نص مسرحي:" الرصيف" / تأليف: محمد عبد الخضر الحسيناوي

الوقت: ليلا
المكان :عام
الزمان: كل الازمنة
(رصيف شارع عام وسط المسرح يفترشه ثلاثة أطفال بين الرابعة والثامنة من العمر بوضع القرفصاء من شدة البرد يلتحفون صناديق الكارتون الفارغة وامرأة كبيرة السن منحنية عليهم بين الجلوس والنوم بين فترة وأخرى تسحب غطاء أحدهم لتغطي الآخر، الإنارة خافتة وتعتمد على ضوء أعمدة الكهرباء بين الحين والأخر يخطفهم ضوء من العجلات المارة وعند كل ضوء ضجيج محرك عجلة، يتحرك الجميع حركات فوضوية ليعودوا بعدها لوضعهم الأول تتكرر عدة مرات.. صوت فرامل سيارة مسرعة ينهض الجميع برعب منهم من يقف ومنهم يسير وهو نائم والأم تحاول الإمساك بهم)
الام: مرة أخرى..مرة أخرى.. مرة اخرى (وهي تحاول جمع الأولاد)
(يدخل ثلاث رجال بحالة هستيرية فوضوية)
رجل1: أنتم ثانية”
رجل2: مازالوا كما هم
رجل3: تحركوا
الام: ابتعدوا عنا واتركونا
رجل1: نترككم هههههه من قال بان الزمن تلاشى
رجل2: لنا متعة احقاق الحق
رجل3: مازلتم تعشقون النوم
الام: أي جنس أنتم
رجل1: جنس يبحث عن حياة
الام: وما ذنب الأطفال بعاهاتكم
رجل2: لأنكم الأضعف هههههه سأمسك بك هههههه لن تهرب سأمسك هذا
(رجل1 يمسك الطفل الأصغر ويرفعه من يده يصرخ الطفل)
الام: اتركوه وارحلوا عنا
رجل1: نرحل
رجل2: نرحل
رجل3: نرحل
رجل1: الى اين كنا هناك واتينا لكم نخلصكم ونخلص عليكم
الام: جئتم وزادت احمالنا
رجل3: ولكنكم تتحدثون وتسبون وترجمون ونحن لا.. نغضب
الام: لا وجوه لكم
رجل2: مسألة مهمة، كي نكون مع الكل، لكل منكم قناع
الطفل: اتركني ارحل
رجل1: ترحل ومن يجدد البيعة لابني هههههه
الام: لا دين لكم
رجل2: نتلبس بكل الأديان واللا اديان لنكون
الام: بالأمس كنتم عراة تبحثون عن مأوى اين وعودكم
رجل1: نحن المخلصون ازحنا عنكم لعنة الامس الا نستحق القمة
الام: الامس من اتى بكم وعربات تجرها الفئران، سحقا لكم فرقتم الجمع وزعتم الدم بكل الطرقات وامرتم غربان الشر تكتب السواد لتعلقه في كل بيت،لولا سوادنا لما كنتم
رجل1: وقاحة. ها.. وقاحة هههههه
رجل2: نمتلك الشفافية والحوار.. ها.. هههههه
رجل3: نتمتع بالحكمة.. ها.. هههههه
الطفل 1: إنك تألمني. اتركني
رجل1: وانا اتلذذ بهذا اصرخ أكثر
الطفل 1: اتركونا لم نعد شيئا ينفعكم
الام: اتركونا وارحلوا عنا ما عادت اجسادنا تتحمل
رجل2: ارحل. ارحل. ارحل كلمات اسمعها منكم يا ناكري الجميل كنتم هنا وكنا هناك نفترش الأرض بالصحراء
الام: تأكلون وتشربون وتلعبون
رجل2: نلعب، من قال لك هذا تلك كانت اجتماعاتنا، لأجلكم رحلنا
الام: من خوفكم رحلتم
رجل2: رأينا العذاب
الام: وتجرعنا الموت هنا
رجل2: فارقنا من نحب
الام:والتقيتم بهم ولكننا فارقناهم للأبد ومنهم من احرق امامنا ومنهم من ضاع تحت الأنقاض ومنهم من دفن حيا
رجل2: تأكلون وتشربون
الام: اكلنا الرمل والطين وشربنا المر نحفر الأرض لنشرب
رجل1: اطلب من اباك العون، هههههه هيا اطلب منه العون
الام: لبسنا السواد لأجله
(صمت يعم المسرح، رجل1 يترك الطفل تسحبه الام وتحتضنه يلتف حولها الأطفال  الآخرون، تبكي بحرقة يتبعها الأطفال بالبكاء)
رجل1: (محاولة للتهرب من الموقف) واستلمتم ثمنه
الام: الأبطال لا تثمن
رجل2: واستلمتم ثمنه
الام: (غير مبالية للسؤال) كان يعمل
طفل2: كان حنون يحملني على اكتافه لأرى الأفق
طفل3: كان يحلم كثيرا بوطن، بوطن لا يبكي فيه الأطفال
طفل1: كلما يأتي من العمل انا الوحيد الذي اركض لاحتضنه قبل اخوتي مازلت اشم رائحة التعب
الام: مازال متعب ما دام الشيطان يلعب بدماء لم تجف
طفل2: يخرج الحلوى خلسة دون علمكم ليعطيني
طفل1: كان يحبني أكثر منكم
طفل3: لا كان يحبنا جميعا لا يفرق بيننا ابدا عندما يأتي من العمل
الام: إذا وجد العمل أيام وانا اراه حائر عندما لا يجد عمل يخشى العودة ويفضل البقاء تحت اشعة الشمس حتى الظهيرة (اثناء حوارات الأطفال تأن وتضرب على رأسها)
طفل3: عندما لا يجد عملا كان يلاعبنا واعرفه من عيناه بين الدمعة والحسرة
طفل1: اين ذهب اشتقت اليه قال سأعود
(صمت)
الام: ولن يعود
طفل3: (يبكي) قال لي اجلب لك هدية عندما تنجح
الام:وتركتم المدارس
طفل4: ابي لا يخلف بالوعد
طفل2: ربما ذهب لبيتنا الذي تركناه
الام: طردونا، لأننا لا نملك دفع الايجار
طفل3:كنت معه قبل ان يذهب آخر مرة أعطاه البقال المال
الام: اقترضها ليذهب بها الى الموت
رجل2: انا لا علاقة لي بهذا الامر الغنائم وحدها ملكي هذا ما نصت عليه الوصايا
رجل3: وانا أعطيت كل ذي حق حقه
رجل1: يا رجل هيهه انت فعلا أعطيت كل ذي حق … لا أستطيع نطقها هيهه حقنة
رجل3: ما عاد الكلام يجدي نفعا سرنا وانتهى الامر
الام: كان يقولها دائما قطرة من الجبين ان سقطت، سقط معها كل النفائس
رجل1: وصدق بهذا الكلام قطرة واحدة مقابل كل ما هو نفيس وغال، أي مجنون يفضل القطرة على نفائس الأرض
الام: نفائس الأرض وأين الهرب من الأرض
رجل2: مثلما نحمل الاثقال، لكم ضعفها
رجل3: نحن قدركم، أنتم من اختار وكرر الاختيار
رجل1: لو لم نكن هكذا لما تجددت الحياة لنا
رجل2: لا ينقصكم سوى الصبر، الصبر يال العجب ثلاثة عقود وأنتم في سبات الا يمكنكم الصبر ثلاث آخر
الام: الا تكتفون بعقدين وترحلوا من حيث اتيتم
رجل1: ما زال الكثير
الام: لم يبقى سوى هذه الاثواب البالية
رجل3: وهذه التي تجلسين عليها
الام: (ياببببببببببببببببوي) حتى الكاع تبيعونها (يصفعها رجل3 بقوة، يلتف حولها الأولاد محاولين ابعاد الرجل)
رجل3: اصرخي ما شئت لن تجدي آذان تسمع ولا عيون ترى الخيط بيدي متى اشاء اقطع
الام: اصواتنا اعلى من خيطكم، لنا خيط لا ينقطع مع الله
رجل2: ومن خلالنا يمر هذا الخيط
الام: لا (بصوت عال) لا، دعاء الايتام وصراخهم لا علاقة لكم به هي رسالة لا يمسكها الا الله
رجل1: نحن منكم او كنا منكم وأصبحنا أصحاب فضل عليكم
الام: أي فضل هذا الذي تتحدث عنه هروبكم عندما كنا نواجه الموت والجوع والالم احلامنا التي كانت تتهاوى امام اعيننا هل شربت الماء بالروائح الكريهة بعد جهد بحفر الأرض اوذقت الرغيف مع الزجاج من مطحنة (أبو هبه) اين الجهاد ومن المجاهد يا مجاهد
رجل2: كنا بالصحراء وكنتم في البيوت
الام: واجهنا الموت وأنتم تتراقصون
رجل1: أي حقد هذا تعال أيا الغبي لأريك العذاب الذي رأينا
(يمسك الطفل الأصغر ويرفعه من اقدامه صرخات الطفل ومحاولات الاخوة والام لمنعه وافلات الطفل لم تنجح بوجود الرجال الاخرين لإبعادهم)
طفل3: (يصرخ بقوة من كثر الألم)
رجل1: اصرخ اعلى لتعرف من نحن واياك اياك ان تسممي أفكار الصبية بأفكارك الحاقدة
الام: الحقائق التي تحاول الغائها
رجل1: أيا كانت تلك السموم (يترك الطفل وبإشارات بينهم بنية الرحيل..يخرجون)
(قطع /صمت فترة/ انارة كاملة/ يتحرك الأطفال ذهابا وإيابا على الرصيف)
الام: ابتعدوا عن العجلات واياكم النزول للشارع
طفل1: نعرف هذا
الام: فجر جديد لأحلام ميتة
عامل النظافة: (يدخل المسرح يحمل مكنسة تجاوز الخمسين عاما غاضب) نفس القذارات، نفس الأكوام والحشرات، نفس المزابل وكأني لم أنظف بالأمس الكل يرمي والكل يبعثر والكل سيرمى ذات يوم، ابتعد أيها الطفل ولا تزبل مثل الاخرين (يخرج من جيبه حلوى متنوعة ويعطيها للصغار) خذ وانت خذ هذه لك وانت مثله (ينظر للمرأة بحرقة ويخرج من تحت قميصه ثلاثة ارغفة يعطيها تأخذها المراة وتحيه) لا املك غير هذا كما تعلمي (وكأنه يعتذر)
الام: اعرف، اعرف كل هذا
عامل النظافة: عشرة أعوام وانا اجير اكنس كل يوم قذاراتهم ولا املك راتبا اجير يومي ان تكاسلت يوما قطعوا يومي لم يعد بالعمر مسند اجير يومي وعمري تجاوز الخمسين ومازلت اجير يومي لا املك مترا بهذا البلد المسكين
الام: (بدهشة) المسكين
عامل النظافة: اجل مسكين ومسكين من سكن به كل من خيم عليه اخذ منه ورحل مسكين
الام: المسكين انت وانا
عامل النظافة: كلهم مساكين يركضون ويركضون ولا يعرفون باي حفرة يدفنون الم اقل لك لا راحة بهذا المكان اذهبي معي انت واطفالك غرفة نتقاسمها مادامت محمية بالجدران ولها سقف
الام: لا فائدة، لن اترك هذا المكان لم اعد ابحث عن جدران او سقف يحمي ليرانا الخالق بوضوح
عامل النظافة: يرانا، يرانا هو في كل مكان لا تبالي هو يعلم بحالنا أكثر منا
الام: لا تتعب نفسك مثل كل مرة لن اترك مكاني هذا
عامل النظافة: لن اتعب نفسي، لن اتعب نفسي عناد وعناد لن اتعب نفسي وانا بهذا العمر لن اتعب نفسي بل اتعب نفسي لأكنس وساختهم واعيش باليومية لابد ان اتعب نفسي والا اموت (يردد الكلمات الأخيرة بغضب ويخرج)
الام: لا تبتعدوا واحذروا السيارات
(يدخل صبيه مسرعين يحملون أكياس كلينكس)
الام: ما بكم
طفل: الشرطة تمنعنا من العمل هيا اهربي
الام: لست ممن يبيعون
طفل:ابتعدي عنهم سيأخذونك بعجلاتهم
الام: لا مكان لي سواه
(يخرج الأطفال ويدخل رجلين يحملان العصا)
ضابط: اين هربوا. سأمسك بهم أينما ذهبوا
شرطي: سيدي وهذه المراة نأخذها
ضابط: هي كما هي تستغل الرصيف لتلوثه
الام: لا مكان لي
ضابط: وما شأني بهذا مهمتي ابعاد الباعة من الشوارع لتكون مدينتنا الاجمل
الام: الاجمل هم يعيلون عوائل
ضابط: وما شأني بمن يعيلون واجبي امنعهم
شرطي: سيدي دعنا نأخذها للمركز
ضابط: لن تهمنا بشيء قريبا ستترك المكان هاهم قادمون
المسؤول: (يدخل ومعه موظف يحمل خارطة)هذا هو المكان نعم هنا مثلما موجود على الخريطة هذه الأرصفة كلها
الام: ماذا تفعلون
المسؤول: لا شأن لك
الام: ماذا تريدون
الضابط: لم نطرق بابك لتسالي هذا السؤال
الام: هو بيتي
الضابط: على هذه الكلمة يحق لي اعتقالك بالتجاوز على المال العام
الام: التجاوز على المال العام وهل ابقيتم مال عام كل شيء ضاع
المسؤول: الامر لا يعنك دعينا نقسم حسب الخريطة اجل يكون كشك هنا وآخر بجانبه اثنان هنا وثلاثة اكشاك هناك
الام: هذه ارصفة المتعبين والحفاة الضائعين والعراة ارصفة تسير عليها المشاة كما هو الشارع للسيارات الأرصفة تريدون بيعها
المسؤول: نبحث عن جمال المدينة
الام: أي مدينة هذه التي تبحث عن جمالها ابحث عن المدينة أولا ضاع كل شيء
الشرطي: سيدي دعنا نأخذها للمركز
الضابط: اخرس
الام: لن اترك مكاني هذا ان شئتم اقتلوني بهذا المكان
المسؤول: مسؤولياتنا كثيرة وكبيرة وانت لأهم لك، نتعب كثيرا كي تنعموا بالراحة والبحث عن وسائل نشغل بها الشباب العاطل وموارد للدولة
الام: وتدمر المدينة
المسؤول: لا فائدة من الكلام ان بقيت هكذا ضعوا الكشك فوق رؤوسهم لا يهمني
الضابط: الكل يريدون مثلما يرغبون المسؤولية ثقيلة جدا
الشرطي: سيدي تكلم مع السيد المسؤول لإعطائي كشك تعرف بان حالتي وو (يخرجون)
الام: (في دهشة) حتى هذا سرق منا، اين اذهب أي ارض تقبلني لن ابرح مكاني ابدا تعالوا يا قطعة القلب الاتي بزمان لا يرحم، مدينة تتحول لمدينة اكشاك خربة ارصفة الشوارع تلغى وتباع لن ارحل سأقف هنا واعتصم (بصوت عال) انا اعتصم هنا لن اسمح لهم بإلغاء الحياة وزرع الرعب لن اسمح لهم ان يبيعوا كل شيء لن اسمح لهم بتدمير الجمال انا هنا اعتصم لكم يا من تسمع انت وانت وأنتم يا من تبحثون في المزابل عن لقمة لعيالكم تعالوا هنا انا اعتصم لأحيا كونوا احياء
(يتجمع بعض الشباب والصبية وعامل النظافة ونساء كل منهم يحمل ورقة كتب عليها شعار، عمري تجاوز الأربعين وابحث عن تعيين، دعونا نعيش بكرامة، لا ماء ولا كهرباء، وشعارات أخرى مماثلة)
طالب:لا حياة لنا مع هؤلاء اما ان نكون او لا نكون تخرجت بعد عناء وجهد وسهر لأجد نفسي بلا عمل سأعتصم معك
امرأة: خمسة بنات لا معيل لهم سواي تعبت من طرق الأبواب كل يوم لأجد من يتصدق عليهم انا معكم
رجل: لم يعد بالعمر بقية اما العيش بكرامة او الموت لأجلها
طالب: تسقط كل السراق
الام: لن نبرح هذا المكان الا بالتغيير نعم نعم للتغيير
الكل:نعم نعم للتغيير
(يدخل الرجال الثلاثة والمسؤول والضابط مع جوقة من الصبية كل منهم يحمل لافته كتب عليها نفس ما كتب على اللافتات التي يحملها الآخرون والصبية يحملون منصة ومكبر صوت يضعونه وسط المسرح بين المتظاهرين يعتلي المسؤول المنصة باستغراب الحاضرين)
المسؤول: نعم نعم للتغيير هذا شعارنا الذي لا نتنازل عنه نحن مع أبناء شعبنا المظلوم نحن معكم بالأفراح والاحزان نطالب بالتغيير نطالب بتقديم كل السراق للمحاكم نحن نتضامن مع الشعب لا نتنازل عن مطالب شعبنا نطالب بالتعيينات ومساعدة العوائل المتعففة والمحتاجين نطالب..
الام: (بدهشة تقف امام المنصة) انت تطالب انت تطالب من أيها المسؤول (ضحكات هستيرية) نتظاهر ضد الشعب أيها المسؤول  (تتعالى ضحكاتها ممتزجة ببكاء تخرج من المسرح يتبعها الآخرون بطريقة استهزاء بإيماءات)
المسؤول: هل تفرقوا، نشارك شعبنا بكل شيء ولكنهم لا يستمعون لنا هذه الديمقراطية (ينظر لمن خلفه بابتسامة يصفقون) انتهى العرض هيا
(ضحكات متفرقة.. يحملون المنصة ويخرج الجميع.. المسرح خال.. يسمع من خارج المسرح ضحكات وبكاء المرأة بشكل هستيري وصراخ الأطفال)
                                                 انتهــــــــــــــى
 
** محمد عبد الخضر الحسيناوي (28-10-2018 الاحد الساعة الثانية صباحا)
 
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت