الفنانة الأردنية مجد القصص: الهيئة العربية للمسرح ردت لي ولعملي الاعتبار/حوارتها: نور الهدى عبد المنعم

  •  المسرح الأردني يقوم على أفراد مقاتلين ولا دور حقيقي للمؤسسات
  • آن الآوان أن يستعيد المسرح المصري نهضة الستينات
  • لا أنتظر جوائز من المهرجانات فيكفيني رأي النقاد

 
عرفتها منذ سنوات اقتربت من العشرين، كنت أحرص على مشاهدة عروضها المسرحية التي تقدمها خلال فعاليات مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، وأرى التفاف الجمهور على اختلاف ثقافاته وتوجهاته حولها، وكم سمعت تصريحها “جائزتي هي ما كتبه النقاد عن عملي”
أنها الفنانة “مجد القصص” ممثلة ومخرجة ومؤلفة مسرحية أردنية – من أصل فلسطيني – صاحبة تجربة متميزة في المسرح الأردني المعاصر، حاصلة علي الماجستير في “مسرح فيزيائية الجسد” من جامعة لندن، والدكتوراة في التخصص نفسه من جامعة بيروت، رئيس فرقة “المسرح الحديث”، قدمت مجموعة من العروض منها: (وبعدين، ليالي الحصاد، القشة، من الحب ما قتل، الخادمات، الباب، نساء بلا ملامح، كوميديا سوداء، قبو البصل، القناع، بلا عنوان، سجون)
لها عدة مؤلفات أهمها “مدخل إلي المصطلحات والمذاهب المسرحية”، و”رواد المسرح والرقص الحديث من القرن العشرين.. النظرية والتطبيق”، تقوم بتدريس التمثيل والإخراج بجامعة اليرموك.
التقيناها خلال فعاليات مهرجان المسرح العربي الذي عُقد مؤخرًا على أرض مصر، وكان هذا الحوار الثري…….
 

 
 
 

  • ماذا عن العرض الذين تشاركين به في المهرجان؟

النافذة تأليف مجد حميد وأهم ما يميزه أن النص فاز في الدورة العاشرة لمهرجان المسرح العربي التي عقدت بتونس، كأفضل نص مسرحي، وأثناء فعاليات المهرجان حيث كنت أعرض مسرحيتي “أوركسترا” التقيت بمجد وسألني إذا كنت أحب أن أقرأ النص ورحبت طبعًا، فقام بإرساله إلي عالإيميل، وبعد عودتي إلى عمان قرأته فأعجبت به جدًا، ثم تمت إتفاقية بين الهيئة العربية للمسرح ونقابة الفنانين الأردنيين لإقامة مهرجان مسرحي وطني بالأردن ضمن سبعة مهرجانات أقامتها الهيئة بالوطن العربي، فقرأت النص مرة أخرى وازداد إعجابي به وبدأت أفكر في كيفية تنفيذه، فأعددت له رؤية إخراجية وخطة شاملة بها مقترح بأسماء الممثلين وتقدمت به إلى الهيئة العربية للمسرح للمشاركة بالمهرجان، وكان ضمن تسعة عروض متنافسة، ولم يحصل على أية جائزة لأسباب لها علاقة بلجنة التحكيم، فللأسف الشديد لدينا في الأردن تصفية حسابات مع مجد القصص من قبل لجنة التحكيم، وكنت على يقين من ذلك وقلت لفريق العمل قبل ثلاثة أسابيع من المهرجان لن نحصل على أية جائزة ولم يصدقوني، ويوم إعلان النتيجة عشرون فنانًا من الكبار أكدوا لي أنهم سوف يهنئوني بالجائزة فقلت لهم ما قلته للفريق لن يحدث، وبعد إعلان النتيجة قلت لنقيب الفنانين الأردنيين أن خمسة من أعضاء لجنة التحكيم لم يكونوا موضوعيين وقاموا بتصفية حساباتهم الشخصية معي على حساب العرض أين حقي في رد الاعتبار ولم ينصفني.
وحين تقدمت به للمشاركة في مهرجان المسرح العربي، علمت أنه قد تقدم (148) عرضًا مسرحيًا للهيئة ويتم تصفية العرض مع ثمانية عروض، معنى ذلك أن العرض واحد من أميز ثمانية عروض المتنافسة على جائزة الشيخ سلطان، هذه هي جائزتي الحقيقية ورد الاعتبار لي وللعرض، لذلك لا انتظر الجائزة، فأنا قدمت (69) عرضًا مسرحيًا وحصلت على (40) جائزة وتكريم، فأي جائزة أخرى لن تضيف أي شئ، هذه الجوائز والتكريمات حصلت عليها في حياتي، جوائز كمخرجة وكممثلة، فلست بحاجة إلى جوائز، لكن الإضافة الحقيقية هي تفاعل الجمهور مع عملي وتصفيقه لي، وهذا ما أنتظره من خلال مشاركتي هذه، أن تعجب الناس بعملي وتطوره.

  • بماذا يختلف عرض “النافذة” عن أعمالك السابقة؟

لا يوجد به تكرار لأفكار سابقة، ففي كل مرة أدخل منطقة جديدة، وأفتش وأضيف ففي هذا العمل منطقة تفتيش جديدة بالنسبة لي، لأول مرة باستخدم الفيديو بروجيكتور في عمل لي، باستثناء عرض الملك لير الذي شاركت به في مهرجان القاهرة التجريبي كان به مشهد واحد بالفيديو بروجيكتور، لكن هذه “النافذة” اعتمد عليه طوال زمن العرض، فبه (12)  استخدام للفيديو مثل الموسيقى، فلها أيضًا (12) استخدام، فكان الرهان كيف يمكنني توظيف الفيديو ويصبح جزء من الدراما وما يحدث على الخشبة، دائمًا أرى المخرجين يستخدمون الفيديو من خلال مادة فيلمية ليس لها علاقة بما يحدث فوق الخشبة، أنا حاولت بهذا العمل أن أوجد علاقة عضوية بين المادة الفيلمية والحدث الموجود على الخشبة، وعمل معي شابين من الفنانين الجدد خريجي سينما هما عبادة نور ورأفت الجدع، وكونا معا ما يشبه الورشة لكيفية توظيف الفيديو مع الحدث، وبالفعل وصلنا إلى نتيجة تحقق لي ما أريده، على سبيل المثال يوجد مشهد به لعبة شطرنج، فصممنا مربعات الشطرنج على الأرض، وقطع الشطرنج بحجم كبير، وقلت لهم في اللحظة التي يموت فيها جندي الشطرنج، يكون المشهد السينمائي لشخص يموت في اللحظة نفسها، حتى أقوم بالربط بين ما يحدث في اللعبة المسرحية وما يحدث في واقعنا العربي الذي أصبح الموت والقتل فيه حدثًا يومي، ويتم التعامل مع العالم العربي كقطع الشطرنج، طبعًا أجهدتهما جدًا للحصول على المواد السينمائة المتوافقة مع فكرتي.
هذه منطقة جديدة بالنسبة لي، أيضا اعتمدت على ديكور بسيط جدًا عبارة عن بابين ومنضدة وكرسي متحرك وكرسيان عاديان، لكن المعيار هو كيفية استخدام هذا الديكور البسيط وكذلك الإضاءة المستخدمة وخيال الظل الذي يظهر صورة على الخلفية تنسجم مع المادة الفيلمية ومكملة لها، كذلك السينوغرافيا بمنتهى البساطة، والتي تعطعي دلالات قوية جدًا، متى أضخم الشخصية المخابرتية ومتى أقذمها، الشئ الثالث هو وجود مسرح الصورة، فأنا أعمل على ثلاث مستويات فالمشاهد يرى شخصيتان في المقدمة وشخصيتان في عمق المسرح ثم المادة الفيليمة، فالعرض يعمل على تشغيل عقل المتلقي طوال الوقت والربط بين هذه الشخصيات والمادة الفيلمية، فهو عمل صعب ويحتاج إلى تفكير وأهم ما به هو الرسالة المراد توصيلها، فنحن في العالم العربي اختنقنا من كبت الحريات، فنقول حريتك تنتزعها بنفسك ولابد أن تعمل من أجل ذلك، وفي نهاية العرض نقول افتحوا الشبابيك، آن الآوان نتنفس، وأن نقول كلمتنا. هذه هي رسالتي التي اقولها من خلال العرض ويحتوي على جزء بسيط جدا من فلسفة الجسد التي حصلت فيها على دكتوراة. وقد تخليت عنها جزئيا في هذا العمل لرغبتي في الاقتراب من الناس أكثر، فحاولت أن أكسر الهوة بين النخبة والجهور العادي، وأوجد مادة تكون قريبة من الناس من دون التخلي عن أدواتي الفنية وعن الجمال على خشبة المسرح، وهو ما استطعت تحقيقه أيضًا في مسرحية “بوابة 5” وهو أول عمل لي بعد الحصول على الدكتوراة وحصلت به على جائزة الإبداع عام 2015، وعرضته في قرطاج في العام نفسه وقد حقق إقبالاً غير مسبوق من الجمهور، بعدها عرض “الحب في زمن الحرب” بالطريقة نفسها، ثم “أوركستر”، هذا العام لأول مرة أشتغل عملين في عام واحد، فقدمت “قالب كيك” مع الممثلة الأردنية القديرة جدًا “جولييت عواد” هذه الفنانة لدينا توازي أهمية سميحة أيوب في مصر، وهذه ليست مبالغة. وعلى فكرة سميحة أيوب أصبحت النموذج الذي يوجد من يشبهه في معظم الدول العربية تقريبًا.
جولييت كانت بعيدة عن المسرح لمدة خمسة وعشرون عامًا، مقتصرة على الدراما التليفزيونية، أرادت العودة للمسرح بعد كل سنوات الغياب فكان عرض “قالب كيك”، وهو عمل جماهيري يتناول قضية المرأة والقضية الفلسطينية في الوقت نفسه، بعده مباشرة جاء مهرجان “رم” الذي تعاونت فيه الهيئة العربية مع نقابة الفنانين، فقمت بإخراج النافذة وبينهما ثلاثة أشهر فقط وهي المرة الأولى التي أقدم فيها عملين في عام واحد، والحمد لله نجح العمل ولا انتظر منه جوائز، فجائزتي هي قناعتي بما أقدم.

  • ماهي أهم التحديات أو الصعوبات التي واجهتك في مشوارك الفني؟

التحدي الحقيقي أن أعمل بالمسرح في ظل ظروف اقتصادية صعبة لمدة ثلاثة وأربعون عامًا، وأظل صامدة ولم ابتعد خلالها عن خشبة المسرح حتى الآن، مرات أقول أنا مناضلة، ولا أستطيع أن أعرف السبب الذي جعلني أصمد وأتحمل كل هذه السنوات رغم الألم والمعانة التي أعانيهما مع كل عمل، من التعامل مع شخصيات العمل واحتواءهم بتركيباتهم النفسية وظروفهم ومعاناتهم، فمن يظل في المسرح طوال هذا الزمن في هذا العالم المضطرب في كل شئ يكون بطلاً.

  • ماذا أضاف لك التدريس في الجامعة؟

عملي بالتدريس في الجامعة جعلني أكثر نشاطًا وحيوية، فأنا استمد ذلك من طلابي الذين أدرس لهم، ويجعلني قارئة جيدة ومتجددة طوال الوقت، فوجودي داخل العملية التعايمية جعلني أعلم وأتعلم في الوقت نفسه، وهذا جعلني أكثر قدرة على العطاء، فأنا دائمًا أقول اليوم الذي لا أستطيع أن أقدم فيه جديد سأتوقف فورًا، والحمد لله مازلت قادرة على العمل وتقديم الجديد، وأشعر أن بداخلي الكثير الذي أستطيع تقديمه، لذلك أعتقد أنه أمامي وقت طويل حتى أتوقف.
 

  • كيف ترين الدور الذي تقوم به الهيئة العربية للمسرح في الوطن العربي؟

إذا نظرت لها كمنظومة كبيرة فلا شك أن الهيئة تقوم بأدوار تعجز عنها المؤسسات الثقافية الرسمية للأسف، سواء على صعيد تدريب المناهج وتدريب المدرسين أو إرسال الورش إلى المناطق النائية المحرومة مثل الصومال، كذلك المهرجانات المحلية الجديدة مثل مهرجان لبنان، فهي تعطي نفس للمسرحيين يستنشقوا قليلا من الهواء في ظل تغييب الثقافة في العالم العربي، فهي تقوم بدور كبير جدًا والله يطول في عمر الشيخ سلطان القاسمي، لأنه لا سمح الله من بعده سنعود إلى المنطقة التي بدأنا منها، وأتمنى أن يظل هذا المشروع طوال العمر، بالطبع به بعض الملاحظات فمن يعمل هو من يخطئ، ومن لا يعمل لا يخطئ هذه معادلة معروفة، بس الشئ الجميل أنهم دائمًا يجلسون ويعيدون التقييم حتى ينتقلوا لخطوة جديدة إلى الأمام، سيظلون يخطأون ويصححون المسار، ولذلك ما حققوه في العالم العربي يجعلني أرفع لهم القبعة وأحييهم على هذه التجربة، التي حين ننظر إليها نجدها تيارًا قويًا يسير نحو مسرح عربي قوي.

  • أين يقع المسرح الأردني على الخريطة المسرحية للوطن العربي؟

اعتقد أنه يوجد لدينا في المسرح الأردني حركة فردية نجحت في أن تفرض نفسها على الساحة العربية: بقرطاج، بالقاهرة التجريبي، بالجزائر، لكنهم أفراد وليس تراكم تجربة، فحين نقارنه على سبيل المثال بالمسرح التونسي، نجد أن المسرح التونسي به تراكم تجربة أفرز كم، أما نحن فأفرزنا أفراد مناضلين ومقاتلين وأصبحت بعض أعمالنا وليس كلها تساوي المسرح التونسي، هؤلاء الأفراد الذين يعدوا على أصابح اليد استطاعوا أن ينافسوا على المستوى العربي ويضعوا المسرح الأردني على خريطة المسرح العربي، وليس عمل مؤسسي كمسرح تونس، فالفرق المسرحية بتونس عمل مؤسسي ونهضة المسرح به حقيقية، أما نحن فنهضتنا تعتمد على الأفراد. الذين ربما ينتهي المسرح بعدهم، ورغم ذلك فعملي بالجامعة جعلني أتفاءل فلدي دفعة من الخريجين مكونة من اثني عشر طالب وطالبة، سيتواجد منهم سبعة بقوة كممثلين وكمخرجين، وسوف يكملون الطريق بعدنا، لكن عندما تكون الثقافة خارج دائرة اهتمام البلاد، فوزارة الثقافة غير سيادية، وهذا ما يجعلها تقيم فقط فعاليات ثقافية، لكنها لا ترثي قواعد ولا تؤسس لشئ، فليس لدينا حتى الآن مؤسسة مسرحية حقيقية يقوم عليها مسرحيون تقيم ورش مثلا، هذا ينفذ بشكل بيروقراطي من خلال مجموعة أسماء.
الأفراد المبدعون مقاتلون وفرضين أنفسهم على الساحة بالقوة، يناضلون بأعمالهم بعيدًا عن المؤسسة الرسمية، لكن هذا لا يكفي ولا يمكن أن يحدث تراكمًا مسرحيًا.
القصور على الوزارة وعلى نقابة الفنانين وعلى المناهج في كليات الفنون السابقة وعلى من يقوم على تعليم الطلاب، الآن أصبحت المعادلة مختلفة والطلاب يتعلمون أشياء حقيقية، وأصبحنا نسير للأمام وسوف نجني ثمار ذلك على القريب العاجل.

  • ماذا عن علاقتك بالمسرح المصري والمسرحيين المصريين؟

الأصدقاء المسرحيون في مسرح حوالي خمسة وثلاثون مسرحيًا، علاقتي بكل العاملين في المسرح أشعر أنني واحدة منهم كما أن لي جمهورًا في مصر كونته منذ مشاركتي في التجريبي دائمًا يأتيني حين يعلم بوجودي، كان بعضهم يقول لي نحن مقاطعين التجريبي لكننا نأتي من أجلك، بالطبع من أجل ما أقدمه، وكذلك لي أصدقاء ونقاد أخشاهم وأنتظر مقالاتهم منهم: د. حسن عطية، د. عمرو دواره، فحين أسمع منهما كلامًا جيدًا أعلم أنني على الطريق الصحيح، ففي مصر حركة نقدية حقيقية، نحن في الأردن ليس لدينا ناقد واحد، كنت أحضر المهرجان التجريبي وأعود ومعي خمسة وثلاثون مقالاً مسرحيًا، اعتبرهم الزوادة التي أخدتها من مصر، فأنا أحب الشعب المصري عمومًا.
المسرح المصري بدأ يتعافى في رأيي، فمن متابعتي لسبع دورات لمسرح الهواة الذي يقيمه د. عمرو دوار أرى شبابًا يأخذون العقل، أما على مستوى المحترفين لديكم شباب يأخذون العقل أيضًا، بدأ المسرح المصري يخرج من الصياح وبدأ يتناول قضايا حقيقية، ولديكم على سبيل المثال خالد جلال أتابعه منذ قدم “قهوة سادة” فهو يحترم   ويقدم أعمال جيدة من شباب لأول مرة يقفون على خشبة المسرح، وكذلك محمد أبو السعود شاهدت له أعمالاً جيدة بالهناجر، المسرح القديم الذي يقدمه النجوم الكبار، ورغن أن الناس تخرج لتشاهد نجمها السينمائي والتليفزيوني آن الآوان أن يستبدل بالمسرح الحقيقي الذي تقوده الشباب، آن الآوان للشباب أن تحمل الراية. وهذا لا يعني رفض للجيل القديم بل يعمل مع الشباب.
فحين أقرأ عن مرحلة الستينات أجد أنه تم إرسال ثمانون شابًا من أبناء مصر لبعثات تعليمية لدراسة الإخراج لأمريكا، كوبا، إنجلترا، روسيا، الصين، اليابان، وعادوا كل منهم استقى من مصدر مختلف، هذا هو مسرح الستينات الذي كان شعلة نشاط، آن الآوان أن تعود نهضة الستينات التي بدأت بالشباب.
 
عن جريدة القاهرة
 
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت