المسرح الغنائي "الليقريا"..دي لارتى تونسية/ طه رشيد

مقاربة مسرحية عربية- أوربية

 
شغل الأوبريت ( المسرح الغنائي – الموسيقي ) حيزا كبيرا بين الأعمال المسرحية في العراق وخاصة خلال عقدي الستينيات والسبعينيات، معتمدا على ما توفره المدارس وبالأخص الثانوية منها، قدرات فنية لملمت أطرافها شعب النشاط المدرسي في مختلف مديريات التربية والتعليم. وراحت مجاميع من الفنانين الهواة والمحترفين بتشكيل فرق مسرحية أهلية لتقديم اوبريتات ما زالت راسخة في ذاكرة المتابعين، فمنْ منا لا يتذكر فناني البصرة وتقديمهم في بغداد اوبريتات ناجحة مثل ” المطرقة ” و ” بيادر خير ” لتقدم لنا أصواتا جديدة على مستوى الشعر والكتابة والموسيقى والغناء فكان هناك الشاعر الراحل ابو سرحان وعلي العضب والراحل محمد سعيد الصكار والكاتب ياسين النصير والملحنان حميد البصري وطالب غالي والفنان قصي البصري، والأصوات الجميلة للمغنيتين شوقية البصري وسيتا هاكوبيان اما المطرب الراحل فؤاد سالم فقد كان له حضور متميز فتح له الابواب مشرعة، بعد حين، في بغداد! لقد شكلت هذه الاوبريتات نقلة نوعية في الاغنية والموسيقى العراقية ! تشهد الساحة الفنية لدينا تراجعا ملحوظا، للاسف، في فن الاوبريت، على خلاف العواصم العربية التي تشهد تطورا ملحوظا في فنون شتى وبالاخص في السينما والمسرح وخاصة في بلدان مثل المغرب وتونسى والجزائر والخليج ولبنان ومصر.
قبل أيام تم تقديم عمل مسرحي، يقترب من فن الاوبريت، في العاصمة التونسية من إخراج الفنان حافظ خليفة، الذي عمل استاذا في المعهد العالي للفن المسرحي في تونس بين 2010 و 2016 ومارس الاخراج والتمثيل والسينغرافيا في مسارح تونس وفي ايطاليا، وهو مغرم بالتاريخ والطفولة وبالبيئة. وأخرج للمسرح أعمالا تناولت التاريخ اثارت جدالا واسعا مثل ” طواسين ” و” السقيفة ” و” حافظ الشيرازي “، كما أخرج للاطفال أعمالا عديد كان أبرزها “المهرج” ( كلون ) والتي قدمها هذا العام لأطفال بغداد لأيام عديدة. لقد حصد خليفة العديد من الجوائز وشهادات التقدير سواء في الاخراج ام في التمثيل.
وها هو اليوم يقوم باخراج مسرحية جديدة، ” الليقريا ” (وتعني باللغة الإيطالية المرح)، مستفيدا من دراسته في روما، ليقدم كوميديا موسيقية تحاكي فن الكوميديا دي لارتي الايطالية للأطفال، وهي تجربة جديدة في تونس وفي الوطن العربي. والمسرحية موجهة تحديدا للاطفال بين الثالثة والثاني عشر عاما. والمسرحية من تأليف الكاتب هشام غرزواني، بينما قام الفنان سامر دربز بكتابة الاغاني وتلحينها. وترتكز قصة المسرحية على شخصيتي ارلوكينو وبريقيلا اللذين يستعينان بمزمار سحري، حيث يمكنهما من الترحال من فصل الى اخر وجني غلال كل فصل لنكتشف فوائدها و اهميتها لتغذية جسم الانسان!
وفي لقائنا مع الفنان المخرج حافظ خليفة أجاب على سؤالنا حول أهداف هذا العمل المسرحي الذي يمتزج فيه الغناء مع الموسيقي والرقص والتمثيل قائلا : ” تنحصر أهداف العمل بين جانبين أولهما ترفيهي من خلال تقديم فرجة كوميدية مرحة للاطفال، وثانيهما تربوي إذ نقدم منظومة تربوية و تثقيفية للاطفال لخصائص الفصول و اهمية الغلال بحياتنا، ونقوم ببث المعلومة التربوية من خلال الموسيقى و الاغاني لاهمية الغلال.
أما عن تأثيرات ايطاليا على خليفة فقد اوجزها بالقول بأنه يقدم مقاربة مسرحية طريفة و متفردة مستعملا فن الكوميديا دي لارتي الايطالية، ويضيف:” لقد اعتمدنا شخصيتي ارولوكينو وبريقيلا بشكل قصدي لما يتوفر فيهما من خصائص مرحة و محببة للاطفال و الكهول وكذلك من تقنية جد واضحة في التحرك و المرجعية الفنية, و لما فيهما من تشابه لكل الشخصيات المحببة للاطفال مثل الكلون (المهرج) و القاراقوز وغيرهما من الشخصيات المتحركة و المرحة فارلوكينو يوفر الضحكة و بريقيلا يوفر الرابط الذي يجمعنا بكل ما له صلة بالمطبخ من خضر وفواكه”.
ومن أجل بناء جسم الطفل بشكل سليم قال خليفة:” اعتمادا على ملاحظتنا بالغزو السلبي للمواد الغذائية المصنعة و الكيمياوية، والتي هي غير طبيعية، مع تراجع اعتبار اهمية الغلال الطازجة و الطبيعية كاداة للغذاء لاكتساب السلامة في الجسم و النمو الطبيعي الصحيح فاننا راينا اهمية صياغة هذا العمل لتبيان اهمية تعاقب الفصول و توافر الغلال والاشارة الى منافعها بلغة سلسة و بسيطة تجمع بين العربية السهلة و العامية المهذبة, كي نصل الى الهدف التوعوي و التربوي الذي نريد ايصاله الى جمهرة الاطفال”.
اما لغة النص فانها بالاساس بالعربية الفصحى مع توافر بعض التقاطعات باللهجة العامية لاثارة الكوميديا و لكسر الرتابة التي قد تحدث من خلال تتبع النص باللغة العربية , و يرد النص بلغة وسطى و مفردات سهلة و جعلها تتلاءم مع ايقاع النص السريع و مسايرة النمط الكوميدي للعمل. ولكون العرض المسرحي الليقريا يعتمد كثيرا على الموسيقى لذلك تم التعاون مع المؤلف الموسيقي فنان الطفولة، سامي دربز، الذي هو من المتخصصين في كتابة الاغاني و تلحينها للاطفال و تتسم الحانه بالطرافة و التلوين في نوع الموسيقى و ايقاعتها المختلفة الملونة لجعل الاطفال يتفاعلون مع ما يقدم لهم من مادة موسيقية ثرية.
وخلاصة القول فإن روح الطفولة، وخاصة في بلداننا، تنسجم مع هذا اللون المسرحي ” الاوبريت” الذي يعتمد الحدوتة السهلة والمباشرة مع فيض من الموسيقى تهذب النفس وتنعش الروح. وبمناسبة انطلاق فعاليات مهرجان قرطاج المسرحي في دورته العشرين بالعاصمة التونسية، بعد ايام، (8 – 16 تشرين الثاني )، لا بد أن نذكر بأن افتتاح المهرجان سيكون من نصيب الفنان حافظ خليفة حيث سيتم عرض ملحمة ” خضراء ” من اخراجه، وهو عمل مسرحي زاخر بالموسيقى والغناء ومقتبس من السيرة الهلالية، ويقوم ببطولته نجوم المسرح التونسي بمشاركة متميزة للفنان الكبير لطفي بوشناق. وسيمثل هذا العمل، ” ملحمة خضراء “، الدولة التونسية بالدورة الرابعة لمهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي من 13 إلى 17 كانون الاول 2018.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت