"هاملت بعد حين" للمخرج الأردني الشاب زيد خليل مصطفى العرض يخاطب البصر والبصيرة/تحسين يقين
ثلاثة مستويات من الوعي: النص الأصلي القديمة، والنص الذي تم استلهامه من خلال المضمون عبر شكل مسرحي يوحي بما نعيشه عربيا وما أثره الصراع علينا، وأخيرا المستوى الثالث وهو العمق الاجتماعي (الخيانة في الحب والزواج). ولعل ذلك مرده إن مسرحية “هاملت بعد حين” هي مزيج من ثلاثة نصوص وهم: نص (هاملت) لشكسبير، و(هاملت يستيقظ متأخرًا) للكاتب ممدوح عدوان، و(هاملت بعد حين) من الذي أعده المخرج نفسه.
إنها لعبة الوعي، حين يريد هاملت التأكد ربما من جريمة عمه وخيانته، يستغل (في النص الأصلي) مرور فرقة ممثلين جوّالين فيطلب منهم تأدية مقطع مسرحي أعدّه، (في هذا العرض يعرض هاملت المسرحية بنفسه) ودعا الملك والملكة والحاشية لحضوره، كما طلب هاملت من صديقه هوراثيو مراقبة الملك، وما يطرأ على وجهه من تغيرات أثناء العرض… ويبدأ العرض ويدرك الملك انه تمثيل لحادثة قتله لأخيه، فارتاع الملك وغادر المسرح غاضباً فتأكّـد هاملت من رواية الشبح ويقرّر قتل عمّه دون تردّد عندما تسنح له الفرصة.
ولعله (في لعبة اللاوعي) تأمل لدور الفن ومنه المسرح في الحياة، خصوصا في نقد منظومة الحكم، وما تمتاز به من علاقات القوة والسيطرة.
من هنا لفت المخرج الأردني زيد خليل نظر النقاد إلى ما يمكن أن يكون لدى الجيل الشاب من اتجاهات جادة ومسؤولة تجاه قضايا المجتمع العربي، بحسّ عال ومسؤولية عالية من خلال نقد عميق للمنظومتين السياسية والاجتماعية، من خلال الفن المسرحي.
فكما رأى هاملت شكسبير أن هناك مجالا لدور الفن (من خلال عمل تمثيلية) تقرب الفكرة من الجمهور، والتأثير على رد فعل عمه بسبب تشابه الفكرة، فإن المخرج الواعد القادم من الأردن قد أدرك عمق مقصد شكسبير؛ حيث كأنه يوحي للجمهور العربي اليوم بأن أية ثورة إن لم يسبقها ويواكبها وعي ثقافي، فلن يكون حصادها كما يجب ان يكون.
لقد تجاوز زيد خليل مصطفى وطاقمه الأردني بفكرة العرض من قضايا الصراع على السلطة والحب، إلى ما هو عميق وجوديا وواقعيا، وهذا ما فاجأ المشاهدين، الذين أعاد لهم الدور لا مجرد المشاهدة.
من شكسبير الى ممدوح عدوان الى زيد خليل مصطفى، الذي يكون هو همزة الوصل ما بين شكسبير وممدوح عدوان، خصوصا في الهمّ القومي المتجلي في النظرة نحو الصراع هنا.
والعرض الذي اعتمدت رؤيته الإخراجية على التجريب بشكل رئيسي، جعل العرض يسير سيرا بالاقتراب من نص شيكسبير، لكن كونه استلهم نص الراحل ممدوح عدوان، فقد أحالنا من خلال العمق البصري، والسينوغرافيا والملابس إلى حالة الصراع العربي-الإسرائيلي، وظهر ذلك لونيا باختيار اللونين الأزرق والأبيض، ما جعل الشخصية اليهودية- الإسرائيلية حاضرة.
لذلك فقد كان تصميم العرض من ديكور وأزياء ومكياج واكسسوار وإضاءة إبداعيا يخاطب العين، دخولا في عمق الفكر، لترك المساحة الحرة للناظر للتفكير في دلالات العرض، القيمية الأخلاقية والسياسية الوطنية والقومية، كذلك القيمة الأخلاقية الاجتماعية (مؤسسة الزواج).
وأظن هنا أن المستوى الاجتماعي، وأقصد به علاقات الرجل-المرأة، قد تم أيضا الإيحاء به من خلال استخدام اللهجة العربية في الأردن الشقيق، كانت استخدمت المسرحية في باقي الأحداث اللغة الفصيحة، وتلك من النواحي الإبداعية الذكية في العرض.
وثمة دلالة في الأحداث، تحيل إلى زوجة الملك المغدور التي قبلت الوضع الجديد بعد مقتل زوجها الملك على يد أخيه، وهي رمزية قبول الأم الأمر الواقع السياسي المتمثل بالسلام مع العدو من أجل الخلاص الفردي.
وبالرغم مما أضفته قصيدة محمود درويش في نهاية العرض، والتي كانت بصوته من تأثير، إلا أنني أزعم أن العرض لم يكن بحاجة إلى هذه الإحالة شبه المباشرة.
ومن نقاط قوة العرض أيضا انتماء الممثلين/ات لفكرة العرض، حيث شكّل وعي الطاقم التمثيلي رافعة مهمة للعرض.
والقصة التي ما زلنا نستمع إليها منذ سنوات: ملك الدانمارك المغدور، زوجته جرترود: الملكة الحالية وزوجة أخيه بعد مقتله، هاملت ابنهما، الملك الجديد كلوديوس: شقيق الملك هاملت الأب وقاتله، والذي تزوج أرملة اخيه بعد قتل أخيه.
يخوض هاملت الأب ـ ملك الدانمارك ـ حرباً قاسية ضد ملك النرويج، وتطول الحرب بينهما، فيتفق الطرفان على إنهائها بمبارزة فرسان بين الملكين تعهدا بأن يؤول في نهايتها ملك المملكتين (الدانمارك والنرويج) للملك المنتصر.
وينقشع غبار المبارزة عن انتصار هاملت ملك الدانمارك ومقتل ملك النرويج، ويخضع ملك النرويج الجديد شقيق الملك القتيل لشروط المبارزة ويأتمر بأمر ملك الدانمارك. لكن الملك المنتصر هاملت لا يعيش طويلاً لأن أخاه الطامع في ملكه قد خطّط لقتله بطريقة لا يمكن أن يكتشف أسرارها أحد؛ فقد نفذّ الأخ خطته بسكب السم في أذن أخيه وهو نائم في حديقته، ثمّ أخذ بنسج خيوطه حول أرملة أخيه التي استجابت لرغبته بالزواج، وتُقام مراسم الزواج بعد مرور شهرين من مقتل الملك هاملت الأب.
ويثور غضب هاملت الابن لزواج أمه من عمّه، ويُجّن جنونه لأنه رأى في ذلك عملاً مشينا يشير إلى عدم وفاء أمه لذكرى أبيه، كما يرى فيها تعبيراً عن رضوخها وانسياقها لشهواتها وغرائزها، فيوجّه إليها وإلى عمّه سهام سخطه، ويصبّ عليهما جام غضبه وحنقه حتى بدا لمن يراه كالمجنون، ثمّ كأن فكرة الجنون قد راقت له فأخذ يلعب دور المجنون بإتقان ونجاح.
لكن الخيانة تجري في دمه، كما جرت الغيرة من قبل، فاستسلامه للغيرة صنعت منه قاتلا وخائنا وجبانا كل همه الملك!
العرض بطولة منذر خليل مصطفى، بيسان كمال، نهى سمارة، باسم الحمصي، زينة جعجع، أني قرة ليان، ديكور محمد السوالقة، إضاءة ماهر جريان، رقصات أني قرة ليان، موسيقى سيف الخلايلة، ومن تأليف ممدوح عدوان، وإعداد وإخراج زيد خليل مصطفى. انتاج: فرقة مسرح على الخشب.