الفقرة 6 و 7 من الفصل الثالث من كتاب: "البطل المسرحي سؤال المبنى والمعنى في الفن"/ تأليف: يوسف رشيد جبر

الفصل الثالث

التكوين الفني والفكري للبطل

صدى الاتجاهات الحديثة- مدينة تحت الجذر التكعيبي* 1967

عزلة وشاعرية جليل القيسي في نموذجين 1970″

صفوان بن لبيب*..وملامح البطل الثوري 1976

—————————

 
البناء الفني والفكري للبطل
تبدو مكونات البطولة متباينة جدا فيما لو نظرنا الى التكوين الفني والفكري لكل من (كلكامش) و(سموقان) في هذه المسرحية. حيث تظهر سمات البطل الشعبي، البطل الجماهيري وبعض ملامح البطل الثوري الذي يخرج من عمق القاعدة الجماهيرية في صورة (الراعي سموقان)، في مواجهة بطل لا قبل لنا على تصور مصارعته والتضاد معه لما نعهده فيه من قوة تكوينية ترشحه الى منزلة البطل الاسطوري، ممثلا بكلكامش الذي وضع في صياغة فنية تمثل الطغيان والدكتاتورية منطلقا الى ذلك من مكوناته الاسطورية بوصفه كائنا يجمع في مكوناته مادته الالهية الى جانب ما يكونه من مادة البشر.
ان هذه المكونات في مسرحية الطوفان كان لها ان تذكي عوامل صراع فريد من نوعه، هو صراع المفاهيم المتغايرة الطاقة والمختلفة تماما في حجم الامكانات…صراع بين مفاهيم مادية واخرى مثالية، في ساحة النهب والجشع وعبر مقتربات مرمزة للواقع السياسي للعراق ابان فترة العشرين سنة التي ظهر النص فيها، حيث الغليان الجماهيري وتزامن تيارات الفلسفة والادب مع تيارات الواقع السياسي التي رافقت المرحلة الستينية من حياة المجتمع، انه الصراع بين البحث عن الحقيقة في ثوب وجودي في مواجهة البحث عن الخلود في ثوبه الاسطوري، حيث يظهر كبير الالهة (انام) بوصفه تكوينا فكريا في البحث عن الحقيقة ورمزا كبيرا للصورة المثالية وتحولاتها التي تدعو الى تامل اختيار الدال في صياغة شكل المدلول الفكري.
اما عن التكوين الفكري لكلكامش فان المؤلف قد عمد الى ابراز دكتاتوريته وتسلطيته في معظم مفاصل المسرحية واجزائها، وعلى سبيل المثال وليس الحصر قوله:
كلكامش: السياط هي قدرة الالهة وشرائعها، ايها الكاهن.
وفي موضع اخر.
كلكامش: اذن تضحك في نفسك من روح الشرائع.
كميوس: كيف اضحك في نفسي.
كلكامش: انت الحلم ايها الاله.
اغركار: كلكامش يعرف السرائر دائما.
لوكال: سيخضع العالم جميعه لقدرة بصحبة صديقه البطل انكيدو.*
فيما تقدم نجد ان المؤلف قد اضفى على كلكامش الطابع الالوهي في معرفته اسرار النفس البشرية وعدم امكانية اخفاء ما تضمره النفوس، وهو في الوقت نفسه يلمح الى ان (كلكامش) كان مدركا كراهية الاخرين لجبروته.
اما بالنسبة لسموقان فانه اذا ما بدى بثوب البطل الثوري فانما يتاتى ذلك من خلال كم المفاهيم الثورية التي حشدها الكاتب في تكوينه الفكري والتي بدت في بعض الاحيان كبيرة وفضفاضة، مقارنة بمساحته الاجتماعية ووعيه الشعبي الذي ينتظر ان يكون بسيطا الى حد ما لكي يكتسب صفة المعقولية والانسجام مع منطق الواقعية.
وقبل الولوج الى المكونات الثورية للبطل (سموقان) نجد اننا اذا ما نظرنا الى عموم المسرحية من وجهة النظر الحديثة نجد ان المؤلف اراد ان يمنح مسرحيته الرمزية ثوبا غرائبيا ليخرج بها الى عوالم التحريض الثوري الحديث، فالطوفان وكلكامش وسموقان ونام وننسون كلها رموز لا غنى للواقع عنها ابدا وهي لا تنفصل عن الصراع الحديث الذي تشهده الساحة السياسية لفترة الستينيات من القرن العشرين، حيث المنطلقات الفكرية للكاتب (عادل كاظم) واضحة تماما وهذا ما منح النص عموما وبطله بشكل خاص، سمة الحداثة والمجايلة مع المشكلة الانسانية المعاصرة.
ولذا فقد خلع الكاتب على بطله لغة تتصل بمنطق العنف الثوري الحديث حيث الدم بالدم. في صياغة قانون لمعالجة القانون السائد، بقوله:
سموقان:عندما تكون الحقيقة سببا في ذبح اوروك عند كلكامش، ستكون ايضا لنا سبب في ان نذبح كلكامش.*
وكذلك لاحظ قوله:
“سموقان:الا وروك العظيمة الى كم تبقين تحت وطاة هذا الوهم القاتل…بقبضته التي تميت، وجنوده الذين يذبحون في كل مكان…نحن بحاجة لان نصنع قدرنا بايدينا ايضا، فنرفض الموت بقبضة كلكامش، ونفرض الحياة بارادتنا..ساقف بوجه كلكامش واواجه شتيمتي له، ولامه الالهة فادخل بذلك معنى اخر في اوروك لوجود كلكامش ووجود قدره..هذا المعنى ان كلكامش ليس كل القوة، وليس كل ما يريد وانما هناك ايضا اوروك التي تريد ان تحيا فوق ارادته”([1]).
لاحظ مما تقدم قوة الايمان بالقضية في التكوين الفكري (لسموقان) تؤهله لان يكون قوة في مواجهة كلكامش بكل جبروته وبكل ما يقف عليه من قوة.
وهنا يحاول المؤلف مرة اخرى ان يجعل من عناصر الصراع على جانب من التكافيء لكي يذكي الحدث الدرامي بمنطقي التطور والتصاعد، الا ان هذا لا يعفي المؤلف من الوقوع في مغبة رسم التكوينات الفكرية بعيدا عن مؤهلها الشخصي ومركزها الاجتماعي، فاذا كان الوعي هو انعكاس للواقع فمن اين لراع كل هذه القوة في سبك الافكار وترصينها في حواراته كقوله:
“سموقان: الحقيقة لا توجد في راس قلق”([2]).
د
وربما نتلمس للمؤلف التبرير هنا ونقول ان منطق المغايرة الذي عمد الى اتباعه قد اعطى الراعي ذي الجذور الطبقية المعروفة والتي يستبعد ان تكون جذورا ثورية هذه الصفة لما ينطوي عليه من وعي فكري يجعل منه بطلا يميز المعرفة والحكمة ويفرق بينها وبين الانسان والالهة-كقوله:
“سموقان: الا يحق لي ان ارفض الخوف؟
ابو: لا تستطيع ان ترفض الخوف لانك لست الها
سموقان: سارفض الخوف لاني انسان
ابو: (يضحك) اوروك تسميك الحكيم الجديد
سموقان: كما اتمنى ان ترفع اوروك هذه الوصمة عني
ابو: لم؟
سموقان: الحكمة تعني وجود شيء من الالهة في ذاتي.
وتجده في موضع اخر:
سموقان: كما اتمنى ان املك كل قدرة لاخلق في اوروك روح التمرد التي ترفض كل شيء يعيق سير الحياة الجميل”([3]).
وهكذا فاننا اذا ما نظرنا في مفاهيم البطولة ومكونات الشخصيات الاخرى لوجدنا ان الكاتب غالبا ما يطلق افكاره عبر هذه الشخصيات معبرا عن فكره المادي بالقانون المتقدم الذي يرسمه سموقان او غيره تعبيرا عن الصراع في مقابل الفكر المثالي الديني. في محاولة لاحكام منطق الفكر والعقل في جدلية الحقيقة المادية والعقل الثوري في مهمات التغيير.
وكثيرة هي الافكار من هذا النوع، لذا لاحظ الجندي (دموزي) يقول: “ليس هناك جنديا يعرف الشجاعة، كمعرفته للخوف، الشجاعة كذبة يصنعها القادة ليدفعوا فيها جنودهم الى حتفهم..فعندما ننزل الى ميدان المعركة نجد خفق قلوبنا يزداد ضربا، ليس لشجاعة فينا وانما لخوفنا من مصير مجهول، الشجاعة فكرة نصنعها دائما قبل المعركة، اما اثناء المعركة فلا نجد في عقولنا سوى اغراء الهزيمة..هذه هي الحقيقة”([4]).
وفي تنوع في المكونات الفكرية نجد المؤلف يصب في مقابل ذلك افكار الوجود والعدم من خلال شخصية (انام) الكاهن الكبير بقوله “العدم اجدر بهذه الخليقة والالم الانهر تفرق الارض؟ والارض تنشق عن نفسها، والموت ياكل الانسان، ليولد ثانية وليؤكل ثانية بانياب الموت…اي شيء هذا الذي نكونه نحن؟ كلمة لا معنى لها، جدل عقيم هذا…انتهى حيث ابتدا وتبقى الاشكال ترسم الوجود ويبقى الوجود يمحي الاشكال”([5]).
وهكذا يستمر كاتب الطوفان في منطق (المغايرة) حتى في مفهوم المدينة البطلة (اوروك)…ففي مفهوم كلكامش كان البحث عن معنى الوجود اولا وبعده تاتي سعادة (اوروك) اما في الطوفان فقد اصبحت (اوروك) هي الفداء: انظر
“كلكامش:……………كلكامش هو الوجود واوروك هو العدم
نمركار: لان اوروك هي الفداء، والنذر الذي يذبح حتى يرضى كلكامش”([6]).
وهكذا فان متوالية البطل في مسرحية الطوفان قد انتظمت على نحو (البطل الثوري) ممثلا بـ(سموقان) و(البطل السلبي) ممثلا بـ(كلكامش).
كما ان اقتران الطوفان وعملية التغيير الثورية كلها مؤشرات كان من شانها ان ترشح الشعب بطلا في مجمل موقفه الثوري.
 
صدى الاتجاهات الحديثة- مدينة تحت الجذر التكعيبي* 1967
مثلما كان للمسرحية الواقعية في الستينيات نصيبها في معايشة الواقع السياسي والقضايا المركزية فان التيارات والاتجاهات الادبية الحديثة التي اخذت طريقها نحو المسرح العراقي هي الاخرى كان من شانها ان تتخذ من القضية الساخنة موضوعا.
ولما كان ظهور التيارات والاتجاهات الجديدة هو تحصيل حاصل للتخلخل الذي احدثه الواقع الساخن للحرب في كل العالم، فانه بالضرورة كان كذلك على مستوى التجربة الكتابية البسيطة للمسرح العراقي.
ففي مسرحية (مدينة تحت الجذر التكعيبي) يحاول طه سالم ان يقدم شكلا يقتحم فيه الكتابة التقليدية للمسرحية العراقية الا ان هذه التجربة لم تكن سوى عينة مبكرة جدا في ادب الحداثة، لذا كان لابد لها ان لا تاتي خالصة في وضوحها المنهجي- رغم محاولتها الاقتراب من ادب (اللامعقول) او العبث.
لذا فقد البس طه سالم القضية القومية ثوبا هجينا لا لضيق مساحة الديمقراطية في التعبير عن المكونات الفكرية وانما هي رغبة ابداعية ليعرض من خلالها قدراته على التعامل مع المنهج الجديد.
فكانت المحاولة مشوبة بالاختلاطات والتداخل في صفاء النوع الفني الادبي. فالمسرحية تبدا بحوارات مجتزاة غاب عنها الوضوح والترابط اول الامر، مستخدما لذلك مجموعة من الرواة لم يوفق الى عرض ما يريده من خلالهم حتى النصف الاخير من المسرحية، لنجد فيما بعد انه اراد لها ان تنتمي الى ادب المقاومة الفلسطينية، بعد ان خلعت المسرحية عن نفسها ثوب المنهج الجديد الذي اختاره لها الكاتب (اللامعقول) لنكتشف الفكرة المعقولة اخيرا والتي تقول ان (الشجاع هو من يغرس على القمة راية التحرير).
فعلى مستوى التكوين الفني والفكري للبطل في هذه المسرحية فان المتعارف عليه ان طبيعة منهج (اللامعقول) تدلل على ان ليس هناك بطلا يمكن ان يبرز بملامح وسمات يحدد من خلالها الموقف الفكري الذي ينطوي عليه دون الاخرين، اذ ان “القاريء لمسرح العبث نادرا ما يجد فيه شخصيات منفردة محددة الملامح في اطار سياق اجتماعي تاريخي محدد، فشخصيات هذا المسرح تقترب الى حد كبير من النمط الانساني الذي يقوم بدور البطولة في المسرحيات الدينية في العصور الوسطى، وكان يسمى ببساطة الانسان (Everyman) أي رمز البشر”([7]).
وذلك ما عمد اليه (طه سالم) مرمزا اسماء شخصياته في المسرحية بالاول والثاني والثالث الى السادس. وهذه من سمات التكوين الفني لمسرح (اللامعقول) الا ان هذه السمة لا تلبث ان تخبو وتختلط بسمات البطل الرمزي ومكوناته من حيث كونه بطلا مستكينا ضعيف الارادة، ليس له القدرة على التطور وليس له حدود واضحة يترسم من خلالها ابعاده الثلاثة..وهو يتسم بالعمومية التي تجعل منه احيانا ممثلا للوعي الجمعي…وهو ايضا ليس له اسم محدد.
ويبدو الكاتب في سلوكه لهذا المسار انما اراد ان يتعرض لاسلوب يقدم صورة اكثر صدقا للواقع بالتعبير عن احساس شامل بالوجود. فالتعبير الشعري الذي حاول فيه بما يتسم من غموض وتداخل الصور الجزئية وايحائيتها انما هو وسيلة للتعبير عن المعرفة الحدسية بالوجود.
ولكن محاولة (سالم) في (مدينة تحت الجذر التكعيبي) بدت في شيء من الضعف حيث لم يكن يدري الحدود الفاصلة بين شخصياته في هذه المسرحية وبين البطل الرمزي اذ حتى في الرمزية قد تجد بطلا ليس له موقف، وانما يبعث على اتخاذ موقف، ورغم انه بطل لا يتطور بشكل واضح، الا ان تراتب مساره في الحدث يبعث على التامل الذي لا ينبغي ان يحدث قسرا لتحقيق اقصى درجة من التاويل.
وعليه ينبغي ان نثبت اولا ان المسرحية مغيبة الابطال وقد انطوت على تداخلية في الاتجاهات ما بين الرمزية والعبث والمسرح السياسي، ففي بنية الترميز تجد شخصية (الحارس) وهي غير واقعية تنحو منحى الاسطورية او الخيالية بوصفه نداءا مرمزا في هذا المثال.
الحارس: ايها القوم….انذركم
ستفيض مقبرتكم على مدينتكم
ستفيض مقبرتكم على مدينتكم
السادس: وهل تفيض المقابر؟([8])
ويتوالى الرمز في سريانه في الحوار الى ان يبدا بالافصاح عن معناه في الحوار.
الرابع: باي شيء ستفيض المقبرة؟ بهياكل عظيمة منخورة؟
الحارس: بالموت…سياتيكم على متن غمام اسود
احذركم من غمام كثيف اسود يحمل الملايين من الغربان..
غربان هائلة الاجسام، داكنة اللون لها مناقير ضخمة
معقوفة..اجسامها تنفث رائحة كريهة كرائحة
الموت…لقد اتخذت القبور وجثث الموتى طعاماً.([9])
ولما كانت السمة الاساسية في مسرح اللامقول هي ان لا تنعقد البطولة الى واحدة من الشخصيات، فان المؤلف حينما خرج عن اطار هذا المنهج بدى واضحا انحيازه للتعبير عن فكرته فظهرت شخصية الاول التي احتلت مساحة فنية تؤهلها للظهور بثوب ينم عن موقفها الفكري.
الا انه لم يؤهلها للظهور بصفة البطل الشعبي او البطل الثوري التي حاول الكاتب ان يفسرها عليه، كما في الحوار التالي:
الاول: ايها السادة: لنستمع الى نداء العقل..ارجوكم في وحدتنا قوة..وتلاحمنا نخوه..لندق ناقوس الخطر قبل ان تمطر الغربان موتا على البشر.
وهنا يتضح وفي النصف الاخير من المسرحية الذي خالف الكاتب فيه الاتجاه عرض المفاهيم والقيم القومية التي تنطوي عليها الشخصية، غير ان ذلك التغيير في مسارها التطوري قد قذف بها الى الشعاراتية والمباشرة خصوصا اذا ما نظرنا وصفه:
“يظهر على الرابية (الاول) يرفع راية في ذراع (الراية راية الثورة الفلسطينية وفي الذراع الاخر بندقية…يحارب بالبندقية ويغرس الراية..الريح والغمام الاسود يحاولان اقتلاع الراية (الاول) يحاول تثبيتها وغرسها بكل ما اوتى من قوة…تنغرس الراية..ترفرف بشموخ..الاول يرفع بندقيته نشوانا ويهتف”: انها البداية…انغرست في القمة راية..انها البداية”([10]).
لتنتهي المسرحية بكونها مسرحية فكرة وليست مسرحية بطل والفكرة هي (الشجاع هو من يغرس على القمة راية).
الا ان محاولات (طه سالم) في هذا الاتجاه لم تقف عند حدود هذا النص حسب وانما اظهر دلالة للاتجاه من خلال اعمال اخرى في محاولة لتجسيد فلسفته كمؤلف له مكوناته الفكرية في اعتقاده بامكانية الانسان في التغيير والثورة على القهر. ففي اعماله الاخر التي يقول عنها.
“شخصية (طلبة) في (طنطل) وشخصية (بلا رقم) في (ما معقولة) وشخصية (عزيزة) في البقرة الحلوب- هذه الشخوص تمثل جوانب من شخصيتي وحياتي الخاصة عكست فيها ما كنت اعانيه من تمزق وصراع وازمات نفسية وفكرية”([11]).
ولا يعتقد الكاتب ان هناك ضرورة للتوسع في تحليل هذه الاعمال والشخصيات لتناولها في اكثر من بحث سابق وبشكل وافي.*
 
2-“عزلة وشاعرية جليل القيسي في نموذجين 1970”
أ-يجب ان ارحل غدا        
يقدم (جليل القيسي) في نموذجين متنوعين ضربات لحنية متغايرة عن ايقاعية (العزلة) و(الشاعرية الرومانتيكية) للبطل الذي يبرع في صياغة شكله من بين ابطال نهضوا على مساحة الدراما السبعينية…ففي مسرحيته الاولى (يجب ان ارحل غدا)**…تدور الاحداث في منطقة حافلة المصلحة..حيث المنطقة خالية الا من امراة في الستين من عمرها. اذ يلتقيها رجل عجوز ليس له الا ولد واحد يدرس في الخارج يواسي بعده عنه بما بينهما من رسائل..الرجل العجوز كان قد طلق زوجته من ثلاثين سنة خلت من غير ما سبب مقنع سوى مجرد نزوه لم يوفق الى معالجتها في حينها…فكبرت هوة الانفصال وصار الى الوحدة التي هو فيها.. ومن نكد المفارقة ان تكون هذه المراة هي زوجته- وهكذا دون ان يعرف تلتقيه وتفارقه…بعد ان تطمئن على ولدها وعلى زوجها الذي ما زالت تحتفظ له بالحب والوفاء.
تصل الشخصية المحورية (الرجل) في جذورها بواحدة من سمات البطل الرومانتيكي في نزواته التي تقوده الى المصير الذي الت اليه الشخصية..فهو حالم رغم الشيخوخة والتقدم بالسن وقد عرضه المؤلف بهدوء وبساطة، بساطة الشخصيات (التشيخوفية) منطو على بركان من الحاجة والرغبة في خل يوانسه في وحدته التي تشكل المكون الفني والنفسي للشخصية. فضلا عما عكسه فيها من مكونات فكرية من سعة اطلاع وشفافية وبلاغية لغوية وذائقة في اقتناص الصور الشعرية لتكوين مناخه الفكري.
ويبدو ان هذه السمات قد استدعت ان تنتمي هذه الشخصية الى اكثر من مذهب ادبي حيث فيها من البساطة في تكوينها الخارجي ما يدعو الى ضمها الى نسق الشخصيات الواقعية البسيطة. وفيها من الانطواء على ازمة نفسية خفية ما يؤهلها لكي تكون شخصية تعبيرية حيث تشكل الوحدة والعزلة مكونات الازمة للشخصية وتعميم هذه المكونات على فرشه المسرحية بينما تتخذ الشخصيات الاخرى والمجاورة شكل محطات توزعت عناصر الازمة النفسية للرجل العجوز.
ولعل ما يدعم اتصال هذه الشخصية فنيا بالتعبيرية هي انها رجل من الممكن ان يكون أي رجل وامراة من الممكن ان تكون أي امراة وصبي في حوار يقترب من التلغرافية في صياغاته..وعلى التعيين تجد ان كل هذه السمات التشخيصية ممكن ان تنسب المسرحية الى التعبيرية وعلى الرغم من ان مدخلها الواقعي لا يفضي الى رمزية مركبة كما هو الحال في الخصائص الاتجاهية، الا ان تداخل الرمز مع الواقع شكل سمة مميزة للاشخاص والحدث بما يرشح المسرحية النظر اليها بمنظور المسرحية الرمزية البيطة اذا ما حللنا الشفرات والدلالات التي ضمنها المؤلف ابتداءا بالشخصية الرئيسة (الرجل العجوز) والاتصال الدلالي بالشابة والشاب وكذلك ما تحمله منطقة وقوف حافلة المصلحة من دلالة…وما ينطوي عليه انتظار الحافلة التي لا تاتي…والباص في محطة الزمن..والمراة هذا الحب المؤجل في طيات الزمن منذ ثلاثين سنة…الذكريات والاحلام ورسائل الابن واخبار صديقته في الخارج، حيث هناك كل هذه العلامات شكلت البطانة التكوينية لهذه المسرحية البسيطة التي اضطلعت بتقديم محور بسيط هو العزلة والوحدة بوصفها نتيجة للتهور والنزوة القديمة الصبيانية.
ان فكرة العزلة والوحدة قد فرضت نفسها كبديل عن البطل…وهذا هو شان الحركة الحديثة في الكتابة سواء في الرواية او المسرحية، الا ان هذا لم يمنع من ان تكون شخصية البطل هادئة فنيا في سريانها عبر الحدث الذي بدى مثل قطعة موسيقية في اخر الليل، على الرغم من غياب ستراتيجية التشخيص في معرفة الحدود الواضحة لمكونات البطل كذات.
ب-زفير الصحراء* 1970
ويستمر سريان تيار الوحدة والعزلة في الاعمال المسرحية السبعينية للقيسي مؤطرا باجواء رومانتيكية يغلف بها شخوصه حتى وهم في عمق اليأس الذي يضعهم فيه ليستعرض من خلالهم قوة ارادته الشخصية ويبرز كفائة خزينه الثقافي وقراءاته في الصور الشعرية حتى في احلك الظروف واعتاها قسوة، لذا فهو في (زفير الصحراء) يناقش موضوع الضياع في صحراء ضارية القسوة مرمزا شخوصه واحداثه المستمدة من قصة استوحاها عن خبر ضياع بعثة علمية مصرية خرجت للبحث عن النفط وفقدات اتصالها بالحياة بعد تحطم الطائرة التي كانت تقل البعثة.
ان شخوص (القيسي) يحملون ازمتهم في دواخلهم…هم في الغالب مثقفون وذلك ما يعقد الازمة فكريا ويثري صياغتهم فنيا..فهم في كثير من الاحيان صحفيون، وكتاب ورسامون وممثلون، أي انهم نماذج لا تتصل بالحياة اتصالا اعتباطيا وانما يتاسس لذلك الاتصال بوعي يجعلها تنحدر من ازمة محددة تجعل من عناصر الصراع مطواعة للحالة التي يريدها.
فالتطور الذاتي للشخصية عبر الحدث تطور موضوعي في الوقت نفسه وهو مشوب بالرمز..مغلف بحلمية تساهم في تصعيد سمات الروح الداخلية للشخصية التي يعرضها وهو رغم ما تنطوي عليه شخوصه من رموز تتراوح بين العمق وسطح الحقيقة فانه يؤسس جماليا لهذه الشخوص بالدوافع الفنية وبالتكوينات التي تكسبها منطقية.
ففي (زفير الصحراء) يقدم ثلاثة شخصيات هي (عماد الامبابي) مهندس جيولوجي و(محمد السعدني) طيار شاب و(سعيد مجدي) صحفي شاب. وعليه فهو في هذه المسرحية يعتمد على شخصيات ذات ابعاد واضحة اجتماعيا ونفسيا وحتى طبيعيا. ان هذه الابعاد الثلاثة هي التي شكل منها انعقاد البطولة للمجموعة برمتها وليس لشخص دون الاخر.
فهو في الوقت الذي يحصن فيه (عماد) بعقلية علمية، تجده يجند (محمد السعدني) للروح العسكرية التي تتطلب من الطيار كل معاني الصلابة والصمود والثبات في ساعة المنازلة مع الخطر…هذه الروح التي قوامها الارادة والصبر والصلابة والقوة..وهي التي شكلت المكونات الشخصية ومساحة البطولة التي تم عليها تشخيص صورة البطل (محمد).
ويشير المؤلف الى ان هذه السمات هي المكون الموروث الذي تربى ونشا عليه (محمد).
“-محمد: اسمع يا عماد انا والدي علمني ان لا افقد الثقة بنفسي-علمني العزيمة والارادة”([12]).
وقد وصفه (سعيد)
سعيد: انه عسكري صلب- رغم الارهاق الشديد والعطش والجوع لا يكل عن البحث.
اما بالنسبة لسعيد فهو الاخر…مقاتل عنيد الارادة قوي الشكيمة من خلال تمسكه بقلمه الذي منحه الشاعرية ومنحه الشجاعة مستعينا بخزينه الثقافي الثر حيث يقول “سعيد: القصائد العظيمة يا عماد تبني في داخل الانسان امبراطورية الارادة”([13]).
وان قسوة تجربته مع الطبيعة جعلته يفلسف الظاهرة الطبيعية التي وجدوا فيها حتى لتشعر كان المؤلف قد اختبيء تحت رداء هذه الشخصية في تكوينها الفكري اكثر من غيرها لما تنطوي عليه من شاعرية وذائقة فنية وانتقائية رفيعة فضلا عما تحمله من قوة وايمان بقدرها وواقعية هذا القدر الذي هي صائرة اليه، (سعيد: ما فائدة الانسان الذي ليس لديه ما يخسر)([14]).
وقوله في تجربته الفكرية مع الطبيعة:
(سعيد: ترى اهي لعبة الصحراء ام هي لعبة رغباتنا…ام لعبة حاجاتنا البايولوجية؟
ايه هنا تعلمت يا عماد ان الكثير من الرغبات الانسانية هي انعكاسات جسدية)([15]).
سعيد يستمد قوة ارادته وصلابته من ايمانه العميق بقضية فهو بذاته دعوة لاعلان قوة الفكر التي هي اكبر من كل القوى حيث يكون الفكر هو الحياة والموت الذي تهون من اجله الحياة معلنا ان الانسان رسالة وان الفكر هو قوة بذاته في قوله
“سعيد: انا قوة..انا قلم..انا سلطة..وهل يخاف القلم الرصاص..وه الصحفي يخاف الرصاص”([16]).
ان قوة الارادة والثبات وثقته العالية بنفسه علمته كيف يستخلص مقومات النجاح من اعمق اعماق النكوص والخسارة..انهم ابطال اراد لهم المؤلف ان يموتوا وقوفا فرسمهم بمكونات فنية دقيقة جدا، لذا فهو لم يدخر وسعا في ان يصور (عماد) العالم الجيولوجي وفيه مس من شحنة رومانتيكية ملتذا بمعاناته شانه بذلك شان الابطال الرومانتيكيون.
“عماد: الضعف شيء انساني جميل”([17]).
لقد وضع (القيسي) شخوصه في ايقاعية متماسكة فنيا وهو يسلحها بقوة الارادة والصبر في صراعها العنيف الذي توزع على مستويين المستوى الاول هو البطل في مواجهة قسوة الطبيعة والضياع والجوع والعطش والمستوى الثاني البطل في مواجهة نفسه ومقاومته للياس الذي ترسمه له اخيلة الصحراء بين الفينة والفينة وهي تزفر انفاسها التي تقطع كل حبال الامل في النجاة وتلك الاحلام الرومانتيكية التي احسن استخدامها وتوظيفها لتصعيد الشاعرية النفسية للابطال…بهذه الروح رسم (القيسي) شخصياته البطلة العنيدة حيث كل ينتهي الى مصيره المحتوم وهو في عز ارادته واقوى حالاتها حينما يحتويها جسد خائر..انه انتصار للروح وللفكر يعلنه الثلاثة بموتهم من خلال هذه التركيبة التي تعمدها واضعا الروح السامية في جسد خائر..اي في اضعف مخلوقاته الابداعية. لنرى (عماد) وهو يغلق عينيه ويلفظ انفاسه الاخيرة “سعيد..سعيد انني الان ابني في داخلي امبراطورية الارادة..ها هل الجملة صحيحة…ايها الاخوة في الساعات الصعبة والمخيفة فقط يكون العالم حقيقيا”([18]).هكذا هم ابطال القيسي “رغم انهم يصابون بالجنون ويصبحون امواتا كالمسامير سترتفع الرؤوس بين ازهار الاقحوان. تتكسر الشمس الى ان تنكسر ولن تكون للموت سيطرة” هكذا في قصيدة دبلان توماس لفظ البطل الكاتب كلماته الاخيرة ليسقط شامخا.
 
صفوان بن لبيب*..وملامح البطل الثوري 1976
يحاول الكاتب المسرحي (محي الدين زنكنة) ان يقدم من خلال مسرحيته (السؤال) نموذجا لمسرح تحريضي موظفا اساسا من البنى الايديولوجية الواضحة مستعينا بالحكاية الشعبية ومستفيدا من خصائصها التكوينية ليستحدث تاليفا للبطل (صفوان بن لبيب) في حكاية (الطبيب وما جرى له من العجيب والغريب).
يقدم الكاتب احداث مسرحيته في بنية تقديمية تمثيلية معا مستفيدا من الاساليب والاتجاهات الحديثة الوافدة للمسرح العراقي ابان فترة السبعينيات ففي مفتتح المسرحية يقدم لنا الراوي من هو (صفوان بن لبيب) ثم نلج مع هذا الطبيب في خضم الاحداث التي تواجهه حيث هو طبيب وعالم ينتصر لحمال فقير ينقذه من سياط جلاده المستغل ويعالج له الما شديدا استبد به في راسه ويشفيه منه.
وطالما هو كذلك فهو طيب ومبدئي وصادق ومخلص للحقيقة، ويترتب على ذلك ان يتورط بجثة قتيل تحمل الى داره ويدخل من جرائها السجن الذي يلاقي فيه الهوان والويل، الا انه لن يتنازل عن مبدايته واخلاصه للحقيقة ولمعتقده الفكري حتى يلقى حتفه، معدوما وما بتهمة القتل التي لم يقترفها.
ولعل منظومة الترميز التي عمد اليها المؤلف (زنكنة) واضعا فيها شخوصه وتغريب عصرها زمانا ومدلولاتها الواضحة مكانا وبغض النظر عن أي تحريض ضد النص، انما هي تعبير فكري تتداخل فيه مكونات شخصية الكاتب المبدع وشخصية البطل المستحدث دراميا على صفحات المسرحية. في اطار مرحلة تاريخية للفكر وصراع المستغل والمستغل في كل ارجاء العالم.
فصفوان بن لبيب يبدو منذ المشهد الاول متقلدا وسام البطل في مقارعته الظلم والجشع والاستغلال حيث يبدو (بطلا شعبيا) في انتصاره للفقراء وتمرده على كل ظالم.
فهو يهرع لمعالجة (الحمال احمد بن سنان) وينقذه من الموت تحت سطوة جلاده (الامير بن همام) وهو الذي يقاطع ماء (بن الرباح) الذي يتاجر بجشع فيه، فقد فضاء ماء الطين الذي يجلبه (امين بن العطاء) على ماء يشربه من يد مستغل يهين.
البطل (صفوان) متوازن مع ذاته ومتوازن مع واقعه الموضوعي اول الامر رغم انه غير متفق تماما مع هذا الواقع، وهذا بديهي لتكوين انساني مثله ويمكن ان نلاحظ موقفه المتوازن من خلال هذا الحوار.
صفوان: امين..حديثك هذا يفجر في نفسي ينابيع للفرح لا تنضب لقد بدات تلج ابواب العالم الحقيقي، العالم الذي يتراجع عند حدوده البغيض والكراهية والحسد..عالم الانسان الذي يحب..يصادق متجاوزا حدود الزمان والمكان وقيود الجنس واللون ممتلئا بالصدق والامانة والاخلاص..والحب لكل البشر.
امين:حب؟ لكل البشر؟…حتى الظالم؟
صفوان: حتى الظالم يا امين..حتى الظالم..ان ايمانا قويا يعمر وجداني بان كل انسان سيعثر ذات يوم على نفسه الحقيقية وينتشلها من ادران الجشع والطمع ويغسلها بالنور الالهي المتدفق من اعماقه..الخ.
ولاحظ مواقفه من الحب والكراهية والحسد التي من شانها ان توضح انحيزاته الفكرية للخير من الناحية التكوينية.
لقد وضع الكاتب (زنكنة) بطله في بناء فني محكم من العلاقة مع مفردات بيئته بل يجعله منبثقا عنها..فصفوان يعيش في بيت واحد مع زوجته واخيها (امين بن العطاء) الذي داهمته الشرطة بعد اصطدامه بالامير همام والتجائه الى بيت صفوان.
ولعل سمة من سمات تطور الكتابة المسرحية نتلمسها هنا عندما نجد ان الاحداث التي يوضع فيها البطل بدات تاخذ شكلا مستقرا اكثر مما كانت عليه في المسرحيات السابقة* من خلال ايجاد التبرير المنطقي لتواجد الشخصية (البطل) مع الشخصيات الاخرى، وان هذه المنطقية قدمها (زنكنة) بانسيابية مقنعة حيث استعان بقضية كون (امين) مطاردا من قبل الشرطة،  وخلق وشائج علاقة بين امين وصفوان تجعل منه (بطلا مجاورا) نتناولها فيما بعد.
غير ان ما يهمنا الان ان (صفوان) بوصفه تكوينا فكريا هو مؤثر لابد من العناية بالنظر الى مكوناته التي تؤهله للتاثير بالاخرين** وفي علاقة التكوين الفكري للشخصية بالحبكة، فان الكاتب قد عمد الى ابراز الاتجاه الفكري للشخصية بتدفق متوازن حيث يظهر الشخصية في اول امرها لا تخلو من نفس صوفي في مفهومها للثورة والتمرد، الا ان هذا النفس لا يكاد يبدو حتى يخبو في التساوق الموضوعي للشخصية.***
ويبدو هذا التوازن مقصودا لتقديم فرشة معلوماتية اولية ثم الاسترسال في توغل الشخصية في الاحداث التي تتراتب على شكل جملة من الاخطاء الدرامية.
الا ان هذا المكون الصوفي في فكر البطل يعود الى الظهور ليصبح هوية واضحة له من خلال تطور الحبكة لنبيء عن ايمان البطل بالقوى العليا والاختيار الذي لا راد له في نهاية الفصل الاول حينما تورط بجثة القتيل بقوله:
“صفوان: انها مشيئة الهية عليا…والا لماذا نحن بالذات.
امين: لان منطق المصادفة اعمى…ولاننا وحدنا الذين لا نرفض احدا في أي وقت جاء.
صفوان
وعلى الرغم مما تقدم فانه لم يكن عيبا فنيا ان جعل الكاتب بطله يتردى في اخطاء اخرى، فتلك مشيئة البطل التراجيدي اصلا، الا ان ما قد يؤخذ على الشخصية هنا انه اضفى عليها عنادا حاول ان يسخره لابراز قوة المعتقد الفكري للشخصية حتى صار هذا العناد سلوكا للبطل عبر ممرات الاحداث التي سلكها.
فالبطل ينطوي على تقاطع بين صوفيته وايمانه المخلص وبين الوعي وعلاقته بتاريخية العصر الذي وجد فيه، ان منطق العصر كما يبدو هو منطق ان تفهم ما حولك وتتعامل من خلال وعي المرحلة بمرونة تصل حد التوفيقية والمهادنة احيانا، أي ان يوظف صفوان وعيه وعلمه لانقاذ شخصه من المطبات والمواقف التي يوضع فيها بالمهادنة والحيادية وما يمكن ان يضمن سلامته من خلالهما.
ان هذا المنطق يتقاطع تماما مع التكوين الفكري لصفوان في اخلاصه لصوفيته المثالية التي تقيس كل الاشياء وكل المواقف بمقياسها المثالي الذي لا يقبل الجدل او الالتفاف حول الاشياء.
ان قوة الاعتقاد هذه جعلت من البطل يتمظهر بسمات وملامح (البطل الثوري) الذي اشار اليه (بروستايت) في كتابه (المسرح الثوري) حيث هو البطل الذي ينطوي على معتقد فكري. وان التطور المنطقي لاعتقاده هو بلورة اطار احقاق الحق والدفاع عنه وصولا الى النهاية الماساوية التي هي غالبا ما يصلها (البطل الثوري) في الاستشهاد من اجل معتقده.
الا ان ما يؤخذ على (صفوان) انه بطل وبحكم انتمائه الى صورة (البطل الحديث) فهو منقاد الى حتمية تاليفية تبدو احيانا قسرية في تكوينها الفني، في محاولة من الكاتب لتطويع شخصية البطل لكي تكون ابنة العصر او ان تكون هي المؤلف ذاته، وبهذا تكون بنية النص بنية انتقادية تحريضية، وهي على اية حال تصب في البنية ذات الخصوصية الثورية التي تنمو عن بطل بمواصفات ومميزات هي في الاغلب الاعم مميزات (البطل الثوري) رغم ايغال الكاتب في اظهار عوامل الضعف في مرحلة النكوص التي مر بها البطل في صراعه الذي بدا بمظهرين، الاول هو الصراع الداخلي المتعلق بالتكوين الفكري للبطل والخارجي المتمثل باحتدام صراع الشخصية بقيمها ومكوناتها مع المحيط (الخارج) عنها بقيمه ومكوناته، في جو من الاحتدام بين الذاتي والموضوعي.
وعليه فان النكوص والضعف في بعض المواضع يمكن ان يكون ضرورة من ضرورات ادامة جذوة الصراع لتحقيق الهدف الفني من الاثارة لدى المتلقي، او ربما هو تاكيد فني حديث على ادمية البطل لخلق الفضاء الملائم لحدوث الخطا وتبرير حدوثه دراميا، وعلى الرغم من ان الكاتب اعتمد في الاصل على حكاية محددة من ادب الف ليلة وليلة، هي (حكاية الخياط والاحدب واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم)*، فان سمة الاطالة والاسهاب في عرض الشخصية (البطل) قد ظلت سمة بارزة وطاغية على مدى النص المسرحي، ولعل الكاتب في طويته يهدف الى تحقيق التوكيدات الدرامية في اغلب الاحوال، ومن خلال هذه التوكيدات يوسع ما يفترشه من ارضية وعي تتشكل من خلالها البنى الفكرية لابطاله، فهو ينحو ذات المنحى في اعماله اللاحقة** ومع ذلك فانه كلما استطالت سمة السرد في استرسالها لدى (زنكنة) كلما اتضح اكثر المكون الفكري لابطاله.
لذا فهو في الغالب يوظف البناء الفني توظيفا يبدو في افضل اواله قصديا لابراز البنى والتكوينات الفكرية للشخصية.
 
 
*  طه سالم، مدينة تحت الجذر التكعيبي، مطبوعة على الالة الكاتبة عام 1967 من 25 صفحة.
*  انظر: محي الدين حميد زنكنة، مسرحية السؤال، الجمهورية العراقية: منشورات وزارة الاعلام، سنة 1976.
*  انظر: نفس المسرحية، ص11.
*  نص المسرحية، ص 15.
([1])  النص نفسه، ص 15.
([2])  المصدر نفسه، ص 19.
([3])  المصدر نفسه، ص 14.
([4])  النص نفسه، ص 5.
([5])  النص نفسه، ص 3.
([6])  النص نفسه، ص 10.
*  طه سالم، مدينة تحت الجذر التكعيبي، مطبوعة على الالة الكاتبة عام 1967 من 25 صفحة.
([7])  د. نهاد صليحة، المسرح بين الفن والفكر، بغداد: دار الشؤون الثقافية، 1985، ص 82.
([8])  ينظر: نص المسرحية، ص 16.
([9])  ينظر: المصدر نفسه والصفحة.
([10])  ينظر: النص، ص 21.
([11])  علي مزاحم عباس، لقاءات في المسرح، حوار مع طه سالم، مجلة الاقلام (بغداد: وزارة الاعلام، 1974، العدد 12)، ص 30.
*  للمزيد ينظر: طارق العذاري، التعبيرية في النص المسرحي العراقي، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الفنون الجميلة، سنة 1992، ص 103-130.
**  جليل القيسي، مسرحيات، سلسلة القصة والمسرحية (96)، بغداد: وزارة الثقافة والاعلام، 1979.
*  من نفس مجموعات المسرحيات 1979، المؤلف نفسه.
([12])  المصدر نفسه، ص 70.
([13]) المصدر نفسه، ص 73.
([14])  المصدر نفسه، ص82.
([15]) المصدر نفسه، ص 75.
([16])  ص98.
([17])  ص 80.
([18])  ص 97.
*  انظر: محي الدين حميد زنكنة، مسرحية السؤال، الجمهورية العراقية: منشورات وزارة الاعلام، سنة 1976.
   * اقصد مسرحيات العشرينيات والثلاثينيات وحتى بعض مسرحيات الاربعينيات-الكاتب.
**  يظهر في ص 29 من النص.
***  انظر وقارن: ارسطو طاليس، فن الشعر، ترجمة ابراهيم حمادة، القاهرة مكتبة الانجلو المصرية، 1977، ص 149-150.
*  ينظر في (الف ليلة وليلة)، القاهرة مطبعة بولاق، 1252هـ، المجلد الاول، الصفحات 73، 74، 75، 105. الطبعة الاولى.
**  انظر وقارن في اعمال الكاتب نفسه-العلبة الحجرية- الاشواك، مساء السلامة ايها الزنوج البيض وغيرها- الكاتب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت