نص مسرحي: "شيزوفرينيا" / تأليف: حسين العراقي

 
مسرحية من فصل واحد ( مونودراما )
 
محظوظ ..رجل ذو الخمسين خريفا .اشيب نحيل يتمتع بصحة ونشاط ..ملابسه قديمه الطراز لكنها نظيفة ..
المكان : بوابة أدارة السجن           
(صوت يصدح بقوه وهو يقول .. حكمت المحكمة بالإفراج عن السجين رقم بلا ..! تنفرج الإضاءة على محظوظ وهو يمسك أوراقه بيده ويصرخ)   
محظوظ: (بصوت عالي ويصيح) لا لا هذا ليس عدلا .لماذا يا سيادة القاضي..هكذا قرار.. هذا إجحاف بحقي أنا لم أسيء ولم ارتكب أي جرم حتى أعامل بهذه الطريقة .. أنا ملتزم بكل القوانين وملبي لكل الأوامر..راجع يا سيدي كل سجلات الضبط و سجلات الأوامر سوف تجد سيرتي حسن السلوك والأخلاق.. يا سيدي ليس هناك فعل أو جرم يجعلك تتخذ هكذا قرار.. أرجوك يا سيدي أقرأ طلبي الذي سبقه تسعة وأربعين طلبا حتى تجاوز عدد             سنوات عمري فلم يمر يوما دون أن اكتب به طلب ترحم كي تعيدني إلى ملاذي الأمن من الخطيئة ..بدونه أصبح      تائه أرجوك أن ترحمني اشعر بالضياع خذ خذ يا سيدي (يمد يده وكأنه يعطي الطلب لشخص يستلم منه وهو فرح)
محظوظ: هذا طلب أخر أن لم تصلك طلباتي السابقة رغم أني أعطيتها لك في يدك.. لكن مشاغلك الكثيرة يا سيد            تنسيك أين تضعها.. تفضل يا سيدي.. سأنتظر يا سيد أوامرك ورحمتك وعطفك لحالتي.. ماذا يا سيدي؟.ابتعد من هذا المكان ..! وأين أذهب يا سيدي أنا سوف أنتظر ردك على طلب الاسترحام الذي قدمته لك لأني لا أريده أن يكون مصيره مثل الطلبات التي سبقته.. لا تصرخ بي يا سيدي.لأنك لا تعرف ماذا أعاني من ألم الوحدة والفراق   والخوف..يا سيدي هذا ليس عالمي.. ماذا يا سيدي؟ ليس بيدك.. إذن بيد من وأنت الأمر والناهي والجميع ينصاع           إلى أوامرك ويخافك ويهابك.. أرجوك يا سيدي فأنا منذ أيام لم أذق طعم النوم لا اعرف كيف أغمض عيني..لا لا           يا سيدي لا تصرخ أنا سوف ابتعد قليلا لكن يا سيدي انظر في طلبي لمرة واحده وستعرف كم أعاني وكم أنا متعب.. لأني كتبت كل شيء أرجوك يا سيدي أرجوك ( يتراجع إلى الخلف ويبتعد وهو خائف كأنه نهره )       محظوظ: أسف.. أسف يا سيدي نعم أنا ثرثار وغبي أيضا نعم غبي وغير محظوظ فقط في الاسم..محظوظ لكن لم أجد حظي في يوم يسعفني من هذا الألم .. خذ راحتك يا سيدي لن أزعجك بعد ألان حتى ترتاح وتنظر في طلبي وتزيح همي وألمي ..سأجلس هناك و لا أتكلم حتى مع نفسي (يضع يده على فمه) ولا أقترب منك فقط أريد (يتراجع إلى الخلف خائفا) لا لا يا سيدي أنا أسف لن أتكلم بعد الآن.. حتى تكلمني أنت وتأمرني ماذا افعل لحل مشكلتي .. ماذا يا سيدي سوف ترفعها إلى القاضي ليبت في موضوعي وأنت يا سيدي لماذا لا تبت بها وتختصر علي كل هذا الوقت (يقف بالاستعداد العسكري) نعم يا سيدي نعم ألان فهمت يجب أن يبت بها قاضي لأنه هو من يصدر الحكم.. عذرا يا سيدي أنا لا افهم بهذه الأمور.. ماذا ؟؟ لا لا يا سيد أنا لم أتظاهر هؤلاء المتظاهرين ليس معي لا يا سيد هم يطالبون بتحسين الخدمات وزيادة الرواتب والعيش الكريم .يا سيد أنا حسن السيرة والسلوك أرجوك أن توصل هذا للسادة المسئولين لان هؤلاء مطالبهم تختلف عن مطلبي فأنا متوفر لدي جميع الخدمات والعيش بهدوء فلا اطمح أكثر.(يقف وهو يستمع) صحيح يا سيدي هذا من لطفك لي .نعم يا سيدي أذهب الآن. وأنا مرتاح وسوف أنام نوم عميق..لكن بقي سؤال واحد يا سيدي متى يقرأها القاضي ويصدر قراره..ماذا .ألا      ترى يا سيد يومين كثير على تحملي وصبري (يتراجع بخوف) ماذا نعم نسيت نفسي ألم اقل لك أنا غبي .نعم أنا مخطئ يا سيدي أسف يا سيدي انتظر منك الرد حتى يبت سيادة القاضي بمشكلتي سوف أحاول أن أنام كي أكون مستعدا لقرار حضرة القاضي يوم غدا..لكن يا سيدي أن أراد أن احظر أمامه هل اذهب له بهذه الملابس أم ارتدي غيرها (يضع يديه أمام وجهه كأنه يريد ان يضربه ) أسف يا سيدي اقسم أني أسف.يا سيدي وأنا أيضا لا املك غير هذه الملابس التي على جسدي .لكني أثرثر نعم أثرثر.. سوف أغلق فمي وانتظر حتى الصباح لأرى ما يقوله القاضي (يضع قطعة من الكارتون ويمد جسده عليها للنوم تخفت الإضاءة تدريجيا .. ظلام )
(صوت قوي يصيح ..(محكمة) تنفرج الإضاءة ويظهر محظوظ .. وهو يقف في الاستعداد كأنه إمام هيئة القضاء)
محظوظ :نعم يا سيدي القاضي . حكايتي؟ نعم سأقص عليك حكايتي أنا ولدت في السجن.. ماذا نعم يا سيدي في    السجن حيث كانت أمي تقضي عقوبة السجن المؤبد لقتلها زوجها لا اعرف أن كان هو والدي وبعد وفاتها لم اعرف لي أهل فقضيت فترة في مركز رعاية الأحداث. وما إن خرجت منه حتى ارتكبت أول مخالفة قانونية قتلت شخصا حين قال لي هل تعرف أبوك من يكون . وعادوا بي للسجن.إلى أن أصبح السجن ملاذي الآمن من الخطأ والخطيئة .فأصبحت أشعر بالضياع في الخارج.. ولا أجد الأمان إلا في داخله.. يا حضرت القضاة أنا لا أعرف أين أذهب.. لا أعرف أحدا خارج السجن.. يا سيدي الحياة سجن كبير.. الذين في داخلها..يحلمون بالخروج منها والذين هم خارجها يحلمون بالعودة إليها فالحياة في الخارج مخيفة وأشبه بسجن كبير.. ففي الخارج أنت تخاف من السجَّان أما داخل السجن فــالسجَّان يخاف من السجين.. كل ما أريده هو أن تسمحوا لي بدخول السجن عن طيب خاطر فأنا محترم داخل السجن والكثيرون يطلبون مشورتي. أما خارج السجن فلا قيمة لي. وأشعر          بأنني أكثر أماناً داخل السجن (يصمت كأنه يستمع لكلام القاضي)
محظوظ :لا يا سيدي أنا ليس فيلسوفا كبيرا لا يعرف قيمة فلسفتي إلا الراسخون في علم الحكمة كما تقول .بل              أنا رجل اسمه محظوظ ولم يمر بي الحظ في حياتي ولست مريضا كبيرا لا تعرف قيمتي إلا المصحات النفسية والعقلية.. يا سيدي أنا مؤيد لوجهة نظر آمر السجن.. فهو يراني شخصا (مسجل خطر) خارج السجن فدعوني أعيش داخله.. فأنا مثل السمك ما أن خرجت من حوض الماء أموت فدعوني أعيش أخر أيام عمري بعيدا عن وحوش الحياة وكواسرها ..
صوت :أننا نقر أن هذا الرجل إما أن يكون مملوءا بالحكمة أو بالجنون.. والسجن يمنحه الاثنين.. الحكمة والجنون.. لهذا حكمت المحكمة بأعادته للسجن بناء على طلبه لحسن سيره وسلوكه وسلامة قواه العقلية.مع إعطائه الحرية في الخروج متى شاء ..
**  حسين العراقي ( 2018)                                                                                                    
 
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت