قراءة في كتاب:"مسرح الأدب (ومقاربة الحداثة بين هنيرك ابسن وبرناردشو) للدكتور يوسف رشيد/ قراءة: محمد حماد

ان الحداثة في المسرح وما وصلت اليه من تقدم في مجال التواصل الفني مع الجمهور، باستخدام تقنيات تجاوزت عدد من العناصر والآليات التي كانت تستخدمها من قبلها عدد من المدارس الفنية، يمنحها الخصوصية االتي تميزها عن بقية المدارس المسرحية، ولكن لا يمكن لها ان تمحي التاريخ الذي تكفّل بوضع الأسس الأولى للبناء الفني والجمالي والتواصلي في فن المسرح، وهذا ما سعى اليه كتاب (الاستاذ الدكتور يوسف رشيد) الموسوم (مسرح الأدب {مقاربة الحداثة بين هنريك ابسن وبرناردشو}) إذ يؤكد عبر العديد من المفاصل بالجذور العميقة للحداثة التي امتدت الى عمق التاريخ الحضاري، لتفيد من التراكم المعرفي في مجال البناء الفني للنص المسرحي، التي قدمته الحضارات السابقة، ابتداءا بالاغريق ومن تلاها من الأمم التي ادلت بدلوها في نهر الزمن الجاري للأبداع الحضاري للإنسانية، وساق الكتاب عبر صفحاته المتعددة الادلة المتعددة التي تثبت ان الحداثة بوصفها مدرسة جديدة كانت لها قراءة جديدة للحياة التي عاصرتها، اثبتت الافضلية في تمثيلها والتجاوب معها في فعالياتها المسرحية.

ان هذا الكتاب اختص بالنص المسرحي، أو بمسرح الأدب، الذي كان المصطلح الذي اختاره الكتاب عنوان له، وقد تميز الكتاب بالتدرج في طرح مواضيعه، وأشر المفردات التي جعلت من االحداثة عنوان مميزا في ادب (ابسن) و(برناردشو) بوصف منتوجهما هو النموذج الذي اختاره هذا الكتاب لتمثيل الحداثة، وقد حدد المؤشرات التي كانت تتحرك في ثنايا نصوصهما المسرحية، ضمن آلية منهجية علمية، انتجت رؤية واضحة للفرق بين الحداثة وما سبقها من المدارس الفنية، مما يمنح القاريء الوقوف على المفاصل التي جعلت الحداثة منهجا قائما بذاته، فضلا عما يتعلمه الدارس من خلال قراءته للأسس العلمية في استخراج المؤشرات التي تكون مفردات الباحث في آلية تحليله للنصوص المسرحية أو حتى الأدبية، ويمكن ان نحصر المؤشرات التي تضع هذا الكتاب عنوان مهم للدارسين في المجال الادبي عموما والمسرحي خصوصا بالآتي:
ان هذا الكتاب يستهدف المثقف في عموم صياغته في تقديم منجزه النقدي، لكنه يؤكد في السطور الاخيرة من المقدمة، التي تضمنتها صفحاته الأول، ان المستهدف في هذا الكتاب هم الطلبة والدارسين، ويؤكد ذلك ما ضمنه الكتاب في نهاية فقرة (التوطئة) في الصفحة (5) من الكتاب.
اتخذ الكتاب تمهيدا معرفيا للوقوف على ما سبق من معايير فنية، وتقنية، وجمالية، طرحتها المدارس الفنية السابقة تحت عنوان (المدخل… منطلقات الحداثة)، وبعد تعريف وافي بالعناصر المسرحية عند الاغريق، بوصفها تمثل اللبنات الأولى لتأسيس المسرح في االعالم، بدأ الحديث عن مسرح شكسبير في صيغة مقارنة بين العناصر المسرحية الشكسبيرية والمسرحية الاغريقية، متخذا من المنجز المسرحي الشكسبيري النموذج الذي يمثل ما ظهر من تطور في المجال المسرحي على مستوى النص في عصر النهضة.
ان اختيار الكتاب للنمذجة اسلوبا في عرض عناصر التميّز للمسرح الشكسبيري أعلن عن منهج الكتاب الذي اختار (ابسن) و(برناردشو) بوصفهما النموذج الحداثوي في هذا الكتاب تحت عنوان النرويجي هنريك ابسن (1828- 1906) وبرناردشو (1856 – 1950) كلا منهما في مبحث منفصل، ولم يكن ذلك اعتباطا بل جاء تتمة لبناء ما سبق من قراءات علمية للبحوث والدراسات، وأشار الكتاب الى ذلك من خلال تصريحه في نهاية مبحث ((ابسن)…. نموذج المسرحية المحدثة) في صفحة (36) بان ابسن يعد النموذج الذي يحتذى به من قبل الكتاب الآخرين في النص الآتي (ويبدو ان المسرحية الأبسنية التي اخذت مسارا من الطبيعية والواقعي الى ما انتهت اليه في (عندما نبعث عن الموتى) وما مثلته هذه المسرحية من نموذج رمزي صرف قد ختمت هذه المسيرة التي ضمت الكثير من التنوع في التقنيات لتؤثر في هذا العدد المتباين في الخصائص من كتاب المسرح العالمي)، وهذا التأثير يجعل منجزه انموذج يحتذى به، وكذلك أكد الكتاب في نهاية الفقرة التي توسمت بعنوان (المقدمات) في صفحة (95) النص الآتي الذي تحدث به الكتاب عن رغبة برناردشو في صورة منجزه (انه يريد ان يقدم نموذجا يختلف عن النماذج الاخرى التي كانت سائدة في تلك الحقبة من الزمن)، كما أكد الكتاب سبب اختياره لأبسن وبرناردشو نموذج في دراسته هذه من خلال ما صرح به في معرض حديثه عن احد عناصر التكنيك الذي استخدمه برناردشو والذي كان تحت عنوا (الصراع) والذي جاء في نصه في الصفحة (100) الآتي (والثورية في المسرح يعني بها التحدي والتصدي للقوالب القديمة والاساليب التي لا تواكب الحياة التي يعيشها الإنسان في عصره سوى في التكنيك الدرامي او في الافكار وهي بالاضافة الى هذا يعني بها الحقيقة الادبية، أي الابداع الذي يأتي به الكاتب أو المؤلف شريطة أن يكون هذا الابداع معبر ومنبثق من الكاتب نفسه او بتوضيح اخر يعني ان على الكاتب المسرحي او الأديب ان يأتي بشيء جديد في الاسلوب والمضمون و(برناردشو) او (ابسن) يعتبران من الكتاب الثوريين)، أي من المجددين في التكنيك المسرحي على مستوى النص.
أشر الكتاب بشكل واضح الاضافة الحداثوية في المسرح العالمي في مبحث منفصل تحت عنوان المسرحية قبل (ابسن) ليقف القاريء على العناصر التي تغيرت من العصر السابق للحداثة الى ما قدمته الحداثة من عناصر تجديدية منحت هذا المنهج هويته المميزة.
فصّل الكتاب العناصر التي طرحها كلا من (ابسن) و(برناردشو) التي جعلت من منجزهما في مسرح الأدب الأنموذج الذي يمثل الحداثة في المجال المسرحي تحت عناوين ((ابسن)…. نموذج المسرحية المحدثة) و(التكنيك في مسرح برناردشو).
ان الكتاب يثبّت بداية الحداثة في المسرح العالمي كانت مع مسرحية (الاشباح) في معرض الحديث الذي ثبت تحت عنوان ((ابسن)…. نموذج المسرحية المحدثة)، إذ جاء في صفحة (35) النص الآتي (وعندما بحث (اريك بنتلي) عن بداية الحركة المحدثة في المسرح وجدها في الثمانينات والتسعينات من القرن التاسع عشر ووجدها في بعض السنوات التي كتبت فيها اعمال خالدة، منها (اشباح) ابسن) ، وأكد ذلك بشكل صريح في ختام مبحث آخر جاء تحت عنوان (التكنيك في مسرح (ابسن)) من خلال ما جاء فيما نصه ((ابسن) والذي يعد أبو الدراما الحديثة وحامل لوائها كما كان يسميه نقاد السبعينات من القرن الماضي) في الصفخة (38).
عمد الكتاب الى تحديد المعايير التي سوف يتخذها الكاتب أداة في تحليل النصوص المسرحية واستخراج مميزاتها التقنية الفنية للنص المسرحي، فحدد العناصر التي اختلف فيها ابسن عن سابقيه، والتي كانت هي ذاتها العناصر الأساسية للحداثة في المسرح العالمي، في سلسلة معيايرية تحت بعنوان (التكنيك في مسرح (ابسن)) وما بعدها من عناوين تمثلت في (المناقشة بدلا من التطهير والحل) و(نموذج الشخصية في مسرحيات أبسن (الواقعية اولا ثم الرمزية)) و(اللغة..النثر بدلا من الشعر) و(الصـراع) و(الانسان والقيم الفكرية في مسرح (ابسن))، وحدد الكتاب المعايير التي اتخذت في تحليل نصوص مسرحيات برناردشو، والتي تميز فيها برناردشو عن غيره، تحت العنوان (التكنيك في مسرح برناردشو) الذي مثل العنوان الكبير الذي ضم تحت مبحثه العناوين (المقدمات ـ الاستدراك ـ الإرشادات المسرحية) فضلا عن العناصر الأساسية التي بها ينتمي المنجز الأدبي الى المسرح والتي توشحت بعناوين (الصراع ـ البطل ـ اللغة ـ الإنسان والقيم الفكرية).
ان الكتاب عمد الى تثبيت المقاربات الفكرية والتقنية لنتاجات ابسن وبرنادشو المسرحية، وفصلت في مفصلين، الأول تناول شخصية المرأة في ضوء الطروحات الفكرية التي ضمتها مسرحياتهما، فكانت تحت عنوان (المرأة بين ابسن وشو)، والثانية تناولت الصياغات التقنية لكتابة النص المسرحي، وكانت تحت عنوان (برناردشو في مقترب التكنيك مع ابسن)، ومن ثم عمد الكتاب الى تثبيت جدول للمقارنة بين نتاجيهما بحسب العناصر المشتركة بين منجزيهما المسرحي، للوقوف على نقاط التشابه والاختلاف بينهما، وكان تحت عنوان (جدولا بالمقاربات والاختلافات بين ابسن وشو) .
سعى الكتاب في جزئه الأخير الى تثبيت مدى تأثر المسرح العراقي بالمنجز المسرحي لأبسن، في محاولة لتثبيت المساحة التي احتلها هذا المجدد المسرحي في خارطة المسرح العراقي، فضلا عن تسليطها الضوء على براعة الفنان المسرحي العراقي في اشتثمار المنجز المعرفي المسرحي العالمي في توظيفه والافادة منه ضمن المساحة المسرحية المحلية، على المستوى النظري، فيما ضم من تراجم وبحوث ودراسات ومقالات، وعلى المستوى العملي، فيما ضم من مسرحيات، عرضت من على المسارح العراقية، كانت نصوصها المسرحية من تأليف ابسن.
اختتم الكتاب بتثبت المصادر والمراجع التي استخدمت في هذا الكتاب، بوصفها الاصول المرجعية التي اسهمت في انجاز علمي، اعتقد انه سيشكل اضافة معرفية في المجال المسرحي ضمن المكتبة الاكاديمية على المستويين المحلي والعربية.
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت