتماعي يشكل صمام الأمان للمجتمعات، لكنه اليوم في ظل تعقيدات الحياة، فإننا مطالبون فالتفكير المسؤول والعاطفي -الشعوري، في كيفية عبور هذه المرحلة الانتقالية المعاصرة.
الفن ومنه المسرح (أبو الفنون) كان سبقا مسرحيا وسينمائيا في استشراف هذه المرحلة-التقنية-التكنولوجية، فعلى مدار عقدين تم إنتاج أعمال فنية تشتبك مع هذا الموضوع، كقلق اجتماعي وثقافي، كما تم توظيف المعلوماتية في النصوص الأدبية. وبشكل عام فإننا أمام صدمة هامة، ينبغي التعامل معها حتى لا يكون الارتداد بعيدا.
الاعتدال والوسطية اجتماعيا وثقافيا، يعني أن نلتقي في منتصف المسافة، وهذا ما انطلقت منه مسرحية “دعوة زوجية”، في إظهار منطلقات كل من الزوج والزوجة، الرجل والمرأة، حيث في العادة فإن الطرفين يقومان دوما بتحميل بعضهما بعضا المسؤولية عما يحدث، علما أن الأهم هو تقاسمها معا، بل والعمل بروح جادة لتجنب المطبات والصدمات.
مرة أخرى، لقد سعدنا بطرق هذا الموضوع، ولو أننا طمعنا أن نرى هناك تناسبا فنيا ينهض فنيا وإنسانيا بالموضوع.
“دعوة زوجية”، عنوان جذاب فعلا، رمزي، وواقعي، يعني من عمقه ربما بشكل خاص، تأمل الرجل والمرأة للأحداث-المشاكل، وهو يعني أكثر الأزواج، فكل زوجين يمكنهما المشاهدة، وخلال ذلك يرون أنفسهما، باتجاه فعل تطهري كلاسيكي، باتجاه العقلانية والسلام العاطفي والاجتماعي.
والعرض أيضا، مهما اختلفنا في تقييمه فنيا، مجال للجيل الشاب، وللمقبلين على الزواج، لما يقدمه من اقتراحات، ومن أفكار، باتجاه إنساني، بعيدا عن التسلط.
“دعوة زوجية” دعوة فنية لتأمل الحياة أيضا، فما الكون في وسعه الا الإنسانية، والتي عمادها البقاء، والذي جوهره علاقة الرجل والمرأة؛ فالمودة والحب والاحترام، مشاعر عميقة تجعل الحياة أكثر جمالا.
مسرحية “دعوة زوجية” القادمة من الناصرة، من العمق الفلسطيني تعني الكثير فكريا وثقافيا، لما يشكله المجتمع الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة عام 1948، من تحد معاصر للأفراد والجماعات، خصوصا أن الصدمة هناك أكبر وأبعد أثر على البقاء الإبداعي الاجتماعي والوطني المقاوم.
إنها جمالية الفنون في الانتصار لقيم الحياة وجمالياتها.
المسرحية من تأليف وإخراج وسيم خير وتمثيل اميمة سرحان، محمود مرة.
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت