مسرحية "تقاسيم على الحياة" العراق مازال ولاّدا للمفكرين والمثقفين/ الفرجة

ضمن العروض الرسمية للدورة 20 لأيام قرطاج المسرحية 

 
احتضنت قاعة الفن الرابع بتونس العاصمة، مساء أول الأمس الثلاثاء 12 ديسمبر 2018، عرضا جديدا، من عروض المسابقة الرسمية للدورة 20 لأيام قرطاج المسرحية، ويتمثل في مسرحية “تقاسيم على الحياة” للمخرج العراقي المخضرم جواد الأسدي، وسط إقبال جماهيري ملأ القاعة، وتفاعل بحرارة مع مضمون العمل والأداء الرائع للممثلين.
“في أقبية الحياة ومنزلقاتها التحتانية، ثمة حشود من الناس المكسورين، المهمشين، والجوعى، الذين ينطحون الذل والمهانة، والعبودية بأجساد حارة ساخطة، هؤلاء أبطال المسرحية الذين ينشدون ويحلمون بأمل هنا وطمأنينة هناك” هكذا لخص الأسدي مسرحيته “تقاسيم على الحياة” وهكذا كان العمل فعلا، فكأن الركح آلة “قانون”، تخرج منه تقاسيم الوجع بأنامل المخرج، التي كانت أبطال المسرحية الذين أبدعوا في عزف تقاسيم ألمهم وألم كل العراقيين وحتى العرب.
مسرحية “تقاسيم على الحياة” اقتبسها صاحبها عن قصة “العنبر رقم 6” للكاتب الروسي الشهير أنطوان تشيخوف، وجسد ادوارها بالعربية الفصحى ممثلون محترفون أبدعوا وأقنعوا في تقمص شخصيات بأسماء شخصيات تشيخوف منطلقين من الواقع العراقي المؤلم بكل سلبياته وهم على التوالي: مناضل داود، اياد الطائي وحيدر جمعة، وأمير اسماعيل ومجموعة من شباب المسرح العراقي.
في مسرحية “تقاسيم على الحياة” جمع الأسدي شخصية الفنان النجم “ميخايلوف” (اياد الطائي) الذي طالما احتفت به المسارح وكم كان المشهد الذي جسد فيه شخصية الحوذي الذي فقد حصانه قبل أن ينتحر في “العنبر، مؤثرا وهو يصرخ “ذبحوا حصاني ذبحوا حصاني”، أما الفضاء التي تدور به أحداث المسرحية فكان تحت إدارة “الطبيب النفسي آندرياه” وجسد هذه الشخصية الممثل مناضل داوود، الذي بدا زاهدا ومتفاعلا مع مأساة أبطال “العنبر” وهم “إيفان” (حيدر جمعة) الفيلسوف الذي أرغم على دخول العنبر، والباحث عن الحرية، وقد أبدع في لعبه المسرحي لدرجة جعلت الجمهور يقاطع العرض مرارا بالتصفيق، شأنه شأن  الممثل الشاب امير احسان الذي ادى شخصية “ايكوركا”، الدكتور في الاقتصاد الذي تزوج ثلاث مرات وطلق، ثم اختار عن قناعة شخصية التوجه للإقامة ب”العنبر”…
لقد فاحت رائعة العنبر من عطاء الممثلين على الركح، فتحول فضاء “العنبر” إلى آلة موسيقية عزفت عليها أجساد الممثلين وحولت القتامة داخله إلى حياة، وتدعمت جمالية العرض بالموسيقى من خلال العزف المباشر للموسيقى الشاب أمين مقداد على آلة الكمنجة في شخصية “مكسيم”، وبأصوات وحركات “مجانين العنبر” وهم مجموعة من المسرحيين العراقيين الشبان، قبل أن يكون المنعرج في آخر المسرحية بإدخال شخصية “الدكتور خوبوتوف”، الشخصية التي ترمز للسلطة وللحكم العسكري والتي جسدها الممثل جاسم محمد.
لقد قدم الممثلون في مسرحية “تقاسيم على الحياة” درسا في الأداء، أمتعوا به المتفرج، وأكدوا أن المسرح العراقي ولاّد على الدوام، كما العراق الذي أنجب دكاترة ومفكرين وعلماء، وسيظل ولادا على الدوام، لذلك كانت ثقة جواد الأسدي في الجيل الجديد كبيرة، وحبلى بالمعاني الثواني، وكأنه أراد من خلال هذه المسرحية أن الجيل الجديد هو من سيصنع الحياة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت