نص مسرحي:" نوح"/ تأليف: حسين السلمان

 
( المسرح عبارة عن سفينة لم تكتمل بعد ..يبدو ضلعها الاكبر في عمق المسرح ممتدا الى جانبيه …هناك بعض الحبال تتدلى من أماكن مختلفة وقد علقت على بعض منها الواح خشبية …عمود كبير في وسط المسرح والى جانبية تتدلى قطعتان خشبيتان مدورتان …يدخل نوح مزمجرا من داخل القاعة متجها صوب المسرح ..)
نوح : الا أيتها البحار بما  أظهرت وما أخفيت..الا أيتها الارض بجبروتك وعظمتك ..الا ايها الانسان ها انت الان وجها لوجه مع الحياة أوالموت.. لقد طفحت خطاياكم وها هي قادمة بطوفان كبير يجرف اوحالكم وقذاراتكم ..شئتم أم ابيتم فأنتم في شؤوم لا محال. ما من قوة لكم في تغير مساري وهدفي، فأنا أعلن رفضي لما تفعلون، لانكم في حضيض الرذيلة ترفلون، لكن عقولكم الخاوية الفاسدة تصوره لكم كأنه النعيم، ما عادت عقولكم  تميز الاشياء، أنها تسقط كجدران متهاوية لا نفع فيها، فما عليكم الا أن تسلكوا حبل الحكمة والسراط المستقيم..آه منكم، لقد ملئتم قلبي قيحا..  لقد دمرتكم الظنون و سلبتكم كل ما هو جميل..وأخذتكم من حيث لا تعلمون الى الرذيلة  والخسة والعار والاثم الكبير..ما من خيار آخر ، كل الاشياء تفنى عندما يحل الطوفان وهو آت لا محال .. لا شيء غير الماء والسماء..وهذا مأوى لكل من آمن وأدرك النجاة والعبور للدنيا الاخرى ..يا ايتها النفس ارجعي الى ربك راضية  مرضية..
(يمر من امامه رجل وامرأة يحمل كل منهما حقيبة سفر في داخلها الكثير من المعدات التي تستخدم ضمن العرض المسرحي مثل الاسلحة الخفيفة والملابس المتنوعة وبعض من الاكسسوارات الخاصة بكل مشهد من مشاهد المسرحية ..نوح يواصل خطبته التي تتزامن  مع جزء من حوار الرجل والمرأة لانه بعد ذلك يذهب الى السفينة مواصلا عمله …)
نوح : أن الذي يريد النجاة عليه اولا أن يصنع النجاة ..لا شيء يأتي من الفراغ..الحياة حياة اذا احترمت قوانينها.. هذا بيان لمن يدرك الحياة ويفهم محتواها وجوهرها (نوح يذهب الى السفينة ويبدأ العمل)
المرأة: ما له يصرخ هذا الرجل ؟؟!!
الرجل : الكثير يصرخون وهم لا يفقهون معنى الصراخ
المرأة: (باستغراب) وهل للصراخ معنى”
الرجل : هكذا يقول أهل الثقافة والفنون
المرأة : اذا الصراخ ثقافة..وماذا تفعل الثقافة للصراخ ؟
الرجل : بل ماذا يقدم الصراخ للثقافة  ؟؟
المرأة : الآن فهمت ..الصراخ يعني الالم  او ربما شيء آخر
الرجل : أو يعني حسب السياسة ..يعني المعارضة
المرأة : (تضحك بقوة)
الرجل :صديقتي ..حرام عليك الضحك فانت امرأة
المرأة : ( مستمرة بالضحك)
الرجل : كفى لا أريد أن أتهم بالرذيلة
المرأة : (تتوقف ببطء عن الضحك) أنت قلت أن الصراخ يعني المعارضة
الرجل : قريب من هذا
المرأة : كان الاولى أن تضحك أنت
الرجل : ولماذا أضحك؟
المرأة : لانك جزء من الصراخ فأنت من المعارضة
الرجل : ( محاولا تغير الموضوع ) أسمعي عزيزتي نحن الآن أمام هذا الذي يصرخ
المرأة : الحياة لها مدبر ، فليسكت وحاله مثل حال الآخرين …
الرجل: ربما به علة مستعصية
المرأة: الا تستطيع معالجته؟
الرجل: ربما لا ،لانه أدمن على مخالفة الناس
المرأة: ولماذا ربما؟
الرجل: اشك في أمره..قد يكون من الدجالين
المرأة: حقا لقد كثر في هذا الزمان الدجل والنفاق
الرجل: ماذا قلت؟!!!
المرأة : صم ..بكم ..وهم لا يفقهون
الرجل: ها قد بدأت النزاعات..ما أجتمع العرب الا وكان النزاع في نهاية المطاف ..
المرأة: (تقاطعه) السلطوية..العنصرية، الطائفية،الاثنية  وكل ما تبقى من التخلف البشري (تهجم على الرجل وتمسكه بقوة) أنتم من دمر هذه الاوطان، لقد كذبتكم ونسبتم الاشياء لغير أهلها  كنتم، ولا زلتم طغاة. والمصيبة انكم تعرفون أن للتاريخ أقدام ذات يوم تسحقكم  كما سحقتم احلام البشر الفقراء..الحرب الجديدة العالمية التدميرية  الشاملة تنطلق من صحراء العرب هذه المرة (تدفعه بعيدا عنها)
الرجل: (ينظر لها مبتسما) ما أحلاك وانت تعتلين منصة بيان الانقلابات رقم واحد.. نحن أبطال الانقلابات والمؤامرات، وها هو التاريخ يتحدث كم من الاوطان دمرنا وكم من الشعوب قتلنا ..وما زال أمامنا المزيد من القتل والدمار في الشتاء والربيع والصيف والخريف (يقترب منها ودودا) أيتها الجميلة..صدقيني لا يليق بك هذا المظهر الخطابي. لقد تغيرت الطرق وتبدلت الاساليب (يتوقف قليلا) ثمة شيء اكبر من هذا أتينا من أجله ..فقط تذكري أنهم  وضعوا لنا بعض من الخطوط  يتوجب تنفيذها ..المنفذون لا يناقشون ،هكذا هي  الاوامر ..نعم .. تظل الاوامر كما هي وكما يريدون..الخطوط واضحة وعلينا التنفيذ (يتوقف ينظر باتجاه نوح الذي يواصل بناء السفينة..يسحب المرأة جانبا..يصرخ)  فكرة (ولكنه سرعان ما يغلق فمه، و بهدوء يهمس) فكرة جميلة
المرأة: (تضحك ) ومتى عرفت الجمال !!!!
الرجل : بسبب جمالك سقطت كل عروش المجتمعات الذكورية، وها أنذا أسقط بين قدميك  في كل يوم ..في الصباح الباكر وفي المساء، في الليل وفي النهار..تذهب خيولي تبحث عن الجمال ..
المرأة: (تضحك) أي مخبول أنت تبحث في زمن مخبول عن حب تناثرت حروفه بين خنادق الحروب .
الرجل : اللعنة على الحب، أنه يفقدنا أهدافنا ..( يمسكها ويأخذها جانبا وهو ينظر الى نوح)
المرأة : عدنا للدسائس والنميمة ..أنها تعشعش في عقولنا منذ ولدنا
الرجل : اسمعي جيدا ..عليك ان تغويه .
المرأة : ولماذا لا تفعلها انت ؟
الرجل : خلقت المرأة لهذا الدور
المرأة : هذا هو التخلف المستدام
الرجل : بهدوء حبيبتي ..لكل زمان رجال او نساء ..والان حان دورك ودور الاغراء
المرأة: (تنظر نحو نوح) وهل يستحق ذلك؟
الرجل: كل الرجال صفر عند الاغراء
المرأة: (تضحك) اعتراف اولي بقدرتنا في ترتيب الحياة…
الرجل : ومن لا يعترف بذلك ..التاريخ يشهد على دورك الاثير
المرأة :(بقوة) انتم الرجال بما فرضتم من قوانين ومهرتمونا بالعبودية واقفال البيوت علينا بجدرانها الكئيبة وقد جعلتم منا خرقا بالية لا تصلح الا لمسح أحذيتكم..
الرجل : (بقوة) بل انتن النساء من وقفن ضد افكارنا وجعلتن رجواتنا اضحوكة للناس…
المرأة:(تهجم على الرجل) يا هذا الا تذكر التاريخ ، خاصة ذلك التاريخ الاسود الرجولي (تفتح حقيبتها وتخرج رشاشة وتصوبها باتجاه الرجل الذي يبدو مذعورا)
الرجل: (بلطف) أيتها الحبيبة العزيزة …
المرأة: لم يعد الاستجداء ينفع بشيء …(تسحب الاقسام ) أستعد ..
الرجل: هذه هي علامات الساعة، قيل ان الحكم يكون فيها للنساء..زمن فيه الرجال يقادون كالاغنام، بل كالحمير ..ذات يوم تجادل الحمار والذئب حول لون العشب ..فذهبا الى الاسد لينهي الجدل ، فاصدر امره بسجن الذئب الذي تسأل عن لون العشب فقال له الاسد نعم لون العشب اخضر لكنك أخطأت الجدل مع الحمار (يهرب والمرأة تطارده وهي تطلق النار بكثافة.مع صراخ وكلمات غير مفهومة يطلقها الرجل والمرأة على حد سواء…حتى تستطيع المرأة اسقاط الرجل على الارض وهو تصوب السلاح على رأسه)
المرأة: أما آن الاعتراف بالهزيمة بعد هذا الدمار والخراب..بلد محتل.. شعب يموت في كل ساعة..موت يصرخ في بطون الناس وأفكار التخلف تنتشر في الشوارع والطرقات جوع وخوف وصراخ لا يسمع ..ماذا ننتظر بعد هذا الموت الكامن في دواخلنا..!!
الرجل: اللصوص لا يصنعون الحياة..أنهم يسرقونها .الطغاة ينشغلون بالسلطة والمال ويقدمون الناس موائدا للحروب (يخرج من حقيبته قميصا عسكريا ويرتديه).. ذهاباً اعد الجحافل التي تُساق إلى الجبهة، أميز أنواع الدبابات، وأصناف المدافع، اعرف الخراطيش التي يستعملها الجنود، محارباً كنتُ بعمر الزهور.. إياباً أعدُّ قتلانا العائدين من المعركة، أعرف بالحدس أين سيذهب بهم سائق التاكسي، وأعرف ماذا يريد الجندي الجالس في مقدمة السيارة، عيناه تهمسان: أن الحرب ستأخذك قريباً فأياكَ وأن تكبر..كنتُ متيماً بلملمة الشظايا، لطالما احتفظت بها في حقيبتي المدرسية، حتى أريها لزملائي الأطفال، كدليل على أن القذيفة النمساوي التي وقعت بعد منتصف الليل أسكتت العائلة المجاورة حتى الطفلِ، أنا بالإنابة ألملم الخراب لعمر مرجأ.. وكنتُ مشغوفاً باللافتات السود، مصفوفات القماش التي ملأت جدران حينا الصغير، منها تعلمت القراءة، أول سورة حفظتها الفاتحة، وأستشهد، وإلى رحمة ربه … ووو، والأسماء التي علمها الرب لآدم كانت تتساقط من شجرة الحياة … أنا الوريث الأصغر لأبينا.. ولم تكن بعدُ حواء..هذا هو التاريخ الذي يكبل ارواحنا ويرمينا في مستنقع الموت.. أيها الاْلم لاتحفر عميقا في خزانة جسدي لن تجد غير اْنقاض وطن وبقايا دمعة معلقة على جدار حياة هشة !!!                      (يرمي القميص ويبكي..تضع المرأة السلاح جانبا وتجلس بالقرب منه وتبكي معه ….)
(هذا المشهد يكون مصحوبا بعرض سينمائي يعرض مشاهد من الحروب التي دمرت الانسان بشكل شامل وعام، كما يمكن ان تكون الحروب  محلية خاصة بالبلد الذي تعرض فيه المسرحية…..)
المرأة: أنهض حبيبي لا شيء يشفينا الا سم الحب الذي يندلق كاغنية رومانسية.. عاشقة أنا، أتدثر بقبلات الصباح ..عاشقة أنا أمضي حيث نهر الامنيات يفتح كل الطرقات..ان الحب لذو فضل على الانسان .
الرجل: إنّي لأعجبُ، كيف لأمةٍ بكلّ تلك القذارة، أن تبدعَ هذا العنفوان الهائل من قصائد الحبّ ….
المرأة: جدال عقيم في زمن عقيم..
الرجل : هذا العقم ينفع النساء أكثر من الرجال
المرأة: خلق الله المرأة …
الرجل: (يقاطعها وقد خطرت على باله فكرة) دقيقة..نحن في هذه الارض أذا تناقشنا فالنتيجة هي الاقتتال وتدمير البلاد..اسمعي ايتها العزيزة، انت وحدك قادرة على  كشف اسرار هذا الرجل وبقدرتك الجبارة تستطيعين افشال  خططه الجهنمية (يسحبها بعيدا عن نوح الذي يواصل بناء سفينته) اسمعيني جيدا واحفظي ما اقوله لك، انه ملاذنا الوحيد بأعاقة أعماله (أكشفي عن نهديك.. أكشفي عن عورتك لينال من مفاتن جسمك..لا تحجمي، بل راوديه وأبعثي فيه الهيام فأنه متى رآك أنجذب اليك. أنضي عنك ثيابك ليقع عليك ..علمي الوحش الغر فن المرأة …)*وما تبقى انت تعرفينه..اذهبي لاداء فريضتك ايتها المكيدة الباهرة ..أنا ذاهب الى ساحة قتالي (يخرج)
*ملحمة كلكامش
المرأة : وأنا ذاهبة الى ساحة قتالي أيضا (تتجه صوب نوح الذي ينشغل في ترتيب السفينة) ايها الجميل ..آما آن للشقي ان يستريح (نوح يواصل العمل..تقترب منه أكثر) أتجول كغيمة صيف تبحث عن ملاذها. وهذا الجسد النابض الا يحتاج الى معنى..ارحلي ايتها الوحوش ففارسي لم يعد يحب الحرب أنه يرقص على انغام رافديه    ويدق طبول ومزامير الحب الجديد.. فحبيبي خلق للحب فقط (تقترب منه وهي تعرض مفاتنها)  ثمة من ينبئنا أننا أحياء..ثمة من يأخذنا الى أغنية ربما  نغنيها معا على بساط اللذة والمتعة (تمسك نوح من يديه وينهض معها مبهورا بجمالها)ثمة من يحمل فراشات الروح في غابة الحب (تسحبه بغنج وعذوبة الى خلف السفينة) تمتع  وأحفر بخيولك هذا الجسد النابض بحبك وغرامك.. تدثر بالقبلات وأسبح في فضاء اللحن وأمضي حيث نهر الحب يفتح كل الطرقات (هسهسة صوتها يتصاعد كالنشيج ..لكن صراخ نوح يتعالى ويخرج مرعوبا صارخا)
نوح: الا لعنة الله على كيدهن..أي مجنون أنا، في زمن الموت أبحث عن وطن مستباح و مجهول تضيع حروفه بين خنادق اللصوص والقتلة..بين الكيد والكيد.. بين الطائفة والطائفة..بين المتخلفين واللصوص..لا..لا..لا          (يصرخ بقوة كالمجنون ويجري مسرعا نحو السفينة ليخرج رمحا متجها به صوب المرأة التي تركع تحت قدميه)
المرأة: أفعل ما يأمرك به العشق والغرام لان روحك تترنح الان ما بين القبول والرفض، أعطف بحبك ولا تكسر مفاتن اللذة فتذهب حياتك هباءا”..
نوح: (يصرخ) كرمية رمح تستيقظ رغبتي في تدمير روحي (يرمي الرمح ليستقر في القطعة الخشبية المدورة التي تظل تتأرجح كعقارب الساعة..نوح يركل المرأة.. ويذهب الى السفينة ويواصل العمل)
المرأة: من اي الصخور خلقت ايها المخبول.!! لو أن هذه الكلمات سقطت على جبال العالم لذوت من عظمة عذوبتها ..ويحك وويح خيولك الخاملات  (تخرج مسرعة)
(نوح يواصل العمل على الرغم من التعب الظاهر على حركته، يرتب بعض الاشياء في جانب من جوانب السفينة .يبدو عليه الانشراح بعد ان رفع أحد الاشرعة .. يستدير فرحا…)
نوح: (يغني) يا حائط ,,أسمعني يا حائط.. يا كوخ القصب، تفهم كلماتي أنفض بيتك وأبن لك ملكا أنبذ الامال وأنج بحياتك ( يعرض مقطع من فيلم (نوح) حيث هو وعائلته يبنون السفينة..فيلم “نوح” انتاج شركة بارامونت2014 إخراج ( دارين أرنوفسكي تمثيل روسل كرو وانتوني هوبكنز)والسفينة التي تبني أحكم بناءها        بحيث لا ترى الشمس داخلها وأحكم سقفها من الاعلى والاسفل ولتكن حبالها متينة قوية ..* (تتوقف الاغنية ،كما يتوقف عرض الفيلم.. نوح وهو قريب من مقدمة السفينة باتجاه الجمهور) يا قوم أني لكم نذير مبين …لم تبق الا سويعات ونبدأ الرحيل (ينزل من السفينة وينتقل من مكان لاخر وكانه يبحث عن شيء ما..يشعر بحزن يضغط على صدره ورأسه ..يجلس قريبا من موقع الرمح الذي لم يزل يهتز….)
*ملحمة كلكامش
نوح: أدرك الله أنه لا يمكن الاعتماد علينا..أننا لا نستحق ثقته..نحن لسنا سوى عبارة خاطئة بلادٌ  تسعلُ أبناءه        صدئتْ مسارب بهجتها. أي رمل هذا الذي أغرى البستان بالرحيل؟ والنهرَ بالعطشِ، والغناءَ بالخرسِ، والموتَ بالمكوث؟ أي جسد يجوبُ المدنَ المستنفرةَ بدمي؟ أتحسسُ وجه الحرائق، أسمعُ صهيل دخان. أضمرُ هاجس النحيب، أستنشقُ غبار موت. أي جسد سألبس؟ وأنا ورقة مخدوشة بالكتابة. كلُّ شيءٍ ميّت، العشب يُوهمُ باخضرارهِ، والزجاج لا يسمحُ بالضوءِ، لم يعد للوجود ضفة أخرى نطلُّ بها على العالم. حتى الهواء. أكواماً من الموتى يدخلون، ثم لا يخرجون. صدورنا مقابر يتخمر فيها الموت، الموت بسماءٍ مليئة بالرصاصِ،  في نار عجوز منطفئة، في موقدٍ أصابهُ الزكام، في ماء حتى كلَّ عن الجريان، في كتاب ماتَ مؤلفه القبيح..وحدي..   محظور من الجولان. أشهر عافيتي بوجه الكأس، كيف يكون الموتُ لذيذاً؟ أعلق الإنتحار من رقبته، كيفَ تكون الحياة ورقةً بيضاء عاطلة..؟ أغامر بالكتابة عن البلاد. جذاذاتي التي كتبتها يدي يدي التي مسحت جبيني جبيني الذي صارَ كتاباً سحبت منه فصل الهواء فمات…
(يدخل المسرح الرجل والمرأة وهما يراقبان حالة الانكسار والحزن على وجه نوح)
الرجل: أنها اللحظة المناسبة للهجوم عليه..أنه منكسر بائس حزين..
المرأة: أنه كالشيطان لا تعرف له وجها أبدا.
الرجل: الشجاعة أخطر سلاح..والحزن يدمر أعظم الابطال..علينا الانقضاض عليه (يحاول فتح حقيبته لكنه يتوقف حينما ينهض نوح بهمة ونشاط..)
نوح : ها انذا أتممت عملي وآن آوان السفر، فمن تخلف مات ..
الرجل : أن الموت قاس لا يرحم ،* هل بنينا بيتا يقوم الى الابد؟ وهل ختمنا عقدا يدوم الى الابد؟ وهل يقتسم الاخوة ميراثهم ليبقى الى آخر الدهر؟ وهل تبقى البغضاء في الارض الى الابد؟ وهل يرتفع النهر ويأتي الفيضان على  الدوام؟
*ملحمة كلكامش
المرأة: (تسحب الرجل جانبا)عن ماذا تتحدث يا هذا !! عجبي عليك !! أنت تلوك عبارات ما قبل التاريخ انتبه لما يقول ..هذا داهية العصر وماكر الدهر…
الرجل : أشم ذلك
المرأة: لا شم ولا نفس ولا طرفة عين..أنه التآمر بعينه قد انبثق دفعة واحدة .
الرجل : أنه يدعو باسم الله !!
المرأة : دعك من هذا وذاك..الا تشم أيها الانف الافطس رائحة التهميش؟
الرجل : ساعقد مؤتمرا كبيرا لاسترداد حقوقنا، لا يمكن لهم السيطرة علينا ..نحن الاقوى. .
المرأة : تسترد الاشياء بقيمتها الفعلية وليس بصراخ المؤتمرات
الرجل : هذا صحيح..لكن علينا أن نصرخ حتى يصدقنا الاشقاء..
المرأة : أي صحيح هذا !!! أنه يريد أن ينفرد بالارض
الرجل : بمعنى يكون سيدنا !!! لا ورب الكعبة لن يكون عبيدنا أسيادنا.. (لا يسلم الشرف الرفيع من الاذى      حتى يراق على جوانبه الدم) (بانفعال يهجم على نوح شاهرا سلاحه) الى أين تريد بنا ؟؟
نوح : الى الرب
الرجل : دعك من ربك هذا ..انت تريد إنهاء البشرية
نوح : رآى الرب أن شر الانسان قد كثر في الارض
المرأة: (تشهر سلاحها وتتقدم نحو نوح) ومن أجل هذا تريد القضاء علينا انت وعصابتك اللعينة..نحن كنز لا يفنى ومعين لا ينضب، واهم من يرى أننا ضعفاء ..نحن جند الله في الارض..
الرجل : انت تتمرد على الاعراف .. بل تريد محو الانسان عن وجه الارض
نوح: الارض أمتلئت ظلما” منه ..كل ما في الارض يموت ..أن قلب الانسان شرير منذ حداثته..
الرجل: هكذا أنت ترى الامر ..فلا تفرض علينا ما أنت مؤمن به..أنها الخدعة التي اتصفت بالوحشية والدمار.. هي خدعة الدين الذي كثيرا ما يدمر عقل الانسان..أنت تخاف منا.
نوح: لا يشعر البريء بالخوف، بل هم المجرمون يجب أن يخافوا، فأذا أردت معاقبة بريء فأحطه بمجموعة من المجرمين.
الرجل: نحن بناة حضارة يا هذا ولسنا بمجرمين
نوح : لا تبني الحضارة بالسلاح والموت ..
المرأة: )صارخة) لقد أستيقظ الموت فيك (تسحب اقسام البندقية)
نوح : لا أكره غيري أحدا..
المرأة : خيول ذاكرتك خبيثة يا هذا، أنت الان قاب قوسين من الموت.الخوف يجعل الناس أكثر حذرا  وأكثر طاعة وأكثر عبودية ..
نوح : (ما هاب قلبي سطوة لمنازل   لكني  من  تافه  أتهيب) *
المرأة : ويحك ..بهذا القبح تديننا !!! انت أذن خارج على القانون …
نوح : لقد اكتظت الشوارع بالجثث وأغلقت الطرق بجدران الموت..فصار قتل الناس بالمجان..عن أي قوانين تتحدثون !!..أنتم تصنعونها وأنتم تخرقونها ..كذب بكذب تتبادلون (ينطلق مندفعا نحو أعلى السفينة)أكتبوا ..          لم يعد للوطن غير حروفه المتعبة أتذكرون  يا أصدقاء حروبنا التي تأتي دون علمنا ؟؟ لم أعد أتذكر كم كنا نرفع رايات الانتصار تصرخ الاذاعات والصحف باصوات مبحوحة: منتصرون …منتصرون لكننا نقبع بخوف تحت تراب الهزيمة وبقدر هذا العدد المخيف من القتلى وهذه البيوت الغارقة بالموت والمدن المستباحة فأنا لم أعد أتذكر يا أصدقائي كم من الحروب خضت وكم من الجروح لعقت أتذكرون انتم؟؟ نعم ..أتذكر الفحم الذي أوقدناه       كان جثث الجنود في حروبنا الاولى ربما  قبل الاخيرة أتعلمون كم ضحك علينا القادة الفحول ونحن نطمر تحت تراب السواتر هل نحن ابناء وطن..أم وطن أبناء؟؟ أصدقائي كل البهائم تعود لاوطانها الا نحن نعود الى مقابرنا                   (ينزل مسرعا متجها صوب الرجل والمرأة  ويصرخ بوجهيهما) أنتما بذور سيئة..بذور متعفنة..الفضلات ممكن أن تكون مفيدة أكثر منكما..
الرجل : وعليه أصدرنا أمرا بإلقاء القبض عليك ..
نوح : الله لا يوجد في القوة ..الله يوجد في الحقيقة
(يعم  الظلام..أصوات اطلاقات نار وصراخ بشري وهروب ناس جماعي مصحوب بدخان كثيف يغطي المسرح بالكامل ونسمع فقط صوت نوح …)
نوح : أيها الناس أسمعوا قولي حتى أعظكم بما هو حق لكم عليّ وحتى أعتذر اليكم عن مقدميّ عليكم، فأن قبلتم عذري وصدقتم قولي وأعطيتموني النصف من أنفسكم، كنتم بذلك أسعد ولم يكن لكم عليّ سبيل، وان لم تقبلوا، فأجمعوا أمركم وشركائكم ثم أقضوا اليّ ولا تنظرون (تدريجيا تبدأ الاشياء بالوضوح حيث يظهر نوح داخل قفص حديدي وحوله يدوران المرأة والرجل وهما يرتديان ملابس عسكرية) الديمقراطية في البلدان المتخلفة تلد لصوصا جهلة لقيادة المجتمع ..
الرجل : اليوم تحاكم بارتكابك جرائم ضد البشرية
المرأة: انت متهم بجريمة إرهاب النظم الاجتماعية والاقتصادية ومحاولات مع سبق الاصرار على إنهاء وجود الانسان..
 ( الرجل والمرأة يرتديان ملابس القضاة و يتخدون مواقعهم وامامهم الملفات الضخمة…)
نوح: اليوم في بلادي تتداخل الازمنة، فلا حاضر حقيقي ولا ماضي صادق  ولا حتى مستقبل..ها هي سيوف الفتوحات تلمع..ها هي البيعات والخلافات وعلي ومعاوية على جدول الغزوات ..هذا العالم مدمن على الفوضى فهو يحتاج الى معنى (يمسك القضبان ويبدأ بالغناء)تحدث بهدوء..فاللحظة سريعة..كالقارب الضال.. ولاننا ننطلق بسرعة.. فتحدث بهدوء.. الحب خيط ضوء..تائه في الظلام.. قريبا …قريبا.. أشعر أنه يقترب.. دع الغد يقترب.. حقا أنه يقترب..فتحدث بهدوء..الزمن أصبح ماضيا.. والحب وجيزا.. والوقت لصا….
الرجل : (يقاطعه صارخا) محكمة…
المرأة : طبقا للمادة أدناه (وأذا حكمتم بين الناس فأحكموا بالعدل) أننا هنا نضع الاشتراطات قبل الاعترافات منطلقين من  مبدأ المساواة والعدالة .
الرجل : ولان ملفات جرائمك كثيرة تمتد من الالحاد حتى المادة أربعة إرهاب
المرأة :وطبقا لكل المعطيات فانت مدان بالمواد التالية (تنظر للرجل الذي ظل ساكتا) تكلم يا رجل..
الرجل: ها نعم.. نعم..ومكروا مكرا” كبارا .وهذا تاكيد صارخ لادانة الانسان والتقليل من شأنه ومكانته التي سنها الله له,,اذا أنت تخالف الباري العزيز
المرأة : و لا تذر على الارض من الكافرين ديارا.. بمعنى ماذا تريد بنا؟ ولماذا تفعل هذا..انت هنا قاتل تريد فناء الارض والانسان
الرجل : واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض ، وانت أكبر الفاسدين ،وهذا ما أكده جميع الشهود
المرأة  : وأضف هذه المادة أيضا ولا تلبسوا الحق بالباطل ..بمعنى أنت من دعاة الدجل
الرجل : أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم..وهذا تهلكة للناس، فويل لك من الله
المرأة: فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ..وهذا أثبات التزوير والتحريف..تحريف ماذا!!! تحريف كلام الله يا كافر ..ويلك من الله العلي العظيم ..يا رب أظهر غضبك على هذا الزنديق الفاجر ..
الرجل: يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد  بالعبد والانثى بالانثى ..وأقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخروجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل
المرأة : كان الناس أمة واحدة
الرجل : نعم أمة واحدة لكنها فيما بعد تشظت لامم ..أنتم دعاة الحرية والسلام الكاذب من دمرتم هذه الامة النبيلة..  يا لمصيبتك..انت يجب أن تعدم عشر مرات، وفي كل مرة يجب قطع عضو من أعضائك ، بل رميك للكلاب ..
المرأة : ( تقاطعه) نقطة نظام
الرجل: نحن في محكمة وليس برلمان
المرأة : (تسحب الرجل جانبا) هل هناك فرق بين البرلمان والمحكمة !! اسمع يا هذا.. لقد تعبنا من توجيه التهم، كما قمنا  بتأجيل القضية لمرات عديدة ..السؤال صديقي: هل اتصل أحد  من  أهله،أقاربه، من كتلته، من حزبه.. تكلم
الرجل : لا أعرف ولا أعلم
المرأة : ولا أنا …اين ذهب الوسطاء !!
الرجل : الله يشهد أنني بريء
المرأة : لا بريء في هذا الوضع ..كلما أقلب هذه الاوراق أشك في نزاهة الضمير
الرجل : أر جوك ..لنعد الى جلستنا
المرأة : نعم ..لنعد (تنظر لنوح..ثم تنظر للرجل) هل يعقل أنه غير مدعوم من أحد..!!
الرجل : ربما أرادوه كبش فداء
المرأة: ونحن نصرخ وننبش في الملفات ونستخرج التهم ..ها..فماذا نستفيد من هذا من يدفع أتعابنا ؟؟ تكلم
الرجل : في الحقيقة كنت أتصور أنه تم الاتفاق معك
المرأة : وأنا الغبية الثانية كنت أتصور ذلك
الرجل : يعني انت لم تستلمي بعد؟
المرأة: وماذا استلم وهو بلا حزب ولا كتلة  و لا و لا
الرجل : أخشى أن لا تعاد سريات الصفقات السابقة
المرأة :  بسم الله الرحمن الرحيم اقسم بالله العظيم وبشرفي أن احافظ مخلصا على النظام….
الرجل : (يقاطعها) يكفي وصلت الفكرة ..لنواصل
المرأة : (تنظر للرجل بعدم احترام ..تذهب وتقف بالقرب منه)الا تخجل  من مقاطعة أعظم قسم برلماني وحكومي ..
الرجل : حفاظا عليك كي لا يتذكر الناس القسم  فيتظاهرون ضدك
المرأة:  (تصرح وتدور في المسرح ) أبد ..أبدا…أشم رائحة مؤامرة ..هذه الحروب مؤامرة..هذه التظاهرات مؤامرة..هذه السرقات مؤامرة..النزاهة مؤامرة..تدمير الوطن مؤامرة …المحاكم مؤامرة..كلنا مؤامرة
الرجل : لا تجهدي نفسك بالتفكير ..وهل يوجد في البلد غير ذلك
المرأة : لنكن بيت حق ولنكن ضد الفاسدين والله على قولي شهيد
الرجل : الفاتحة (..يبدأ بقراءة غير واضحة سريعة…)
المرأة : اسمع (الرجل يستمر بقراءة الفاتحة)أما انتهيت!! هل فاتحتك تختلف عن فاتحتي ..اسمع علينا التخلص منه
الرجل : لا أرى في ذلك مخرجا
المرأة : وماذا نفعل به ؟؟
الرجل : نطلق سراحه
المرأة : ماذا تقول!!!
الرجل : نتركه يتمتع بحريته ..انه إنسان بريء
المرأة : ( بدهشة ) عن ماذا تتحدث؟!!
الرجل : عنك بطبيعة الحال
المرأة: (تهز الرجل الذي يبدو مرحا) يا أنت ..أنتبه يا رجل
الرجل: رجل وليس ككل الرجال ..أنت تفكرين بانهاء الاشياء بالموت فقط ..أما  أنا فأن أفكاري لها شأن آخر..ليت هذا الزمن يظل محاطا بالاسرار لان أرواحنا فاضت به، بل تعثرنا به، لاننا لا نبصر الاشياء..فهذا وطن غارق بموته..فيا ليته يظل محاطا بها..فلقد هتفنا كذبا وسرنا بدرب السائرين .. أشعر بالتعب فدعيني أتوضأ بجمالك…
 المرأة: (تتابعه وبهدوء..تقترب منه) أها ..يا لجمالك ..شويعر يتقافز في الساحات بحثا عن قصيدة..كفاك مسخرة.. ما من قوة في العالم أفضل من القتل..أنظر لخارطة الموت في بلدان العرب الا تجد القتل سيد الموقف.. أذا أردت أن تضمن بقائك فاجعل ظلك مهيمنا على الناس واجعل لسانك سليطا كالسيف و لا تترحم على الاحياء، بل على الاموات لانهم سلاحك في قتل ما تبقى .
الرجل: جميلة أنت حتى في الخطابات الحماسية..هذه خطبة يجب أن تدخل المناهج الدراسية..أسمعي عزيزتي أيهما أفضل قتل واحد أم مجموعة ؟
المرأة : ربما شخص يعادل أمة ..
الرجل : انتهى هذا الزمن ..الان الكل سواسيه لم تعد الامة تنجب الابطال
المرأة : والحل ؟؟
الرجل : نطلق سراحه
المرأة : وبعد !!
الرجل : نكتشف المؤامرة وحينها نجعلهم في دمائهم يغرقون
المرأة : (تنظر بدهشة وتعجب ..تتفحص الرجل …تدور حوله …وفجأة تصرخ)هكذا يولد الابطال في المجتمعات الديمقراطية ….يا هذا انت مطلق …
(تتوقف عن الكلام  فنوح غير موجود في القفص)
( بحركات بلهاء يقدمان مشهدا يظهر أن لا سلطة تحكم البلد وأن هناك قوى متعددة تحكم البلاد.. أنها الفوضى في  كل شيء..فنوح فتح قيوده لوحده وخرج امام أنظار الجميع)
المرأة: هكذا أذن لا شيء تحت السيطرة ..كل ما أعددنا له يذهب هباء” منثورا”.. لا يمكن للحمير أن تقود الحمير لان سالبا مع سالب لا يلتقيان ..تكلم يا بطل السلطة والانتخابات
الرجل : (ينظر للمرأة ويتجول بنظره الى المكان ثم فجأة يصرخ) يا ..يعيش (يتلفظ بكلمات لا يجب أن تكون مفهومة ويلقيها على شكل خطابات)تا.. تسقط (يكرر الحالة السابقة) يا ..يعيش تا …تسقط (يكرر ذلك مع حديث المرأة بصوت منخقض)
المرأة : أؤمن بكل الاكاذيب شرط أن لا يقولوا لي أن هذا وأمثاله يصلحون للوطن.لا شيء أسوء من خيانة الضمير فالرصاص الغادر يقتل أفرادا لكن موت الضمير يقتل أوطانا”.
الرجل : لن ولا أترك الامر يخرج من يديّ، فانا أمتلك كل ملفات الدنيا والاخرة ..لا يمكن أن يفلت من قبضتي أحد ما ..ها هي السيوف تلمع وتستعيد عصر الغزوات ها هي الخلافة والبيعة في زمن العبوات والمفخخات تستعيد نشاطها  من جديد ..يا.. يعيش..تا..تسقط (يخرج من المسرح وهو يردد ذات الكلمات )
المرأة: ( تبقى لوحدها..تدور داخل المسرح وقد ارتدت ملابس الام يتحول المسرح الى ساحة او مكان ما بعد تفجير هائل وكبير.. كل شيء تحول الى خراب ..من بين هذا الدمار تأخذ شيئا  أشبه بطفل محترق ..أنه رماد الموت) ديللول..ديللول.. يا وطن ديللول..غالي تظل أنت..والشعب ديللول (عرض سينمائي عن الخراب والدمار في العراق) كل شيء يتكرر بغباء..كل شيء خريف..كل شيء يسقط في الفشل الذي أصبح عنوانا لكل شيء .. وطن بلا قلب كالخرافات يسير، كالاعداد الصماء كاذب من يعرف مصيرنا ..أذا لنغني معا أغنيتنا الاخيرة فأنت مهاجر مثلي  ايها الوطن..المتوحشون يسيطرون على الحاضر والمستقبل، فعمر الانسان لا يرتبط بما عاشه في الماضي، أنما بما ينوي أن يعيشه في المستقبل..أخبئ في روحي موسيقى القلب، فلم يبق غير الحنين..حنين ربما ينتمي الى الاسى.. يا من تعطف عليّ ، يا من تقدر على زرع الكبرياء في دم الحقير..ساعدني على فتح فمي الذي يصرخ بصمت، وأعطني حريتي حتى لو كنت أبكي وأنتحب..حزينة أنا كقمر الفقراء. ذليلة أنا كجوع الفقراء.. فلمن أشتكي وأنت مسلوب الارادة يا وطني.. ما الذي حدث؟؟ لم  يعد الوطن يتسع لاحلام أهله!! مهاجرة أجمع ما تبقى من تاريخ مرمي على صحراء روحي لاصنع قبرا وأهاجر فيه، فجسدي  سادتي الاحياء أصبح  مقبرة    وطن..
(يدخل الرجل وهو يحتضن نوحا.. يعود ديكور المسرح الى ما كان عليه قبل مشهد التفجير..المرأة تغير ملابسها الشعبية..باستغراب تنظر لهما)
الرجل: أهلا ومرحبا بك عزيزا مكرما.. لقد حللت في أرضك وفي بلدك ..كفاك غربة انت لا تستحقها…يا صديقي يحكى أن في بابل ذات يوم أطلق أحد الشعراء  ريح بطنه .فانتشر الخبر بسرعة البرق وأصبح تاريخا لكل حدث..  وهاجر هذا الشاعر خجلا من حالته الطبيعية.. وحين عاد بعد عمر طويل ليسأل عن داره فقيل له بعد الضراط أم قبل الضراط.. أهلا بك يا صديقي قبل وبعد هذا كله (يصرخ بصوت جهوري) أهلا بالمناضلين الكبار.
المرأة : لا يخدعنك هتاف القوم بالوطن،  فالقوم في السر غير القوم في العلن *  أكتبوا رجال التاريخ لم يعد للوطن غير حروفه.. من عارضني قبل ساعة أّعاشره بعد ساعة وكان الله يحب المحسنين ..أيتها السيدات والسادة انتهت الحفلة ..الراقصون أغلقت أبوابهم وها هم يستبدلون براقصين جدد..ليس كل من حصل على منصب قادر        على الاصلاح أذا لم يكن الاصلاح في جوهر ذاته
*الرصافي
الرجل: مسكين هذا الرجل الوديع، لقد ظلم من حيث يدري ولا يدري .. هكذا القادة يعمرون ولا يفكرون بالارباح والفوائد..نعم ان يكرهك الناس  لصراحتك خير لك من أن يحبوك لنفاقك .. نعم هذا جميل (المرأة تراقب باهتمام حركات الرجل الذي يبدو متملقا) لهذا عزيزتي علينا أن نعقد جلسة تميز لقضيته، للعفو عنه مع تقديم اعتذار         واسترداد أمواله المنقولة وغير المنقولة …وديع انت يا صديقي..أطمئن فأنت بأيادي لا مثيل لها في التاريخ ..
المرأة: هكذا …يوم سجين وآخر طليق وفي الحالتين هو المستفيد..نحن لسنا بشرا، نحن مجموعة بهائم تحكم بعضها البعض، لصوص تتناوب على الحكم بقشرة المدنية والحضارة لكنهم حمير يقودون المجتمع ..فمنذ خط الانسان خطته وقال هذا ملكي بدأت مرحلة الحيوان في الانسان ..
الرجل : أتعرفين بماذا أؤمن؟
المرأة : أنا لا يعنيني ما تؤمن به، يعنيني ما الذي تفعله بهذا الايمان..تبني أم تهدم، تظلم أم تعدل ، تسلب أم تمنح، تحب أم تكره، تحرر أم تستعبد (تتقدم نحو نوح الذي يتابع بدقة مجريات ما يحدث أمامه) أهلا وسهلا بكم .. وعلى مقام شرفكم الرفيع نقدم حفلنا المتواضع ترحيبا بعودتكم سالما غانما ..هل هناك نقص في الاموال والممتلكات؟؟ حسنا كل شيء على ما يرام ، السلطة بأدينا وليحترق الكون..تصفيق.. ليبدأ الاحتفال (تخرج مسرعة)
الرجل: لا تخف يا صاحبي و لا تحزن ..كل شيء سيعود الى نصابه..دعني أصارحك  واقول لك قولا خاصا .. نحن يا صديقي نصنع الكثير من المجرمين الظالمين، ثم ندعو الله أن يخلصنا منهم، فهذه الافة نحن ربيناها في المجتمع، وحتما ذات يوم ستأكلنا في النهاية ..
نوح : نعم التفاحة لا تسقط بعيدا عن الشجرة
الرجل : أحسنت وبارك الله فيك، أنت على سراط مستقيم..شكرا لك حبيبي لهذه الحكمة المباركة التي سأعلقها في كل الشوارع والدوائر
نوح : ما يحدث في الشارع لم يكن نتيجة أيمان حقيقي..أنه شكل من أشكال الايمان الكاذب لانه لا يأتي سلوكا واقعيا يمارسه الانسان في مفاصل حياته اليومية
الرجل : أنت حقا عبقري كبير ..نعم ..نعم هذا أعظم تفسير لوضعنا الراهن..
نوح : ليس المهم تفسير الوضع، فالاهم تغير هذا الوضع
الرجل: ما أحلاك ..ما أجملك ..ليسمع العالم هذه الافكار العبقرية ..ها هو الخير يهبط علينا دفعة واحدة.. ها هي السماء تفتح ابوابها  ليعم الارض الخير والبركات والرزق الوفير ..عاش (يتوقف) اسمك الكريم ..
(تصدح أغنية “لو رايد عشرتي وياك  حجي الجذب لا تطريه” تدخل المرأة وقد ارتدت ملابس الرقص ..والرجل يقرع على الطبل ..والمرأة تؤدي رقصتها الشرقية…نوح يتنحى جانبا وهو يراقب…)
المرأة : آه ما أسعدني اليوم .هذه أول رقصة قدمتها في حياتي ..أنا أرقص فقط للصادقين المخلصين ..هنيئا لك صديقي (تؤشر باتجاه نوح الذي يتحرك ببطء نحو السفينة) لقد كنت جمهورا رائعا يتمتع بذوق فني رفيع.. فالجمهور بدأ ينحسر من هذا المسرح الجميل لانهم جعلوه أميا”هنيئا لك متعتك وما ملكت ايمانك الحلوة سيدي الجميل
الرجل : استطعت تغير سلوكه وأعداد خواصه بما يتلاءم مع ظرفنا الراهن
المرأة : لا تتعب نفسك صديقي الودود نحن لا نحتاج لتغير السلوك لاننا  غادرنا الانسانية ، فلا يمكن للحيوان أن يحكم بقوانين البشر، كما لا يمكن للبشر أن تحكم بقوانين الحيوان …
(يسمع أصوات هدير مياه قوية ..يمكن استخدام العرض السينمائي، كما يمكن استخدام مشاهد من فيلم نوح )
نوح : (يصعد فوق السفينة ) يا قوم أن كان كبر عليكم مقامي ..
الرجل : ويحك !! ما هذا!! هذه خيانة يا رجل ..لقد اتفقنا على تسوية الامور
المرأة : ألم اقل لك لا تحكمنا غير الغرائز الشريرة
الرجل : وماذا نفعل ؟!!
المرأة : كل منا يذهب لاسياده لعلهم يجدون مخرجا
الرجل :يا أيها الاحتلال ..يا أيها التدخل الاقليمي..يا أهل الحدود والجوار
المرأة : لماذا تنادي الخارج؟
الرجل : وما حيلتي؟
المرأة : عليك أولا بالداخل لان الاصلاح يبدأ من الداخل ..من هنا يا سيد
الرجل: (منتفضا) اتركيني فالدارُ مقفرةً.. والصدى يتردّدُ ما بين جدرانِها.. مثل أغنيةٍ ضيعتْها القلوبُ..فتاهتْ            ولم يبقَ منها سوى نغمٍ باهتٍ..حائرٍ في المكانْ .الدارُ مقفرةً .. والغبارُ يجلّلُها..وهي بين الصدى والغبارِ تراوغُ مجرى الزمانْ . شاختِ الدار،شاخوا فشاختْ، وفرّوا بعيدا، فلمْ يبقَ منهمْ سوى..أثَرٍ من دمٍ يابسٍ..وشميمِ دخان
(يتصاعد هدير المياه ….)
نوح : فأجمعوا أمركم وشركائكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمّة ثم أقضوا اليّ ولا تنظرون (تهطل الامطار الغزيرة والبرق والرعد …كل شيء مخيف ومرعب) وفتك الطوفان في شدته الناس كالحرب العوان..وصار الاخ لا يعرف أخاه.. ولم يكن الناس ليميزوا من هول الهلاك..خار عباب الطوفان كالثور الوحشي.. وكان صوت الطوفان كنهيق الحمار الوحشي.. وغطى الناس الظلام ولم تظهر الشمس
الرجل : لم يعد للانبياء مكان في هذه الارض
المرأة : وما أتبعك الا أراذل الناس
الرجل : لقد جادلتنا فاكثرت الجدال
(الرجل والمرأة يخرجان ..)
نوح : لا ينفعكم نصحي ..حتى أذا جاء أمرنا وفار التنور، قلنا أحمل فيها من كل زوجين أثنين..أركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها (يرتفع الطوفان حيث يشتد البرق والرعد والامطار.. نوح  يرتب بعض من حبال وأعمدة في السفينة حيث يبدو عليه الفرح والسعادة..(مقطع من فيلم (نوح) حيث الامواج تقذف السفينة يمينا ويسارا)  أقاطع كل الطرقات وأسير حيث لا تسير الطرق، فنهر الحب يفتح كل فضاءات الدنيا، أن الحب لذو فضل على الناس ..أنا الان ناسيا كل ما تقدم عاريا كالورود، لكن جل ما  أخشاه ان لا يفسدا على هذا السفر الباحث عن انسان  جديد، فالناس تخشى ما لا تفهمه ها أنذا أطلق أشرعتي تاركا وحشة الموت لتشرق روحي بشباب الخلود..
( يدخل الرجل والمرأة …كل منهما يحمل حقيبة ..)
الرجل: أسرعي فالزمن يحاصرنا والوقت يدركنا
المرأة : اشد ما يقلقني هو انني لم أعد أميز هل هذا واقع أم خيال !!
الرجل : من لا يتقاعل مع الواقع لا يمكن أن يدرك الاخرين ،فالخيال ضرورة الواقع
المرأة : (تحاول ارتداء ملابس واقية عن الغرق) تمهل حتى أكمل ترتيب هندامي
الرجل : هذا لا ينفع .فلقد غرق الشباب والاطفال والنساء في ماراتون هجرة العرب.. سيدتي نحن في زمن لا يقبل التأخير ..سائر هو والحليم ذلك الذي يدركه باحترام
المرأة : هل تتحدث عن السعادة ؟
الرجل : كلا سيدتي ..لم تعد السعادة مهمة ،لان الحرية أغلى الاشياء المفقودة  هنا وفي هذه اللحظة .
المرأة :اذا عن ماذا تتحدث!!
الرجل : لاشيء سيدتي ..أحدث نفسي عن هول الخراب القادم ..هذا الجسد سيقطع الى أجزاء متحاربة الى ابد التاريخ
المرأة : لم اسمعك ..ما هذا العصف ؟؟أهو أنفجار مفخخات أم عبوات (تنظر نحو نوح وهو يحرك السفينة)          ما لهذا الرجل دائما على عجلة من أمره !! (تتحرك نحو السفينة) قف يا هذا ..نحن نريد أن نسافر معك ..يكفينا هذا الانتظار..
نوح : كلما غطى الفساد أرض أوروك هبطت نيازك الله تحرق المفسدين .. ففي الزمن الضائع صار الوطن سهلا بسيطا لذا كانت الخسارة فنا سهلا يمكن ممارسته من قبل الجميع..فالعالم هذا يحتاج الى معنى،لانه أدمن الفوضى، لان الزمن أصبح ماضيا والحب وجيزا والوقت لصا..كم علي أن أشطب من هذه الدنيا، فالانسان لا يتعلم شيئا من الفوز،بقدر ما يتعلم الكثير من الخسارة.. ملح الوطن يتوسدني فأستغيث به، رحماك أطلق أشرعتي فالجدب أضناني ..
المرأة : يا رجل لا تكن أنانيا  وتفكر بنفسك فقط
الرجل : ليس من شيمة العرب ترك الضعفاء
المرأة : الى اين تغادر ..هنا كل كنوز الدنيا
الرجل : أنت القائد …وأنت الزعيم ….وانت قدر هذا الوطن والشعب
نوح : أخشى على نفسي أن يحتويها المال السائب ..لن تصعدوا هذه السفينة حتى يستبدلكم الله بقوم آخرين .. قتلتمونا ذات يوم ..وتقتلوننا ذات يوم وتستمرون في قتلنا حتى اليوم..وجل ما أخشاه أنكم لن تغيروا أنفسكم ذات يوم ..لقد حرقتم كل شيء ..ما عاد للجمال بيتا يأؤىنا…قتلتم كل ما هو مفيد ..ويل لكم من اوطانكم التي دمرتموها..المشهد انتهى. كل شيء انتهى.. تعال …تعال نغني أغنيتنا الاخيرة..فأنت مهاجر أيضا يا وطني العزيز.. فالزمن ينفينا والمكان يجرحنا ..
(تتحرك السفينة باتجاه الجمهور..الرجل والمرأة يركضان خلفها حيث تتساقط بعض من الاسلحة من حقيبتيهما                 وهما يصرخان بكلام غير مفهوم… يتوقفان ويشهران السلاح ..)
المرأة : أنت خارج عن القانون وحق عليك الحكم.
الرجل : هي لنا وحدنا ولن نعطيها ..سنجعلها بداية دم لا ينتهي أبدا
 (يسحبان أقسام السلاح ويهجمان على السفينة وهما يطلقان النار بكثافة )
المرأة : أقتلوا الخونة  سراق الشعب
الرجل : دمروهم ولا تجعلوا لهم ذكرا ..
المرأة : أن هجرة الوطن جريمة عقوبتها الاعدام
الرجل :يا ايها الناس أذا جاؤكم فاسق …
المرأة : هذا لا يفيد القتلة ..لنطلق النار وبئس المصير …
 (المرأة و الرجل يطلقان النار بكثافة..يتحول المسرح الى ساحة حرب ضروس ..قذائف مدافع ..ازيز وقصف طائرات..صرخ وعويل ..وحرائق كبيرة تعم المسرح بكامله …)
                                           وتغلق الستارة …………
 
 
 
 
 
 
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت