المسرح العراقي والمهرجانات العربية.. حضور متحمس وتحجيم متعمد ….(ج2)/ د عواطف نعيم

كما تحدثنا في مقالة سابقة عن حال المسرح العراقي صاحب المنجز الكبير والريادة في استنهاض مسرح عربي ذا خصوصية وتميز والذي ما انقطع مبدعوه والمشغولون فيه عن البحث والاجتهاد رغم كل الظروف التي مرت على الوطن ولاسيما بعد اعصار 2003 ، فقد أفاقوا من الصدمة وتنبّهوا لمحاولات البعض تجيير المسرح وتوجهاته ومحاولة ليّ عنقه نحو غايات وأهداف تسعى للمنفعة والتقرب وهدم تقاليده وأقصاء الفاعلين فيه تحت ذرائع متعددة ، لم يكن العمل سهلا فمع غياب أداة قمع ورقابة ومسألة وتشكيك ظهرت محاذير جديد وتابوات مبتكره وبرزت وجوه حاولت تأجير وتجيير ذمم بعض المبدعين بأتجاه توجهات وتكتلات ذات نفوذ وتمكن مقابل منح صكوك غفران وتغطية انتماءات !!!
 
كان على المبدع العراقي أن يحدد موقفه ما بين أن يكون ضمن ارادته الحرة أو وقف موهبته وتأريخه لجهات معينة تبسط عليه حمايتها !! كان الامر في بدايته مخيفا لاسيما لدى القلوب المرهفة والارواح الرقيقة ، وقتها فوجئنا بتبدل أقنعة وتغير خطاب ونكوص سلوك ، رغم ذلك بقي المسرح العراقي فاعلا ولكن بتوجهات متخبطة وأساليب فوضية الا بعض التجارب الناضجة والمنطلقة من فكر نيّر وروح عراقية تنتمي للفن والجمال وتتخذ من العراق بكل أطيافه وألوانه حضنا وملاذا وتصيغ خطابها الجمالي بروح المحبة والتسامح والتعالي عن الشتات ، وبعد انغلاق وعزلة فرضت على المسرح العراقي ومبدعيه الا من رحم ربي أنفتحت أبواب الوطن العربي عبر المهرجانات والملتقيات وأصبح الفنان العراقي مرحبا به ومعه منجزه في أي محفل أو تجمع فني ثم ما عادت أوروبا بلادا بعيدة المنال فقد فتحت هي الاخرى أذرعها لاستقبال المسرح العراقي وأصحابه بشتى وتنوع تجاربهم بغية التعرف والفهم لطبيعة تلك التجارب وألية الاشتغال وما يدور في عقول هؤلاء المشتغلون على الظاهرة المسرحية بعد كل تلك الارهاصات والحروب والتقلبات التي مر بها بلدهم !! برزت أسماء شبابية متميزة وقد كان الشباب بحكم توقهم ورغبتهم في التغيير والخروج من عباءة الوصايا الابوية أكثر من تحمس وعمل على سبر غوار التجريب والبحث والمغامرة الصادمة أحيانا في العمل المسرحي لاسباب عديدة بعضها أنهم لم يكونوا يستطيعون نيل الفرص للعمل بحكم قانون تم وضعه والهمل به قد لا يكون مكتوبا لكنه كان ضمن التقاليد المسرحية التي تم التعامل معها للحفاظ على دائرة العلاقات في الوسط المسرحي لخلق حالة من التراتبية السليمة في تربية الكوادر الفنية الجديدة دون القفز الى أرض المسرح دون مظلات حماية ، لان العمل المسرحي ليس سهلا وليس بسيطا
والتعامل مع أبي الفنون المسرح يستدعي المعرفة والمتابعة والتعلم من خلال التجارب المتعددة لانضاج التجربة ومنحها القدرة والتمكن الواثق الذي يبعد الفنان الفاعل من التعثر ويحميه من الاخفاق ، تواصل العمل لدى بعض المسرحيين الذين أرادوا أن يتواجدوا على الساحة الفنية بحكم تجربتهم وتأريخهم منهم من حافظ على ذلك الألق والتميز دون تقديم تنازلات ومنهم من تخبط بين الحذر والتردد في صياغة خطاب مسرحي لا يسبب ضررا أو يثير تساؤلا !! وبقدر ما كان  الزمن السابق حاملا لمحاذير بقدر ما صار الزمن  الجديد حاملا لتابوات ومحاذير وتشكيك وظهر نوع حديث من الرقابة الامنية وليست الفنية ، رقابة توصل رسالتها لهذا الكيان أو ذاك لتشوه وتنال من أسماء ومنجزات الهدف منها الازاحة والتحجيم والغريب أن هذه المجموعة كانت من أبناء المسرح ذاته !!
لذا تم وئد عروض  مسرحية وايقافها أو منع ظهورها على فضاءات المسرح ومسألة أصحاب منجز والتشكيك بطروحات قامات كبيرة وساعد في خلق ذلك الاذى وجود حالة الفوضى وتعدد الولاءات والمطامع الشخصية للبعض للازاحة والتواجد بدلا عن هذا الفنان أو ذاك المبدع ، نحن نكتب عن واقع عشناه ولم نكن بعيدين عنه وهو تأريخ علينا أن نتأمله جيدا لمعرفة حجم الاوجاع والخسارات وفداحة  الثمن الذي دفعه الفنان العراقي في الازمنة المختلفة وهو يلاحق حلمه في الانجاز والابداع والابتكار الذي يقدمه ليس في بلده حسب بل الى العالم أجمع بوصفه باحثا ومجتهدا وساحرا في لعبة العمران والابتكار للنفس الانسانية من خلال الوعي المعرفي المحفز والباني ،   لذا علينا حين نكتب أن نكون دقيقين وواعين وبعيدين عن التأثرية والذاتية قريبين من روح المواطنة والجمال والحقيقة ، ما كان يمور في داخل الارض العراقية من تجاذبات وصدامات ومحاولات تعتيم وازاحة كان له أثره على علاقة المسرح العراقي بالمهرجانات العربية والقائمين عليها في بلدان الوطن العربي الذين تعمدوا التعامل مع عدد من الاسماء المتميزة لغرض معرفة مقدار مطاوعتها واذعانها لنهج وتوجه تلك المهرجانات منهم من تواصلوا معه زمنهم من اصطدموا برفضه لما يفرض عليه من املاءات وهذه واحدة من المشاكل التي عانى منها المسرح العراقي وهي محاولة تدجينه وقص أجنحة حلمه وكّم قوله وفكره المتمرد !! والذي زاد من تفاقم الاذى أن الفنان العراقي داخل الارض العراقية كان يواجه العديد من الضغوط بعضها يتمثل بالأتي :
1\ عدم وجود بنى تحتيه قادرة على تلبية رغباته في العمل والانحاز فمسرح الرشيد وهو من أرقى المسارح في الشرق الاوسط ترك مهملا دون التفكير في اعادة اعماره مع كا الدعوات والاصوات التي أرتفعت مطالبة بأعماره وتهيئته ليكون معينا للمسرح الوطني والذي تحول الى دائرة رسمية ومقرا للسينما والمسرح مع بقاء مسرحي الاحتفالات والمنصور تحت الرعاية الامريكية لفترة من الزمن ثم أصبح من ضمن المنطقة الخضراء التي يصعب التواجد فيها لاسباب أمنية !!
2\ بقاء دائرة السينما والمسرح خاضعة للتمويل الذاتي الذي يجعلها تحت رحمة وزارة المالية من خلال صرف السلف التشغيلية لها للعمل والانجاز في الوقت الذي كان لزاما على الحكومة اعادتها الى قانونها الاساس والذي تم التلاعب به خلال فترة النظام السابق لاغراض نفعية وسياسية، وقد حاول عدد من الفنانين اعادتها الى التمويل المركزي من خلال المناشدات والاعتصامات والتظاهرات ولقاء بعض من أصحاب القرار دون الوصول الى نتيجة لاسيما مع وجود بعض المدراء العامين الذين تولوا الادارة فيها وانبطاحهم نحو أرضاء عدد من المسؤولين الذين مروا على وزارة الثقافة وعاثوا فيها فسادا !!
3\ سياسة الحكومات العراقية المتعاقبة والتي نظرت الى الفنون والثقافة بوصفهما مكملات ثانوية في البنية الاجتماعية العراقية فلم تخصص لهما الميزانيات الكافية وأعتبرت وزارة الثقافة وزارة غير سيادية وجعلتها في أخر القائمة في الاهمية بين الوزارات وفرضت عليها ميزانية شحيحة لاتكفي لكي تنجز هذه الوزارة مهماتها الثقافية والفنية ثم زادت الطين بلة فدمجتها مع السياحة والاثار مع بقاء الميزانية المخصصة لها بذات التخصيص المالي  المتدني ، متناسية أن هذه الوزارة لا تقل أهمية عن وزارة الدفاع التي تخصص لها الاموال  الضخمة وتعد من أهم الوزارات السيادية ومهمتها حماية الوطن والمواطن والدفاع عنهما ومهمة وزارة الثقافة هي بناء الانسان وحفظه عقلا وفكرا وروحا لكي يدافع بعد ذلك عن الوطن ويعمّره !!
4\ لا وجود  ولا ذكر للفنان العراقي في الدستور العراقي ولا وجود له في البرلمان العراقي وليس هناك من يمثله داخل هذا التكوين الذي يمثل الشعب بكل ألوانه وأطيافه ، لذا لا يستطيع أن يوصل صوته ومطالبه التي يسعى لتحقيقها لانجاز عمله وتطوير بنيته الاساسية في العمل من أماكن للعروض واقامة الورش والتدريبات والحصول على منح للتزود بالمعرفة والاطلاع خارج العراق في الدول الاوروبية التي تعنى بالظاهرة المسرحية  لذا ظل  الفنان العراقي أسير ما هو متوفر ومتاح  من منظومات  وتقنيات عفى عليها الدهر وهرمت !!
5\ وجود تكتلات سياسية ذات توجه ديني متشدد تنظر للفنون والثقافة بوصفهما وسائل للترف والخروج عن الاداب العامة ومسيئة للبنية الاجتما عية ومتضاربة مع التوجهات الاخلاقية والدينية التي تتمثلها تلك الكتل في تعاملاتها ونهجها الفكري لذا تقوم بتشديد الخناق عليها وتحجيمها تحت شتى الذرائع ..
6\ عدم تخصيص الميزانيات المعافاة للدوائر التي تعنى بالظاهرة المسرحية والعمل على التلاعب بالسلف التشغيلية المخصصة لتلك الدوائر كدائرة السينما والمسرح وجعل التقشف شماعة وعذرا لتبرير شحة الميزانيا ت وعدم وجود الدعم الكافي لتنشيط وتفعيل الحراك المسرحي العراقي واقامة مهرجانات عربية تليق بتأريخ المسرح العراقي وحضارته والتعامل مع منظمات المجتمع المدني  ولاسيما العاملة في مجال الفنون المسرحية   بمحاباة لبعضها وتعويق للبعض الاخر حسب الولاءات والتنازلات !!
هذه بعض وليس كل من الاسباب والمعوقات التي تعيق وتعرقل عمل المسرح العراقي ولنا في مقالات قادمة تواصل في الحديث عن واقع المسرح العراقي ومهرجاناته الداخلية التي نجح في اقامة بعضها وفشل في تحقيق البعض الاخر منها وكذلك علاقاته مع المهرجانات العربية التي ظهرت مؤخرا على الساحة المسرحية العربية  والتي كانت قائمة سابقا …
 
** د عواطف نعيم/ كاتبة ومخرجة مسرحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت